الجزء 9
المشهد التاسع:-
قطبت والدته جبينها بتعجب وأيضاً "ليالي" من رد فعله ذاك،فتساءلت والدته قائلة باستغراب:-
"نفس فتاة ماذا يا سائر؟!!"
كاد أن يتحدث ولكن سارع "عثمان" بالقول بعدما وثب من مقعده واتجه نحوه:-
"نعم هي ذاتها،السيدة علياء مهندسة الديكورات التي أخبرتك باعجابي بها"
انهى جملته من بين أسنانه كي يفهمه شقيقه،لم يستطع استيعاب الأمر لحماقته وعاد يتساءل بغباء أثار جنون الآخر:-
"أي مهندسة،أليست تلك التي...."
لم يكمل جملته بعدما رأى غمزة "عثمان" له ونظراته المغتاظة،فحرك شفتيه بصوت هامس حتى لا يسمعه أحد:-
"لا تفضح الأمر"
حدق به لبرهة حتى امكنه استيعاب وفهم جملته،فهز رأسه سريعاً وقال بينما يتجه صوب "ليالي" وهو يصافحها بحرارة:-
"نعم،نعم...اعتذر لقد نسيت،مرحباً يا زوجة أخي"
هزت رأسها بالإيماء واكتفت ببسمة خفيفة،وقد علمت داخلها أن "سائر" ذاك يعرف من هي وما الذي حدث،وإلا لن يكون ذاك رد فعله من البداية،فطفق "عثمان" يقول:-
"لقد كنا نحدد ميعاد عقد القرآن،سيكون بعد ثلاثة أيام"
"مبارك لكَ يا أخي،المهندسة علياء بارعة في المص...أقصد الديكورات وأيضاٍ فتاة فاتنة الجمال"
ابتسمت له "ليالي" ثم شكرته بخفوت رغم شعورها بعدم الراحة:-
"شكراً يا سائر،أنتَ رجل لطيف"
قالتها بنبرة ذات مغزى بينما ثبتت حدقتاها على "عثمان" كأنها توصل رسالة له أدركها وفهمها جيداً،فأخذ يرمقها بنظرات مغتاظة للغاية،بينما مال نحوه شقيقه وهمس من بين أسنانه:-
"ماذا يحدث الآن!!"
"سأخبرك بكل شيء ولكن انتظر قليلاً"
ثم وجه حديثه إلى "ليالي" قائلاً بلطف مصطنع:-
"هيا يا عزيزتي لأريك الغرفة التي سنجري عليها بعض التعديلات،لنرى ما تريدين تغييره"
بادلته البسمة وسارت مقتربة إليه وهي تقول باصفرار:-
"حسناً يا عزيزي،كما تريد"
احتوى كتفيها ومن ثم سار معها نحو الغرفة،ولجت للداخل معه ثم دفعته عنها بغتة وهتفت بحدة:-
"لا تتعمد لمسي مرة أخرى!"
فأردف لها بهمس غاضب وحذرها قائلاً:-
"اخفضي صوتك الذي يشبه صوت الحمار ذاك،يجب علينا أن نمثل دور الحبيبن أمام والدتي وإلا سنكشف"
كتفت ساعديها أمام صدرها وقالت بحدة بينما ترفع حاجبها:-
"هل شبهت صوتي بالحمار الآن أم أني أتوهم!!"
مسح بكفه على جبهته بنفاذ صبر،ثم شد خصلات شعره وتمتم من بين أسنانه:-
"الصبر يا الله قبل أن أجن"
"أنتَ من تثير استفزازي دائماً"
"وأنتِ من تعلقين على أتفه الأمور"
"إذاً لا تفعل الأمور التافهة يا سيد عثمان حتى لا أعلق عليها!"
انهت جملتها بتحدٍ أثار جنونه،صمتت قليلاً قبل أن تتذكر ما حدث منذ دقائق فعادت تقول:-
"هل جننت منذ دقائق!،عقد قرآن ماذا بعد ثلاثة أيام،والأدهى سنبيت في غرفة واحدة!!"
تغاضى عن نعتها بالمجنون تلك المرة حتى لا يتشاجرا كالعادة وتلك المرة سيكشف الأمر،ثم أردف بمنطقية:-
"يجب أن نسرع بتلك الزيجة حتى لا تتأذي،والشقة لا تزال تحتاج بعض الاصلاحات"
اقتربت منه خطوتان ثم قالت:-
"وماذا عن المبيت في نفس الغرفة؟!"
فتساءل في جهل مصطنع:-
"ماذا بها الغرفة؟،سنقوم بتجديدها إن لم تعجبك!"
عبثت بخصلات شعرها بينما تجوب في الغرفة ذهاباً وإياباً،عاودت الوقوف أمامه وحذرته بعدما أشهرت اصبعها في وجهه:-
"لا تحاول إثارة جنوني،أين سأنام أنا هنا؟!!"
فأجابها ببساطة:-
"على الفراش!"
صرّ على أسنانها بقوة ونفاذ صبر،تحاول قدر المستطاع عدم القبض على عنقه حتى يختنق،ثم عاودت القول:-
"وأين ستنام أنت؟!"
أدرك مغزى سؤالها لكنه قرر إثارة جنونها أكثر وأجابها:-
"ما ذلك السؤال حباً بالله!،بالتأكيد على الفراش أيضاً"
شدت على خصلاتها بقوة ثم هدرت به:-
"هل تمزح معي،فراش ماذا!!،لن أنام جوارك على السرير مطلقاً!"
ابتسم لها باصفرار ثم قال لاستيقاد استفزازها:-
"حسناً،سأنام أنا على الفراش وأنتِ نامي على الأرض أو حيثما تريدين"
اتسعت عيناها وحملقت في ببلاهة من رده الغريب بالنسبة لها،فقالت بتلقائية بذهول:-
"أنتَ أكثر رجل فظ،وعديم الذوق،وأيضاً لا تعرف عن اللطف شيء.. رأيته في حياتي!"
"شهادة أعتز بها يا زوجتي المستقبلية"
انهى جملته ثم التفت وخرج من الغرفة تاركاً إياها تحملق في أثره بذهول من ذلك الرجل الذي لأول مرة ترى طبعاً كهذا.
استفاقت سريعاً ثم قررت الاتصال ب"لين" لتخبرها بما حدث،فطلبت رقمها وانتظرت قليلاً حتى آتاها جوابها:-
"هل أنتِ بخير؟"
"نعم،لكن اتصلت بكِ لكي أدعوكي لعقد قرآني بعد ثلاثة أيام"
قالت جملتها تلك في سخرية مريرة،فصرخت الأخرى بصدمة:-
"ماذا!!،عقد قرآنك على من؟!!!"
كادت أن تجيبها لكن قاطعتها "لين" بترديدها:-
"لحظة!،لا تقولي أنه الفظ الوسيم!!"
ضحكت "ليالي" بتهكم ثم قالت:-
"للأسف توقعك صحيح يا صديقتي"
"أخبريني كل ما حدث الآن".....
****
"عثمان...انتظر"
هتفت والدته بتلك الكلمات،فالتفت له ثم سار مقترباً منها وقال:-
"أتريدين شيء؟"
هزت رأسها بالرفض مع بسمة خفيفة وأجابته:-
"لا،لكن هناك أمر يشغل تفكيري"
"ما هو؟"
"سمر يا بني،أنتَ تعلم جيداً أنها تعشقك،وستكون تلك صدمة كبيرة عليها"
عبست قسماته ما إن ذكرت اسم ذات الرأس السميك كما يدعوها،فقال بوجه مكفهر:-
"لا يهمني ذلك الموضوع،هي لا تعني لي بتاتاً"
فقالت والدته بأسى:-
"لكنك تعني لها"
تأفف بنفاذ صبر،ثم هتف لينهي الحوار:-
"لا يهمني أيضاً،أخبريها أنتِ كي تتقبل الأمر مبكراً"
رفعت زرعها وبسطت كفها على وجنته،وأردفت بحنان:-
"حسناً لا تغضب يا بني"
هز رأسه بالإيجاب بينما أشاح بوجهه للجهة الأخرى،فقالت هي كي تنسيه غضبه:-
"خذ خطيبتك واذهبا لشراء فستاناً لعقد القرآن،فالوقت ضيق كثيراً بسبب تسرعكما"
"سنذهب غداً"
فأمرته بحدة بينما تهز رأسها بالرفض:-
"لا اذهبا اليوم حتى لا تتكدس عليكما الأعمال"
زفر أنفاسه بنفاذ صبر ثم أومأ لها بضيق،ومن ثم سار متجهاً إلى الغرفة،دق عدة مرات على الباب ثم ولج إلى الداخل فوجدها جالسة محلها تعدل من خصلات شعرها البنية،راقبها قليلاً حتى أفاق ومن ثم قال:-
"هيا بنا لنذهب"
التفتت فزعة على صوته المفاجىء،ثم تساءلت متعجبة:-
"إلى أين؟!"
"لشراء فستان عقد القرآن"
انفلتت عنها ضحكة متهكة أثارت غيظه،تمالكت ذاتها قليلاً ثم قالت ضاحكة بسخرية:-
"فستان!،ولما سأحتاج لفستان؟،هل تلك الزيجة حقيقية لأرتدي فستاناً؟!!"
زفر أنفاسه بضيق من سخريتها المعتادة ولسانها السليط،ثم قال بجدية:-
"تلك أوامر أمي حتى لا تشك بنا،هيا لنذهب وكفِ عن السخرية"
تاففت متمتة ببعض السباب ثم سارت معه إلى الأسفل،استقلت سيارته التي يصفها أمام المنزل،ثم توجه بها إلى أحد المولات القريبة....
وصلا أخيراً بعد مرور قرابة الربع ساعة،فترجلت من السيارة ومشت معه بخطى متضايقة نحو الداخل،جلسا على أحد المقاعد حتى جاءت إحدى السيدات التي تعمل في المحل،ثم قالت برسمية:-
"مرحباً بكما..ماذا تريدان تحديداً؟"
صمتت "ليالي" ولم تود الرد،وراحت تجوب المكان بنظرات متفحصة لتصاميم الفساتين،فرمقها "عثمان" بضيق ثم أجاب هو:-
"أريد فستاناً رقيقاً لعقد قرآن"
وجهت السيدة سؤالها تلك المرة إلى "ليالي":-
"هل تودين تصميماً معيناً؟"
أجابتها بامتعاض:-
"لا"
وكزها "عثمان" بحدة لتحسن من ردودها قليلاً فرمقته هي بنظرات مشتعلة وحذرته بعينيها ألا يفعل ذلك مرة أخرى وإلا ستكون العواقب وخيمة،وبالطبع استطاع هو تفسير نظرتها تلك،فالتفت للفتاة وقاوم ضيقه قدر المستطاع ثم قال للسيدة:-
"اعرضي علينا المتواجد وسنختار"
"حسناً،كما تريدان"
غابت لبرهة ثم عادت وهي تحمل أحد الفساتين الرقيقة والمرصعة بقطع تشبه الالماس،فوجه "عثمان" حديثه إلى "ليالي" برقة مصطنعة:-
"ما رأيكِ فيه يا حبيبتي؟"
رمقته بابتسامة اصفرار ثم أجابت بنفس نبرته:-
"لا يعجبني،مزخرف كثيراً"
هزت الفتاة رأسها بود،ثم ذهب وعادت بفستان آخر،تفحصته "ليالي" قبل أن تقول:-
"سادة فوق اللازم"
أومأت لها الفتاة،ثم عادت بواحد آخر،فقالت:-
"لم يعجبني تصميمه"
"قصير للغاية"
"لونه باهت"
"سأتعثر إن ارتديته"
"ما هذا الشيء!"
كانت تلك ردودها كلما جلبت لها الفتاة أحد الفساتين حتى تضايقت كثيراً من ردودها،وهنا قد سأم "عثمان" للغاية،وعلم أنها تفعل ذلك لاستفزازه،فوقف سريعاً ثم سار إلى أحد الأركان بنفاذ صبر،والتقط أول فستان طالته يده،ثم اعطاه للفتاة وقال:-
"غلفي ذلك سنأخذه"
أومأت له الفتاة وزفرت براحة،ثم ذهبت لكي تغلفه،فهدرت "ليالي" متذمرة:-
"لم يعجبني ذلك الفستان!"
فابتسم مجيباً ببرود:-
"أعجبني أنا،لذا سنأخذه"
"وماذا إن كان واسعاً علي!!"
زادت ابتسامته التي استقادت غضبها،ثم قال:-
"سنثبته بالدبابيس،لا تقلقي"
صرخت في غضب وغيظ شديد،ثم وثبت من مقعدها وتركته وانصرفت متجهة إلى السيارة والغيظ يتفاقم داخلها منه...
عادا أخيراً إلى المنزل بعدما فضلت الصمت طيلة الطريق حتى لا تخنقه من غضبها منه،صعدا للأعلى وتركته يحمل الفستان لتبدي عدم رغبتها به،ثم ولجت للداخل بوجه مكفهر،ثبتت محلها بعدما وجدت "سمر" ووالدة "عثمان" تنتظراهما،لكن كلاً منهما بتعابير مختلفة،ولج "عثمان" هو الآخر وتوقف إلى جوار "ليالي"،فبادرت والدته بالقول:-
"مرحباً يا بني...هل اخترتما الفستان؟"
"اجل يا أمي"
تفحصتهما "سمر" بنظرات مغلولة،ثم قالت بمكر":-
"مبارك لكما يا عثمان،ولكن يا ترى لما العجلة في الزفاف"
تبادلت "ليالي" النظرات المتعجبة والقلقة في ذات الوقت مع "عثمان"،ولم تقل صدمتهما بل ازدادت بعد قول "سمر":-
"أم أن ذلك الأمر له علاقة بالفتاة التي كانت معك بالورشة في ساعات متأخرة من الليل؟"....