الفصل الخامس والاربعون: الأعتذار للأميرة

من حسن حظكم اننا اخرجناكم من دائرة القمر الأحمر في الوقت المناسب وإلا لفقدتم عقلكم الى الأبد .... أحد تعاليم مدينتنا والتي رفضتم ان تعرفوها، أنه حيث يمتزج نور القمر بالنور الأحمر يتحول

النور الى ظلام، فأبتعدوا الأن ان لم تمانعوا .... والأن رافقتكم السلامة.

وقفت مرح على قدميها وسارت بسرعة وقالت بنبرةالامر الحاسم:

هيا ياحسن !!

علمت أنها لا تريد أن تمنحني فرصة للبدء بأي حديث مع الأميرة ... سرنا من حيث بدأنا، فأخذت أضحك وشر البلية ما يضحك، وقلت لمرح:

هل يمكن أن أحدثك ( إن لم تمانعي) ؟؟؟

ابتسمت مرح وقالت :

تفضل (أنا لا أمانع) ؟؟

هل يمكن ان تخبريني ماذا ستفعلين الأن "ان لم تمانعي"؟

بصراحة إن لم تمانع فأنا لا أعرف؟؟

لدي أقتراح، لماذا لا نبقي في حديقة الأميرة بدلا من ان نعود اليها مرغمين "ان لم تمانعي"

هل يمكن ان اطلب منك ان تخرس "أن لم تمانع"

لدي خطة "إن لم تمانعي" اعود أنا الى الاميرة، فربما استطيع ان اكشف بعض الاسرار؟؟

قالت مرح ساخرة:

اي نوع من الاسرار تريد ان تكشفه لدى الاميرة، أخبرني "ان لم تمانع"؟

كل انواع الاسرار وخاصة تلك الاسرار البارزة والتي اتوق لكشفها طبعاً ان لم تمانعي؟

أكيد باندارا لن تمانع ان تكشف اسرارها البارزة والغير بارزة .. هيا عد اليها يا "حسن ياابو النسوان" وان لم تمانع سأقصف رقبتك.

والان يامرح ماذا سنفعل؟ هل سنسير في طرقات المدينة (ان لم تمانعي) الى مالا نهاية.

وعلى ماذا تستعجل، فلدينا عام كامل نقضيه في هذه المدينة كما قالوا، فدعنا نرى ماذا سيحدث.

سرنا من طريق الى اخر ، واخذنا نحذر كل شئ ، ونتخيل ان كل شئ في هذه المدينة مسحور، ويعيدنا الي حديقة الاميرة ....

اقتربنا من احدى الطرقات العريضة المرصوفة بالذهب،وعلى جانبي الطريق لوحات رخامية سوداء صغيرة وكبيرة تحوي كتابات بمئات اللغات خطت بلون الذهب إمتدت على مسافة مئات الامتار،

والعجيب اننا استطعنا قراءة الكتابات من حيث نقف ....

قلت لمرح:

هيا ندخل هذه الطريق فهي حتماً مسحورة وستعيدنا الى حديقة الاميرة ....

ضحكت مرح وقالت:

لدي نفس الشعور، ان دخلنا هذه الطريق فسنعود الى سمو "ان لم تمانعوا".

واتفقنا ان لا ندخلها وسرنا من طريق اخر ولكن بعد مرورنا بعشرات الطرقات تكررت رؤيتنا لطرق مذهبة مشابهة لتلك الطريق التي رأيناها في السابق.

ضحكت مرح وقالت:

هيا ياحسن لنعود الى بندارا

دخلنا الطريق ونحن نضحك .. ولكن دقائق مرت دون ان يحصل شئ .. وسرنا اكثر واكثر، وادركنا ان الطريق فعلا مسحورة فهي لا تنتهي.


مرت ساعات ونحن نسير، ولكن دون جدوى، يبدو ان الطريق تسير معنا او اننا لا نسير ونظن اننا نسير، وبدأت الشمس تنسحب معلنة موعد الغروب

وما ان مال قرص الشمس الى الاحمرار حتى عكست الطريق صورة قرص الشمس لنصبح نحن داخل قرص الشمس او ان الطريق تحولت الى شمس، ولم نحتمل اقتراب الشمس منا ولم نستطع ان

نخرج من الطريق، وبدأنا نشعر ان الشمس تأخذنا معها . . . .



دوار، صداع، هلوسة، لم نقاوم ، خيط رفيع من الامل وهو الذي تبقى لنا . . أن تتدخل الأميرة بندارا لتخرجنا ولكن الاميرة لم تتدخل . . . .

ازداد العذاب ومر الوقت، وانتهى الكابوس ولا ادري ماذا حدث وكيف وصلنا الى حديقة الاميرة، واطلت الاميرة من جديد وقالت:

من حسن حظكم اننا اخرجناكم في الوقت المناسب وإلا لذهبتم مع الشمس

فمن تعاليم مدينتنا والتي رفضتم ان تفهموها " انه حيث يلمع بريق الذهب بغروب الشمس ينعكس الشر، فابتعدوا عنه ان لم تمانعوا" والان قبل ان اقول لكم مثل كل مرة "رافقتكم السلامة ان اردتم"،

أذكركم بانكم خرقتم تعاليم مدينتنا أربع مرات، وربما لم يبقى امامكم إلا فرصة او اثنتين، وربما عشرة او الف، وعندها ستجدون انفسكم في مدينة الشمس، وربما لم يعد هناك مجال لخطأ جديد، او ربما

كان، فهذا يعود اليكم الان . . . رافقتكم السلامة ان اردتم.

وعادت الأميرة من حيث أتت، والتفتُ الى مرح لأجدها مازالت في دوار، وخاصة انها لا تحتمل الشمس ولم تعتد عليها من قبل، وقلت لمرح:

أعتقد اننا وصلنا الى النهاية، ويجب ان نواجه الحقيقة، فكل الطرق تعيدنا من حيث بدأنا . فلا داعي لمزيد من التيه وتجربة الشمس الأخيرة كافية لي ولكِ واثارها مازالت على محياك، انه من الجنون ان

نستمر بهذه الطريقة.

فقالت مرح وقد بدى على صوتها الارهاق والتعب:

حسن لقد دخلنا لعبة خطرة منذ البداية، وانت وافقت على ان تسير خلفي وتترك لي معالجة الامور بالطريقة التي أرتأيها، فدعني أفعل ذلك بطريقتي وثق أني أعلم ماذا أفعل وماذا سأفعل.

فقلت لها:

مرح . . . ولكن . . . .

قاطعتني وقالت:

بدون ولكن !!!


افعلي ماشئتِ، فوالله لن تقودينا إلا الى الجحيم يامرح ....

ان لم تمانع .... سأفعل.

لا امانع يامرح .......

سرنا من جديد، وخضنا تجارب جديدة في هذه المدينة الفريدة، التي أصبحت أشك في كل شئ فيها، فمانكاد نقترب من شئ، حتى نجد أنفسنا قد عدنا دون أن ندري ، وبعد ان تلقنا درساً، الى حديقة

الأميرة بندارا، لتطل علينا وتعيد الموشح المعروف، وتختمه بكلمة أخيرة ... رافقتكم السلامة.

عشرات المرات عدنا الى حديقة المدينة، وبدأنا من جديد ... أنعكاس النجوم في الماء وتكرارها "شر"

كثرة الظلال للشئ الواحد "شر"، الصوت المتقطع وصداه شر، وغير ذلك الكثير في عالم الغرائب هذا ......

تعاليم المدينة التي تحرم الاقتراب من هذه الأشياء وتترك لشخص حرية الأقتراب منها إن هو شاء .... برغم المحاولات الفاشلة التي استمرت اكثر من ثلاثة أسابيع إلا ان مرح لم تمل المحاولة من جديد

والاميرة بندارا أيضاً لم تمل من أستقيالها لنا يوميا، لتعيد علينا نفس الكلمات، ويبدولي ان مايحدث ماهو إلا نوع من تحدي الكبرياء بين الاميرة بندارا، والجنية مرح ... لم أعد أقوى على احتمال المزيد

من هذا الجنون، وهنا قررت ان أتوقف، وان لا استمر في اللعبة ... قلت لمرح :

- لن أتحرك من هنا ، لا تحاولي ان تقنعيني ، لقد تعبت وكفاني ما حدث.

حاولت مرح ان تقنعني بضرورة الأستمرار حتى النهاية مهما كلف الثمن، لكني أغلقت أذناي حتى لا أسمع، وحاولت مرح ان تقنعني اكثر من مرة، ولكني رفضت ورفضت، حتى يئست مرح من محاولة

اقناعي، وقالت بلهجة حزينة:

- حسن أرجوك، أسمعني جيدا، انا بحاجة أليك مثلما انت بحاجة الي، ان توقفت الان ستدفع الثمن غاليا، يجب ان نحاول ونحاول حتى نجد شيئا، افهمني ارجوك .....

- لن أتحرك من هنا مادمت سأعود الى هنا، وقد تعبت من مجاراة غرورك وكبريائك ....

- إذا ماذا تقترح ان نفعل ايها المجنون.

- نجلس مع الاميرة بندارا ونعتذر لها لتعرفنا قوانين هذه المدينة، بدا إضاعة الوقت والجهد وماستعنيه من الم .....

- ان كنت تصر، فتعال نقوم بمحاولة أخيرة، وإذا فشلنا فأفعل ما شئت.

- رغم قناعتي بأنها مضيعة للوقت إلا اني موافق.

بدأنا نسير طريقنا من جديد، إلا ان مرح هذه المرة لم تعد تبحث عن طريق جديدة، بل عادت الى المواقع القديمة والتي جربناها من قبل، وكانت تعيدنا الى الحديقة، واخذنا نتجول في نفس المواقع عدة

مرات وانا لا أفهم ما الذي يدور في خاطر مرح ولماذا تفعل هذا .....

توقفت مرح وقالت لي :

- حسن لا اعتقد انك ستنسحب لتعطيها فرصة لتشمت بي، سنكرر المحاولة عدة مرات حتى ننجح.

- لقد أتفقنا مرة واحدة ومن ثم تتنازلين عن غرورك .

- لست انت الذي يقرر، ستفعل ما امرك به، "وخليك شاطر علشان ما ازعل منك"

- لن يحدث هذا يامرح ......

- سترى من الذي يقرر في النهاية، انت يا ابن البشر ام مرح.

قلت لها ردا على أستفزازها وغرورها:

- لقد قررت وسأعود الان الى الحديقة وافعلي ما شئتِ أيتها المغرورة ....

ضحكت ساخرة وقالت :

- تفضل عد أيها المهزوم !!!

قلت لها :

- أذهبي الي الجحيم



وعدت ادراجي الى الحديقة. واخذت تصرخ علي :

- حسن لا تفعل، لا تدعها تشمت بنا ايها الغبي الحقير، لا تفعل.

وصلت الى الحديقة وهي مازالت تشتم وتطلب مني التراجع، وان لا اترك فرصة لبندارا لتشمت بنا، توقفت والتفت الى الخلف وقلت لها :

- مرح ... غرورك وكبريائك وعجرفتك ستدمرنا .....

- حسن، أتريد ان نعتذر لها، لا تكن مجنونا، ستشمت بنا ان فعلنا .....

- لا تعتذري حتى لا تشمت بك، سأعتذر انا عني وعنك، فأنا لا يهمني، هيا فلا خيار امامك لقد قررت ولن أعود عن قراري ......

ويبدو ان مرح استسلمت للامر الواقع ودخلت معي البرج، وأستقبلتنا الفتاة وادخلتنا لمكتب الأميرة، وبعد لحظات دخلت الأميرة وجلست وقالت :

- اهلا وسهلا بكم، يشرفني انكم عدتم.

قلت لها :

- أيتها الأميرة .....

قاطعتني وقالت :

- نادني بأسمي ....

قلت لها :

- عني وعن مرح نعتذر لك عما بدر منا من خرق لتعاليم مدينتكم، ونتمنى ان تقبلي اعطاءنا فرصة جديدة لنتعرف على تعاليم مدينتك حتى لا نخالفها.

ابتسمت وقالت:

- قبلت أعتذارك انت، ولكني اود ان اسمع منها ان كانت موافقة علي هذا الأعتذار؟

قلت :

- نعم هي موافقة.

قالت الأميرة لها:

- اصحيح انك موافقة؟

اشغلت مرح نفسها بمداعبة شعرها واللعب بأظافرها دون مبالاه، وهي تتظاهر بانها لم تسمع ...

كررت الاميرة كلامها لمرح عدة مرات، وبقيت مرح تتجاهل ما يحدث بطريقة أستفزازية ...

صرخت بمرح :

- مرح .. مرح .. الا تسمعين !!!

التفتت مرح وهي تبتسم وقالت :

- مالك ياحبيبي على شو زعلان ؟؟

قلت:

- الأميرة تسألك ان كنت توافقين على الأعتذار؟

قالت بأستخفاف :

- أنا أعتذر؟ شو الي بتحكيه ياروحي؟

قلت بلهجة هادئة محاولا ان الطف الجو :

- الأعتذار للأميرة لأننا خالفنا تعاليم مدينتها !

قالت :

- شو صارلك ياحبيبي؟ انت بتعرف ان مرح ما بتعتذر لحدى مين ماكان يكون .

هنا علمت ان مرح خدعتني ... وابتسمت الأميرة وعيونها تشع غيظاً وقالت :

- كونته ياصغيرتي، كانت لديك الفرصة لأن تنتصري علي ولكنك خسرتي، فلا تكابري ..

قالت مرح بأستخفاف أكبر :

- ياحبيبتي ... هيك شاطرة وبتعرفي اسمي، ليش ماناديتيني فيه من الأول، بس ياريت تناديني بأسم مرح علشان بيلبقلي اكثر.

سخرية مرح من الآميرة بهذا الشكل انذرت بحدوث حرب لابد منها، ولا يمكن تفاديها، ولم يكن بأمكاني عمل شئ سوى الأنتظار والترقب ..

ردت الاميرة وكان واضحاً أنها مستفزة :

- ياكونته، لقد خسرتِ ومازلتِ صغيرة، ودهاؤك وذكاؤك لن يسعفاك هذه المرة، غرورك قادك الى الهزيمة، لقد كانت امَامك الفرصة لتنجحي بالخروج من مدينتي، ولكن هاانتِ تعودين الي.

ردت عليها مرح :

- انا لا أعرف الهزيمة، ولن أعرفها، وايضا حينما اهزم ، لا أخجل من الأعتراف بالهزيمة، شريطة ان يكون الذي سيهزمني أفضل مني، وانتِ لست بشئ لتهزميني، ولن تنالي هذا الشرف الذي كنت

ستفخرين به طوال عمرك، ومعلش ياحبيبتي، أنتِ الي طلعتِ صغيرة.

قالت الأميرة :

- اومازلتِ تكابرين بعد ان عدتِ الي، ألا تدرين ماتفعلين؟

قالت مرح :

- لا ياحبيبتي، انا لم أعد اليك، وانما ابن البشر هذا اراد ان يعود ليحضر الفصل الأخير من تمثيلك المكشوف ( يامتواضعة أنتِ )

وقفت الأميرة بندارا على قدميها وسارت عدة خطوات وأقتربت من مرح ورمقتها بنظرات حادة ... مرت دقائق من الصمت الرهيب لم تتكلم فيها الأميرة، ولم تتكلم خلالها مرح وكان حوار عنيف يدور

بينهما بواسطة النظرات، وبعد الصمت أبتسمت الاميرة وقالت :

- هل وجدتِ الطريق ياكونته ؟؟

أبتسمت مرح بثقة وقالت :

- نعم وجدتها ....

ضحكت الاميرة وقالت :



- انت داهية الدواهي ياكونته . . يامرح، خسارة انك تمردت، خسارة، لو لم تفعلي لاصبحت حارسة الحارسات، خسارة انك في جانب وانا في جانب اخر، وإلا لأصبحنا افضل صديقتين ... نعم لقد

هزمتني ياكونته، يامرح، وبهزيمتي هزمتِ جيلا بأكمله، انت ابرع من عاصرت بالتمويه والخداع ... لقد استطعتِ خداعي حتى اللحظة الأخيرة، كان بودي ان اصافحك وأعانقك، ولكن بما انك متمردة

فلن أفعل، وانتِ تفهمين لماذا ...

قالت لها مرح :

- انا لا ألومك، ولكنه كان لي شرف عظيم بلقائك، وخسارة لي انا ان يكون لقائنا الاول في مثل هذه الظروف، واتمنى لقاءك في ظروف اخرى.

أبتسمت الاميرة وقالت :

- اتمنى، ولكني لا اعتقد ان هذا سيحدث يامرح، ولكني لن انساك، ورغم اعجابي بك إلا ان واجبي يحتم علي ان اوصي واطلب من المسؤولين ان يتم القضاء عليك في اول فرصة تسنح، وان يوقفوا هذه

التجربة.

قالت مرح :

- انا اتفهم موقفك هذا، واحترمه ولو كنت مكانك لفعلت نفس الشئ.

وضعت يدي على خدي مثل " الأهبل " وانا اترقب واستمع لهذا الحديث الغريب بين اعجب واغرب مخلوقتين . كيف تحولتا من قمة العداء والتحدي في لحظة واحدة الى قمة الأحترام والود والاعجاب

؟!

قلت لها :

- هل استطيع ان افهم مايجري حولي، من أنتِ ومن هي؟ ومن انا واين نحن؟ وماذا يحدث وماذا سيحدث؟

ضحكت الاميرة ومرح معاً، ولاول مرة يضحكن على شئ مشترك. قالت الاميرة :

- انا بندارا وهي مرح وانت حسن، ونحن في سراب مملكة الشر، والذي يحدث ما تراه، والذي حدث ما رأيت وماذا سيحدث فلا احد يعرف.

ابتسمت وقلت للأميرة :

- شكراً، لم يكن هناك داع لهذا الشرح المطول، كان بأمكانك اختصار الاجابة أكثر . بدلا من هذا العناء والجهد المبذول في اجابتك المفسرة .....

التفت الاميرة بندارا الى مرح وقالت لها :

- اخشى يامرح انك تبحثين عن سراب.

ردت مرح :

- طريقي بأتجاه واحد حتى ولو ادت الى سراب.

قالت الاميرة:

- اذهبي يامرح .... ولن انساك .....

سارت مرح عدة خطوات، والتفتت الى بندارا واشارت اليها بيدها مودعة ... ردت الاميرة بأبتسامة وبحركة هادئة من رأسها ... سرنا وخرجنا من الحديقة، وهذه المرة الاولى التي اخرج بها من الحديقة

وانا على يقين اني لن اعود اليها رغم انني لا افهم مايحدث ولا ادري ما هو سر التحول الغريب في العلاقة بين مرح وبندارا ......

اردت ان اسال مرح وقبل ان اسال قالت لي:

اعرف انك ستسألنيالف سؤال، وأعرف انك ايضاً لن تفهم شئ مهما شرحت لك، "حبيبي حسن بترجاك ارحمني وماتسأل وانا بعدين بحكيلك"

قلت متحايلا عليها :

لن اسألك إلا سؤالاً واحد فقط ولن اسأل غيره، فقط قولي لي ماحدث ؟؟؟

ضحكت مرح وقالت :

اتسمي هذا سؤالا واحد ؟ انا محظوظة لانك ستسأل سؤالا واحدا فقط، فكيف لو سألت سؤالين، فهذا يعني اني سأضطر ان احكي لك قصة البشر والكونيين منذ البداية وحتى النهاية، لا تقف كالصنم ،

سأحكي لك ونحن نسير، ولكن لا تقاطعني، ومالم تفهمه لا تسالني عنه، ولا تعلق .. أتفقنا ياحسن؟

قلت :

اتفقنا يامرح ....

قالت :

ماحدث هو اننا حينما دخلنا الحاجز الزمني ووجدنا انفسنا في داخل المدينة العجيبة "مملكة الشر" التي تبهر العقول، أعتقدنا اننا دخلنا، لكن في الحقيقة نحن لم ندخلها، بل دخلنا سراب مملكة الشر، أي

ان كل ما رايناه لم يكن إلا سراب . وهو انعكاس لمملكة الشر، باستثناء الطرق التي كنا نسير فيها، وماكنا نلمسه، أي ان الفترة التي قضيناها كانت على حدود مملكة الشر، ولم نكن داخلها . وما رأيناه

من بنايات وأبراج وعجائب، كنا نراه من خلف الحاجز الشفاف، اما الطرقات والعربات والمظلات وقصر الأميرة .... فهذه أمور حقيقية ولكنها تقع خارج مملكة الشر، وبندارا ليست أميرة، ولا يتواجد

في هذا المكان سواها ومجموعة من مساعديها الذين ساعدوها على ترتيب كل شئ بأتقان حتى نعتقد اننا دخلنا مملكة الشر، وللحقيقة فهم بارعون في الخداع . . .

كان من المستحيل ..............


كان من المستحيل لأي شخص، دون ان استثني نفسي، ان يعرف هذه الحقيقة، فقد اعتقدت انني في مملكة الشر، وحينما وصلنا الى برج الاميرة بندارا واستقبلتنا ... ادركت فورا انني امام شخصية في

غاية الذكاء، قادرة ان تعرف كل تصرف ساقوم به قبل ان انفذه، من هنا تيقنت فورا اني مهما استخدمت من دهائي وذكائي فسأبقى مكشوفة امام دهاء وذكاء بندارا اللا محدود، وفرصتي ستكون ضئيلة

جدا ان دخلت معها في لعبة ذكاء تتفوق فيها بمعرفتها تفاصيل المكان ومعرفتها المسبقة بتجربتي وطرق تفكيري، وانا على العكس من ذلك، لا اعرف من هي، ولا كيف تفكر، ولا اين نحن ......

ومعركتي معها ستكون خاسرة مئة بالمئة دون ادنى شك، إلا بطريقة واحدة، وهي "توقع الغير متوقع" وكل شئ كان من الممكن يتوقعوه ، إلا ان تتصرف مرح المغرورة "بغباء مطلق" وكانت المفاجأة

لبندارا بان كل توقعاتها باءت بالفشل، وان مرح الداهية تتصرف "بغباء مطلق" وعليه كان على بندارا ان تفكر بغباء هي ايضاً حتى تفهم غباء مرح ، وطبعا، كان هذا مستحيلاً فهي لم تتعامل مع الأغبياء

من قبل، أما انا فقد تعاملت مع الكثير من الأغبياء، ومازلت أتعامل مع أحدهم ........

وهكذا بدأت منذ اللحظة الأولى، أحاول لا أخطط لشئ، لم اكن اسجل في دماغي اية ملاحظات ولم اسعى لتوفير الوقت، ولم اخطط لشئ، واقع في الخطأ ولا يهمني، واعود الى حديقة بندارا عشرات

المرات ولا يهمني، والأكثر من هذا اني استطعت ان اجمد دماغي حتى لا يتجه للتفكير بطريقة سليمة. وانا اعلم ما افعل، فقد كنت تحت المراقبة ، وكل ما سجل بدماغنا كان مكشوفا لبندارا، ولم نكن

نستطيع ان نخفيه، وكانت المفاجأة التي لم تتوقعها بندارا ... والتي كنت أعيها تماماً، وكانت اجابتي لها "لا توجد خطة لدي" لا يوجد في دماغي اية ملاحظات عن المكان، "لا أفكر في أي شئ" ... وهكذا

وحتى اللحظة الأخيرة أعتقدت بندارا ان شيئاً ما قد حصل لدماغي، وهي لا تلام، فحتى الأغبياء لا يتصرفون هكذا، كان من الممكن ان تستمر هذه اللعبة عدة أسابيع اخرى، إلا انك قررت ان ننهيها

ونذهب ونعتذر لبندارا. وهنا عدت انا الى طبيعتي، وحصلت على المعلومات، والملاحظات حول ما حدث، وحول المكان من دماغك الذي سجل الأمور بطريقة طبيعية لا تشير الشك ... ومن خلال

المعلومات التي لديك استطعت ان اجد الطريق!! وقمت بأستفزازك عمداً، وعدنا للأميرة ... ومن خلال قدرة بندارا على قراءة أفكاري، تفاجأت بأني حصلت على كل المعلومات التي أريد، ووجدت

طريقة للخروج من السراب والدخول الى ملكة الشر ... اما الاميرة بندارا فهي ليست مجرد شخصية عادية وأنما هي احدى حارسات ابواب الشر المتميزات ، ان لم تكن الأفضل. وهي من الجيل

السابق طبعاً، انا لم أعرف أنها حارسة إلا اليوم فقط من خلال الحوار الطويل الذي دار بيننا بطريقة "قراءة الأفكار" ... وكوننا في هذا المكان فلا تفسير عندي لذلك، فهي قد رفضت ان تفصح عن ذلك،

وهذا بالنسبة لي شئ غريب ، ولكن هناك أسرار وامور كثيرة اجهلها ... هذا كل ما استطيع ان اقوله لك عما حدث، فأرجو ان لا تعلق واتمنى ان تكون قد فهمت شيئاً، هيا بنا لنخرج من السراب،

وندخل مملكة الشر ...

لم أعلق على ماروت، ليس لانها طلبت ان لا افعل، بل لأني لا اريد ان اعلق ولا ان أسأل، ولا اريد ان افكر في هذا الموضوع، لأنه من الجنون ان افكر في أي شئ جديد لا أفهمه، وخاصة انه في كل

لحظة هناك جديد غريب لا يفهم بسهولة، فخير لي ان اريح تفكيري .. مادمت برفقة هذه الداهية التي لا تفوتها شاردة.

سرنا حتى وصلنا الى الألواح الحجرية الكبيرة، التي نقشت عليها كتابات ورموز بالذهب الأحمر، بلغة ليست من لغة الجن ولا لغة الأنس، وقفت مرح امام اللوحات وابتسمت وقالت:

- أتعلم ياحسن ان الرموز والكتابات المنقوشة على اللوحة هي عبارة عن شرح مبسط لكيفية دخول مملكة الشر، ولو كان طفل صغير يعرف قراءة هذه اللغة لاستطاع الدخول دون عناء، وهذا يعني ان

دخول المملكة ليس يالسر وليس حكرا على احد، فأي كان يستطيع الدخول وضحكت ضحكة من اعماق قلبها:

- اتعلم ان الثمرة التي اكلنا منها واصابتنا بالدوار وافقدتنا التركيز والوعي، كتب عنها مايلي: "هذه الثمرة تساعد على التركيز وتمنح النشاط ، وتمحو النعاس وتزيل التعب والارهاق، وتغنيك عن الماء

والطعام ان اكلت منها ثلاث حبات، وان اكلت منها حبة أقل من ذلك او اكثر، فسيصيبك عكس ذلك".

قلت لمرح:

- كيف تعلمت قراءة هذه اللغة؟

- "اللغة بسيطةجدا، وحتى تتعلمها يجب ان تعرف الرموز، وان عرفت الرموز فقد تعلمتها، والرموز رموز الشر التي وقفنا بها، والتي كانت السبب في عودتنا المتكررة لبندارا، فلو عرفنا الرموز لما

وقفنا بها". ولو لم نقع بها لما عرفتها، وماكنت ساتعلم اللغة.

مدت مرح يدها على نفس الثمرة، واكلت منها ثلاث حبات، لم أجرؤ انا ان افعل مثلها، خاصة بعدما حدث معي من جراء اكلي لهذه الثمرة، ولكني قطفت ثلاث حبات وحملتها معي حتى اتاكد من ان مرح

لم يحصل لها شئ من جراء اكلها للثمار، وعدها اجرب انا ....

سرنا حتى وصلنا الى الطريق المذهبة، والتي تعكس غروب الشمس عليها، وقفت مرح بجانبها وقالت:



- المدخل الى مملكة الشر يمر من هذه الطريق، ويجب علينا ان ننتظر الى ان يحين غروب الشمس وظهور القمر قبل اكتمال الغروب، وعندها نستطيع ان ندخل المملكة .....

انتظرنا ولم ندخل الطريق، حتى غربت الشمس، واخذنا ننتظر ظهور القمر، حتى ظهر قبل ان يكتمل الغروب، ودخلنا الطريق وماهي إلا دقائق معدودة حتى خرجنا من الطريق، ولم يحصل معنا ماحدث

في المرة السابقة .. وحين وصلنا الى نهاية الطريق والتفتنا الى الخلف كان كل شئ قد أختفى، ووجدنا انفسنا في وسط المدينة المدينة التي كنا نراها في السابق ....

كان الوقت ليلاً، ولكن القمر اضاء المدينة لتشعر بأنك في ساعات النهار، لم نكد نتقدم خطوة واحدة حتى توقفت عربة سوداء تجرها خيول بيضاء، خرج منها شاب بهي الطلعة وقال:

- "تفضلوا معنا الاميرة في انتظاركم" .....

ركبنا العربة وضحكت وقلت لمرح:

- ماذا يحدث يامرح هل سنعيد "الفيلم" من جديد ام اننا عدنا الى الماضي والى نفس المكان؟

قالت مرح:

- "سننتظر لنرى" ....

وصلت العربة امام قصر كبير وتوقفت ونزلنا منها واستقبلتنا فتاة، مررنا من حديقة حتى وصلنا الى مدخل القصر ودخلنا.


كان قصر غاية في الفخامة والروعة، مررنا من بين مجموعة من الصالات المليئة بالأشخاص حتى وصلنا الى مكتب، دخلناه، تركتنا الفتاة وقالت:

- "ستحضر الاميرة بعد لحظات" ...

قلت لمرح :

- يبدو انها تمثيلية اخرى، ولكنها افخم وتلثيق بمستواك وليست كالسابق.

أنفتح الباب، ..................…



إعدادات القراءة


لون الخلفية