مرت أيام قليلة منذ أن اكتشفت ليان قوة المفكرة، ومنذ لقائها بالكائن الحكيم في الغابة السحرية، لم تجرؤ على استخدامها مرة أخرى. كانت تشعر بثقل المسؤولية والخوف مما قد يحدث إذا استمرت في كتابة أمنياتها. جلست كل يوم في غرفتها، تنظر إلى المفكرة وهي تتساءل: "هل يجب أن أستخدمها مرة أخرى؟"
لكن الفضول كان يتزايد داخلها. كانت تحلم بالكثير من الأشياء التي يمكن أن تتحقق بمجرد كتابة جملة صغيرة. ماذا لو استطاعت السفر عبر الزمن؟ أو مقابلة شخصيات خيالية؟ أو حتى العيش في قصر ضخم؟
في إحدى الليالي، بعد أن أغلقت كل الأنوار وجلست في غرفتها الهادئة، قررت ليان أن تختبر المفكرة مرة أخرى، لكن هذه المرة بحذر. أرادت أن تعرف ما هي الحدود الحقيقية لهذه القوة. فتحت المفكرة ببطء، وكتبت:
"أتمنى أن أعيش يومًا كاملاً في قلعة ضخمة مليئة بالغرف السرية والممرات الغامضة."
أغلقت المفكرة ببطء ووضعتها بجانب السرير، ثم استلقت وهي تشعر بالترقب والخوف في آنٍ واحد. لم تمر سوى لحظات قليلة حتى بدأت تشعر بشيء غريب يحدث. عينيها بدأت تثقلان، وأحست بأنها تغفو تدريجيًا. لكنها لم تكن غفوة عادية، بل شعرت وكأنها تُسحب نحو عالم آخر.
عندما فتحت عينيها، كانت المفاجأة تنتظرها.
القلعة السحرية
وجدت ليان نفسها في وسط قاعة ضخمة من الرخام اللامع، محاطة بجدران شاهقة ومزينة بلوحات فنية قديمة. الأرض كانت مغطاة بسجاد فخم، والثريات المضيئة تتدلى من السقف المرتفع. كانت في قلعة ضخمة، تمامًا كما كتبت.
نظرت ليان حولها بذهول: "لقد تحقق الحلم مرة أخرى!". لم تكن هذه المرة مجرد غابة أو طيران، كانت الآن في عالم جديد تمامًا، قلعة خيالية مليئة بالغموض.
بدأت تستكشف القلعة بحذر، تمشي عبر الممرات الطويلة المغطاة بالسجاد الأحمر، وتفتح الأبواب الثقيلة المؤدية إلى غرف واسعة. كانت كل غرفة تحتوي على سرير ضخم أو مدفأة مشتعلة، والهواء كان مليئًا برائحة الكتب القديمة.
بينما كانت تتجول، شعرت بشيء غريب. القلعة بدت فارغة تمامًا، لم يكن هناك أحد. "أين الجميع؟" تساءلت ليان بصوت منخفض. كان المكان هادئًا بشكل غريب، كأنه مهجور منذ زمن طويل.
لكن في قلبها، شعرت بأن هناك شيئًا غامضًا يختبئ في هذا المكان. "لابد أن هناك سرًا وراء هذه القلعة." فكرت ليان وهي تواصل استكشافها. وجدت ممرًا ضيقًا يؤدي إلى باب صغير خلف إحدى اللوحات الكبيرة. فتحت الباب ببطء ودخلت، لتجد نفسها في ممر سري مظلم.
الممر كان ضيقًا وطويلاً، وأضواؤه الخافتة ترسم ظلالًا على الجدران الحجرية. بدأت ليان تشعر بالقلق، لكنها كانت مصممة على معرفة ما يوجد في نهاية هذا الممر. بعد دقائق من المشي الحذر، وصلت إلى باب خشبي قديم. فتحت الباب ببطء لتجد نفسها في غرفة صغيرة مليئة بالكتب والمخطوطات القديمة.
في وسط الغرفة، كانت هناك طاولة كبيرة وعليها كتاب مفتوح. اقتربت ليان بحذر لتنظر إلى الكتاب. كان مليئًا برموز غريبة وكلمات لا تفهمها. لكنها شعرت بشيء قوي ينبعث من هذا الكتاب.
بينما كانت تحاول قراءة بعض الجمل، سمعت صوتًا خلفها. "أخيرًا، وصلتِ إلى المكان الذي كنت أنتظرك فيه."
تجمدت ليان في مكانها والتفتت ببطء لتجد شخصية غامضة تقف عند مدخل الغرفة. كان رجلاً طويل القامة، يرتدي رداءً أسود ومغطى بالظلال. عيناه كانتا تلمعان بلمعان غامض.
قالت ليان بصوت مرتعش: "من أنت؟ وكيف تعرفني؟"
أجاب الرجل بصوت هادئ لكنه مخيف: "أنا حارس هذه القلعة. كل من يستخدم المفكرة السحرية يصل إلى هنا في النهاية."
شعرت ليان بالخوف والقلق، وقالت: "ماذا تعني؟ ماذا تريد مني؟"
ابتسم الرجل وقال: "المفكرة ليست كما تظنين. كل حلم تكتبينه يربطك بهذا المكان، وكلما استخدمتها أكثر، كلما أصبحتِ أقرب إلى عالم لا يمكنك الهروب منه."
شعرت ليان بصدمة كبيرة. لم تكن تعرف أن المفكرة يمكن أن تكون بهذه الخطورة. "هل يعني هذا أنني محبوسة هنا؟"
أجاب الرجل بنبرة غامضة: "ليس بعد. لكن كلما ازددتِ في استخدام المفكرة، كلما أصبحتِ جزءًا من هذا العالم. كل حلم يتحقق يستهلك جزءًا من حريتك."
شعرت ليان بالرعب وقالت: "لكنني لم أكن أعلم... لم أكن أعلم أن هناك ثمنًا لكل هذا."
اقترب الرجل منها وقال: "الآن أنتِ تعلمين. لديكِ خيار: إما أن تتخلي عن المفكرة وتعودي إلى حياتك الطبيعية، أو تستمري في استخدامها وتواجهي العواقب التي لا يمكنكِ التنبؤ بها."
شعرت ليان بالتردد. كانت ترغب في التوقف، لكنها في نفس الوقت كانت تشعر بفضول كبير تجاه ما يمكن أن تحققه المفكرة. ماذا لو كانت هناك أشياء أخرى يمكن أن تتحقق؟ لكن كلمات الرجل كانت واضحة: هناك ثمن لكل حلم.
قالت ليان بصوت خافت: "كيف يمكنني العودة؟"
أجاب الرجل: "المفكرة ستعيدكِ إذا كتبتِ فيها رغبتكِ في العودة. ولكن تذكري، مع كل عودة، يصبح العالم الواقعي أقل واقعية."
تراجعت ليان عن الكتاب وقالت بقلق: "لا أريد أن أفقد واقعي. أريد العودة الآن."
أمسكت المفكرة وكتبت بسرعة: "أريد العودة إلى عالمي."
في لحظة، اختفى الرجل والغرفة من حولها، وعادت ليان إلى غرفتها، تجلس على سريرها وهي ترتجف من الخوف.
التفكير في العواقب
جلست ليان في غرفتها بعد تلك التجربة وهي تفكر في كل ما حدث. الآن، كانت تعلم أن المفكرة تحمل قوة أكبر مما كانت تتوقع، وقوة كهذه تأتي مع مسؤولية كبيرة. فهمت أخيرًا أن كل حلم يحقق شيئًا، لكنه يأخذ شيئًا في المقابل.
قالت لنفسها: "ربما حان الوقت لأتوقف عن اللعب بهذه القوة."
وضعت المفكرة جانبًا، وهي تعلم أن عليها التفكير جيدًا قبل أن تستخدمها مرة أخرى.