دخلت الشهر التاسع من حملي، وكنت أشعر بضغط كبير يثقل جسدي وروحي. لم يمر سوى أسبوع حتى بدأ الألم يزداد، شعرت أنني أقترب من النهاية. في تلك الليلة، كانت نوبات الألم تأتي كالأمواج، تزداد شيئًا فشيئًا، وكأنني أواجه عاصفة لا تنتهي. نُقلت إلى المستشفى على الفور، وبدأ الأطباء في تجهيز كل شيء، ثم أخبروني بصوت هادئ: "ولادة..."
كانت الكلمة ترن في أذني كأنها حكمٌ بالمعاناة. شعرت بالعذاب ينهشني، لم أكن أتصور أن الألم يمكن أن يصل إلى هذه الدرجة. مرت ساعات طويلة، كنت بين الوعي والغياب، بين الحياة والموت. الأطباء حاولوا كل ما بوسعهم، لكن الولادة تعسرت، لم أعد أحتمل الألم، حتى شعرت أن روحي بدأت تنفصل عن جسدي.
جلبوا جهازًا أسود اللون، قالوا إنه جهاز شفط، سمعتهم يتحدثون فيما بينهم بقلق: "نحتاج إلى شفط الجنين." كنت خائفة، جسدي منهك، وكأنني في كابوس لا أستطيع الاستيقاظ منه. بدأت أصرخ، لكن صوتي كان ضائعًا في زحام الألم. حاولوا إخراج الطفل، لكن فجأة، سمعت صرخة عالية من الدكتورة: "الحبل السري على رقبته!" شعرت بالبرد يسري في أوصالي، وكأنني جمدت في مكاني.
ثم عادوا ليحاولوا من جديد، لم أكن أفهم ما يحدث، كان صوت الأجهزة والصرخات يختلط في رأسي، وأذكر فقط أنهم قالوا: "أدخلوها إلى غرفة العمليات!" لم يكن هناك وقت، لم ينتظروا حتى يأخذ البنج الموضعي مفعوله، كنت أشعر بكل شيء. شعرت بالمشارط، بالشد والجذب، بالدماء، بالموت الذي كان يحوم فوقي.
ثم، بصعوبة، خرج الطفل. لم أرَ منه إلا لمحة خاطفة، كان صغيرًا جدًا، لونه أزرق، وجسده ساكن. حاولوا إنعاشه، وأنا أراقبهم بعيني المنهكتين، ثم غبت عن الوعي تمامًا.
عندما استيقظت بعد ثلاثة أيام، شعرت بجسدي متجمدًا، كأنني مكبلة. كنت في غرفة المستشفى، نظرت حولي، فرأيت زوجي يجلس أمامي، يحدق بي. كانت عيناه جامدتين، لا أثر للحنان أو الشفقة فيهما. حاولت أن أتحدث، سألت بصوت ضعيف: "أين ولدي؟"
لم يرد في البداية، ثم قال بهدوء بارد: "أخذته والدتي إلى البيت، لأنه ما له داعي يبقى في المستشفى."
لم أصدق ما أسمعه. ألم يكن يجب أن يكون هنا معي؟! أليس هذا مكانه؟ حاولت النهوض، لكنني كنت عاجزة. قال لي: "شدي حيلك عشان تطلعين."
ثم وقف وخرج من الغرفة، وكأنني غريبة عنه. بقيت وحدي، أحاول تجميع شتات نفسي. بعد يومين، جاء ليأخذني، كنت أشعر بشوق يعتصر قلبي، لم أكن أريد سوى أن أرى طفلي، أن أضمه إلى صدري. كل ألم العمليات، كل الأوجاع التي عشتها، تلاشت أمام فكرة لقائه.
ساعدني على الجلوس في كرسي متحرك، ودفعني بهدوء خارج الغرفة. نزلنا إلى الطابق السفلي، وركبنا السيارة. كنت أتطلع إلى الطريق بشغف، أتخيل لقاءي به، كيف سأحتضنه وأرضعه. كانت صورته في خيالي، صغيرًا ناعمًا، يملأني بالفرح.
لكن، فجأة، بدأت ألاحظ شيئًا غريبًا. الطريق لم يكن مألوفًا، لم يكن طريق بيتنا. التفت إلى زوجي وسألته: "إلى أين نحن ذاهبون؟" لم يرد، كانت عيناه مثبتتين على الطريق. تكرر سؤالي، لكنني لم أحصل على إجابة. بعد دقائق، نظر إليّ ببرود وقال: "أختي أخذت الولد لأهلي، لأنهم ما قدروا يتعاملون معه. بنروح نقضي النفاس عند أهلك، زي ما اتفقنا."
ماذا؟!
أهل زوجي؟! لماذا؟! لم أكن أعلم أنهم أخذوه، ولماذا لم يخبرني؟ شعرت بالدوار. كنت متعبة، جسدي ينزف وجعًا، وصدري متورم من الحليب الذي لم أستطع إرضاع طفلي منه. كان الطريق طويلًا، أطول من أي رحلة. لم نتبادل كلمة واحدة. بقيت صامتة، مشدودة على مقعدي، والحرارة تتصاعد في جسدي.
بعد ساعات طويلة، وصلنا إلى الرياض. كان الليل قد أسدل ستاره، ولم أعد أستطيع التحمل. كنت أرتجف من شدة التعب، الحمى تلتهمني، وأكاد أغيب عن الوعي. توقفت السيارة أمام بيت أهلي، نزلت بصعوبة، تمسكت بالجدار، أحاول الثبات. نظرت إلى والدي الذي خرج مسرعًا، وعيناه تملؤهما الصدمة.
أين طفلي؟!
كان هذا هو السؤال الوحيد الذي يخرج من بين شفتي، لكن صوتي كان ضعيفًا، بالكاد يُسمع.
"وين ولدي؟" كررتها مرارًا، والدموع تنهمر من عيني، وجسدي يرتجف. لم أكن أستطيع المشي، كنت أتحسس بطني الفارغ، أحاول فهم ما يحدث. جلست، والدموع تغطي وجهي، نظرت إلى زوجي بترقب، أنتظر منه إجابة.
تقدم والدي وسأل زوجي بحدة: "ماذا يحدث؟ لماذا هي في هذه الحالة؟!"
نظر إليه زوجي ببرود، ثم قال، وصوته لا يحمل أي مشاعر:
"مات الولد."
كلماته كانت كالسيف، قطعتني نصفين. شعرت بأن قلبي قد توقف، أن كل شيء في داخلي قد انهار. نظرت إليه غير مصدقة، وأنا أصرخ: "ماذا؟! كيف؟! لماذا لم تقل لي؟!"
لكن زوجي لم يرد. وقف والدي مذهولًا، غير قادر على النطق. حاولت النهوض، لكنني سقطت أرضًا، جسدي لم يعد يحتمل. كل تلك الأشهر من الانتظار، كل ذلك الألم... انتهى بهذه الكلمة؟
ظللت أبكي، صرخت حتى جفت دموعي، ولم أشعر بشيء بعد ذلك. كل ما أذكره أنني غبت عن الوعي، ووجدت نفسي في غرفتي بعد ساعات، وأمي تجلس بجانبي تبكي.
كيف سأكمل حياتي الآن؟ كيف أواجه هذه الصدمة؟ والأهم، لماذا زوجي يتصرف وكأنه لا يبالي؟!