الغضب الذي شعرت به مالون كان عارماً فصاحت به :
- كان عليك أن تتكلم . تركتني أخبرك بكل شيء بينما كنت تعلم طوال الوقت....
فقاطعها بحدة دون أن يؤثر فيه غضبها :
- ألم تكن تلك الحقيقة ؟ هل تقولين الآن إنك كنت تكذبين؟
ردت عليه بحدة. هل ظن أنها خرجت تتنزه مرتدية ثوباً قطنياً في ذلك الجو العاصف؟
فسألها : "ما الذي يغضبك إذن؟"
- لان......... لان
تلعثمت قبل ان تتمالك نفسها: "ماكنت لاخبرك بشي لو علمت أنه قريب لك"
- يقربني بالمصاهرة.
وصرف بأسنانه . بدا واضحاً أن فكره قرابته لذلك الرجل جرحته.
- هل ستقول شيءاً لأختك؟
- أعطيني سبباً وجيهاً يمنعني من أن أخبرها.
حدقت إليه غاضبة " إذا كنت لاتستطيع أن ترى أن ذلك يضر بزواجها..."
- لقد حصل الضرر فعلاً، فأختي وذلك الرجل انفصلا منذ ثلاثة أشهر.
تلاشى عضب مالون بنفس السرعة التي تصاعد بها،وتمتمت :"لم يقل ذلك قط. جعلني اعتقد انها سافرت لتوها في رحلة عمل".
- هل رأيت في المنزل ما يثبت وجود فاي؟
فتمتمت بملل "ها قد عدنا الآن. بعد ان صرت أعلم، يمكنني أن أرى أنه لا يوجد أي دلائل أنثوية في ذلك البيت."
- هل كان البيت بحاجة إلى ترتيب عندما وصلت؟
- كان فعلاً كذلك. هل هما منفصلات قانونياً؟
فهز رأسه:" إنه انفصال مؤقت بالنسبة إلى فاي، وهي تأمل في أن يعودا إلى بعضهما بعد هذه التجربة".
- هذا مؤلم حقاً. لن ينفع بشيء أن تخبرها عني.
تملكتها الحيرة لوقوع امرأة تملك ذرة من الذكاء في حب رجل مثل رولاند فيليبس ، فكيف بأن تتزوجه وتبقى معه؟
فسألها عابساً :"أتقترحين ألا أخبرها؟ أتظنين أنه من الأفضل لها أن تعود إليه وهي لا تعلم بما قد يفعل مستقبلاً؟".
- قد تكون على علم بالأمر، لكن حبها له يجعلها تصفح.........
فقاطعها بخشونه:"ما حاوله معك لا يقبل الصفح"
تنفست مالون وهي ترتجف :"أنا... لن أناقسك بهذا".
- هل أنت مستعدة؟ سنذهب ونحضر أمتعتك.
شعرت فجأة بالنفور من أن ترتدي الثوب الذي مزقه رولاند عليها.و أدركت انها لن ترتديه مره أخرى أبداً. لم تعتزم استعارة مشط، لأنه لم يعرض عليها ذلك وهي لم تشأ ان تطلبه منه وتمتمت تقول "أبدو مثيرة للسخرية".
- هل يهمك الأمر؟
أغاظها أنه يراها أيضاً مثيرة للسخرية. ما كان له أن يوافقها واجابت باختصار : " أبداً".
وتأخرت قليلاً لتنتعل حذاءها الخفيف ثم لحقت به إلى الردهة.
عندما اقتربا من "آلموزا لودج" توترت أعصابها. وبينما كان هاريس يوقف السيارة أمام الباب ، ابتدأت ترتجف.
- هل ستدخل معي؟
سألته وهي ترتجف مستعيدة كل الأمور الفظيعة التي حدثت في ذهنها.
وفجأة، شعرت بالخوف يمنعها من مغادرة السيارة .
وأجابها متجهم الوجه " سأبقى معك خطوة خطوة".
كان الباب الخارجي مشرعاً. ولم يزعج هاريس نفسه بطرق الباب بل دخل بطوله الفارع . ولكن ، لم يكن ثمة أثر لرولاند فيليبس ، فقال لها : " سأغيب دقيقة واحدة ، فإذا رأيت رولاند قبلي ، إصرخي".
انتظرت مالون اسفل السلم بينما توجه هاريس إلى غرفة الاستقبال. وعندما غاب عن بصرها انتظرت بقلق.ثم، خيل إليها أنها سمعت صوتاً قصيراً خافتاً قد يكون أهة مكتومة ثم صوت ارتطام . لكنها لم تشأ ان تغامر لمعرفة ما يجري.
و كما وعد، ظهر هاريس بعد دقيقة واحدة، ولازمها في كل خطوة وهما يصعدان إلى الطابق الأعلى. وقف بجانبها وهي تحزم حقائبها وتستعيد حقيبة يدها.
كانت متشنجة ، واثقة من أن رولاند فيليبس سيظهر أمامهما في أي وقت، ليرى من يغزو بيته، لكنها عادت إلى السيارة وجلست بجانب هاريس من
دون أن ترى مخدومها السابق، وقد إبتدأت تشعر بتحسن. وعندما خلفا "آلمورا لودج " وراءهما ، قالت له "شكراً".
- بكل سرور.
أجابها بنبرة غريبة وكأنه كان مسروراً حقاً. استفر بصرها على يديه الممسكين بالمقود ورأت أصابع يده اليمنى محمرة قليلاً. تذكرت فجأة تلك الآهه والارتطام، فهتفت به " هل رأيت رولاند فيليبس؟ لم يكن لطفياً منه أن يطبع هذا الأثر على يدك ".
تكلمت قبل أن تستطيع منع نفسها . فقال مؤيداً قولها:" إنه يستحق ذلك وأكثر".
التفتت تنظر إلى فكه الصارم، وقمه الحازم، وعينيه الثابتتين. كانت تشعر نحوه بالمودة " لست بحاجة إلى عذر لكي تضربه".
قالت له هذا وقد تكهنت بأنه كان يكبح حافزاً لمعاقبة صهره لأنه يعلم أن أخته تريد أن تعود إلى زوجها ومنحه هذا الوضع اليوم العذر الذي كان يتطلع إليه ليضربه.
أجابها " هذا صحيح. ولسوء الحظ، لا يزال تحت تأثير الشرب، ولهذا اضطررت لضربة مره واحدة فقط."
لم تستطع مالون إلا أن تبتسم وهي تتصور رولاند يتهاوى على الارض.
وعندما وصلا إلى هاركورت هاوس. حمل حقائبها صاعداً بها السلم. الغرفتان الصالحتان كانتا متجاورتين . وضع حقائبها في الغرفة التي لم تكن تحوي سريراً بعد ثم أرها الغرفة الأخرى.
- وضعت فيها فاي الملاءات والمناشف.
وعندما وقفت مالون مترددة عند العتبة، تابع بعفوية :" سأرتب أمر وضع قفلين لهاتين الغرفتيين غداً".
ثم حمل حقيبته التي بدا واضحاً انها لليلة واحدة، قائلاً:" علي أن أذهب ".
ابتدأت مالون ترتاب في أن لديه موعداً هاماً الليلة، وتمنت له التوفيق. نزلت معه إلأى الطابق الأسفل، متطلعة إلى اللحظة التي يخرج فيها، لتغير ملابسه التي ترتديها . عندما رافقها إلى المطبخ، قالت له:" كنت في غاية الشهامة معي.. لا أدري ما كنت سأفعله لو أنك لم تعد أدراجك لتنتشلني".
فقال وهو يخرج مخفظة نقوده ليناولها رزمة منها:" وانت ساعدتني أيضاً. هل نسيت؟ نظراً إلى خبرتك السابقة، من الافضل أن تأخذي راتبك مقدماً على أن تأخذية متاخراً"
فابتدأت بالاحتجاج :" لاأريد أن ...."
- لا تصعبي الأمور، يامالون . أنا أعلم أنك ستستحقين كل فلس منه. لن يكفي أجرك حتى لتموين العمال بالقهوة والشاي يومياً.
ثم ابتسم ، وهي المرث الثانية التي تراه مالون فيها يبتسم فاحدث تأثيراً غريباً على نيتها بالاحتجاج. وكان يقول :" بما أننا نتكلم عن الطعام والشراب، أعدي لنفسك وجبة من المعلبات واللحوم التي في الثلاجة . أنها محفوظة لاستعمالك الشخصي فكلي جيداً".
تحولت نظراته إلى قوامها الذي بدا رشيقاً حتى في ملابسها الشنيعة. وجمدت مالون مكانها ، محاولة كبح شعور بالذعر، ثم تقابلت عيناها الواسعتان بعينية الرماديتين ، فتوقف عن الابتسام: لديك وجه رائع الجمال، يا مالون، وكذلك قوام بديع للغاية. لقد أصبت بذعر بالغ، ولكن، صدقيني، لن يحاول كل رجل تتعرفين إليه اغتصابك".
إيه يكشف بذلك ما كان يرعبها، فابتلعت ريقها بصعوبة . هذا الرجل رغم إيجازة في الحديث وحدة طباعه يظهر لها كل رقة وشهامة.
- ولو بعد مليون سنة؟
عند ذلك ضحك.وفجأة ، شعرت بالارتياح معه حتى أنها ابتسمت له. أدركت انه تذكر من دون جهد، قوله لها عندما تلكأت في النزول من سيارته خوفاً من نواياه المبيته. واجابها :" شيء كهذا".
فقالت بلهجة آمرة : " اذهب إذن".
ثم عادت فتذكرت أنه أصبح الآن رئيسها في العمل ، فأضافت :"يا سيدي".
نأولها بطاقته : " اتصلي بي عند الحاجة. هل ستكونين بخير وحدك؟ ألا تخافين؟".
كانت لهجته جادة، فأجابت :" سأكون بخير. في الواقع ، ابتدأت ، أشعر بأنني أحسن مما كنت عليه منذ فترة طويلة ".
حدق هاريس كويليان إليها متأملاً ، ثم أومأ راضياً وهو يتناول حقيبته الصغيرة ومفاتيح سيارته :" قد أحضر يوم الجمعة".
ثم خرج.
تلك الليلة راودتها أحلام مزعجة جعلتها تستيقيظ مرات عدة شاعرة بعدم الأمان وبأن حياتها مهددة، ثم أستيقظت مره اخرى في الربعة صباحاً عند بزوغ الفجر وابتدأت تشعر بالاطئنان.
استلقت مستيقظة تتأمل الغرفة بسقفها العالي ونوافذها الخالية من الستائر. كان هناك بساط كبير على الأرض وخزانة كبيرة.
أدركت مالون أن المنزل سيعود إلى مجده السابق بعد أن يتم إصلاحه . كانت تحب المنازل الأثرية الفسيحة .. فقد نشأت في واحد منها.
وغامت عيناها . لم تكن تحب الاستسلام للذكريات ، لكنها لم تستطع منع نفسها من التفكير في أيام طفولتها السعيدة ، ووالديها المحبين و خططهما لمستقبلها.. لقد استحال كل ذلك إلى سراب.
كانت هي وأمها تضطران لتناول العشاء من دون والدها الذي كان جراحاً يكد طوال ساعات اليوم، وغالباً ما يتأخر عن وجبات الطعام.
وذات يوم قالت أمها:"سنبدأ من دونه".
وإذا بجرس الباب يدق ليطل أحد زملائه الذي جاء ليخبرهما بأن سيرس بريتويت تعرض لحادث سيارة. بذل طاقم المستشفى كل ما بوسعه لإنقاذه، لكنهم علموا من خطورة إصاباته أنهم سيفقدونه.
وفاة الأب حطمت ابنته تماماً، وكذلك أمها التي عجزت عن مواجهة ما حدث. وبقضل المعونه الطبية، تجاوزت الأم محنتها ولكن مالون لم تستطع منع نفسهامن التفكير في أن أمها كانت تتمنى لو ماتت مع زوجها .. وانها من أجل ابنتها فقط، تناضل لكي تشفى..
مرت أيام كانت مالون تمتنع فيها عن الذهاب إلى المدرسة كيلا تترك أمها بمفردها ، فا نحدر مستواها بعد أن كانت في القمة .
وبعد مرور سنتين تعرفت امها إلى أمبروز جنكنز. وكان نقضياً لأبيها الهادئ كان مفاجراً متباهياً بينما كان أبوها متواضعاً، يتجنت العم لبينما كان أبوها مجداُ نشيطاً. لكنه، في البداية ، بدا قادراً على إسعاد أمها، ولهذا تسامحت مالون معه كثيرا.لم تستطع أن تحبه ، ولكنها حاولت جهدها أن تكون منصفة ، مدركة أن حبها البالغ لأبيها جعها غير قادرة على مقارنة أي رجل أخر به.
وهكذا ، عندما أخبرتها أمها بعد أسابيع من لقائهما أنهما سيتزوجان ، عانقتها مالون وتظاهرت بالابتهاج، ولأجل أمها، رضت بانتقاله إلى بيتهم ، وكان لديه إبن في السابعة والعشرين من عمره اسمه لي وجدته مالون بغيضاً.
أما ما لم تتوقعه مالون فهو أن ينتقل لي جنكنز معه أيضاً. كانت في الخامسة عشرة من عمرها، وبدلاً من أن تكون مزهوة بجمال شعرها الأشقر وقوامها،
وقوامها، أصبحت ميالة إلى إخفاء قوامها في كنزات فضفاضة، وتمشيط شعرها إلى الخلف وعقده بسبب تحرش لي المتكرر بها.
لم تستطع أن تخبر أمها، وهي التي عانت كثيراً، رغم أنها أوشكت على ذلك ذات يوم حيث دخل لي غرفتها.صرخت به:" اخرج من هنا".
لكن، وبدلاً من أن يترك غرفتها تقدم أكثر إلى الداخل وحاول معانقتها.
عضته... فانهال عليها بالسباب ، لكنها لم تهتم. وعندما اجبرته على تركها لم تبق في غرفتها.
كانت ترتجف، فأرادت أن تلوذ بأمها وتخبرها، لكن رغبتها بحماية أمها كانت تمنعها. وبلاً من ذلك، وضعت كرسياً تحت مقبض الباب في غرفتها.
ثم حثت مصيبة المصائب بعد مرور سنة واحدة على زواج امها إذ أخخذ زوجها يلحظ مالون. لم تصدق في البداية ما حدثتها به غريزتها، إلى أن قال لها مره:" مالون الصغيرة، لم تعودي صغيرة بعد الآن، كما أرى". واقترب منها محاولاً معانقتها ولعابه يسيل من فمه المسترخي.
وقالت له بصدق: " أشعر بالغثيان!" ثم هربت .