الفصل الثاني
كانت على وشك توديع والدتها عندما رأتها تلتقط حقيبه يدها وتذهب معها ، سألتها حياة مستنكره :
-ماما ! انتى رايحه فين ؟؟..
تنهدت أمنه بنفاذ صبر :
-هكون رايحه فين يا حياة يعنى , مانتى عارفه ..
زفرت حياة بحنق مُبديه اعتراضها :
-يا ماما كفايه بقى , الله يخليكى ابعدى عنه واقعدى وكفايه كده ..
اجابتها امنه بحده :
-اقعد ازاى يا حياة !! مانتى عارفه كويس اللى فيها !! عايزانى اسييله الشغل عشان ينفذ تهديده ويسجن ابوكى ..
اجابتها حياة والكره يملؤ نبرتها:
-ايوه سبيه , انتوا اللى بتدوله الفرصه يتحكم فيكم ويوصل للى هو عايزه لما بتوافقوا على ابتزازه ده , لو كلكم بتفقوا قدامه وتقولوله لاء بعلو صوتكم مكنش عرف يتحكم فيكم بالشكل ده ..
قاطعتها آمنه بتأنيب واضح :
-انتى بتقولى كده بس عشان ابوكى ميهمكيش , لو كان بيضغط عليكى بحد مهم كان زمان رأيك اختلف ..
ااطرقت حياة رأسها للأسفل بخجل فهى تعلم بصحه حديث والدتها حتى لو لم تعترف بذلك ، فمن اكثر الأشياء التى تمد فريد رسلان بقوته هى قدرته على معرفه نقط ضعف من امامه ثم استخدامها ضده بدون رحمه حتى يخضع لطلباته ، وهذا ما فعله مع والدتها فهو يعلم جيداً ان حياة لن تهتم بما يصيب والدها لذلك تحول تهديده إلى من يهتم لامره ، اللعنه عليه لو فقط يعلم كم تمقته وتحتقره .
*****************
تحركت حياة للخارج بجانب والدتها لترى محمود واقفاً ينتظرها عن مقدمه الشارع، ابتسمت بخجل وهى تراه ينظر لها بأعجاب واضح ، كانت حياة فتاه عاديه قصيره القامه ذو جسد ضئيل ولكن متناسق بشكل مغرى ، ذو بشره حنطيه ناعمه ووجه مستدير تزينه ملامح صغيره بعيون سوداء فاحمه واهداب طويله للغايه وشعر ناعم كثيف يماثلها فى السواد ، ولكنها أيضاً كانت مثل جميع الفتيات تمتلك جمالها الخاص الذى يميزها واهم ما كان يميز حياة إلى جانب شخصيتها الانثويه الرقيقه للغايه والمتناقضة ما بين القوه والحساسية هى نظره عينيها ، لقد انعم الله عليها بنظره عين حالمه تجذب الجميع إليها ، وكم سمعت عبارات كثيره ما بين المتعجبه والحاسده لتلك النظره ، تقدم منها محمود يلقى التحيه بأدب على والدتها أولاً ثم يخصها بالحديث متسائلاً :
-حياة , جاهزه ؟..
اومأت له برأسها موافقه قبل ان تودع والدتها ويذهب كلاً فى طريقه .
كان محمود موظف شئون الطلبه فى الجامعه التى تدرس بها يكبرها ب٤ سنوات وذو شخصيه حنونه مستقيمه وهذا بالظبط ما دفع حياة للقبول به ، لم تكن علاقتهم مبنيه على قصه حب ، فقد اقتصر تعاملها معه على دراستها فقط حتى فوجئت به فى احدى الايام يطلب منها موعد رسمى لمقابله والدها وطلب يدها وبناءاً عليه وافقت ، لم تدرى اهو عناداً بوالدتها التى ارتعدت أوصالها بمجرد سماعها خبر طلب شخص اخر خطبتها او تحدياً لذلك المتجبر الذى يخشاه الجميع وينتظرها ام عناداً بشخصها ، كل ذلك ليس مهم ، المهم انها وافقت وان محمود شخص جيد يعاملها بحنان افتقدته من بطلها الاول ، وصلا إلى حرم الجامعه فالتقت بصديقتها مريم تنتظرها بتأفف :
-ايه يابننننتى اتاخرتى ليييييه بقالى ساعه مستنياكى ..
ثم التفت إلى محمود تلقى عليه التحيه باقتضاب فانسحب من بينهم متمتاً :
-حياة , انا هروح اخلصلك الشهاده وارجع على طول مش هتاخر ..
اومأت براسها له موافقه :
-تمام وانا ومريم قاعدين هنا لحد ما تخلص ..
تحرك على الفور يصعد الدرج عندما التفتت حياة تؤنب مريم :
-يابنتى فى ايه مالك ؟, مش طايقه محمود ليه ؟..
اجابتها مريم بصدق :
-بصراحه يا حياة دمه تقيل , وبعدين مش حاساه لايق عليكى خالص , يابنتى ادى لنفسك فرصه تخبى وتتحبى, ليه قافله على نفسك كده ؟؟ حرام تتجوزى من غير حب ولا مشاعر ..
نظرت إليها حياة بجفاء :
-مشاعر ايه وكلام فارغ ايه !! الحياه الواقعيه مفيهاش الكلام ده , وبعدين مش يمكن احبه بعد الجواز ؟!.. مادام هو شخص كويس ومتفاهم مش هحتاج اكتر من كده .. وبعدين يا فيلسوفه عصرك انا مفطرتش لدلوقتى , ممكن تسيبك من نصايحك دى وتيجى نشوف اى حاجه اكلها ..
هزت مريم راسها بيأس وهى تدفعها للأمام :
-اتفضلى , انا مش عارفه انتى ايه !! انسانه معدومه الاحساس !! ..
ثم رفعت راسها تنظر للسماء متمته بطريقه دراميه :
-يارب البت دى توقع على رقبتها وتحب واحد وتيجى تعيطلى وتقولى مقدرش اعيش من غيره يا مريم .. وانك يا مريم كان عندك حق وان الحب ده احلى حاجه فى الدنيا ..
نظرت لها حياة متهكمه :
-فى احلامك ..
ثم ركضت امامها تتبعها مريم وهى تدب بأرجلها فى الارض من شده الغيظ ..
*****************
التقط فريد هاتفه مجيباً بنفاذ صبر ووقاحه معتادة:
-اتكلم !!..
صمت قليلاً يستمع بأهتمام وعينيه تضيق بتركيز مع كل كلمه تخرج من الطرف الاخر ثم هب واقفا يسأل بغضب :
-انت متأكد من الكلام اللى قلته ده !! اقسم بالله لو طلع مش حقيقى لادفنك مكانك ..
صمت مره اخرى ثم سأل وهو يتحرك من مقعده داخل المكتب يلتقط بيده الفارغه معطفه ومفاتيح سيارته :
-يعنى هى فى الكليه دلوقتى وهو معاها ؟..
جاءته الاجابه من الطرف الاخر قبل ان يغلق هاتفه دون وداع وينطلق للخارج بوجه غاضب وجسد منتفض .
*****************
كانت حياة واقفه مع زميلتها مريم عندما شعرت يقبضه قويه داخل صدرها لم تدرى ما سببها ولكنها عندما رفعت راسها علمت جيداً لماذا شعرت بذلك فهناك زوجين من العيون الناريه تحدق بها بقوه ، شهقت بفزع وهى تتمسك بيد مريم التى التفت فوراً على حركه صديقتها لتسألها ماذا اصابها ، تمتمت حياة بكلمات غير مفهومه التقطت منها مريم اسم فريد فسألتها مستفسره :
-ماله فريد يابنتى ؟؟..
همست حياة برعب وهى غير قادره عن تحريك عينيها من امامه :
-فريد هنا ..
شهقت مريم بدورها قبل ان ترفع راسها للبحث عنه ، بالطبع لم تكن مهمه صعبه فهاهو يقف باسترخاء وتفاخر على مقدمه سيارته يرتدى بدلته الفخمه ونظارته الشمسيه عاقداً كلتا ذراعيه امام قفصه الصدرى بتأهب ، سمعت حياة مريم تتمتم بأعجاب :
-واو .. ده حلو اوى يا حياة مكنتش متوقعه ان شكله حلو كده ..
نهرتها حياة بعنف :
-انا فى ايه وانتى فى ايه يا مريم .. ايه اللى جابه هنا دلوقتى ..
ثم شهقت بفزع :
-يانهار منيل !! محموود !! ده لو شافه هتبقى ليلتنا مش معديه ..