لست أطلب منكم التصديق أو التكذيب، كل ما أريده هو أن أفضفض قليلًا، فقلبي يكاد ينفجر مما أحمله، وقد بلغ مني التعب مبلغه. يكفيني منكم دعوة طيبة، وعسى الله أن يعوضكم بالمثل.
بدأت قصتي قبل خمسة عشر عامًا، عندما كلف والدي بمهمة عمل في مدينة الدمام لمدة أربعة أيام. كنت أنا وأختي الأصغر مني متحمستين، وطلبنا منه أن نرافقه لتغيير الأجواء، فقد كنا قد انتهينا للتو من اختبارات الجامعة، وكنت وقتها في السنة الثانية. أذكر كيف نظر إلينا والدي، بابتسامته الأبوية الدافئة، ووافق على الفور، وقررنا أن نصحبه في رحلته. أما والدتي، فلم توافق على الذهاب معنا، فقد كانت مشغولة برعاية جدتي المريضة.
وصلنا إلى الدمام، وكانت المدينة جميلة بأجوائها الهادئة، وملأ الفرح قلوبنا. في اليوم الأول، ذهب والدي إلى العمل وعاد عصرًا، واقترح أن نخرج معًا لنستمتع بجمال الكورنيش. كان الطقس لطيفًا، والناس يملؤون المكان، يجلسون على الأرصفة، يضحكون ويتبادلون الأحاديث. تذكرت حينها الكاميرا الرقمية التي كانت لتوها قد ظهرت في الأسواق، فطلبت من والدي أن أذهب أنا وأختي إلى الأسفل قرب الصخور لالتقاط بعض الصور.
ذهبنا إلى منطقة بعيدة قليلًا عن أعين الناس، وأزلت نقابي وطرحي، وبدأنا نصور بعضنا البعض، نلتقط الضحكات العفوية ونستمتع باللحظة. فجأة، لمحنا شابًا يقف على المرتفع ينظر إلينا بتمعن. شعرت بالقلق، فتغطيت أنا وأختي سريعًا وعُدنا إلى والدي، وأنا أتحاشى النظر إلى الوراء.
عندما عدنا، كان والدي منشغلًا بالحديث مع بائع دهن عود من الجنسية الهندية. لكن عقلي كان لا يزال مشغولًا بتلك النظرات التي شعرت بها تلاحقني. بحثت بعيني بين الحشود، وإذا بي ألمحه مرة أخرى، واقفًا في مكان بعيد، ينظر إلينا بنفس العمق. كان طويلًا، عريض المنكبين، ووسيمًا إلى درجة تشد الانتباه. سبحان من أبدع خلقه! كان الوقت قريبًا من المغرب، ثم اختفى فجأة، ولم أعد أراه.
بعد دقائق، أذن المغرب، وذهب والدي للصلاة في المسجد القريب من الكورنيش، وصلينا أنا وأختي في مكاننا. جلسنا ننتظر والدي حتى يعود، وما هي إلا لحظات حتى رأيناه عائدًا، ومعه نفس الشاب الذي كان يراقبنا. شعرت بشيء من القلق، ونظرت إلى أختي التي بدت مشدوهة مثلي، لكننا تمالكتنا حتى وصل والدي إلينا.
كان الشاب يقف مع والدي قرب السيارة، يتبادلان الضحكات وكأنهما يعرفان بعضهما منذ زمن. ثم اقترب منا والدي، وهو لا يزال مبتسمًا، وقال: "تعرفت على شاب محترم اليوم، والله إنه من خيرة الشباب." استغربت من سرعة ثنائه عليه، فقلت لوالدي بحذر: "يبه، ما امداك تعرفه عشان تمدحه كذا!"
أجابني والدي بثقة: "تعرفين عمه، هذا عمه صديق قديم لي من أيام الجامعة."
شعرت بالدهشة، كيف التقيا هكذا صدفة؟ ثم واصل والدي حديثه: "اليوم دعاني إلى بيتهم، لكن ما قدرت آخذكم معي لأنكم رفضتم، قلت لكم نشتري ملابس، ما رضيتوا."
في اليوم التالي، أصر والدي أن يحضر عزيمتهم، وذهب وحيدًا. عندما عاد، لم يتوقف عن مدحهم، ووصفهم بأجمل الأوصاف. ومن شدة حديثه، بدأت أشعر بشيء من الاهتمام تجاه الشاب. كانت صورته لا تفارق مخيلتي، وكانت كل كلمة من والدي تزيد إعجابي به.
بعد أسبوعين بالتمام، جاء الشاب مع عائلته إلى الرياض، بحجة زيارة والدي، وحرص والدي على دعوتهم لبيتنا. جاءت والدته وعمته وأخواته، وكانت أعينهم تركز عليّ طوال الوقت. لاحظت نظراتهم المتفحصة، وكأنهم يدرسونني، يحاولون معرفة كل تفاصيل شخصيتي.
تُرى، ما الذي يخططون له؟ وهل سيكون هذا الشاب هو من سيغير مجرى حياتي للأبد؟
سأروي لكم في الجزء القادم ما حدث وكيف بدأت حياتي تتغير منذ تلك اللحظة...