الفصل الاول: لقاء غير متوقع في الظلام

اليونان ببحرها الرائع و سمائها الساطعة كانت خيار مصدره لالتقاط الصور. و كان ذلك السبب الوحيد لوجود كايت والش هناك.....حتى قلب فليب اندرونيكوس عالمها الهادئ رغم وحدتها رأساً على عقب.

جاذبيته القوية شدتها بعاطفة لم تكن تعلم أنها موجودة . لقد كان قوياً و صادقاً و كان من السهل جداً عليها أن تقع بحبه. لكنه ينتمى إلى فتاة أخرى و العلاقات العابرة ليست طريقة حياتها المستثمر الكبير و القوى يؤمن بتحقيق كل أحلامه . و بإمكان كايت والش أن تجعل كل أحلامه حقيقة....أن كانت تستطيع وضع ثقتها بقلبها....و بقوة حبه لها.

"ساعدونى ! ساعدونى !"

صرخت كايت بكل قوتها و أضاءت المصباح أمام السيارة البيضاء التى كانت تسير على الطريق الجبلية عند الغروب . ليته يتوقف, هذا ما كانت تفكر به . شدت على المصباح بقوة و أدركت فجأة أنها ستصاب بالرعب . أنها فى السادسة و العشرين من عمرها و لا تصاب بالهلع عادة لكن مع ذلك لم تمر من قبل فى حياتها كلها بهزة أرضية . عملها كمصورة قد وضعها فى أوقات حرجة جداً . لكن هذه التجربة هى الأسوأ . انهار جانب من الجبل ما جعل الأرض تهتز تحت قدميها كذلك انهيار الصخور حولها تجربة لا تريد أن تكررها . و أن تجد السيارة التى استأجرتها كخردة و لا أمل فى قيادتها . لقد مر عليها أكثر من ساعة و هى تجلس هنا, تحارب خوفها من هزة أرضية أخرى . و الآن الأمل فى إنقاذها أصبح قريباً, أضاءت مصباح مجدداً وهى تصرخ:"ساعدونى!"

admob

توقفت السيارة فجأة بحذر أمام منحدر و تنفست كايت براحة بعدها و فجأة تابعت طريقها وراء المنحدر و اختفت عن الأنظار . كل ما كانت تستطيع القيام به هو أن لا تنفجر بالدموع . أسقطت صندوق الكاميرا و تعثرت عبر الصخور المرمية و هى تركض نحو الممر حيث الطريق تختفى عن الأنظار . المكان الذى تنظر أليه هو برارى مقاطعة هالكيديكى فى شمال اليونان . و كل الذى تستطيع رؤيته هو انحناءات من الاراضى للوادى البعيد. هناك نهر يقطع الاراضى كسيف فضى و عدد من أشجار الصنوبر تكاد تخفى وراءها غياب الشمس , لكن لم يكن هناك أى أثر للحياة فى أى مكان . احتفت السيارة و كأنها لم توجد أبداً. لابد أنها مخبأة خلف منحدر من الصخور.

قالت كايت :"تباً !تباً !تباً. علىّ أن أبقى هنا طوال الليل. آه , لِمَا تحدث هذه الأشياء دائماً معى؟"

سارت ثانية نحو السيارة , أدارت المصباح عليها وتجهم وجهها و هى تفكر لم يكن منظرها مشجعاً صخرة كبرة كسرت الواجهة الأمامية مسببة فى انتشار الزجاج على المقعد الأمامى و صخرة أخرى سقطت على السطح . لكن هل ستتمكن هذه السيارة من تأمين مكان  لها لأمضاء الليل أو أنها ستنام تحت صخرة كبيرة؟

نزعت غطاء صوفى من على المقعد الخلفى و وقفت تفكر .

أن حدثت هزه ثانية فهل ستكون الأمور أسوء؟

قالت بقوة:"آه, أتمنى أن تنشق الأرض و تبتلع ذلك الرجل الكريه فى السيارة البيضاء!"

قال صوت عميق بلهجة مرحة :"كم أنت قليلة الإنسانية!" كانت لهجته يونانية بدون شك.

استدارت كايت على الفور و هى تشهق , رأت رجلاً ينظر غليها . رفعت مصباحها و أدارت نوره على وجه الرجل. لابد أنه فى الثلاثين من عمره و مع أنه ليس وسيماً جداً لكن بون شك لديه مظهر قوى . شعر أسود متموج فوق ملامح رأتها آلاف المرات على وجوه يونانية , عينان تشعان بلون بنى وانف دقيق و شفتان قاسيتان لا تبتسمان . كان جسمه نحيلاً و يرتدى بنطالاً رمادياً و قميصاً بيضاء مفتوحة العنق, حيث يظهر سلسلة ذهبية فى عنقه...مع ذلك و على الرغم من ثيابه العادية شئ ما فيه جعلها تعتقد أنه ذو سلطة غنى و شخصية قوية . ربما بسبب الهالة التى تجعله يبدو انه مسيطر . و بتنهيدة شعرت كايت أن التوتر قد فارقها.


قالت بوضوح :"لما تركتنى؟"

أجاب و مازال المرح يظهر فى صوته:"لم أفعل ذلك. عملى مجرد إستراتجية. أعتقد أنه من الأفضل أن أوقف السيارة تحت الحديد الصخرى و هذا قد يؤمن لها بعض الحماية فى حال حدوث هزة أخرى. هذه الأشياء قد تحدث بصورة غير متوقعة , كما تعلمين . و قد تحدث فى أى لحظة"

شعرت برجفة جديدة تجتاحها. قالت و هى تشد على أسنانها:"أعلم ذلك"

تمت بصوت ملئ بالاهتمام :"أنت تشعرين بالبرد و الخوف. تعالى , سنأخذ أغراضك و نذهب إلى سيارتى , و أن رفقنا الحظ سنتمكن من الوصول إلى القرية التالية . و أن لم يحدث ذلك فسيارتى أكثر راحة للنوم فيها من سيارتك"

هذه حقيقة مؤكدة . هذا ما فكرت به كايت ما أن وصلت إلى مكان السيارة البيضاء . فتح منقذها باب السيارة ليظهر داخلها الفاخر و الذى جعلها تفتح فمها مندهشة . كانت المقاعد من الجلد البنى اللون و هناك هاتف فى السيارة مرمى على أحد المقاعد, و هناك حقيبة صغيرة و كلك حقيبة معدة للرحلات القصيرة. شعرت فجأة برداءة حال حقائبها و قدم حقيبة الكاميرا التى تتدلى من بين يديه , بعدها فتح صندوق السيارة و وضع أغراضها هناك بعيدة عن النظر.

قال برضى :"و الآن! المصباح يمكنك وضعه فى صندوق لعبة الغولف . أما الغطاء الصوفى فأعتقد من الأفضل لك أن تضعيه عليك. قد تعانين من الصدمة و لو بعد فترة . و أنا سأهتم بالجرح فى رأسك قبل أن ننطلق"

سألت بحيرة:"الجرح؟"

"على صدغك , ألم تشعرى به؟"

قالت بغباء :"لا, لم أكن أشعر به"

كانت أصابعه ثابتة و لطيفة معاً و هو يعمل . اخرج علبة الإسعافات الأولية, شعرت كايت بلسعة للدواء بعد ذلك بنعومة معجون الدواء ثم ضغط قطعة قماش لاصقة . الإحساس بالأمان و الرعاية جعلها تشعر بدفء كبير , لفت الغطاء الصوفى حولها و اتكأت على المقعد. مهما كان هذا الرجل كان يبعث الهدوء فيها و الرضى . حتى أنها لم تتفاجأ عندما أخرج وعاء للقهوة و قدم لها فنجان قهوة ساخن.

قالت بامتنان :"شكراً لك . أنت حقاً أكثر شخص مدهش سيد....."

"اندرونيكوس. فيليب اندرونيكوس. و أنت الآنسة.....؟"

"كاترين. كاترين والش. لكن عادة يدعوننى كايت"

"كايت؟" قال أسمها بلهجة مستغربة:"يبدو أسم كاختصار لأسمك. ولا يناسب امرأة شابة مثلك . سأناديك كاترينا"

مررت كايت اصابعها فى خصلات شعرها الأشعث و ضحكت .

"هل قلت شيئاً أضحكك؟"

"آسفة. فقط كيف قلت اننى امرأة شابة و جميلة . لا أشعر مطلقاً أننى جميلة. لقد سقطت على الأرض أكثر من اثنى عشر مرة و أنا انحدر عبر ذلك الجبل . بنطالى ممزق و قميصى ملئ بالأوساخ"

"آه , نعم , ثيابك مخيفة , أضمن لك ذلك كما و أن لابد أنها كانت رثة قبل أن تصبح هكذا. لكن هذا الوجه الدائرى و العينان الخضراوان و الشعر الأحمر.....أنا متمسك برأى آنسة والش. أنت امرأة شابة و جميلة جداً"

تحركت كايت بانزعاج سألته و هى تشعر بالضيق مما قاله :"وماذا سأرتدى غير الجينز و قميص عادى إذا كنت أقصد الجبل؟"

قال:"آه, أنت إنكليزية. لهذا لا تتقبلين مديحاً بطريقة عادية؟ أقول لك كم انت جميلة و تتذمرين لأننى لم أعجب بما ترتدين"

اعترضت بحرارة :"أنا لست إنكليزية . أنا من استراليا"

"حسناً , استراليا إذاً . وحباً بالسلام سأعترف أن ثيابك كانت مناسبة تماماً للذهاب إلى الجبال,لكن ماذا كنت تفعلين هناك من البداية؟"

قالت:"التقط الصور. و أنت ماذا كنت تفعل هناك؟"

ابتسم للهجة الانزعاج فى صوتها .

قال :"أنا أنشئ فنادق و كنت فى طريق عودتى من أحدث فندق لى سيتونيا و لقد اخترت الطريق الجبلية . و ربما ذلك من حسن حظك"

"نعم" اعترفت كايت على مضض , أخذت رشفة كبيرة من فنجان القهوة و ابتسمت له:"لا أستطيع أن أخبرك كم شعرت بالسعادة عندما رأيتك تنحدر على طريق الجبل سيد اندرونيكوس . للحظة اعتقدت حقاً...."

توقفت عن الكلام . لمعت عيناه بالعاطفة و مد يده السمراء و لمس شعرها.

قال بنعومة :"أنت بأمان الآن , كاترينا و فى هذه الظروف اعتقد أن علينا عن السيد اندرونيكوس . أسمى فليب. اتفقنا؟"

"حسناً"وافقت و هى تشعر بالأمل.

"جيد, إذاً. انتهى من شرب القهوة لننطلق . إلى أين تتجهين قبل الهزة الأرضية؟"

"نيسيا, أنها قرية على بعد ثمانين كيلو متر من هنا هل تعرفها؟"

"نعم, لكن أشك أننا نستطيع الوصول إلى هناك لكن على الأقل يمكننا المحاولة"

بعد مرور لحظة أعطته فنجانها الفارغ حيث وضعه فى حقيبة فى المقعد الخلفى . بعدها وضع حزام الأمان و أدار المحرك.

قال :"سأسير على مهل . فأنا على صلة بسكرتيرى على الهاتف منذ أن وقعت الهزة و لقد أعطانى معلومات . أن الطريق مفتوحة حتى برغاريكيا لكن من المؤكد أن هناك بعض الصخور عليها . و ألآن اخبرينى عن تلك الصور . أنت خبيرة فى التصوير اليس كذلك؟"

قالت موافقة و قد شعرت بالفضول:"نعم, كيف عرفت؟"

"عزيزتى كاترينا الأمر واضح لديك مجموعة من أكثر من مائة ألف صورة فى تلك الحقيبة . و ما تبقى من محتوياتها لا يستحق عشر الكمية , فأما أنت حمقاء لتصرفى مالك بهذا الشكل أو أنت مصورة محترفة. إذا ماذا تصورين ؟ المناظر الطبيعية؟"

"لا. كنت آخذ صور لمنظر أثرى لشخص أعيش معه. و لقد التقيته فى تركيا منذ عدة أسابيع. الدكتور تشارلى لوكس. رئيس فريق للأثار فى نيسيا"

رفع حاجبيه مستفهماً.

"فى وقت متأخر من بعد ظهر نهار الأحد فى منطقة نائية و بمفردك؟ ألا تعلمين أن هناك ذئاب فى هذه المناطق؟ هذا إذا لم نذكر الخطر الذى تتعرضين له أن رآك رجل ما بمفردك! لكن اعتقد أن هذا لا يقلقك طالما أنت مستعدة للبقاء مع رجل التقيته منذ عدة أسابيع فقط بكل الأحوال. ماذا كان يفعل الدكتور لوكس, لما لم يتمكن من مرافقتك؟"

كان فى صوته لهجة واضحة جداً لعدم موافقته على ذلك. نظرت إليه و شعرت كايت فجأة بالانزعاج.

admob



إعدادات القراءة


لون الخلفية