الفصل الثاني: في أفق الحلم

"إذا كنت تريد أن تعرف ماذا كانت تفعل الدكتور لوكس كانت تغسل ثيابها و اسمها شارلوت اليزابيث لوكس و معروفة بـ تشارلى . و هى تأمل بالقيام بحفريات هنا من جبل باناغيا فى الصيف القادم وطلبت منى أن التقط للمكان بعض الصور . وهى الآن تقوم بحفريات قرب نيسيا حيث أعيش معها منذ أسبوعين مع أننى أرى أنه لا يعنيك مع من أقيم"

قال :"همممم , لكن, حتى لو كان رجلاً لكنت بقيت معه أيضاً أليس كذلك؟"

قالت موافقة :"ربما, أن كان قدم لىّ عملاً .و أنا أثق به , لما علىّ أن لا أفعل؟"

أجاب بسرعة:"لأن ذها يسئ أليك"

ضحكت كايت غير مصدقة :"أنت حقاً تعنى ذلك , أليس كذلك؟"

قال مؤكداً :"بالطبع , لكننى لا أريد الشجار معك . أخبرينى عن صورك, لما لا تلتقطينها خلال الأسبوع حيث الناس تتواجد معك؟"

أجابت و هى تشعر بالرضى لتغيير الموضوع :"اليوم هو اليوم الأول حيث الضوء مناسب جداً"

قال بمرح :"وهل يجب أن يكون الضوء مناسباً؟ إذاً أنت ماهرة جداً كاترينا؟"

"يمكنك قول ذلك"

" وهل تعملين فقط فى الأماكن الأثرية أو أنك تصورين أنواعاً مختلفة من الصور؟"

" فى الواقع أصور أى شئ و أنا أحاول أن أصبح مصورة حرة . لذلك أقبل أى عمل متوفر , تصوير اعلانات ,صور للمجلات . اى شئ لكن العمل المفضل لدى و الذى أعتقد انه التصوير الفنى . المنحدرات دراسة الضوء و الظلال و صور مرئية و التى اجدها مثيرة للخيال و الفكر.

" لكن لماذا تأتين إلى اليونان لتصبحى مصورة؟ ألا يمكنك القيام بذلك فى استراليا؟"

عضت على شفتها مفكرة , قالت:"نعم و لا, حاولت حقاً أن أفعل ذلك فى بلدى . فى الواقع كان لدى عمل مصورة فى محطة تلفزيون في سيدنى , لكن بعد مرور ثلاث سنوات صرفت. فى البداية شعرت بالصدمة لأننى لم أعرف ماذا سأفعل"

سأل فليب:"ألم تستطيع عائلتك مساعدتك؟"

اعترفت قائلة و قد تجهم وجهها :"فى الواقع فعلوا ذلك. أبى محام و قد دعانى للعودة إلى البلدة حيث نعيش والعمل كسكرتيرة له لكننى لا أتحمل أن يساعدنى . فهم لم يوافقوا أبداً أن أصبح مصورة و أعلم أنه سينتهى المر بتوبيخى . لذا سحبت كل مدخراتى و قررت القدوم إلى أوروبا"


admob

قال منتقداً :"بعض الناس يرون عملك هذا خطوة متسرعة جداً"

رفعت ذقنها بكبرياء و لمعت عيناها بالغضب قالت :"أحيانا عليك ان تقدم على عمل متسرع أن كنت لا تريد القبول بالحياة السهلة العادية"

ابتسم و قال بإعجاب :"أنت امرأة مثالية حتى و لو أنك غريبة"

سألت بتحدٍ :"وما لديك ضد الغرباء ؟"

حدق فيليب بقوة فى الطريق أمامه و كأنه يريد أن يصل إلى ممر خاص عبر تلك الصعاب.

قال و كأنه يحدث نفسه :"لا أوافق على تصرفاتهم الأخلاقية, عشت فى بريطانيا لمدة ثلاث سنوات و قد صدمت من الشبان اللذين ينشئون علاقات. خاصة الفتيات و بدون أى ارتباط . و برأى كل ذلك الكلام عن الحرية هو كلام لا معنى له ألا مزيد من العذاب و المعاناة للنساء"

أرادت كايت أن تشاجره بقوة, لكنها عضت على شفتها و بقيت صامتة. و أن كانت صادقة فإنها مقتنعة بما قاله خاصة علاقتها الصغيرة مع الصحافى ليون كلارك . ابتلعت غصة فى حلقها وأدارت رأسها لتحدق فى الظلام خارج السيارة.

وضع يده ببساطة على يدها و قال بصراحة :"لقد أزعجتك. أعتذر منك"

بقيت صامتة و قد شعرت بأنها تأثرت من لمسة يده المريحة. شعرت بحاجة لتثق به و تسأله ماذا يجب أن تفعل. هل عليها العودة على بلادها طالما مازال لديها بعض المال, أو أن تنتظر  حتى تنفق كل ما معها؟ شئ ما فيه دفعها لتضع كل مشاكلها أمامه و تنتظر حلاً , لكن كبرياءها منعها . لقد عانت ما يكفى هذا اليوم و ليس من داع لتبدأ بأخباره قصة حياتها. عضت على أسنانها و حدقت بالأشجار أمامها . أبعد فيليب يده إلى المقود و كأنه أصيب بلسعة.

لم تقولى شيئاً كاترينا . هل سببت لك الألم بتهجمى على أخلاق الغربيين؟"

ترددت كايت . لكن كيف ستبكى و تخبره عن ليون و كيف تصرف معها. من الأفضل لها أن يعتقد أنها مغرمة.

قالت بحزن:"نعم , لا أستطيع القول أننى تمتعت بتجربة الهزة الأرضية و بعد ذلك سماعى مقالة عن الأخلاق الغربية"

قال يفسر لها :"فى الحقيقة أنا أرى كل شئ من خلال تقاليد بلادى . نحن نشعر بواجب حماية المرأة. و لن يكون مناسب أبداً أن تجد امرأة يونانية نفسها فى وضع خطر كالذى تمرين به اليوم"

ارتجفت شفتا كايت , قالت له :"فقط لهذه الليلة سأجد من المفرح أن أكون امرأة يونانية . لا شئ سأفضله عن الشعور بالراحة و الاعتماد عليك ببساطة"

أمسك فيليب بالغطاء و شده حول ذقنها . بعدها لمس خدها و قال :"إذاً أفعلى ذلك. لقد مررت بوقت عصيب. لِمَا لا تنامين و تدعيننى أهتم بالمشاكل من الآن و صاعداً ؟"

لم تعرف كم من الوقت مر و هى نائمة , لكن عندما استيقظت سمعت نباح كلاب و شاهدت أنواراً من نوافذ لبيوت بيضاء مشرقة على طريق ضيقة . حدقت حولها و رأت فليب قد غادر فشعرت بالرعب . لكن ما أن أبعدت الغطاء عنها حتى رأته يخرج من منزل أبيض اللون و يقطع المسافة بينهما . قرأت إشارة على الباب كُتب عليها للإيجار. 




قال فيليب و هو يفتح الباب :"جيد , لقد استيقظت . نحن فى ايا صوفيا , و أعتقد أننا لا نستطيع السفر أكثر الليلة . فالطريق أمامنا مقطوعة. لكننى وجدت مكاناً لنبقى فيه . أنه بدائى قليلاً لكنه نظيف . لكن هناك مشكلة واحدة "

"ما هى؟" و أمسكت بصندوق الغولف لتأخذ المصباح .

"هناك غرفة واحدة فارغة " قال ذلك بقوة مما جعل كايت تود ان تنفجر من الضحك.

قالت:"بصدق , فيليب, أعتقدت أنك ستخبرنى أن هناك هزة أرضية جديدة متوقعة. لا أمانع أن أتشارك معك فى الغرفة هذه ليست المرة الأولى التى أفعل ذلك عندما أسافر. و هذا حقاً لا يزعجنى"

قال بقسوة :"أعتقد أفضل أن يزعجك . بطريقة ما لا تعجبنى فكرة مشاركتك للغرفة مع رجال , لكن كما قلت من قبل العادات الغربية غريبة جداً بالنسبة لى . أنتم السواح تأتون إلى هنا و تتصرفون كما تشاءون لكن لا أستطيع التظاهر أننى أوافق على ذلك"

قالت بغضب :"و الآن , أنتظر لحظة , عندما أقول أشارك الغرفة لا يعنى ذلك شيئاً و لا يهمنى بما تفكر....و لا أعتقد أنك كنت فقيراً و انت شاباً لكن هذه هى الطريقة الوحيدة لعدد كبير من الناس ليتمكنوا من السفر"

رفع حاجبيه مستنكراً و قال بحساسية :"ربما , لكن هذه عادة لا أهتم لها . مهما يكن الليلة لا خيار لنا. لقد أخبرت صاحبة الفندق أنك زوجتى و ستعاملين باحترام كبير . و ليس من حاجة للقول أننى سأحافظ عليك كنفسى"

هز رأسه قليلاً و مد يده ليساعدها فى الخروج من السيارة . ما أن لمست يدها يده حتى لمع سؤال برأسها سؤال لا يقاوم. كيف ستكون حياتها لو أنها حقاً زوجة فيليب اندرونيكوس ؟ لم يكن لديها أدنى شك بأنه سيحميها و يعتنى بها . لكن ألن يكون أيضاً مغروراً و غيوراً ؟ بطريقة ما لم تنزعج بالطريقة التى تعهدها بنفسها . بدلاً من ذلك شعرت بحماس كبير و هذا ما جعلها ترتجف من الخوف من نفسها .

قال بسرعة :"تشعرين بالبرد؟" و بسرعة وضع الغطاء حول كتفيها :"أذهبى إلى الفندق و سأحضر الحقائب"

أتت امرأة سوداء الشعر و هى تبتسم لتستقبل كايت و تحييها. بكبرياء واضح أوصلتها إلى غرفتها ذات الحمام الصغير و المفروشة فقط بسرير و كرسى و خزانة وطالوة صغيرة. فجأة شعرت كايت و أنها غير سعيدة بمشاركتها هذه الغرفة مع رجل. فعلى أحدهما ان ينام على الأرض. ظهر ذلك الارتباك على وجهها فقالت المرأة:"ألم تعجبك؟"

"لا, لا أعجبتنى" ابتسمت كايت أنها جيدة أو على الأقل أنها كذلك لو كانا متزوجين فعلاً. لكن الأرض باردة وغير مريحة . و لا يمكن أن تتوقع ان ينام فيليب هناك . إذاً عليها هى أن تفعل ذلك.

أدركت فجأة نظرة المرأة المستفهمة فكررت بسرعة:"أنها جيدة"

انسحبت المرأة بعد أن أعلنت لـ كايت أن العشاء سيكون جاهز بعد قليل . تركتها بمفردها فنظرت كايت حولها بقلق . كان هناك نافذتين علق عليهما ستائر صنعت بالمنزل و أمام كل واحدة منهما باقة من أزهار اصطناعية . أما الجدران فجديدة الطلاء و لم يكن هناك أى أثر للزينة فى الغرفة ما عدا صورة فوق السرير و سجادة مصنوعة من الصوف الأبيض و الأخضر . الأغطية البيضاء و الوسائد ذات اللون الزهرى , أخذت وسادة ووضعتها على الأرض فى أبعد زاوية على السرير ثم حملت السجادة و وضعتها قربها هناك , على الأقل وضعت سريرها.

قال صوتاً مألوفاً من ورائها :"ماذا تفعلين؟"

استدارت كايت و قالت:"آهـ, فيليب كنت أجهز سريراً أضافياً"

ضحك و هو يقول :"لن أنام على الأرض"

"لا ليس لك! أنه لى! ماذا.....ماذا تفعل؟"

و من دون أن يتكلم أعادة الوسادة إلى السرير. و أعاد السجادة إلى مكانها ابتسم و قالت لـ كايت:"الآن سنتناول العشاء . لكن تريدين أولاً أن تغتسلى, أليس كذلك؟"

"فيليب...! لقد أفسدت السرير الذى جهزته , لماذا ؟ لماذا فعلت ذلك؟"

نظر إليها , لكن يقل شيئاً . ابتسم قليلاً و كأنه يعتقد أن الموضوع بأكمله لاجدوى من التعليق عليه. بعدها أخذ يصفر و هو يفتح حقيبته ليخرج ما يحتاجه و يضعه على الطاولة قرب السرير. غضبت من تجاهله فأمسكت الوسادة التى وضعها للتو لكنه أمسك بيدها بقوة.

"ماذا تعتقدين أنك تفعلين؟" قال ذلك بصوت منخفض و لكن بحزم شديد.

قالت تتحداه :"اعتقد انك ستحافظ علىّ كنفسك"

قال بصوت أجش:"ستكونين بأمان بقربى تماماً كما لو كنت على الأرض لكنك ستكونين أكثر راحة كما و أن كيريا جورجيا ستأتى إلى الغرفة لاحضار القهوة او أى شئ آخر. لا أريدها أن تعتقد أننى لا أستطيع السيطرة على زوجتى"

ضحكت كايت و قالت :"لنفترض اننى حقاً زوجتك و ان هناك خلافاً بيننا؟"

"عندها سنحل كل مشاكلنا فى غرفتنا" تابع بلهجة حازمة:"و الآن اذهبى و استحمى"

كان الاستحمام بالنسبة لها منعشاً بعد كل الذى مرت به بعد الظهر . غسلت شعرها محاولة أن تزيل عنه الأتربة .كان الحمام ضيقاً و شعرت بالتعب و هى تحاول أن ترتدى ملابسها فى داخله . لكنها بطريقة ما تمكنت من ذلك . ارتدت افضل ما لديها من ثياب تنورة خضراء و بيضاء اللون و قميصاً بيضاء متموجة مع سترة من الصوف

مع ذلك أدركت أنها تبدو قديمة الطراز بثيابها عندما قادتها كيريا جورجيا إلى شرفة عليها ضوء خافت كان فيليب قد بدل ثيابه أيضاً و هو يرتدى جاكيت رياضية و قميصاً مخططة و بنطالاً رمادياً و كل تلك تؤكد أنها صنعت من قبل أشهر الخياطين . وقف ما أن رآها و سار نحوها. ابتسمت كيريا بفرح عندما طبع على خذ كايت و قادها إلى آخر الشرفة.

قال:"لا تتوترى هكذا, أنت زوجتى , تذكرى و كيريا جورجيا سعيدة و هى تشعر أنها تستعيد المنظر الرومانسى المطل على البحر"

كان المنظر رائعاً لا جدال بذلك. فالمنزل يقع على قمة التلة بينما انتشرت البيوت على التلة المحاطة ببساتين الزيتون. و خلف القرية هناك منحدر صخرى يعكس أشعة القمر و على مسافة قريبة منه ظهر البحر الفضى يشع تحت ضوء  القمر . كان فيليب يضع يده على كتفها.

قالت المرأة و هى تضع الصحون و تنسحب إلى الداخل:"وجبة شهية"

قال:"أتمنى ان تكونى جائعة لأنها ستشعر بالانزعاج إن لم تأكلى كا ما حضرته لنا"

" فى هذه الحالة أعتقد من واجبى أن أنهى كل شئ بكل الأحوال يبدو الطعام شهياً"

كان الطعام كذلك , خبز القمح شهى و سلطة من الجبن و البصل و الزيتون البندورة و الخيار و اللحم المشوى و البطاطا المقلية . عندما أحضرت المرأة صحن من الحلوى بالقطر و القهوة التركية ابتسمت لهما بفرح لأنهما أعجبا بطعامها.

بعد يوم طويل و مرهق كانت كايت سعيدة لتجلس صامتة و هى تشرب قهوتها و تنظر إلى البحر الفضى أمامها . أدارت كيريا الراديو من غرفة الجلوس على موسيقى يونانية راقصة. أحساس بالرغبة للضحك و الرقص سيطر على كايت فتنهدت قليلاً , نظر إليها فيليب و قال :"ما الأمر؟"

مدت يديها غير قادرة على شرح ما تشعر به قالت و هى تبتسم:"فقط واحدة من تلك اللحظات التى تجعلنى أشعر برغبة فى الرقص. أحياناً أعتقد أننى محظوظة جداً لأننى أعيش هذه الحياة الجميلة"

    حدق بها و سألها غير مصدق:"هل حقاً تشعرين بالسعادة بهذه البساطة؟ بعض النساء اللواتى أعرفهن تشعرن بالإهانة إذا طلب منهن البقاء فى مكان متواضع كهذا و تناول طعام بسيط كهذا"

قالت :"إذاً بعض النساء لا تعرفن كيف تسعدن أنفسهن"

قال :"احياناً عندما أكون أعمل فى المدينة فى الصخب و الحشد الكبير أو ما يسمونه العالم المتحضر أشعر برغبة يائسة للهرب. عندما أشعر بذلك أترك المدينة و اهرب إلى أماكن بسيطة مثل هذا المكان . و فى اعماقى أشعر أن هذا ما أريده, لكن لا أستطيع إلا التفكير إذا كان النساء تفضل أكثر المدينة"

تجهم وجهها مستغربة و قالت :"ماذا تعنى بقولك؟"

ربما هناك نوعين من النساء , واحدة مترفة و تحب الحياة المليئة بالحركة و الضجة و أخرى بسيطة و متكاملة . هل تريدين أن ترقصى كاترينا؟"

عندما نهضت من مقعدها كادت أن تقع فأسرع و أمسك بها

قالت :"أنى آسفة"

"لا بأس و الآن أمسكى يدى و دعينى ابدأ بالرقص قبلك"

بعد مرور لحظات كادت أن تتعثر ثانية لأنها لم تعتقد أنها تستطيع أن تماثل حركته. لكن بعد قليل كانت تتحرك بسرعة مرافقة خطواته . أصبحت قدماها تتحركان بسرعة و هى تتبعه فى خطواته . أولاً إلى اليسار ثم إلى اليمين و أخيراً فى دوائر ضيقة مما جعل انفاسها تتلاحق و أخذت تضحك عندما انتهت الموسيقى .

قال فيليب بإعجاب :"برافو! أعتقد يونانية فى صميم قلبك كاترينا, و الآن تعالى أجلسى لتستعيدى أنفاسك"

جلست كاترينا على الكرسى و قالت :"أحب الموسيقى اليونانية و أتمنى فقط لو أحظى بفرصة لسماع صوت بوزوكى قبل أن أغادر البلد"

سأل فيليب باهتمام:"حقاً ؟ لو أن لدى بوزوكى هنا لكنت حققت أمنيتك على الفور. كنت معتاداً على العزف عندما كنت يافعاً لكن يداى أصبحتا قاسيتان الآن"

قالت كاترينا:"هناك بوزوكى على سطح الخزانة فى غرفة الجلوس . أتساءل أن كانت كيريا جورجيا قد تعيرك أياه, لما لا تذهب و تسألها؟"

تردد فيليب و اعترف قائلاً :"لأم أعزف منذ عدة سنوات"

"هيا أحب أن أستمع إليك و أنت تعزف و أعدك اننى لن أنتقدك"

بشوق لم يعرفه من قبل عاد فيليب إلى المنزل .

توقفت الموسيقى المنبعثة من الراديو و بعد مرور عدة دقائق عاد إلى الشرفة حاملاً البوزوكى بين يديه. لم تستطيع إلا أن تلاحظ كيف يلامس الآلة الخشبية المطعمة بالذهب . أحنى رأسه و أخذ يعزف بأصابع متشنجة محاولاً أن يحدد الصوت.

سألها :"ماذا تحبين أن تسمعى؟"

سألته كايت :"هل تعرف شيئاً للمطرب اكسراكوس؟"

عزف فيليب بعض النغمات لأغنية بوفرتى و نظر إليها متسائلاً هزت رأسها موافقة و فجأة شعرت و كأن البوزوكى قد أشتعل بالحياة بين يديه . عزف فيليب بمهارة مما جعلها تشعر و كأنها تغوص فى عالم من الموسيقى . أخيراً عندما توقف عن العزف كانت تحدق به بدهشة

قال :"ماذا؟" رأت و كان رأيها مهم لديه.

قالت ببطء :"من المؤكد أنك لست بحاجة لأن تسألنى , كان هذا رائعاً . لم أشعر يوماً بأهمية الموسيقى هكذا"

"حقاً؟"

"أجا حقاً"

قال مقترحاً :"دعينى أعزف أغنية حب و أحب أن أعرف رأيك بها "

هذه المرة كانت الموسيقى أنعم و اهدأ . حركت ذكريات فى فكر كايت. ذكرى عشاء فى مطعم يونانى فى سيدنى تحول إلى رماد. فى ذلك المساء عندما أخبرها ليون كلارك أنه متزوج . ترقرقت الدموع من عينيها و كان عليها أن تعض على شفتها بينما كان فيليب يغنى بصوت شجى أغنية عن الحب و الشوق.

أدارت وجهها عندما توقف عن الغناء و وضع البوزوكى جانباً

"كاتيرينا؟"

كانت صامتة و غير قادرة على الكلام . بعدها شعرت بأصابعه القوية على كتفيها و هو يديرها لتنظر إليه .

رأى الدموع فى عينيها .

"ما الأمر ؟ لقد أزعجتك, أليس كذلك؟ أنا أحمق! ما كان علىّ أن أعزف على تلك الآلة السخيفة"

" لا! لا فيليب . أنت لست أحمق . أنت فنان , فقط ان تلك الأغنية أعادت إلىّ.....الذكريات"

سأل بغضب:"لرجل سبب لك الألم؟"

هزت رأسها و هى تمسح دموعها . رفع يده و لمس وجهها بعدها ضمها إليه و شدها بقوة . تنهد و قال:"آهـ , عزيزتى , أنت تعيدين إلى أحاسيس أعتقدت أنها ماتت إلى الأبد"

قبلها بنعومة . قالت لنفسها . ما تشعر به نحوه سخيف فهى لن ترأه بعد الغد.

قالت بجدية :"شكراً لك على هذه الأمسية الرائعة, فيليب أن كنت تعذرنى أعتقد أننى أريد أن أنام الآن"

شعر بتغير مزاجها فساعدها كى تنهض و لم يعترض و هى تمر أمامه.

قالت :"عمت مساء كاترينا. لن أدخل إلى الغرفة حتى تنامين و أنا لن أزعجك . و قد أقسمت لك بذلك. آه , رغبت بأن أسألك هل لديك بعض الصور التى استطيع رؤيتها؟"

" بالطبع , أنها فى حقيبتى فى غرفة النوم. سأحضرها لك"

بعد أن تركته كايت بمفرده مع الصور فتح فيليب المغلف و بدأ ينظر إلى محتوياته بدأ فى التحديق فى الصور باهتمام . بعد قليل ووضع الصور على الطاولة و آخذ ينظر إليها من أماكن مختلفة. جلس على الشرفة لفترة أكثر من ساعتين محدقاً بالبحر على ضوء القمر. بعد منتصف الليل دخل إلى المنزل و بحث عن حقيبته و آخذ بعض الملفات و الصور و أخذ يعمل عليها لمدة من الوقت . أخيراً زفر و كأنها فقد صبره أعاد الملفات إلى الحقيبة و أقفلها . سار فى الممر و فتح باب غرفة النوم

همس بنعومة:"كاترينا؟"

تحركت فى السرير . كان الظلام خافتاً و لم تكن متأكدة عندما حلمت أنها أحست بلمسة ناعمة على خدها و كأنها لمسة فراشة و سمعت صوت فيليب يقول :"عمت مساء يا كاترينا"

admob



إعدادات القراءة


لون الخلفية