الفصل الثالث عشر

لانت نظراته وهو يرى ارتجاف يدها الناعمه التى تحيط بوجهه ونظرتها المتوسله وملامحها التى على وشك الإغماء من رعبها فأنزل يده ووضع هاتفه مره اخرى داخل ردائه ، وبالرغم من انه أرخى قبضته عليها وترك لها المساحه لتتحرك بحريه وفى ظروف اخرى كانت لتهرب من لمسته مسرعه الا انها فى تلك اللحظه كانت تشعر ان الشئ الوحيد الذى يحول بينها وبين سقوطها أرضاً هو جسده الذى يحاوطها ، فهى تشعر ان قدميها كالهلام لا يقدران على حملها ، حاولت تهدئه ضربات قلبها والسيطره على ارتجافها حتى تستطيع الذهاب من امامه ولكنها لم تتجاوز صدمه انها كانت على وشك وضع محمود فى دائره الخطر مره اخرى ، لقد اختبرت مرحله جديده كلياً من الرعب بالنسبه لها ، فهى منذ اصرار والدها على انتقالهم من القصر إلى ذلك الحى المتواضع الذى يقع به منزلهم قد اعتادت على الصراخ والعنف من جميع قاطنيه إلى جانب عنف والدها وصياحه المعتاد ، ولكن غضب فريد كان شئ اخر ، غضب يحرق معه الاخضر واليابس ويجعلها تشفق كثيراً حتى على اعدائه ، رفعت جفونها تنظر إليه حتى تستطيع قراءه ما بداخلهما وان كان ذلك مهمه مستحيله ولكن كانت تريد الاطمئنان اذا كان صدق حديثها ام انه فقط يجاريها ،
التقط هو نظره العتب التى رمقته بها ، نعم لم يخطأ تفسير نظرتها فقد كانت عتاب خالص ، زفر بضيق وهو يرى حالتها تلك امامه وبسببه هو ، لعن نفسه سراً فقد تفوق عليها فقط وارعبها بسبب تفوق قوته الجسدية لا اكثر ، لوى فمه بسخريه وهو يفكر هل استطاع فعلاً التفوق عليها بأى شئ !! حتى قوته الجسدية ونفوذه لا تعطى له الافضلية ، فالافضليه فقط موجوده داخل تلك النظرات التى تصرعه أرضا بنظره توسل واحده ترمقه بها ، رفع كفيه يحاوط راسها ثم طبع قبله رقيقه فوق جبينها حاولت هى بكل قوتها تحاشيها قبل ان يتركها وينصرف ..

***********

حركت قدميها ببطء بعد خروجه ترتمى على اقرب مقعد يقابلها وتترك لدموعها العنان ، لقد تلقت منذ قليل هزيمتها الثانيه من فريد رسلان وخضعت له فى اقل من أسبوعان ، وفى المرتان تنازلت من اجل أشخاص اخرين غيرها ، فكرت بحزن يبدو انه علم جيداً نقطه ضعفها وان ايامها التاليه معه ابداً لن تمر بسلام ، ظلت هكذا طوال يومها تقبع بهدوء فوق احد المقاعد فى صاله الاستقبال ، لم تتناول شئ ولم تتحدث مع احد فتلك كانت طبيعتها التى لم يعرفها الكثيرين ، كانت شديده التأثر ومرهفه الحس حتى وان حاولت اخفاء ذلك عن عيون الجميع واظهار الصلابه والقوه ولكنها كانت بتتأثر بأقل صراخ او حركه عنف امامها والفضل فى ذلك يعود إلى والدها الذى كان يملئ المنزل يومياً بصراخه عليها بمجرد رؤيتها امامه ، حاولت السيده عفاف اخراجها من حالتها تلك او حثها على تناول شئ ما ولكنها رفضت بشده ، وعند حلول المساء تفاجئت بأمرأه تقارب فريد فى السن بشعر بنى ناعم وجسد رشيق طويل وعيون مشابهه للون عينيه تقتحم المنزل دون استئذان وتمشى بخطوات واثقه حتى توقفت امام حياة تسألها بعجرفه واشمئزاز واضحين وهى تشير إليها بسبابتها :
-ها انتى بقى اللى اسمك حياة ولا فى شغاله تانيه هنا شبهك ؟!..
نفضت حياة رأسها ثم نهضت من فوق مقعدها وهى تعقد حاجبيها معاً وتكتف ذراعيها فوق صدرها فى حركه معتاده منها عند الهجوم ثم اجابتها قائله بكبرياء :
-ايوه انا حياة .. وبيتهيألى البيت ده له احترامه !! مش بندخل بيوت الناس كأننا حيوانات كده ؟!! ..
اجابتها نيرمين مهاجمه :
-يااااى .. حيوانات !! ايوه طبعاً ما انا هستنى ايه من واحده بنت خدامه وتربيه خدامين !! ..

لوت حياة فمها بسخريه قبل ان تجيبها بنبره هادئه لآثاره غضبها :
-ياما فى ناس لابسه كويس بس تربيتها اقل بكتير من تربيه الخدامين اللى مش عجباكى ده وانا قدامى مثال حى على كلامى اهو ..

شهقت نيرمين بصدمه وهى تضرب قدميها فى الارض بغيظ قبل ان تقول لها :
-انا مش هرد عليكى عشان اخلاقى متسمحليش .. انا بس جايه اقولك انك لو فاكره ان كده كسبتى بجوازك من فريد وهتاخدى الجمل بما حمل تبقى غلطانه .. صدقينى على جثتى فلوسنا تطلع لابن الخدامه ومراته !! ..

فتحت حياة فمها لتسألها من انت ولكن اوقفها صوت فريد الذى دلف من الخارج يسأل بعبوس وتأهب ناظراً نحو شقيقته :
-نيرمين !! انتى بتعملى ايه هنا فى بيتى وانا مش موجود ؟!!!! ..

نظرت له اخته بغل قبل ان تجيبه قائله بمرح وهى تحاول تبديل ملامحها :
-ولا حاجه .. كنت ببارك الهانم الجديده على الجوازه الهنا دى .. مانت عارف انت حتى مسمحتلناش نحضر الفرح فقلت اعرفها بأخت جوزها ..

تقدم فريد فى اتجاههم وهو يقول لها بعبوس وحده:
-محدش طلب منك تتعبى نفسك وتعرفى نفسك لحد مش عايز يعرفك اصلا !! ودلوقتى لو خلصتى كلامك اتفضلى من غير مطرود ..

حدجته بنظره كرهه قبل ان تجيبه بعدم اهتمام :
- انا كده كده كنت ماشيه واللى عايزه اقوله خلص ..

انهت حملتها ثم وجهت حديثها لحياة تسالها بتهديد:
- عايزه حاجه يا حياة هانم !! متنسيش اللى قلته من شويه..
نظرت حياة إليها مطولاً قبل ان تقول وهى تشير إليها وإلى فريد بإصبعها :
- عايزاكى تاخدى اخوكى فى طريقك وتحلوا عنى ..
ثم تركتهم وتحركت نحو غرفتها دون النظر خلفها ..

************

بعد عده دقائق كانت حياة تجلس على طرف الفراش ويدها تتمسك بالشرشف بقوه من شده غضبها ، تنفست سريعاً عده مرات متتالية ثم استغفرت قليلاً مثلما اعتادت من والدتها فى محاوله منها لتهدئه غضبها المتزايد من تلك العائله التى يتسم جميع أفرادها بالوقاحة ، سمعت طرقات خفيفه فوق الباب المشترك بينهم ، ارادت تجاهله وخصوصا بعد ما حدث بينهم فى الصباح ولكنها خشت ان يقتحم الغرفه عنوه اذا لم تجيبه لذلك تحركت على مضض من مقعدها واتجهت نحو الباب لتفتحه ثم وقفت امامه بهدوء ترفع احدى حاجبيها بسؤال لم تفصح عنه ، التوت شفتيه بنصف ابتسامه جانبيه وهو يراها تعقد ذراعيها امامها فعلم بأستعدادها للهجوم فى اى لحظه ، كان لايزال يحتفظ بجزء من غضبه منذ الصباح ورؤيته تلك المسماه اخته قد زاد من حنقه لذلك سألها مباشرة دون مقدمات :
-كانت هنا ليه وعايزه ايه منك وقالتلك ايه بالظبط ؟!..
اجابته بلامبالاه متعمده قائله :
-ولا حاجه .. شويه كلام تافه ملهوش لازمه ..


إعدادات القراءة


لون الخلفية