الجزء 2

المشهد الثاني:-

"لا أصدق...تمزحين صحيح!!"
جاء صوت صديقتها "لين" المصدوم بينما كانت تتحدث معها على الهاتف،فأجابتها الأخرى:-
"ولما سأكذب؟!..ذلك ما حدث،ولقد تورم كاحلي من كثرة الركض أيضاً"
"يا الله يا ليالي،لما تقحمين نفسك في المصائب دائماً!"
قالتها في ضيق شديد،فأجابتها "ليالي" باستفزاز كعادتها:-
" هل أنا من أخبر المصائب أن تأتي إلي؟!،كفي عن تلك الأسئلة الغريبة يا لين"
تأففت "لين" ثم قالت في تعجب:-
"لكن لما كذبتي على الرجل الذي أنقذك؟،في أمر اسمك وسبب مجيئك،لما لم تخبريه أنه تم خطفك وطعن....."
"لم أستطع الوثوق به،وما فعلته هو الأفضل"
"إذن كان يُدعى عثمان صحيح؟"
لمحت نبرتها العابثة ااتي فهمتها جيداً،فقالت "ليالي":-
"نعم،ولكنه ليس مثلما تظنين"
ضحكت صديقتها بشدة،ثم أردفت في عبث:-
"وكيف علمتي أنت؟!"
أراحت ظهرها على الفراش حتى تمددت عليه،ثم غمغمت بينما تتنهد:-
"لم يحاول إيذائي قط،فقط بعض التهديدات التي لم ينفذها"
غيرت وضعية نومتها حتى باتت تتمدد على بطنها،ثم رفعت قدميها للأعلى وواصلت حديثها:-
"كان وسيماً للغاية يا ابنتي،بل كان جذاباً أكثر من وسامته،نبرته رجولية يشعرك أنه رجل يتحمل المسئولية،كدت أن أتوسله لآخذ رقمه،ولكنه كان شديد الفظاظة معي فلم أجرؤ على طلبه"
عبس وجهها عند جملتها الآخيرة،فجاء صفير صديقتها من الناحية الأخرى وهى تقول:-
"أووووه،هل وقعتي في حبه من اللقاء الأول يا فتاة!"
ضحكت "ليالي" ثم قالت من بين ضحكاتها:-
"ليس إلى تلك الدرجة...يمكن أن يكون اعجاباً فقط"
"رغم فظاظته!"
تنهدت مبتسمة وقالت:-
"رغم فظاظته..."
"أممممم،سآتي إليكِ مساءً لنرَ ذلك الموضوع"
"حسناً، ولكن حذارٍ أن يراكِ أحد،وتأكدي أنه لا يوجد شخص يراقبك"
زفرت "لين" أنفاسها في ضيق ثم قالت:-
"ألن تستطيعي الخروج؟!"
إعتدلت جالسة على الفراش،ثم أجابتها بينما تفرك جبهتها بقلة حيلة:-
"لا،ينبغي علي أن أظل في البيت لفترة،حتى أتأكد أنه تم نسياني"
"ولكن يا ليالي،بالتأكيد سيأخذون بثأر الرجلين"
أخذت "ليالي" شهيق طويل ثم زفرته على مهل،وعلقت عليها قائلة بتوجس:-
"أعلم....."

****

"تعرضت لهجوم بالرصاص!!!"
صرخ بها "سائر" شقيقه وقد تملكت الصدمة منه،فكتم "عثمان" فاهه سريعاً وقال:-
"شششش،ستستمع إلينا والدتك وستحبسني في المنزل بعدما أتلقى توبيخاً،صدقني أنا أعرفها جيداً"
أزاح "سائر" يد شقيقها،ثم قال بعصبية ولكن بنبرة خافتة:-
"أتخبرني أنك تعرضت لضرب بالسلاح وتريدني أن أكون هادئاً؟!!!"
أجابه بنفس النبرة:-
"ماذا أفعل؟!!،كدت أن أصدمها وصعدت سيارتي سريعاً،وفجأة رأيت رجلين يحملان أسلحة،كل ذلك حدث في لحظات يا اخي!"
"ومن تلك الفتاة؟"
"لا أعلم..قالت أنها تدعى علياء،ولكني أستشعر الكذب في حديثها وكل ما قصته"
لكزه شقيقها بكتفه،ثم قال غامزاً بعبث:-
"هل كانت جميلة؟"
بادله ذات البسمة العابثة،ثم أجابه:-
"للغاية،رغم حالتها الرثة تلك"
دس يده في جيبه،وأخرج هاتفه الجوال منه،عبث به قليلاً حتى وصل لمبتغاه،ثم رفعه في وجه شقيقه وقال:-
"استطعت أن التقط لها تلك الصورة دون أن تراني"
اتسعت عيني شقيقه بذهول ثم تمتم قائلاً:-
"أكانت تلك جالسة جوارك واستطعت تصنع البرود!!"
"كنت فظاً للغاية معها رغم خفة ظلها"
"أحييك على ذلك المجهود"
صفق بيديه بعدما أنهى جملته،فلكزه "عثمان" بخفة وضحكا معاً بشدة،حتى أبصر والدته تقترب منهما،فوقفت أمامه ثم قالت:-
"لقد تركتك الأمس لأنك كنت متعباً،ولكن الآن لن أتركك يا عثمان"
تدلى كتفاه في قلة حيلة،ثم قال بسؤم:-
"يا إلهي..ها قد بدأنا....."

****

كانت جالسة مع صديقتها بعدما نفذت بوعدها بالمجيء إليها،تناولت كوبين من القهوة ثم سارت حيث تجلس على الأريكة أمام التلفاز،وضعت الكوبان على الطاولة أمامها ثم جلست جوارها هي الأخرى والتقطت وسادة صغيرة ضمتها إلى صدرها،فبادرت "ليالي" بالحديث بينما حدقتيها مثبتتان على المسلسل الدرامي:-
"هل تظنين أني لن أرَ ذلك الفظ مرة أخرى؟"
أجابتها "لين" دون أن تحيد بالنظر عن التلفاز:-
"لا أعلم،ولكن أظن ذلك،فأنت لا تعلمين سوى أشياء بسيطة عنه لن تفيدك قط"
التفتت برأسها تلك المرة إلى "لين"،ثم قالت بينما تتنهد:-
"بقيت أفكر فيه منذ أن أغلقت معك،لا أعلم لما ولكن هنالك شيء جذبني به"
"لا تتعبي رأسك بالتفكير عبثاً،فبالتأكيد أنه لا يريد رؤية وجهك قط بعد ما حدث بالأمس وعرضته للخطر"
أراحت ظهرها أكثر واستندت برأسها على حافة ظهر الأريكة،ثم قالت بينما مقلتيها مثبتتين في اللا شيء:-
"تلك الصدف حقاً غريبة،كأن الله قد سخره لي دوناً عن أي شخص آخر حتى لا يؤذيني"
"ولكني أقلق عليك كثيراً الآن،أخاف أن يتعرض لكِ أحد بعد ما حدث،لا أظن أن ظافر ورجاله سيتركونك قط"
قالت جملتها في توجس،فتصنعت "ليالي" اللا مبالاة رغم أنها تتوجس خفية،ثم قالت ببرود ظاهري:-
"لن يستطيع فعل شيء لي،وهو يعرف ذلك جيداً"
"ولكن الانتقام سيكون أشد الآن يا ليالي،لا تتظاهري بالبرود حباً بالله!"
"وماذا أفعل يا لين؟!،أخبريني ماذا أفعل!!"
قالتها في حنق شديد،فأجابتها الأخرى بقلة حيلة:-
"لا أعلم،صدقاً لا أعلم....."

****

"مرحباً يا عثمان،كيف أحوالك؟"
بادرت فتاة تدعى "سمر" بالسؤال،بينما اقتربت من ذلك الذي يحمل بعض قطع الأخشاب،فبعدما أنهى حديثه مع والدته ذهب إلى ورشته ليرى الطلبيات التي جاءته،فرفع وجهه لها وتأمل هيئتها قليلاً،ثم أشاح بوجهه عنها وقال:-
"بخير،نحمد الله،ماذا جاء بكِ إلى هنا في ذلك الوقت؟!"
مضت ببضع خطوات حتى صارت جواره تماماً،وقالت في نبرة أنثوية:-
"ألا يحق لي المجىء لرؤيتك يا عثمان؟!!"
ترك ما بيده ثم رفع أنظاره لها،وقال بنبرة ذات مغزى:-
"نعم يحق لك،ولكن ليس في ذلك الوقت يا آنسة سمر!"
مطت شفتيها المطلية بحمرة قانية،ثم قالت وهي تتغنج:-
"حسناً،وجدتُ أنوار الورشة مضاءة،فأردت الإطمئنان عليك"
حملق فيها لبرهة وهو يعلم تماماً أنها تتعمد إغرائه،فأشاح بوجهه عنها وقال:-
"شكراً لك،أنا بخير"
باغتته بلمسة منها على كتفه المعضل،وقالت في براءة مصطنعة:-
"أمتأكد أنك لا تريد شيئاً مني؟،أخبرني ولا تخجل"
تعلقت أنظاره على يدها لبرهة،ثم حرك كتفه للوراء حتى يبعد يدها عنه ليعلن نفوره الصريح منها،وقال بينما احتدت قسماته قليلاً:-
"قلت لا،إن احتجت سأطلب"
ضمت شفتيها بغيظ حاولت اخفائه،ثم قالت مبتسمة بإصفرار:-
"حسناً،كما تريد"
انهت جملتها ثم التفتت تاركة إياه،وقد ظهرت نظراتها المغلولة بعدما ابتعدت عنه،فتمتمت بوعيد:-
"كما تريد يا سيد عثمان،تصنع اللا مبالاة هكذا،ولكن لن أتركك حتى تركع أمامي..."
حملق الآخر في أثرها وقد اعتراه الضيق،فقال محدثاً نفسه بضجر:-
"أعطني الصبر يا الله،كل أنثى تقترب مني تأتي بالمصائب على عاتقي!...."

****

مرت عدة ساعات كانت جالسة تثرثر فيها مع صديقتها المقربة والوحيدة "لين"،فقد أصرت صديقتها أن تقضي معها الليلة حتى تطمئن عليها بعد ما حدث، استمعت لصوت دقات متتالية على باب منزلها الذي تقتن به،توجست خفية وارتابت خاصة أن لا أحد يأتي إليها قط فهي تعتبر وحيدو ليس لها أقارب أو أصدقاء قط سوى البعض الذين يعيشون بأحياء بعيدة عنها بمسافات كبيرة،تبادلت بينها وبين صديقتها النظرات التي لم تخلُ من القلق،فالتقطت جهاز التحكم ثم أطفأت التلفاز،وسارت بخطى حذرة وخلفها كانت "لين".
وقفت خلف باب المنزل ثم نظرت إلى الجهة الأخرى عبر العين السحرية،فلم تجد أي شخص أمام الباب،التفتت إلى "لين" وقد تملكها القلق،ثم فتحت الباب بحذر شديد وأطلت برأسها للخارج لتتأكد أن المكان بالفعل فارغ إلا من القطط الضالة.
فتحت الباب أكثر فلمحت تلك الورقة التي أمام الباب،جثت على ركبتيها ثم التقطتها وعدلتها للجهة الأخرى..
"ستندمين..."
تلك الجملة الوحيدة التي كانت مكتوبة على الورقة،فرفعت وجهها إلى "لين" بنظرات مغلفة بالتوتر،وابتلعت غصة مرتابة توسطت حلقها،وحدثتها بعينها..
"حدث ما كنا نخشاه..."
وعلمت أنها ستتعرض للخطر أكثر من ذي قبل...


إعدادات القراءة


لون الخلفية