بقيت مالون تحدق بذهول حتى عندما تراجع خطوة، متوقعاً منها ان تتبعه إلى سيارته.
سألته مترددة وهي تشعر بدوار
هل......... هل تريد ان تتحدث إلي؟"
وعاد ذهنها يعمل ، وأخذت الافكار تتلاحق، كيف وجدها إنه لا يعرف عنوان امها الجديد، حتى ولا عنوانها القديم.لما أزعج نفسه بالبحث عنها؟ ثم .... ماذا بقى ليتحدثا عنه؟
واجابها عابساً "نعم . ووحدنا".
وحدنا ؟ من دون وجود أمها وزوجها؟
فتحت فمها لتخبره ان يذهب إلى الجحيم، ولكنها اعترفت بضعفها أمامه ولم تشأ أن تدعه يذهب مره أخرى ... ليس الأن، وهو لن يلبث ان يبتعد عن حياتها إلى الابد
- تفضل بالدخول.
- قلت وحدنا.
- إمي وزوجها غائبان، ويمكنك ان تدخل إلا إذا كنت تنوي قتلي.
تقدم خطوة إلى الامام فأمسكت له الباب فيما اجتاز العتبة فتبعته ثم تقدمته إلى غرفة الجلوس وقلبها يخفق لرؤيتها غير المتوقعه له
وفي غرفة الجلوس ، استدارت لتسأله عما جعله يبحث عنها وقعت عيناها على وجهه، الذي كان عابساً وعدائياً ، فرأته ، رغم ذلك ، حبيباً
لكنه وجدت نفسها تسأله، وهي ترى من لباسه أنه جاء مباشرة من مكتبه
- هل تعشيت ؟
- ومن يريد الطعام ؟
رفض دعوتها بازدراء وقلة تهذيب ، وفكرت في أن تدعوه إلى الجلوس، لكنه لن يمكث طويلاً
سألها فجأة :" لماذا رحلت؟"
كان يريد تفسيراً لم تكن تملكه . عاد ذهنها إلى التوقف عن التفكير . وقالت
- منذ البداية لم اكن أنوي البقاء، وانت تعلم أن عملي مؤقت .
نظر إليها بغيظ ، وعندما نظر فجأة في عينيها ، لانت لهجته وهو يقول
- فكرت في أن نتحدث .. نحن الاثنين.
أواه ، يا هاريس ! انها تريد أن تكون فظة معه وهو يصعب الامر
- يمكننا ذلك . لقد سبف وتحدثت معك ، و اخبرتك بأشياء لم اخبرها لاحد. ولكن.....
وسكتت متخازلة ، شاعرة بانها قالت الكثير، فقد سبق وقالت الكثير
- ما الذي حدث إذن؟ ماذا حدث لتلك الثقة التي وضعتها بي لتهربي حتى دون أن تحدثيني أولاً؟
كانت نظراته مسمرة على وجهها بثبات قبل أن يتهمها قائلاً
- لو اني لم اتصل بك هاتفياً لما كنت أخبرتني عن قرارك .
فاندفعت تقول :
- هل لك بالجلوس ؟ اتريد شراباً؟ ما دمت لا تريد ان تأكل؟.
لم يعجبها أن يامرها بخشونه
-لا تثوري في وجهي، يامالون، انا لا احب ذلك . خصوصاً وانك تعلمين أنني لن أؤذيك أبداً.
ليت كلامه صحيح ! فهي تتألم بسببه . سارت إلى كرسيمريخ فجر كرسياً قربها وجلس عليه
كانت تفصل بينهما خطوات فحاولت تبرئة نفسها من دون ان تفضح مشاعرها ، فظنت أن باستطاعتها تفسير الامر
- لقد كتبت لك ورقة .
- لم أجدها.
لقد ذهب إلى منزله إذن :" هل ذهبت إلى هناك؟ بعد اتصالك بي لم يبق للورقة أي فائدة ، فمزقتها . إذن.. ذهبت إلى هاركورت هاوس"؟
- طبعا كنت هناك.
تكلم بخشونه ثم تابع يقول ما ادهشها تماماً
- كنت في منتصف الطريق عندما اتصل بي بوب ميلر ليقول أنك رحلت . بدا لي......
- لم يكن بوب موجودا ً حين رحلت .
- أعلم ذلك
وخطرت لها فكرة فجأة فسألته مذهوله :
- لا اظنك تركت مكتبك وجئت إلى "أبرماسي" فقط لانني......
وسكتت، هو طبعا لم يفعل ذلك لا بد ان الحب اعمى ذهنها :" أسفة ، انه سؤال غبي مني".
بين يديه معاملات بملايين الجنيهات، فكيف يخطر ببالها انه سيترك عمله فقط لانها ابلغته برحيلها ! لكنها رأته يومئ بوضوح فتساعت دقات قلبها ، واحمر وجهها وهو يضيف
- تأخرت فقط لاتصل ببوب ميلر ، ثم أنطلقت .
- أنت .... انت
وخانتها الكلمات كانت تفترض انها وكيلة كفؤة ، ولكن إلى اي حد؟ ليترك هاريس عمله وياتي إلى منطقة أبرماسي أو ليطلب منها ان تعيد النظر
- انت .. قلت أنك اتصلت ببوب ميلر؟
- اتصلت بالخلوي . لم يكن في المنزل إذ كان منغمساً في احد أعماله الأخرى التي تبعد حوالي عشرة أميال ، قال أنك تحدثت معه عن إعطائه المفاتيح ليحتفظ بها .
توقف هاريس ثم اردف :" لم اهتم مطلقا ً بحسمك للموضوع ، بل أخبرته بان يعود الى هاركورت هاوس ويمنعك من الرحيل .
اتسعت عيناها الجميلتان وهي تشهق :" يمنعني من الرحيل؟"
- وعندما وصل إلى هناك ، كنت قد رحلت .
فتحت فمها مذهوله رغم انها لا تصدق اهتمام هاريس بها . لاشك ان هذه الفكرة صدمتها نوعا ما .
- أنت .....
لم تستطع ان تنطق بغير ذلك ثم عاد ذهنها إلى التحليل:" وقررت متابعة طريقك إلى هاركورت هاوس على كل حال؟"
- كان خياري الوحيد ، عندما أدركت انني لا اعرف في اي طريق ذهبت ، وانني لا املك أي عنوان لك ... إلى إذا ذهبت إلى بيت إمك الجديد.. تملكني الامل في أن اعثر في غرفتك أو في أي مكان أخر في المنزل على ما قد يدلنا على مكانك ".
- هل فتشت غرفتي ؟
سألته بضعف ، وهي تحاول جاهدة ألا ترى أي خطأ في عمل هاريس
- فتشت في كل مكان.
- ولم تجد شيئاً؟
- ولا اثر يرسدني إليك؟
رباه ، يبدو وكأنه حريص على العثور عليها.
ابتسمت متظاهرة بالهدوء :" و.... ولكنك وجدتني . انت هنا الان. كيف عثرت علي؟"
اجاب بشبة ابتسامة :" كما سبق و ذكرت ، أهدرت ما بقي من كرامتي، إلا أن العثور عليك يستحق هذا العناء".
رفض قلبها بجنون ان يقبل المنطق المتزن.. لا يمكن أن يعني ما تظنه ، هل يهتم هاريس بها؟
- عنواني ؟
- نعم . عنوانك . كنت في غرفة الجلوس ، وتلك الازهار البرية التي قطفتها الاحد الماضي مازالت يانعة في إنائها ، وحاولت ألا أستسلم لليأس.
لو انه لم يشر إلى زيارته لها نهار الاحد بنفس اللهجة التي ذكر فيها يأسه من احتما ل العثور عليها، كان قلبها ليقفز من صدرها.
- لا بد انني تركت أثراً ما، على كل حال.
قالت بجفاء وفتور، فرأت هاريس يقطب جبينه لتغيير الذي أصابها ، لكنه تمسك بهدفه بحزم، وقال :" كنت أحاول بلفهة أن اتذكر أي شي قلته ، قد يرشدني إليك . وهكذا عدت إلى نقطة البداية ، حيث تقابلنا عندما كنت هاربة من صهري، ولكنني لم احد دليلاً إلى أن تذكرت انك كتبت إلأى رولاند فيليبس بشأن الوظيفة ، وادركت أن فيليبس يملك عنوانك القديم ، فذهبت لرؤيته".
- أواه ، يا هاريس
تمتمت بشكل تلقائي وقد أدركت ما يعنية بقوله ( إهدار كرامته) فقدكان إذلالاً كبيراً له أن يطلب خدمة من فيليبس .
- لا بد أنك كنت متلهفاً للحصول على عنواني.
نظر إليها مطولاً دون ابتسام ، ثم قا ل ببساطة :" هذا صحيح".
فقالت فيما جف حلقها " هل ... هل أعطاك إياه دون ... دون جدال؟"
عندئذ ابتسم وقال : " لا يمكنني القول ان ذلك تم دون جدال ، في البداية قال انه لا يعرف مكان رسالتك ، وعندما قلت له انك كنت تنظمين ملفاته في المكتب..."
- هل تذكرت انني قلت لك انني نظمت مكتبه.
- ألم أقل لك انني استرجعت كل ما قتله لي ، لأعثر على دليل؟ ذكرت له باقتضاب مصير وظيفته عندما يسمع رؤساؤة بتصرفاته.
- هل وجدت رسالتي في ملف كتب عليه (مراسلات عامة )؟
فأوما :" ثم كان علي أن أقف حوالي ساعتين ، منتظراً الساكن الجديد ليعود، آملاً في ان يكون لديه عنوان امك الجديد"
حدقت مالون إليه وعلا أذنيها طنين . لا تستطيع ان تنكر ما انباها به كلامه.
سألته بصوت أبح :" هل عانيت كل ذلك ؟"
- كان الامر مهماً لي .
تركزت عيناها عليه عندما اضاف بعناية :" انت مهمة بالنسبة لي، يا مالون"
عندئذ ، عمرها شعور لم تستطع أن تبقى معه جامدة ، فانتصبت واقفة وابتعدت عنه ، توليه ظهرها لئلا يرى فيض المشاعر على وجهها.
سمعته يتحرك ثم وقف خلفها يهدئها بقوله :" لا تفزعي ، انا اعلم انني تجاوزت الحد معك منذ اسبوع، وإذا كان تصرفي أخافك مني وجعلك تهربين ، فسنأخذ الامور بشكل ......"
استدارت مالون تواجهة، بدا قلقاً مرهقاً فلم تستطع احتمال ذلك . إذا كانت هي من سيمرغ كرامته في التراب ، فليكن ، رغم انها مازالت صعوبه في تصديق انه اندفع إلى منزله ، متغلباً على كبريائه و ذهب ليطلب خدمه من صهره ثم جاء يبحث عنها ..كيف تدع هاريس يظن نفسه مذنباً أو انانياً؟
أردفت برقه :" يا هاريس، ما أسوأ ذاكرتك "
حدق إليها ، وكان الارهاق باديا عليه، وسألها :" هل كدت أرعبك؟"
فهزت رأسها، حتى أنها استطاعت ان تبتسم
- لا بأس ، علي أن اعترف بأنني ماهرة للغاية ، وهناك الكثير لاتعلمه ، ولكن أذكر أنك أمرتني بترك الغرفة وليس العكس ".
بدأ وكأن الارهاق فارقة، لكنه سألها :" ألم يحدث ما ازعجك وجعلك قلقه متضايقة مني ......؟"
- الشيء الوحيد الذي أزعجني هو اعتقادي أن بإمكان الوثوق بك ، وإذا بي أكتشفت ..
وترددت ، لانه كان يتألم كما يبدو .. هي تحبه إلى حد لا تريد له الالم
وتابعت :" اكتشفت انني ... لا استطيع أن أثق ... بنفسي"
حدق هاريس بها لحظة بدت لها دهراً ثم قال برقة
- ياعزيزتي، اتعنين انني لو لم اطلب منك المغادرة ، كنت لــ....؟
- ما كنت لأستطيع أن أمنع نفسي ..
- آه يا حبيبتي
تمتم بذلك وهو يمد ذراعيه لها ، خفق قلبها وهي تلقي بنفسها بين ذراعيه ، تملكتها البهجة وهي تشعر بدفئة فسألها
- ألهذا السبب هربت ؟ ألأنك لم تثقي بنفسك وانت معي تحت سقف واحد؟.