الفصل الثامن: مواجهة مصيرية في ظلال الأضواء

فى ذلك الصمت المذهل الذى تبع ذلك الإعلان سمعت كايت صوت الأمواج على الصخور و صهيل حصان عن بعد و دقات قلبها العنيفة . بعدها أخذت أرين تتكلم بغض باليونانية . رمت بنفسها على فيليب و مزقت بأظافرها وجهه و أخذت تضرب صدره بعنف

صرخت:"أيها الجبان! كيف تجرؤ و تحاول أن تظهرنى غبية هكذا؟"

قال بحدة :"أنت تجعلين من نفسك غبية"

أمسك بيدها و أبعدها عنه و نظر إلى ثوب البحر الذى ترتديه و أضاف بسخرية:"إذا انتهيت من حمام الشمس مع حبيبك , اقترح عليك أن ترتدى ثيابك"

نظرت إليه بغضب و بسرعة ارتدت فميصاً قصير الكمين

قال ايف بقلق:"كنا فقط نجلس تحت أشعة الشمس"

نظر فيليب إلى الرجل نظرة إزدراء و قال :"لابد أنك تعتقد أننى أحمق أن افترضت أننى سأصدقك و أن كانت تلك الحقيقة فأنا لا أريد من زوجتى المستقبلية أن تأخذ حمام شمس مع رجل آخر لذلك يمكنك أن توفر على نفسك الكذب فأنا مدرك تماماً لعلاقة الحب التى تجمعك مع أرين منذ عدة أسابيع"

قالت أرين تدافع عن نفسها :"حسناً, و ماذا يعنى ذلك ؟ فأنت لا تمض أى وقت برفقتى . انت دائماً منشغل بكثرة أعمالك , محاولاً أن تؤثر على الناس بمدى اهميتك . و أنت لا تريدينى أن اتمتع بحياتى أو أذهب إلى أى مكان أو أفعل أى شئ . على الأقل ايف مسل و رفقته مرحة و هذا ما لا أستطيع قوله عنك"

قال بصوت خطر:"إذاً يجب أن تكونى سعيدة لأنك ليست مجبرة على الزواج بى"

شحب وجه أرين و قالت:"ليس هذا ما قصدته , حسناً فيليب, أنا أخرج برفقة ايف لكن ماذا يعنى ذلك؟ فأنا لم أتدخل أبداً بصديقاتك! و لابد أن لك علاقة بهذه المصورة منذ ان وصلت إلى هنا , و إذا أردت أن تبقى بقربك بعد الزواج لن أمانع أيضاً"

قال بصوت قاس:"أنت لا تسمعين جيدين أرين , لن نتزوج مطلقاً"

استدار مبتعداً لكن أرين أمسكت بذراعه.

قالت بصوت عال:"هذا كلام سخيف , هذا الارتباط متفق عليه منذ أن كنت طفلة"

وافقها بمرارة :"أعلم ذلك, و ربما لهذا أصيب بالفشل الذريع , لو كان لدينا الخيار أعتقد لما كان أى منا بحث أو فكر بالأمر . انت ترين أننى حازم و عديم التسلية و أنا أراك أنانية و سخيفة . واجهى الحقيقة , أرين من الأفضل لكلانا الابتعاد عن بعضنا"

صرخت :"لا! فيليب , لا تستطيع إهانتى هكذا أمام كل القرية"

تنهد بحزن و قال :"وما دخل أهل القرية بذلك؟ لا داع للقول أننى أنا من فسخ الخطبة قولى أنك فعلت ذلك بنفسك, قولى أنك ترغبين بالزواج من ايف بدلاً منى" و نظر إلى الرجل الفرنسى الذى لمعت عيناه بالمكر و تحرك قائلاً :"الآن أسمعا قليلاً...."

لكن أرين دفعته جانباً و هى لا تزال ممسكة بذراع فيليب.

قالت بعصبية :"أنا ليست مهتمة بالزواج من ايف , فيليب أصغ إلىّ لا يمكنك التخلى عنى بسبب مغامرة تافهة , لا علاقة لذلك بزواجنا . لقد وعدنا ببعضنا منذ سنوات كثيرة....كان ذلك اتفاق عمل"

نظر فيليب إليها و على وجهه نظرة شفقة أكثر مما هى نظرة غضب و أجاب :"تماماً هكذا و لهذا لا أريد الزواج من أجل اتفاق عمل . عندما أرغب فى الزواج , أريد أن أتزوج من أجل الحب , أرين و الآن ابتعدى عن طريقى!"

تنهد بضيق و أبعدها من أمامه . أنزلت يدها عن ذراعه , تعثرت و نظرت حولها بغضب كبير و استقر نظرها على كايت فصرخت بغضب :"أيتها الحقيرة ! كل ذلك بسببك!"

ركضت نحو كايت و دفعتها بقوة . شهقت كايت لكن ذراعى فيليب احاطتها و هو يساعدها لتقف.

قالت أرين :"أيتها الوقحة ! سأخبر الصحف بذلك ! سأمرغ أسمك بالوحل ستتمنين لو أنك لم تعترضى طريقى يوماً , أنت المسكينة و اللاشئ"

قال فيليب بصوت كالسوط :"أن فعلت أى شئ لتشويه أسم كايت سأجعلك تتمنين الموت , هل كنت واضحاً بكلامى؟"

قالت أرين بصوت ملئ بالإزدراء :"آهـ , واضح جداً أنت تماماً ما تستحق, أيها الفلاح ! لم تكن شيئاً قبل أن يساعدك والدى . فأنت تدين بك ما تملك لعائلة مارمارا"

"على العكس , أرين أنتم تدينون لى بكل ما تملكون فى الواقع . لكننى ليست مستعداً لبحث ذلك معك . أتمنى لك و ايف حياة سعيدة ! تعالى كاترينا"


ــ



أمسك بذراع كايت و سار معها باتجاه الممر . كان صوت أرين يتبعهما .

"لن تتمكن من التخلص منى هكذا , هل تسمعنى ,فيليب اندرو نيكوس ؟ سأدمرك . ستدفع ثمن ما فعلته بى. كلاكما ستدفعا ثمن ذلك!"

تنهدت كايت بتوتر ما أن ابتعدا و أصبحا داخل الغابة. نظر إليها فيليب و قال :"هل انت بخير ؟"

"نعم اننى بخير " ووضعت يدها على قلبها المضطرب .

"فقط متوترة قليلاً , آهـ, لكنها مزقت وجهك بأظافرها!"

وضعت يدها على خده . أمسك يدها بيده و قال و هو يبتسم :"اعتقد أننى سأحيا . و أشك بأنها أفسدت ملامح وجهى . لهذا سنذهب إلى منزلى , أليس كذلك؟ أعتقد أن لدينا الكثير من الأشياء لنتحدث بها"

قبل أصابعها و أمسك بيدها و سارا معاً . طوال الطريق كان يصدر نفخة من فمه تشبه كثيراًالأغنية التى عزفها على البوزوكى فى أول مرة التقيا فيها .

نظرت كايت إليه مرتبكة و قالت :"هل أنت متأكد من أنك بخير؟"

أجاب:"اكثر بكثير من أننى بخير , أشعر و كأننى سأطير من الفرح"

ظهر فى الممر منعطف حاد ليظهر وراءه فيلا تحيط بها الحدائق من كل جانب و تطل أيضاً على البحر . كان هناك سياجاً من الحجارة عليه درابزين من الحديد أمام حديقة من أشجار الصنوبر و السنديان . فتح فيليب باباً صغيراً من الحديد يقود إلى الطريق الرئيسية إلى الفيلا . سارا عبر الطريق المرصوفة بالحجارة و على جانبيها النباتات المليئة بالأزهار . فى مكان قريب رأت نافورة تضيف الموسيقى على جمالها . بعدها رأت المنزل الأبيض الكبير المغطى بالنباتات العالية . أخذ فيليب مفتاحاً من جيبه و وضعه فى قفل الباب الكبير المحفور . سأل:"لا أعتقد أنك دخلت منزلى من قبل , أليس كذلك؟"

فتح الباب على مصراعيه و أدخلها قبله. توقفت للحظة بسبب البرودة المفاجأة و الظلام . بعدها اعتادت عينيها على الضوء الخافت فنظرت حولها . كانت فى القاعة الأمامية حيث هناك عدد من الأبواب من كل جانب و درج رخامى كبير يصل إلى الطابق العلوى ,فى السقف علقت ثريا تناسب الأنوار الخافتة على جدران القاعة. و علق على كل جدار قطعة قطعة رائعة من الفن منحوتة صينية , أبريق من البورسلان الفاخر و زهرية يونانية قديمة .

قالت :"آهـ , فيليب أنه رائع"

هز كتفيه و قال :"مؤخراً بدات أفكر أنه يشبه حياتى كثيراً , مشع ملئ بالممتلكات الغالية لكنه فارغ من الداخل, عندها التقيت بك"

كان ينظر إليها بفرح و شوق واضح.

همست :"آهـ , فيليب"

ضمها إليه و سألها فجأة :"هل تتزوجين بى ؟"

قالت و قد تفاجأت بما سمعته :"ماذا , هل جننت؟"

ضحك بمرح حتى سمعت اصداء ضحكته فى المنزل كله.

قال :"لا, على العكس تماماً . لقد أصبحت سليم العقل , و توقفت عن الاهتمام بأشياء لا قيمة لها . مثل المال و العادات و الملكية . لا أريد أى شئ من ذلك , كاترينا أريدك فقط"

"هل أنت متأكد؟"

"أكثر من أى شئ آخر , و الآن هل تتزوجيننى؟"

هزها قليلاً فوجدت نفسها حائرة هل تبكى أم تضحك.



إعدادات القراءة


لون الخلفية