الفصل الخمسون:زيارة اميرة الشمس

اريد ان اسأل و لا اريد ان اسأل ، الفضول أقوى واسأل ساريز :

- أليس من الغريب انه لا يسمح لاحد بالخروج ؟؟؟

فقالت :

- لم أفكر بذلك من قبل ولا اريد ان افكر، من يريد الخروج من هنا والى أين ومن أجل من؟ هل تفكر أنت ياحسن ؟

قلت :

- لا اريد ذلك واريد، فارتباطي بعائلتي وعالمي أقوى من كل المغريات التي أراها ...

بدى على ساريز الاستغراب وقالت :

- ماهي قصتك وكيف وصلت انت الى هنا أحكي لي ؟؟؟

قلت :

- قصتي اغرب من ماضي البشر وحاضر الجن ...

ورويتها بالكامل، وانتصف الليل ولم نشعر كيف مر الوقت، اشياء كثيرة لم تكن "ساريز" تعلم عنها في السابق، مثل بوابات الشر وغيرها من الأمور التي مرت على، وتيقنت انها ليست ملمة بأمور الجن

خارج المملكة، حتى انها قالت لي بان قصتي غريبة، ولولا انها تشعر بالثقة تجاهي لما صدقتها ؟؟؟

أخذنا الحديث ولم نشعر بالوقت، وبحركة مفاجئة من ساريز أقتربت مني، ووضعت راسها على صدري كطفلة صغيرة وأنا احكي لها عما وصل اليه البشر حديثا بناء على طلبها، ويبدو انها استسلمت

للنوم فاتكأت بظهري الى الخلف قليلاً دون ان اوقظها، ونمت انا ايضا. وكم شعرت بالراحة والحنان وهي على صدري.


أفقنا في الصباح ، وتناولنا الفطور وخرجنا للعمل معا ... وحرصت ان تبقيني الى جانبها، وحينما كانت تذهب كانت تأخذني معها، ولم تكن تأبه لنظرات الأخرين ...

انتهى يوم العمل وحضر مرافقي "همانا" وقبل ان ينطق بكلمة قالت له ساريز :

- سأريحك من "حسن" هذا الأسبوع، وسيبقى معي إلا إذا أراد عكس ذلك ....

أبتسمت انا علامة الرضى، واقتربت من همانا وقلت له :

- ارايت كم انا ملتزم بعملي ؟؟؟

ابتسم همانا واستدار، وذهب وبدت عليه السعادة، وربما لأنه تخلص مني ومن مسؤوليتي ...

ركبت بجانب ساريز وقالت لي :

- اليوم سنحتفل، فأنا سعيدة وأود أن أرقص وأحضن القمر ...

وتجولنا في المدينة معا، وعرفتني على الكثير من صديقاتها واصدقائها وتناولنا الغداء بجانب البحيرة وعدنا للبيت معا بعد ان اتفقنا ان نستريح لعدة ساعات ونخرج في المساء ....

أصرت ان استريح في غرفتها الخاصة ولم اكن لامانع، تركتني لوحدي وذهبت ....

كنت سعيداً بها، لم تغب عن فكري للحظة واحدة، غفت عيني وصورتها عالقة بها ... وصحوت على صوتها وهي توقظني ... فتحت عيوني ووجدتها فوق رأسي مبتسمة ... احسست بأنني وسط عائلتي

وكأني اعرفها منذ زمن .

فاجئتني بانها تركتني انام وذهبت هي واحضرت كل مايمكن ان احتاجه من ثياب ... ألخ، تركتني من جديد، حلقت ذقني وأستبدلت ثيابي وشعرت بنشاط وحيويه كبيرة .

خرجت من الغرفة الى الصالة ووجدتها في انتظاري وللحظة شككت ان التي تقف امامي هي "ساريز" لولا ابتسامتها العذبة التي اكدت لي انها هي ... يالله ما اجملها، وكم هي انيقة وبارعة في اختيار

ملابسها.

تعودت ان اراها في المرات السابقة بالبنطلون والقميص والحذاء والرباط، ولكن هذه المرة كانت في غاية الأناقة ترتدي فستانا أسود قصيرا اخفى كتفاً وأظهر اخر، ستر نهديها وابرزهما وزادهما زينة

السلسلة المتدلية من العنق وشعرها الذي رفعته من حيث ستر الكتف وفردته من حيث كشف ....

ابتسمت وغمزتني بطرف عينها اليسرى وقالت :

- هيا .

خرجنا وتجولنا في طرقات المدينة حتى وصلنا الى البرج العملاق العظيم وسرنا حتى دخلنا من احد ابوابه وقالت لي :

- ما رأيك ان نصعد الى قمته، فأبتسمت وقلت :

- سنحتاج الى عام لنصل ؟؟؟

فقالت :

- تعال لنجرب ....

ودخلنا احد الغرف الزجاجية التي تشبه المصعد واغلقت الباب وقالت :

- الأن سترى .

ومن ثم فتحت الباب وقالت :

- تفضل .

خرجت ولم افهم في نفس اللحظة لماذا دخلنا ولكن حينما خرجنا، فوجئت باننا في قمة البرج واخذت ساريز تضحك وأخذت أنظر حولي لأتأكد من اني لا أحلم وخاصة ان الغرفة لم تتحرك ولم نمكث فيها

إلا لحظات، اردت ان اسأل ولكنها قاطعتني قبل ان افعل واعدةُ انها ستشرح بعد ان نجلس . دخلنا في قاعة احتاج لأكثر من ساعة لأصل الى نهايتها، سقفها بالكامل من الزجاج وكأنه علق في الهواء،

ولا أرى اعمدة يتكئ عليها، مضاءة بنور القمر فقط وكأن القمر قريب لا يبعد سوى عدة أمتار، وكان واضحاً ان نوع زجاج السقف يساعد على تقريب القمر، جدران القاعة من زجاج أو انه لا يوجد لها

جدران فالغيوم تحيط بها من كل الجوانب وكأنها بنيت في وسط السحاب مليئة بالزهور والورود والآشجار ونوافير الماء وبركة مائية ضخمة، وشلال ماء يصب في وسطها حديقة كاملة معلقة فوق

السحاب . القاعة مليئة بالشبان والفتيات من كافة الأعمار والكل سعيد ولا احد يأبه بالاخر . أخذت ساريز تتجول بي في وسط الحديقة او القاعة او أعجوبة الزمان، واثناء تجولنا عرفتني على الكثير من

الأشخاص الجالسين هنا وهناك والذين كانوا يلوحون لها بأيديهم أحيانا وبالمناداة على اسمها احيانا ... كانوا جميعا ظرفاء ... سرنا حتى وصلنا احد اطراف القاعة وقالت :

- هنا سنجلس، فهذا هو ركي المفضل.

جلسنا على مقاعد تجمع بين الراحة والجمال وللحق فأن كل الروعة التي اراها في قمة البرج لم تشغل تفكيري عن طريقة الصعود الى قمة البرج وسألتها عن ذلك فقالت :

- انها تكنولوجيا هذا العالم ياحسن، وتعتمد على قوة الطبيعة، نحن صعدنا الى هنا من خلال "مصعد زمني" ومهمة المصعد ان يلغي الجاذبية ويخترق الزمن بالأعتماد على قوة النور، ويسير بسرعة

النور، ولهذا لا تشعر بتحركه.

وأخذت تشرح لي وتفسر، وانا اهز راسي كعادتي حتى قالت لي اخيرا :

- فهمت ....

قلت :

- نعم لقد فهمت، أنه لشئ رائع ...

وطبعاً انا لم افهم شئ ولكني خفت ان قلت لم افهم ان تعود وتشرح لي من جديد حتى افهم، وربما اني لن افهم، وعليه فستمضي كل ليلتنا بالحديث عن هذا الموضوع .. وما لم اتوقعه قد حدث، وبدأ توافد

أصدقاء ساريز حيث تجلس، كان واضحا من كلامهم وأعتذار بعضهم على التأخير بأنها هي التي دعتهم ... في البداية كنت مرتبكاً قليلاً، ولكن بعد ان عرفتهم علي بأني صديقها – ولم يكونوا فضوليين

بالسؤال عن التفاصيل – اندمجنا معاً وكان الجو رائع بلغ عددهم حوالي الثلاثين من النساء والرجال معاً ...

ذهب أحدهم وأحضر الات موسيقية ليست كتلك التي عرفتها بعالمي ... وعزفوا وغنوا ورقصوا وكم كنت مرتبكاً ومحرجاً، وخاصة أني لا أجيد الرقص. ولكن ساريز قدرت موقفي ولم تحرجني في بادئ

الأمر. واستغلت فرصة انشغال الأخرين واقتربت مني وقالت :

- الأن ستقوم معي بهدوء لأعلمك كيف "ترقص" لا تأبه بوجود الأخرين، وتصرف على طبيعتك كما انت وان كنت لا تعرف كيف فأنك ستتعلم ......

لم أتحرك في بادئ الامر، وحاولت التهرب منها ومن هذا الموقف المربك كما ان اصرارها لم يترك لي المجال، فراقصتها "كالأهبل" ، وبدأت تعلمني خطوة خطوة حتى زال ارتباكي ووجدت متعة لا

مثيل لها، وفجأة علا صراخهم وهتافهم وتصفيقهم ليملأ اجواء القاعة، اخذت ابحث عن السبب ووجدته مع اقتراب فتاة تجر امامها عربة مذهبة ومزينة زفي وسطها زجاجة كبيرة ... جرتها حتى أوصلتها

حيث تجلس، واقتربت ساريز من الفتاة وهمست بأذنها وهزت الفتاة رأسها وذهبت، وأخذ احدهم يملأ الاكواب من الزجاجة وعيوني تراقب كل صغيرة وكبيرة ... ما لفت أنتباهي هو عودة الفتاة من جديد

وقد أحضرت بيدها كوبا مليئا بشراب مشابه للذي في الزجاجة ... ناولته لساريز وهي حريصة على ان لا يراها احد، اقتربت ساريز من الأكواب ووضعته بجانبها، ونظرت حتى انتهوا من ملء الاكواب

وحملت كوبين بيديها وقالت :

- سنشرب نخب صديقي وزميلي حسن ترحيبا به بيننا، واقتربوا جميعا وتناولوا الأكواب، وفي نفس اللحظة اقتربت هي مني وناولتني الكوب ولم تلاحظ هي اني عرفت ان هذا الكوب يختلف عن الأكواب

الأخرى ... أخذته من يدها ورفعته مثلهم وانا ابتسم وارتشفت منه رشفة صغيرة ووضعته على الطاولة بهدوء وقد أعتراني القلق والخوف من جديد لما حدث ... وعاد الجميع الى الرقص وللهو من جديد

. جلست ساريز بالقرب مني وامسكت بيدي وقالت :

- مابك ياحسن لماذا انت مهموم هكذا، لقد أعددت هذا الأحتفال من أجلك !!!!

قلت لها :

- كلا لاشئ، فقط مرهق قليلاً .....

- اتحب ان نعود الى البيت ؟؟

- كلا لا اريد، فقط اريد ان افهم ماذا يحدث هنا ؟؟

- مابك ياحسن هل ضايقك احد ؟؟؟

- بصراحة مامر علي من تجارب يجعلني اشك في كل شئ حتى في هذا الكوب الذي سأشرب منه، وأشرت بيدي للكوب الذي امامي ...... فطنت ساريز للذي المح اليه وضحكت وقالت :

- ان كان هذا مايزعجك فمعك حق، أنا سأشربه .

ورفعته وشربته دفعة واحدة .... وتابعت حديثها ......

- لم اكن اريدك ان تشرب من المشروب الذي شربنا منه، ولهذا احضرت لك شرابا عاديا . والسبب ياصديقي العزيز ان هذا المشروب يسكر من يشربه للمرة الأولى، ولو كنا لوحدنا لما مانعت من ان

تشربه، ولكن ان اردت ان تشرب منه فتفضل ولست المسؤولة عما سيحدث ....

أقنعني كلامها، وعدت معها لأجمل سهرات العمر إلا ان فضولي اللعين لم يتركني بحالي، ودفعني لأمد يدي الى احد الأكواب وارتشفت منه عدة رشفات لم تسكرني بل انعشتني ...

في هذه الأثناء وقف احدهم واخذ يصفق ويهتف ساريز .... ساريز ..... واخذوا جميعهم يهتفون ساريز ..... ساريز ...... ساريز، واخذت انا ايضا اهتف معهم ساريز ..... ساريز، وعادوا جميعهم الى

مقاعدهم وهم يهتفون عدت انا ايضا وانا اهتف . إلا ان ساريز بقيت واقفة مكانها وهي تبتسم خجلة، وعاد العزف من جديد وبدأت ساريز تتمايل على انغام الموسيقى برقصة لم أرى مثلها في حياتي ....


كل جزء من جسدها يتمايل ويرقص امامي ... أ صابعها .... ذراعاها .. ساقاها ... خصرها ... نهداها ... شعرها ... عيونها .. شفاها ... رموشها ... عنقها، تتمايل بحركات متناسقة وسط الغيم بفستانها

الاسود القصير .. ثملت ... سكرت، فقدت صوابي، ليس من الشراب وانما مما ارى، مازالت تتمايل على انغام الموسيقى ومازلت افقد وعيي اكثر فاكثر .....

غمزتني بطرف عينها، ونظرت الي وعضت على شفتها السفلى، ولم اع شيئا بعدها ...

عاد الي وعيي، وفتحت عيوني وجدت نفسي بسرير ساريز ورأسها على صدري تغط في نوم عميق .... بدأت أتذكر ما حدث .....

لم أذكر إلا الصورة الأخيرة التي علقت بذاكرتي وساريز تنظر الي وترقص ... ماذا حدث بعدها ... لا أدري .. من النافذة أري الشمس أدركت أننا في ظهيرة اليوم الثاني .. أحرك رأسي وذراعي

بهدوء حتى لا أوقظ ساريز ... دق قلبي حينما رايت علامات زرقاء وحمراء على كتف وعنق ساريز وفستانها الأسود الجميل الملقى على ارض الغرفة وكان واضحا عليه انه لم يعد يصلح لشئ . انظر

خلسه الى جسد ساريز الملتصق بي والى وجهها، ما اراه لا يشير بأن النهاية كانت سيئة .... اطمأنيت اكثر حينما لمحت علامة زرقاء على كتفي انا ايضا ... تتململ ساريز مستيقظة ، أغمضت عيوني

فورا متظاهر بالنوم، لأني لم اجرؤ على مواجهة عيونها ... اشعر انها استيقظت، احس بأنها تنظر الي، أشعر بقبلة ناعمة لامست شفتي ... بقيت مغلقا عيوني متظاهرا بالنوم ... مرت دقائق حتى تجرأت

وفتحت طرف عيني لارى ماذا يدور حولي فلم اجدها في الغرفة ... فتحت عيني وتنفست الصعداء .. انفتح الباب، ودخلت ساريز تلف جسدها بمنشفة زرقاء وشعرها مازال مبلولاً .. جلست بجانبي على

السرير، ابتسمت وقالت :

- هيا كفاك كسلا، ما تستحم حتى اكون قد جهزت الأفطار ....

خرجت من الغرفة، أستحميت وارتديت ملابسي ولحقت بها الى المطبخ، وخرجنا معا وجلسنا على الشرفة ... وبدأنا بتناول الافطار، ولم اجرؤ ان افتح الموضوع، ولاحظت ارتباكي واخذت تضحك،

فتجرأت وسألتها :

- ماذا حدث بالأمس ياساريز ؟؟؟

فقالت :

- لا شئ ابدا، فقط قليل من الفضائح، وقليل من الفوضى، وقليل من الأحراج، حتى أستطعت ان اوصلك الى البيت، وبعدها قليل من الشراسة، قليل من الأضاءة، وكثير من الجنون ...

وضحكنا معاً وقلت لها :

- ألن نذهب الى العمل ...

قالت :

- لا أعتقد انني سأذهب الى العمل هكذا .

واشارت بأصبعها الى العلامات التي ظهرت على عنقها وقلت لها :

- انا اسف ياساريز إن سببت لك أي احراج ....

فقالت وهي تضحك :

- بصراحة ، في أول الأمر كنت أروع مجنون خلقه الله ...

"ضحكت اكثر" ، لقد فاجئتني وفاجأت الجميع حينما وقفت واقتربت مني وانا ارقص وقبلتني قبلة طويلة ولم تأبه لوجود أحد ... كنت فخورة وسعيدة بجنونك رغم ان الموقف كان محرجا، ولكن بعدها

حينما بدأت ترقص معي ادركت فورا انك شربت من المشروب الذي حذرتك من شربه، وايقنت ان الأمر لن يتوقف عند هذه القبلة المجنونة ، وغمزت صديقتي وزوجها فساعدوني على الخروج من هذه

الورطة واعدتك الى البيت، وعما حدث بعد ذلك فلا تسأل لأن جنونك ساوى جنوني ...

ضحكنا كثيرا وتحدثنا اكثر وأثناء حديثنا صرخت ساريز فجأة وقالت :

- صحيح نسيت ان اخبرك . غدا ستشهد المدينة يوما لا مثيل له، وساصحبك معي، فغدا يوم اللقاء المشهود حيث تستقبل الأميرة باندة، أميرة الشمس المغروؤة للمرة الأولى.

- وما المثير في هذا الموضوع ؟؟؟

- أنت لاتعرف قصة اميرتنا مع اميرة مدينة الشمس ... فــ اميرة الشمس تكره الأميرة بانده بجنون وهي ايضا تكره كل الأميرات ولكن ليس بالمستوى الذي تكره به بانده . فاميرة الشمس مغرورة

متكبرة وشريرة. لا احد يحبها او يحب مدينتها، فهي مدينة مشؤومة وكل سكان المدن يتمنون لو ان مدينة الشمس لم تكن موجودة بالأصل، مع ان مدينة الشمس توفر لسكانها كل شئ واكثر من اي مدينة

أخرى فكل سكانها يسكنون القصور ولهم حرية لا حدود لها لايتوفر مثلها في المدن الأخرى ورغم انها تخضع للنظام الأعلى الذي يحكم المدن الأربعة الأخرى إلا انها مستقلة بقوانينها الداخلية التي

تختلف عن كل المدن ... نحن جميعا نتعجب احيانا لماذا بنيت مدينة الشمس القذرة، ولماذا لا يتدخل النظام بما يجري داخلها، ولماذا تركوا المجال لأميرة الشمس أن تتصرف كما يحلو لها. والتفسير

الوحيج لهذا، ان بقاء المدن الأربعة مرتبطة ببقاء مدينة الشمس او بمعنى اخر ان صح التعبير فهي "مزبلة المدن الأربعة" انا أسفة حينما اصفها بهذا الوصف، فهي بنظر الجميع احدى مدن المملكة

الخمسة ويجب احترامها واحترام حرية من يريد ان يسكن بها ... انا شخصيا افضل الموت على ان افكر بمجرد زيارتها. ربما احيانا اجد نفسي باني على خطأ وخاصة انها تخضع للنظام الأعلى ولا احد

يجبر احد ان يذهب إليها وكل من يذهب للسكن فيها فهو يريد ذلك، فمن يجد نفسه لا يستطيع ان يحترم القوانين، فافضل لنا جميعا ان يذهب اليها وهكذا تبقى المدن الاربعة نظيفة ..

أثار فضولي كره ساريز وحقدها على مدينة الشمس واميرتها، وقلت لها :

- انك تتحدثين عن مدينة الشمس بكره وحقد كبيرين ......

فتأفأفت ساريز وقالت :

- ماذا اشرح لك ياحسن لأشرح، ربما لأني اؤمن بوجود الخالق لهذا الكون، وأكره ما يحدث بها اكثر، وربما لأني من البشر، وربما لأني احب الأميرة بانده كثيرا ... حسن انت لا تعرف ماذا تفعل أميرة

الشمس، اتعلم لو انها لا تخاف من "النظام" الذي هو أقوى منها وقادر على تدميرها لفعلت بنا العجب .. فهي لا تحترم القوانين الخارجية وتسير عليها خوفا وليس أحتراما، وهي دائما ترسل رسلها الى

المدن الأربعة، وان اعجبها احد تبدأ بأغرائه بالقصور والراحة والمتعة لتأخذه الى مدينتها، والقانون يسمح بذلك مادام ذلك تم بأرادة الشخص، والعجيب في الأمر أنه نادرا مايخرج احد من مدينة الشمس

ليعود ويسكن بالمدن الأربعة الأخرى، فهي تسيطر عليهم بطريقة غريبة، وتسلبهم حريتهم.

انفعلت ساريز وهي تتحدث وظهرت اثار الدموع في عينيها ... وأكملت :


- انا اكرهها ... انا أكرهها ... لقد أخذت مني أعز صديقاتي ... انها لعينة ياحسن، انا حزينة على الأميرة بانده، فهي مضطرة لأستقبالها وتقديم الأحترام لها لأن القانون يلزمها بأحترامها، وكل أميرة لها

الحرية بزيارة أي مدينة، ويجب ان تلقى الأحترام والذي يليق بها، وحتى لو حدث العكس وزارت الأميرة بانده مدينة الشمس فستلاقي الأحترام من قِبل اميرة الشمس على الرغم من كرهها لها ...

مسكينة اميرتنا بانده غداً ستلاقي ألد أعدائها ... موقف صعب. كلنا حزينون من اجلها ولكننا غداً سنقف جميعا بجانب أميرتنا لتعلم تلك المغرورة مدى حبنا واحترامنا لأميرتنا ...

وسألت ساريز :

- وما سر هذا العداء والكره بين بانده واميرة الشمس، ولماذا هذا الموقف من هذه الزيارة ؟؟؟

فردت ساريز



- الأميرة ياحسن لا تكره احداً ولا تعرف الحقد وهي تحب الجميع، كل سكان المدن الأربعة يحبونها ... نحن تسميها بالأميرة "البريئة" وبالرغم من ان أميرة الشمس اكبر منها بمئات السنين، إلا انها

استطاعت ان تأخذ زوج الأميرة بانده منها، وتتفاخر بذلك امام الجميع، ولم تكتفي بهذا فقط، بل تعمدت ان تقيم حفلا بهذه المناسبة وأثناء الحفل ضاجعته أمام الجميع لينتشر الخبر بسرعة .. زوج الأميرة

بانده والمشهد الشهير ... وبما ان الأميرة بانده جنية وتحترم قانون الجنيات، فيجب ان تهجره الى الأبد حتى لو عاد أليها، وعهد الأرتباط الذي بينهما يمنعها من الأرتباط بغيره احتراما لذاتها . ولا يسمح

لها بأقامة علاقة مع غيره، والأصعب من هذا انها لا تستطيع ان تلوم أميرة الشمس ... فهذا من حقها، لأنها ليست متزوجة، واميرة الشمس التزمت بقانون الجنيات، ولم تستر على خيانة زوج بانده معها،

بل أخبرت الأميرة بانده بأن زوجها خائن ولكن بطريقة مهينة. الكل يعلم بأن أميرة الشمس لم تفعل هذا لانها رغبت بزوج الأميرة بانده، بل لأنها ارادت اهانة الأميرة بانده، وإلا لما قامت بذلك امام

الجميع، وبعد ذلك ادعت –برغم انها لا تحترم أي شئ وفي مدينتها كل شئ مسموح بلا حدود – بان قانون الجنيات يسمح لها بذلك، وكون ذلك كان امام الجميع، فلا فرق عندها ان كان علنا ام في السر،

وصراحة حسب قانون الجنيات هي محقة ..انا شخصيا لا اؤمن بهذا القانون، واجده سخيفاً ولو لم اكن من البشر وكنت جنية مثلا لما رضيت الالتزام به ...

استمر حديثنا عن مدينة الشمس والاميرة لوقت طويل، وأثناء ذلك لم نبقى في البيت، بل خرجنا في نزهة واكملنا حديثنا خلالها . العلاقة مع ساريز تطورت بسرعة كبيرة وغريبة، وكأننا نعرف بعضنا

منذ سنوات كنا نسير متشابكي الأيدي كعاشقين او زوجين،


لا أدري كيف حدث هذا التطور، هل لأننا ابناء جنس واحد ام ان طبيعة كوننا من البشر قربتنا اكثر، ساريز سعيدة بوجودي، وأنا كذلك، مر الوقت بسرعة، صار الوقت ليلا دون ان نشعر بذلك، عدنا الى

البيت وجلسنا قليلا في الصالة، ثم خرجنا الى الحديقة وجلسنا معا على ارجوحة بجانب بركة السباحة ...


كان الجو شاعريا وصورة القمر انعكست على مياه البركة ... أقترحت ساريز ان نسبح معا. وراقت لي الفكرة، ولكنني ترددت .. اما هي فخلعت ملابسها وقفزت الى الماء، جلست اراقبها وهي تسبح

تارة وتختفي تحت الماء وتارة تطفو فوقه ... مرت دقائق حتى تشجعت وقفزت خلفها، اخذنا نسبح، وأخذت تمازحني وتسقطني تحت الماء، وتخرج هي وتغطس امامي وتخرج من خلفي وتبتعد، والاحقها

ولا اجدها وتظهر من جهة اخرى وهي تضحك، لم استطع مجاراتها فهي بارعة في السباحة . ارهقتني وانا ابحث عنها تحت الماء وفوقه وحينما انجح وامسكها واضمها الي، تستسلم بدلال وتقرب

شفاهها من شفاهي وتبدأ باغماض عيونها ببطء لا يفصل بيننا إلا قطرات ماء قليلة لم تجد لها مخرجا من احكام ضمي لها، تلامس شفاهي شفتيها المستسلمتين، ولكنها تتملص من بين يدي لتسقط تحت

الماء تاركه لشفاها ملامسة جسدي لتثير جنوني اعود لأمسكها من جديد، تهرب مني تختفي، تظهر فجأة تضمني من الخلف تداعبني بأصابعها استدير لأضمها، لا أجدها، وأقف حائرا مستسلما تخرج من

امامي تطوق بذراعيها عنقي تقبلني بقوة تسقطني معها تحت الماء تلتصق بي اكثر ، وهي مازالت مستمرة بالقبلة استخدم كل قوتي لآخرج رأسي من تحت الماء. تلتصق بي اكثر، ارفعها معي وأخرج بها

من تحت الماء وما اكاد اتنفس بعض الهواء حتى تضغط بساقيها على ساقي لآسقط تحت الماء من جديد، اكرر الكرة، واخرجها معي من تحت الماء لنتنفس ونعيد الكرة وتسقطني تحت الماء مرة أخرى

... اضمها فتتملص وتهرب . الاحقها وما اكاد امسكها حتى تتملص، أرهقتني وزادت جنوني، استسلمت واتكأت على جدار البركة ورأسي فوق الماء ... خرجت من الأتجاه الأخر للبركة ونظرت الي

تنتظر ان اتحرك لاطاردها من جديد، أدركت اني لن اتحرك من مكاني، ابتسمت وانزلت راسها تحت الماء واخذت تسبح باتجاهي ، احسست باقترابها مني، لم تخرج رأسها من تحت الماء، لم تخشى ان

امد يدي وامسكها ولم اكن لأفعل ... أثارت جنوني .. رفعت ذراعيها واتكأت على يدي واخرجت راسها من الماء وهي قريبة مني .... ابتسمت وابتعدت عني، وخرجت من البركة وهي تعلم انه لابد لي

من ان الاحقها ... وقفت على طرف البركة وبدأت تجفف جسدها الناعم، وتمسح عنه ماتبقى من قطرات الماء، اشارة الي بأصبعها داعية أياي ان اخرج من الماء واقترب منها، لم أكن لأنتظر ...

خرجت من الماء وخطوت نحوها، لم تنتظر وصولي اليها، سارت بأتجاه البيت وهي تنظر الي بعيونها بطريقة تدفعني للأسراع .. دخلت البيت ودخلت خلفها، واستلقت على احدى الكنبات العريضة في

صالة البيت، اقتربت منها مدت ذراعيها الي .............

أفقت في الصباح وهي جالسة بجانبي وقد احضرت الافطار الى الغرفة، بدأت تطعمني بيدها، وما انتهينا حتى طلبت مني ان اعجل حتى لا نتأخر بالوصول الى حفل استقبال أميرة الشمس ... خرجنا من

البيت وتوجهنا الى جنوب المدينة فوصلناه قبل الظهر بقليل، ولم يكن من السهل ان نجد مكانا بين تلك الاعداد الكبيرة التي توافدت الى ساحة الأستقبال، ووصلت قبلنا ... جلسنا في المكان الذي وجدناه،

ولو كنا بكرنا قليلاً لوجدنا افضل منه ... مرت ساعة تقريبا وبدأ الهتاف والتصفيق يعلو، ووقفت ساريز وأخذت تهتف هي الأخرى وقالت لي :

- قف لقد وصلت الأميرة بانده ....

توقفت في طرف الساحة عربه وخرجت منها الاميرة بانده وسارت وجلست على المكان المخصص لها وكنا أنا وساريز في مكان يبعد عن موقع الاميرة بحوالي الثلاث مئة متر او اكثر وقالت ساريز

لي :

- لو اننا بكرنا لوجدنا مكانا أقرب الى الاميرة ... نحن بعيدون ولن يصلنا الدور لنسلم عليها ... بدأ المتواجدون في الساحة بالتوجه الى حيث جلست الاميرة بنظام كبير، دون أي زحام فما ان يصل

احدهم ويسلم عليها ويذهب من الأتجاه الأخر، حتى يقترب أخر، وهكذا دون أية فوضى ودون حاجة لأي أشراف من أي كان، وكانت الاميرة تقف طوال الوقت ولم تجلس، وهي تصافح من يقترب منها ..

بدا على الأميرة الحزن رغم أنها تتظاهر بعكس ذلك ... سألت ساريز عن سر حزن الاميرة، ابتسمت وقالت :

- الاميرة بانده منزعجة من هذا العدد الكبير الذي حضر لأنها تظن اننا حضرنا لنرى اميرة الشمس، وهي لا تعلم بالمفاجأة التي تم اعدادها من اجلها.

سألت ساريز :

- ماهي المفاجأة ؟؟؟

قالت :

- اصبر وسترى .....

مرت ساعة اخرى، وفجأة تحولت الأنظار مرة واحدة الى مدخل الساحة وقالت ساريز:

- وصل موكب أميرة الشمس .

وامسكت بيدي بقوة ... اتجهت العيون الى مدخل الساحة البعيد لنرى عربات تجرها الخيول تقترب من الساحة، وحينما تبيناها بعد ان اصبحت قريبة بعض الشئ، كان عددها اكثر من ثلاثين عربة ..

توقفت على طرف الساحة بعيدا عنا، مصطفة بنظام، سألت ساريز :

- هل وصلت ؟؟

قالت :

- كلا ، انهم مرافقوها وهي لم تصل بعد ....

دقائق ودخلت عربات اخرى بنفس العدد وأصطفت بالاتجاه المقابل للأول، وبعدها دخل صف كبير من العربات بنظام، وكان واضحا ان احدى العربات مميزة عن العربات الاخرى بضخامتها وبعدد

الخيول الكثيرة التي تجرها فقلت لساريز :

- لابد انها عربة اميرة الشمس ....

فقالت ساريز :

- نعم انها هي ...

وقفت عربة الاميرة والعربات المرافقة وسط الصفين السابقين، وسارت معا بطريقة استعراضية تدعو للأعجاب، وكان واضحاً انها أستفزت جميع الحضور . وصلت العربات جميعا وتوقفت العربات،

مرة واحدة في نظام بعد ان اصبحت وسط الحضور، ومقابل الاميرة بانده خرجت من العربات التي اصطفت على اليمين اكثر من ستين فتاة غاية في الجمال، يرتدين نفس الملابس ، ثوب احمر قصير

معلق بخيطين من الاكتاف، يكشف الظهر والخواصر، موشح بخيوط من ذهب، يبدو انه صمم ليظهر كل المفاتن ولا يخفي شيئا، وشعرهن جميعا لونه أصفر كلون الذهب، تجاوز طوله وتعدى طول

الثوب، ولم يكن شعرة واحدة منهن يختلف عن الأخرى بشئ ... سبحان الخالق، فكل واحدة منهن أجمل من الأخرى . ومن العربات التي على اليسار، خرج ايضا ما يقارب الستين شابا من نفس الطول

والحجم يرتدون اللون الاسود مع خيوط ذهبية، وكان واضحا انها اختارتهم من بين مئات الألاف من الشبان، ومن العربات التي امام وخلف عربة الأميرة خرج ايضا شبان وفتيات بنفس المواصفات ...

تراجعت العربات الى الخلف إلا عربة اميرة الشمس الذهبية ... واصطف الشبان والفتيات على يسار ويمين العربة، ومن امامها وخلفها وأخذوا يسيرون بنظام وبطريقة استعراضية حتى اقتربوا من

منصة الاميرة بانده.

وقفت الأميرة بانده مبتسمة، او متظاهرة بالابتسام، لا تبعد عنها عربة اميرة الشمس إلا امتار قليلة في انتظار خروجها لترحب بها وتصطحبها معها الى القصر، ومن ثم الى المجلس، وترافقها في جولة

بالمدينة حسب ما تنص عليه الرسميات المتعارف عليها .. جميع الحضور بمن فيهم ساريز ينتظرون خروج اميرة الشمس واغلبهم سمع عنها ولم يرها ... واقترب احد الشبان من العربة وفتح بابها

لتطل منه اميرة الشمس ترتدي ثوبا الوانه مزجت من الذهب الاحمر والأصفر، شعرها ذهبي وكأنه قطعه من طرف الشمس طوله تعدى الركبه، كانت طويلة وجسدها متناسق يلفت الأنتباه ويجمد النظر

عند حدوده ... وما ان استقرت قدماها على ارض الساحة حتى بدأ الحاضرين بشكل مفاجئ ينشدون :


بانده الصغيرة ..... أميرتنا الكبيرة

لا احد سواك ........ بانده الحبيبة

بانده القمر ......... قمر الاميرة

الحب والوفاء ..... لاميرتنا الصغيرة

كلـنا معـاك ....... ياقمر المدينة

بانده الصغيرة ..... لا غيرك اميرة

بانده الصغيرة ..... مدينتك كبيرة

كلـنا معـاك ....... ياقمر المدينة

كلنا فداكي ...... بانده الحبيبة


وساريز تنشد معهم .....

توقفت اميرة الشمس ولم تتحرك، وتنظر ان ينهوا نشيدهم وهي تبتسم !!

الاميره بانده تفاجأت وابتسمت وبدا الفرح على وجهها، واخذت تنظر الى الجمع وهو ينشد، وكانت في غاية السعادة.


وانتظرت حتى انتهوا من النشيد، وسألت ساريز عن سر هذا النشيد فقالت لي :

- انه نشيد للأميرة بانده تم اعداده ليكون مفاجأة لها وتأكيدا على حبنا لها، وايضا لكي نغيظ به اميرة الشمس المغرورة حتى لا تظن اننا جئنا الى الساحة من اجل رؤيتها ولتعلم اننا جئنا من اجل اميرتنا

بانده ..

وقالت لي :

- هيا ياحسن نذهب من هنا، فانا لا اطيق رؤيتها اكثر.

وامسكت بيدها وطلبت منها ان تنتظر، فلم تمانع ولاحظت ان عدد كبير من الحضور بدأوا ينسحبون من الساحة وكأنهم اتفقوا على ذلك مسبقا ضمن خطة تجاهل اميرة الشمس ... شدتني ساريز وقالت :

- انظر ياالله ما اجملها ....

التفت الى ساريز وقلت :

- عمن تتحدثين ؟؟؟

واشارت بيدها باتجاه اميرة الشمس وقالت :

- تلك !!!!

نظرت نحو اميرة الشمس، وفوجئت وصعقت لدي رؤيتي مرح تقف بجانب اميرة الشمس وقلت :

- ساريز انها مرح ....

لم تسمعني ساريز وقالت :

- ياترى من تكون هذه الجميلة ؟؟؟

ضغطت على يدها بقوة وقلت :

- انها مرح ياساريز ... مرح التي حدثتك عنها ....

التفتت الي ساريز وقالت باستغراب :

- الجنية مرح التي جاءت معك !!!!

قلت :

- نعم هي الجنية مرح .....

- كيف ذلك، لقد رأيتها تخرج من عربة الاميرة، كيف يحدث ذلك ؟؟؟

فضحكت وقلت لها :

- انها مرح ياساريز، انها داهية لا يستبعد عنها شئ ....

- اتكون اكثر دهاء من اميرة الشمس ؟؟؟

وفي هذه الأثناء اقتربت الاميرة بانده من اميرة الشمس، وصافحتها وتبادلتا الأبتسامات، وصافحت بانده مرح ايضا، واقتربت عربة وصعدت اليها بانده واميرة الشمس ومرح معا، وانطلقت وبعد ذلك

بدأت العربات الأخرى بالتحرك .... قالت ساريز :

- ارأيت ما حدث، هذا غريب ولا يجوز، كيف تركب مرح مع الأميرتين في نفس العربة ...

ضحكت مرة اخرى وقلت :

- لا تتفاجأي، لقد قلت لك انها مرح، والله وحده يعلم ماذا تخطط هذه المرة .....




إعدادات القراءة


لون الخلفية