قصة أصحاب الأخدود

تمر الأيام وتتوالى الاكتشافات المثيرة لأصحاب الأخدود في جنوب المملكة العربية السعودية، ومعها تكشف الأسرار عن مدينة شهدت حريقًا هائلًا قبل أكثر من 1500 عام. كانت هذه المدينة مسرحًا لجريمة شنيعة ارتكبها الملك ضد سكانها بسبب اعتناقهم الدين المسيحي، وهو ما ورد ذكره في القرآن الكريم.

قال الله تعالى:
(وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الْبُرُوجِ (1) وَالْيَوْمِ الْمَوْعُودِ (2) وَشَاهِدٍ وَمَشْهُودٍ (3) قُتِلَ أَصْحَابُ الْأُخْدُودِ (4) النَّارِ ذَاتِ الْوَقُودِ (5) إِذْ هُمْ عَلَيْهَا قُعُودٌ (6) وَهُمْ عَلَى مَا يَفْعَلُونَ بِالْمُؤْمِنِينَ شُهُودٌ (7) وَمَا نَقَمُوا مِنْهُمْ إِلَّا أَن يُؤْمِنُوا بِاللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ (8)).

مدينة الأخدود الأثرية

تقع مدينة الأخدود الأثرية، أو الرقمات، على مساحة 5 كيلومترات مربعة على الحزام الجنوبي من وادي منطقة نجران (جنوب السعودية). على مر السنين، كانت المدينة تجمع الكثير من الأسرار والغموض، ومع عمليات التنقيب والحفر التي استمرت لعشر سنوات، بدأت بعض هذه الأسرار تتكشف.

قصة الغلام

تدور القصة حول غلام صغير، لم يبلغ الحلم بعد، يعيش في عهد ملك ظالم يدعي الألوهية. كان لهذا الملك ساحر يستعين بالجن ليخبره بأسرار الناس، مما جعل الملك يبدو كأنه يعلم الغيب. عندما كبر الساحر، طلب من الملك أن يبعث له غلامًا فطنًا ليعلمه السحر ويورثه هذا العلم. بعد بحث طويل، وجد الملك غلامًا مناسبًا وأرسله إلى الساحر.

بدأ الغلام يذهب إلى الساحر صباحًا ليتعلم منه السحر ويعود مساءً إلى أهله. وفي أحد الأيام، بينما كان الغلام يسير، مر براهب يصلي ويتعبد. جلس الغلام إلى الراهب وأعجبه كلامه، فسأله: "ما تعبد؟" قال الراهب: "أعبد الله." قال الغلام: "الله.. الملك؟" قال الراهب: "لا، بل ربي وربك ورب الملك." فآمن الغلام بالله وبدأ يتلقى دروسًا في الدين من الراهب.

بدأ الغلام يتأخر على الساحر بسبب جلوسه عند الراهب، فشكا الساحر وأهله ذلك إلى الراهب. فأخبره الراهب أن يقول للساحر: "حبسني أهلي"، وأن يقول لأهله: "حبسني الساحر"، كلما تأخر على أحدهما.

معجزة الغلام

ذات يوم، بينما كان الغلام يسير، رأى دابة عظيمة حبست الناس عن الطريق. قال في نفسه: "اليوم أعلم، الراهب أفضل أم الساحر أفضل؟" فأخذ حجرًا من الأرض وقال: "اللهم إن كان أمر الراهب أحب إليك من أمر الساحر، فاقتل هذه الدابة حتى يمضي الناس." ثم رمى الدابة بالحجر فقتلها.

اندهش الناس وقالوا: "لقد علم هذا الغلام علمًا لم يعلمه أحد." انتشر خبر الغلام وذاع صيته. وعندما علم الملك بقصته، أمر بإحضاره. حاول الغلام نشر الدين بين الناس وشفي المرضى بأمر الله، مما أثار غضب الملك.

تعذيب الغلام

أمر الملك بإحضار الغلام وسأله عن كيفية شفاء الناس، فأجابه الغلام أن الله هو الشافي. غضب الملك وأمر بتعذيب الغلام وإلقائه من جبل عالٍ. لكن الغلام دعا الله أن ينجيه، فسقط الجنود وماتوا ونجا الغلام. عاد الغلام إلى الملك وأخبره بما حدث.

غضب الملك مجددًا وأمر الجنود بإلقاء الغلام في البحر. دعا الغلام الله أن ينجيه، فغرق الجنود ونجا الغلام مرة أخرى. عاد الغلام إلى الملك وقال له: "لن تستطيع قتلي إلا بطريقة واحدة." سأله الملك عن الطريقة، فأخبره الغلام أن يجمع الناس في مكان واحد ويصلبه على جذع شجرة، ثم يأخذ سهمًا من كنانته ويقول: "بسم الله رب الغلام"، ثم يرميه بالسهم.

فعل الملك كما قال الغلام، وعندما رماه بالسهم وقال: "بسم الله رب الغلام"، أصاب السهم الغلام ومات. عندها قال الناس: "آمنا برب الغلام." غضب الملك وأمر بإشعال النيران في الأخدود وإلقاء المؤمنين فيها. استشهد الكثيرون في هذا الحريق، وذكر الله قصتهم في القرآن الكريم.

اكتشاف مدينة الأخدود

مع مرور الزمن، بقت آثار مدينة الأخدود شاهدة على الحادثة. العظام الهشة السوداء والرماد الكثيف لا تزال موجودة حتى اليوم. تعد مدينة الأخدود من أهم المواقع الأثرية في المملكة العربية السعودية، حيث تجمع الكثير من الأسرار التي تروي قصة أصحاب الأخدود كما وردت في القرآن الكريم.

الخاتمة

قصة أصحاب الأخدود تذكرنا بقوة الإيمان والثبات على العقيدة، حتى في وجه الظلم والطغيان. رغم مرور الزمن، تبقى آثارهم تذكيرًا لنا بأهمية الإيمان بالله والصبر على البلاء.



إعدادات القراءة


لون الخلفية