أسطورة أبو السلاسل: شبح الرعب في تراث الخليج العربي


لطالما كان للتراث الشعبي في مختلف الثقافات شخصيات خرافية تنسج حولها الحكايات لإثارة الخوف أو التحذير من المخاطر، ومن بين تلك الأساطير التي تجذرت في الذاكرة الشعبية الخليجية، تبرز أسطورة "أبو السلاسل"، الكائن الغامض الذي تردد ذكره في أرجاء دول الخليج العربي، خاصة في الإمارات وسلطنة عمان.

أبو السلاسل: شبح السلاسل المرعبة

تصف الحكايات الشعبية "أبو السلاسل" بأنه كائن بشري الهيئة، طويل القامة، داكن اللون، يلف جسده سلاسل حديدية تُصدر أصواتاً مرعبة أثناء سيره. تروي القصص أنه متوحش بطبعه، يستخدم سلاسله لمهاجمة ضحاياه، ويجر خلفه ثقلاً حديدياً يُضفي عليه طابع الرهبة. بعض الروايات تزعم أن السلاسل تحيط فقط بقدميه، بينما تؤكد أخرى أنه مقيد بها بشكل كامل، ويتجول على شواطئ البحر، ليلاً ونهارًا، باحثًا عن فريسة جديدة.

فيما تتفاوت الروايات حول أصله، يجمع كثيرون على أنه من الجن المردة، أو أنه إنسان مسكون بروح شريرة. وتصف بعض الحكايات مظهره بأنه يشبه الجلد المحترق، ذو مخالب طويلة ووجه بشع تفوح منه رائحة كريهة، ما يزيد من فزع من يشاهده.

انتشار الأسطورة في الخليج العربي

ظهر "أبو السلاسل" في روايات متفرقة عبر مدن وقرى مختلفة في الإمارات وعمان، وعُرف بأسماء متعددة، منها "العبد المزنجل"، "عبد لمزنيل"، "بو الصناقل"، و"لمصنقل". وحسب المعتقدات الشعبية، فإن هذا الكائن المخيف لا يقتصر ظهوره على المناطق النائية، بل يُشاهد أحيانًا في الأحياء السكنية، مما يزيد من حالة الرعب المحيطة به.

الهدف من الأسطورة: خوف الأطفال وسلامة المجتمع

لعبت هذه الأسطورة دورًا في ضبط سلوك الأطفال، حيث كانت الأمهات يستخدمن "أبو السلاسل" كأداة ترهيب لمنع أطفالهن من الخروج ليلاً. كانت الأصوات التي تصدر عن السلاسل عندما تصطدم بالأرض تُشبه صوت تكسر الأمواج على الساحل، ما دفع الكبار إلى تحذير الصغار قائلين: "ألا تسمع أبو السلاسل؟!"، في إشارة إلى الخطر المحدق بالخروج ليلاً.

الروايات والأساطير المحيطة بـ"أبو السلاسل"

تتناقل الحكايات الشعبية العديد من القصص المرعبة حول "أبو السلاسل"، بعضها يُنسب إلى الواقع، والبعض الآخر يتجاوز حدود الخيال:

1- قصة البحار راشد

في إحدى القرى الساحلية، قرر بحار مقدام يُدعى راشد أن يواجه البحر في ليلة عاصفة، متحديًا تحذيرات جده الذي نبهه إلى خطر الرياح العاتية وظهور "أبو السلاسل". خرج راشد إلى البحر، ولكن سرعان ما انقلبت الأجواء عليه، وعاد إلى الشاطئ مرعوبًا. عند عودته إلى الحارة، سمع صوت السلاسل خلفه، وعندما التفت، وجد نفسه في مواجهة مباشرة مع الكائن الأسطوري.

هرع راشد للفرار، لكن "أبو السلاسل" لحق به، وعندما تعب راشد وسقط، أمسكه الكائن المخيف، وضربه بسلاسله الثقيلة، ثم قيده إلى شجرة سدر. وعند الفجر، عُثر على جسد راشد غارقًا في دمائه، وتحولت الحادثة إلى تحذير للأهالي بعدم الخروج ليلًا.

2- حكاية الأم والطفل

تحكي إحدى الأمهات أنها كانت تحاول تنويم طفلها الصغير، فهددته بقدوم "أبو السلاسل" إذا لم يخلد للنوم. لكن ما إن نطقت بتلك الكلمات، حتى سمعت صوت السلاسل يُجر خلف بيتها، مما دفعها إلى الاستغفار وتلاوة القرآن، حتى اختفى الصوت فجأة. أقسمت حينها أنها لن تذكر اسم الكائن المرعب مرة أخرى.

3- لقاء مباشر مع "المصنقل"

يروي أحد الرجال أنه تعرض لمطاردة "أبو السلاسل" في أحد الأزقة، لكنه استطاع الإفلات منه عن طريق القفز فوق ساقه الممتدة في الطريق. لكن عند تكرار الحيلة، قرر تغيير استراتيجيته والزحف من تحت قدمه، مما أدى إلى اختفاء "أبو السلاسل" على الفور.

4- تجربة مرعبة في السعودية

في تجربة يرويها أحد الأشخاص من منطقة جازان في السعودية، يذكر أنه سمع عن "أبو السلاسل" من أقاربه، لكن لم يصدق الأمر حتى واجه بنفسه صوت السلاسل يُجرّ بالقرب من منزله ليلاً. وعندما فرّ هاربًا إلى البيت، سمع صوت ضربة قوية على بابه، واكتشف في صباح اليوم التالي أن كلب جاره قُتل بطريقة غامضة، وعليه آثار جروح غريبة.

أبو السلاسل في الأدب الشعبي والتلفزيون

أولى الباحث الإماراتي عبد العزيز المسلم اهتمامًا خاصًا بشخصية "أبو السلاسل" في كتابه "خراريف"، الذي وثّق فيه عشرين شخصية خرافية من الموروث الشعبي الإماراتي، مثل "أم الصبيان"، "بابا درياه"، و"أم الدويس". ويُفسر الكاتب هذه الحكايات بأنها كانت وسيلة لتربية الأطفال وصيانة العادات والتقاليد، فضلاً عن دورها في حماية المجتمع من المخاطر.

كما جُسدت هذه الشخصية في برنامج تلفزيوني عُرض عام 2002 على قناة الشارقة، تحت عنوان "خراريف"، حيث استعرض البرنامج أشهر الشخصيات الأسطورية في الموروث الشعبي الخليجي، مقدمًا محتواه بأسلوب درامي يجمع بين الترفيه والتوعية.

هل "أبو السلاسل" حقيقة أم خرافة؟

بين من يؤمنون بوجوده ومن يعتبرونه مجرد وسيلة ترهيب للأطفال، تبقى أسطورة "أبو السلاسل" واحدة من أكثر الحكايات المرعبة التي رسخت في ذاكرة الخليج العربي. قد يكون صوت احتكاك الأمواج بالساحل هو ما ألهم هذه الأسطورة، لكن من يدري؟ ربما كان هناك في الماضي رجل مُعذب يحمل سلاسله الثقيلة، أو ربما لا تزال هناك حقيقة خفية وراء هذه الحكاية المخيفة.



إعدادات القراءة


لون الخلفية