كنت أظن أن تجاهلي لصديقه سيجعله يتوقف، لكن الأمور لم تزد إلا سوءًا. بدأت ألاحظ أشياء غريبة تحدث كلما ذهبت لزيارة أهلي، فقد كان يطلب من زوجي باستمرار أن يعطيه مفتاح بيتنا بحجة أنه إذا حدث أي طارئ، مثل التماس كهربائي أو مشكلة، يستطيع الدخول والتحقق. لم أكن أشعر بالارتياح لهذا الطلب، لكن زوجي، بطيبة قلبه وثقته العمياء، لم يكن يرى في الأمر بأسًا، بل كان يعطيه المفتاح بدون تردد.
والمصيبة الكبرى أن صديقه لم يكتفِ بذلك، بل كان يتصل بي كلما كنا في زيارة لأهلي، يقول لي بصوت منخفض: "أنا الآن في بيتكم، جالس على سريركم، أشم عطرك وأتخيلكِ بجانبي." كانت كلماته تصعقني كالصاعقة، وكنت أرتجف من الرعب والاشمئزاز. كيف يمكن لإنسان أن يتجرأ على قول هذا الكلام؟! لكن غبائي منعني من إخبار زوجي بما يحدث، ظننت أنني لو تجاهلته سيتوقف، أو أنه ربما سيبتعد عن حياتنا.
مرت الأيام، وقررت أن أواجه زوجي. قلت له: "لا تعطِ مفتاح البيت لأحد بعد اليوم، حتى لو كان أقرب الناس لك."
تفاجأ زوجي، لكنه وافق. وبعدها بفترة قصيرة، توقف هذا الصديق عن طلب المفتاح، وظننت أن الأمر انتهى. لكنني كنت مخطئة.
مرت شهران، وفي إحدى الليالي، جاء كعادته ليسهر مع زوجي في مجلس البيت. كنت في غرفة الجلوس أتابع التلفاز، وسمعت صوت الباب يفتح، ثم سمعت صوته يقول لزوجي بصوت خافت: "أشعر بتعب شديد، هل يمكنك أن تجلب لي مسكنًا من الصيدلية؟"
رد عليه زوجي قلقًا: "تعال، أوديك للمستشفى."
لكن صديقه قال بإصرار: "لا، الطبيب كتب لي مسكنًا، لكني نسيت أخذه، إذا استطعت أن تذهب وتجيبه لي، سأكون بخير."
لم يتردد زوجي، بل انطلق فورًا خارجًا من المنزل ليجلب له ما يحتاجه.
جلست في مكاني، وأنا أشعر بعدم ارتياح غريب. كان من عادة زوجي أن يطرق الباب الفاصل بين المجلس وغرفة الجلوس إذا أراد شيئًا، سواء كان طلبًا لشاي أو قهوة. فجأة، سمعت طرقات مألوفة، نفس الطريقة التي يطرق بها زوجي. نهضت مسرعة لأرى ماذا يريد، فتحت الباب، وإذا بي أجده أمامي، عيناه تلمعان بنظرات مخيفة.
قبل أن أفهم ما يحدث، دفع الباب بقوة، وسحبني من يدي إلى داخل المجلس. شعرت بالخوف والارتباك، وأنا أحاول أن أستوعب ما يحدث. كنت في الشهر السابع من حملي، وبطني كانت كبيرة، لم أستطع مقاومته، وكانت قواي تخونني.
أمسكني بقوة، ثم بدأ يتكلم بصوت عالٍ، كأنه يريد أن يصل صوته إلى أبعد مكان:
"أنتي مثل أختي! والله لا يمكن أفكر أضر فلان! عيب عليك هالكلام!"
كانت كلماته تنهمر كالسياط على مسامعي، ولم أفهم ما الذي يقصده. ماذا يقول؟! أنا لم أقل شيئًا!
"كل مرة تلمحين لي! وأنا أسكت! كنت أقول إنها طائشة وبتعقل! لكن خلاص، ما عاد أقدر أسكت أكثر! فلان ما يستاهل هالكلام!"
كان صوته يعلو أكثر وأكثر، وأنا أحاول التخلص من قبضته، عيونه كانت تراقب الباب وكأنه ينتظر شيئًا.
وفجأة، فتح زوجي الباب ودخل علينا. تجمدت في مكاني، وأنا أرى نظرات الصدمة والذهول تكسو وجهه. وقبل أن أنطق بحرف، تركني صديقه وخرج من المجلس بدون أن يقول كلمة واحدة.
وقف زوجي، مصدومًا، عيناه تتنقلان بيني وبين الباب. حاولت أن أنطق، أن أفسر، لكن الكلمات علقت في حلقي. جلس على الأرض، واضعًا يديه على رأسه، وكأنما يحاول استيعاب ما حدث للتو. لم أتحمل الموقف، هربت إلى غرفتي وأغلقت الباب خلفي. لم أكن أعلم كيف أشرح له، أو كيف أواجه هذا الموقف.
في صباح اليوم التالي، نهضت ولم أجد زوجي. جلست أنتظره، وأنا أعيد ترتيب كلماتي. كنت واثقة أنه سيفهمني، أنه سيصدقني. عاد عند الظهر، وكان وجهه أسودًا من الغضب، نظراته لا تطاوعه للنظر إليّ. حاولت أن أتحدث معه، لكن كلما بدأت بالكلام، كان يرد بجملة واحدة:
"حصل خير."
هكذا فقط؟ حصل خير؟!
شعرت بأن شيئًا كبيرًا قد تحطم بيننا، شيء لم أعد أستطيع إصلاحه. بعد ذلك اليوم، تغير كل شيء. صار زوجي شبحًا لما كان عليه، يعيش في جسد بلا روح. لم يعد ينام في سريرنا، بل أصبح يقضي لياليه في الصالة، لا يتحدث معي إلا بعبارات مقتضبة. كان واضحًا أنه لا يريد شيئًا مني، لكن في الوقت نفسه، لم يفكر في تركي.
أما أنا، فقد بدأت نفسيتي تتدهور، وزاد ألمي. شعرت بالندم لأنني لم أخبر والدي من البداية، لكن الآن، الأمور أصبحت أسوأ مما كنت أتخيل. شهور مرت، كانت أيامًا باردة، لا دفء فيها ولا روح. حتى الطعام لم يعد يتناوله من يدي، لم يكن يريد أن يلمس شيئًا مني.
ثم اختفى صديقه فجأة. لم أسمع عنه شيئًا، ولم أجرؤ على السؤال عنه. كنت أخشى أن يُفهم سؤالي بشكل خاطئ، ففضلت الصمت.
دخلت الشهر التاسع من حملي، ومعه زاد تعبي النفسي والجسدي. في إحدى الليالي، شعرت بألم شديد، وكان حملي قد اقترب من نهايته. نُقلت إلى المستشفى، وكنت آمل أن هذه الأزمة ستجعل زوجي يعود إليّ، أن ينسى ما حدث، لكني لم أكن أعلم أن ما سيأتي كان أسوأ بكثير مما تخيلت...