سلمان الفارسي هو صحابي جليل وله شأن عظيم وكبير جداً وهام بين صحابة رسول الله – صلى الله عليه وسلم -، وله مكانة عظيمة كبيرة، لم تتحصل لكثير من الصحابة غيره، فقد قال الرسول – صلى الله عليه وسلم - " إنه لم يكن نبي قبلي إلا وأعطي سبعة رفقاء نجباء وزراء وإني أعطيت أربعة عشر: حمزة وجعفر وعلي وحسن وحسين وأبو بكر وعمر والمقداد وعبد الله بن مسعود وأبو ذر وحذيفة وسلمان وعمار وبلال " كما قال في موقف آخر " "سلمان منا أهل البيت".
الإنسان في حياته يجب أن يكون باحثاً عن الحقيقة، يسعى إليها ويحاول أن يتعرف عليها، فقد خلق الإنسان لأجل هذه الغاية، وإذا أراد الإنسان ان يتعرف إلى شخص عادي ليس نبياً ولكنه يمتلك عقلاً طامحاً إلى الوصول إلى الحقيقة غير مربوط بعصبيات أو بأفكار أو بأي شئ آخر فحري به أن يتعرف على قصة سلمان الفارسي.
قصة سلمان الفارسي
هو روزبه أو مأبه بن يوذخشان، من منطقة أصفهان في إيران، أما قصة إسلامه فرواها هو، حيث كان سلمان رجلاً فارسياً من أصفهان وكان هو ابن ذهقان القرية، ومن شدة حب أبيه له حبسه في المنزل ومنعه من الخروج، وكان متديناً بالدين المجوسي ومن شدة مكانته وعلوها كان هو "قطن النار" أي من يوقد النار. وذات يوم مر من أمام كنيسة للنصارى، وسمع أصواتاً منها، حيث كان الناس فيها يصلون، حيث اندهش من هذه الصلاة، فلم يكن يعرفها، وذلك بسبب حبس أبوه له، فأعجب بالصلاة وبهذا الدين، فقضى وقتاً طويلاً بالكنيسة، فلما رجع إلى بيته أخبر أباه بما ورأى وأخبره بنيته باعتناق هذا الدين، فرفض أبوه الفكرة، فأصر سلمان، فما كان من أبيه إلا أن ربطه وقيده حتى لا يخرج ويتنصر. وكان قد سأل من رآهم في الكنيسة عن أصل دينهم فأخبروه أنه في الشام، فطلب منهم ان يبعثوا إليه عندما يقدم وفد عليهم من الشام. وفعلاً قدم وفد من الشام وعلم بقدومهم واستطاع الإفلات وهرب من حبسه معهم.
وصل سلمان إلى الشام، وسأل عن أفضل عالم بهذا الدين، فدلوه على أسقف نصراني، فأخبره بنيته باعتناق دينه، وبنيته ان يخدمه ويتعلم منه تعاليم هذا الدين. وفعلاً بدأ سلمان يتعلم من هذا الأسقف، وعلى عكس المتوقع فقد كان هذا الأسقف رجلاً سيئاً لصاً محتالاً يأخذ اموال الناس بالباطل وباسم الدين – وما أكثر هؤلاء الناس فهم موجودون بكل زمان ومكان وهم ليسوا حكراً على دين معين بل موجودون في كل الأديان والملل -، فكرهه سلمان لأفعاله المشينة، والتي قد تشوه صورة دينه قبل صورته -، فمات هذا الأسقف، وعندما اجتمع الناس عليه، فدلهم سلمان على المكان الذي كان يخبئ فيه أموالهم، وكشف سره للناس. بعدها جاء أسقف جديد للكنيسة وكان هذا الأسقف الجديد رجلاً صالحاً زاهداً عابداً فأحبه سلمان حباً شديداً وتعلق به كثيراً، وأقما معه مدة طويلة، ولما اقتربت منية هذا الأسقف، فأوصاه الأسقف بان يذهب إلى الموصل، فإن فيها رجلاً ما بدلت اخلاقه ولا تغيرت صفاته، فقد بقي متديناً خلوقاً على عكس كل الناس الذين عرفهم هذا الأسقف. وذهب سلمان مرة أخرى إلى الموصل ليلتحق بهذا الرجل، وعندما وصل استدل على مكانه وأقام عنده، فوجده كما وصفه صاحبه رجلاً صالحاً، وعندما اقتربت وفاته هو الآخر، أوصاه بالالتحاق برجل آخر بنصيبين هو الآخر متدين وصالح وما بدل ولا تغير، فلما توفي التحق سلمان بهذا الرجل وأقام عنده، فوجده خيراً صالحاً، ثم عندما اقتربت وفاته أوصاه بالالتحاق برجل في عمورية صالح وعابد فالتحق به سلمان، وفي عمورية كسب سلمان بعض البقرات والأغنام عن طريق العمل، وعندما اقتربت وفاة رجل عمورية الصالح، سأله سلمان: إلى من توصي بي، فأخبره أنه لم يعد يعرف رجلاً صالحاً على مثل ما كان عليه هو ومن قبله، وأخبره أيضاً أنه قد اتى زمان نبي على دين إبراهيم – عليه السلام – وأخبره انه سيخرج من بين العرب وعلى أرضهم، وأعطاه صفاته وهي أنه لا يقبل الصدقات لنفسه ولكنه يقبل الهدايا، وأخبره أيضاً أن هناك خاتماً للنبوة بين كتفيه.
مات الرجل الصالح، وبعد مدة من الزمن قدم وفد من العرب إلى عمورية للتجارة، فطلب منهم أن يأخذوه معهم مقابل ما اكتسبه من الغنم والبقر، فوافقوا، وعندما وصولوا إلى منطقة وادي القرى، غدر القوم به، فباعوه إلى رجل يهودي، فأخذه اليهودي معه عبداً، فبقي عنده، وكان يرى النخيل في المنطقة، وفي قرارة نفسه كان يتمنى أن يكون قد وصل المكان الذي أخبره عنه رجل عمورية الصالح قبل وفاته.
وذات يوم قدم على اليهودي رجل من بني قريظة وكان قريباً له، فاشترى سلمان من هذا اليهودي، وأخذه إلى المدينة المنورة – يثرب -، فعرفها مباشرة من وصف الرجل الذي كان مقيماً عنده في عمورية، وعرفها من الحرتين، بعدها بعث محمد في مكة، ولكنه لم يعلم بأخباره بسبب حالة العبودية التي كان عليها إلى أن هاجر النبي – صلى الله عليه وسلم – إلى المدينة المنورة، فبينما كان يعمل إذ سمع رجلاً يشتم الانصار بسبب اجتماعهم مع رجل قدم من مكة المكرمة معتقدين انه نبي مرسل من عند الله، ولقد سمع سلمان هذا القول وهو فوق نخلة، فأقبل على السقوط عنها عندما سمع هذا القول، وأقبل على هذا الرجل الذي سمع منه هذا الكلام وأمسكه وهزه وهو يقول له: ماذا تقول؟ أعد ماذا قلت؟ فضربه سيده ضربة قوية بسبب غضبه من تصرف سلمان آنذاك.
وعندما جاء الليل جمع ما جمعه من طعام وأخذخ وذهب به ليقابل النبي محمداً، وكان في نية سلمان أن يتأكد من العلامات التي قالها الرجل الصالح، فجلس بين يدي رسول الله اول مرة، وبدأ باختباره والتأكد من العلامات، فقدم إليه الطعام على أنه صدقة، وبرر له ذلك بأنه أراد ان يطعمه لانه يعلم انه قادم من سفر وهو متعب، فلم يأكل منه الرسول ووزعه على أصحابه ومن كانوا معه. فعاود سلمان تقديم الطعام له على أنه هدية عندها أكل منه الرسول – صلى الله عليه وسلم -، هنا تاكد سلمان الفارسي من علامتان، وبقيت الثالثة.
توافقت الأقدار أن يموت رجل من المسلمين، وكان رسول الله فيها، حيث كان الدفن في مقبرة البقيع، فبينما كان الرسول جالساً إذ أقبل سلمان وسلم عليه وبدأ بالدوران حول الرسول، ففهم الرسول – صلى الله عليه وسلم – بذكائه الشديد وفطنته وسرعة بديهته أنه يريد ان يرى شيئاً معيناً، فالقى الرسول عن كتفيه الشملة، فظهر الخاتم واضحاً، وفور رؤية سلمان لمنظر الخاتم وتأكده منه، انكب على رسول الله – صلى الله عليه وسلم -، مقبلاً له وهو يبكي، فأخبر الرسول بقصته كاملة، وكان الرسول – صلى لله عليه وسلم – مهتماً بأن يسمع أصحابه أيضاً القصة كاملة أيضاً.
ولم يشهد سلمان لا معركة بدر ولا معركة أحد بسبب حالة العبودية التي كان عليها، ولم يعجب هذا الحال الرسول – صلى الله عليه وسلم – حيث كان يرغب بأن يكون سلمان قريباً منه ومن إخوانه المسلمين، فأمره بأن يتفاوض مع سيده على عبوديته، فاتفق هو وسيده على الفدية المطلوبة، وساعده الرسول بتأديتها، فأعطاه بيضة من ذهب كانت قد أهديت إلى الرسول. وهكذا تحرر سلمان من العبودية، وانطلق ساعياً في رحلة حياته.