الجزء 10

المشهد العاشر:-

حدقت فيها والدة "عثمان" بدهشة من حديثها،فابتلعت "ليالي" غصة متوترة توسطت حلقها خوفاً من أن يظنوا بها السوء،حاول "عثمان" التدخل سريعاً قبل أن تتأزم الأمور ويتم كشفهما،فقال لها بحدة مصطنعة:-
"أي فتاة يا آنسة سمر؟!،هل جننتي!!"
اقتربت منه ثم قالت بتحدٍ ونبرة ساخرة بينما حدقتيها تتنقل بينهما:-
"لا لم أجن،كلانا يعلم أن الفتاة التي كانت معك بالورشة هي السيدة علياء،لذا فقرار التعجل في الزواج متعلق بتلك الليلة،والسبب معروف دون أن أقول"
شعرت "ليالي" بالإهانة من حديثها الذي يحمل مغزى قرأته سريعاً،فقررت الحديث تلك المرة حتى لا تثبت الأمر عليها،فقالت متصنعة الغضب صائحة بها:-
"لا أسمح لك أن تتهمينني تلك الاتهامات الباطلة!"
فقالت "سمر" لاستفزازها:-
"لا تتظاهري يا علياء،أشتم رائحة الرعب الصادرة عنك من كشف الأمور"
فتحت "ليالي" فاهها تنوي توبيخها من نبرتها التي تخبرها أنها قامت بفعل فاضح،حسناً قد تكون صادقة بوجودها معه تلك الليلة،ولكن الأمر ليس كما تظن،فبتر حديثها تلك المرة والدة "عثمان" بعدما صاحت بعصبية مفرطة:-
"كفى!...لا أريد سماع أي كلمة أخرى من ثلاثتكم"
صمتوا جميعاً عقب جملتها الآمرة،واكتفوا بالنظرات الحادة المتوهجة بشرر،فالتفتت الوالدة موجهة حديثها إلى "سمر" قائلة:-
"أخبريني ماذا رأيتي بالضبط"
كتفت "سمر" ساعديها أمام صدرها ثم أجابتها:-
"لقد رأيته مع فتاة،كان يحملها على الطريق،ثم ولج بها إلى الورشة وأغلق الباب خلفه،حاولت مواجهته لكنه أنكر وقام بطردي،وعندما خرجت استمعت لصوت جلبة بالداخل ولكن لم يجعلني أدخل"
رمقها "عثمان" بنظرات متوهجة بغضب من تطفلها ذاك وتدخلها فيما لا يعنيها،فصاح بها:-
"لقد أخبرتك....."
بتر حديثه صراخ والدته به:-
"قلت لا أود سماع صوتكم!"
صمت مطبقاً شفتيه على مضض،فوجهت حديثها إلى "ليالي" متسائلة بحذر،وداخلها يتمنى ألا يكون صحيحاً:-
"هل كنتي معه بالفعل تلك الليلة يا علياء؟"
توترت لبرهة قبل أن تجيب،فلم تعلم هل تخبرها الحقيقة بعد أن تم كشف أمرها لها كي تنهي النقاش الذي سيعود بالضرر على سمعتها ومكانتها أم لا،وبتلقائية رفعت عينيها إلى "عثمان"،فرأت في عينيه أمره لها بالرفض،فعاودت النظر إلى والدته ثم قالت نافية:-
"لا يا أمي،لم يحدث ذلك"
هزت رأسها لها لتدعمها مع ابتسامة خفيفة،فطفقت "سمر" تهتف بتأكيد:-
"إنها كاذبة،أقسم لك أني رأيت ما حدث بعيني!"
كتف "عثمان" ساعداه أمام صدره بكبرياء،ثم قال بنبرة ذات مغزى:-
"نحن نعلم أنك تفعلين ذلك بدافع الغيرة،ولكن لأريح فضولك فقط،سائر من كان معي"
"كاذب،اقسم أنك كاذب"
قالتها باندفاع وهي تحدق بأوجه ثلاثتهم،ففك "عثمان" عقدة يده،ثم أخرج هاتفه من جيب بنطاله وطلب رقم شقيقه،بينما يقول:-
"إذاً لنثبت ذلك،بعدها لن يكون لكِ حجة أخرى"
انتظر رد شقيقه وسط انتباههم جميعاً،حتى أجاب قائلاً:-
"ماذا هناك يا عثمان؟"
تساءل بحذر كأنه يوصل له تلك الخدعة:-
"ألم تكن معي ليلة أمس في الورشة مساءً؟"
فأجابه "سائر" مسرعاً:-
"أجل بالطبع"
"وماذا كنا نفعل،وما مصدر الجلبة التي استمعت اليها الآنسة سمر بعد أن جاءت؟"
قالها بينما ينظر لها في تحدٍ وثقة،فرد شقيقه بعد أن صمت لبرهة يتذكر ما قصه عليه "عثمان":-
"لقد كان هناك العديد من الفئران،لذا كنت أحاول قتلهم فأحدث ذلك ضجة"
اتسعت بسمة "عثمان"،ثم أغلق الخط بعدما ودعه،فجن جنون "سمر" من الأمر برمته،وراحت تهتف بعصبية:-
"كاذبون،جميعكم كاذبون بلا استثناء"
هنا صاحت بها "ليالي" تلك المرة متصنعة الغضب الشديد منها:-
"ولكن يكفي!!،تحاولين افساد الزفاف فقط بسبب غيرتك العمياء تلك!"
اتسعت عيناها بذهول،فقد باتت الشريرة الخاطئة الآن،هزت رأسها عدة مرات بالرفض بينما تُتمتم:-
"ولكن...ولكن"
وبجرأة من "ليالي" التقط كف "عثمان"،ثم شبكت أصابعهما ببعضهما،ورفعت كفهما المتشابكين في وجهها،قائلة:-
"انظري...نحن سنتزوج،إذاً عثمان صار لي،لذلك لا تحاولي افتعال المشاكل"
حدقت فيهما لبرهة اغرورقت عيناها بالدموع فيهما،ثم لملمت شتات كبريائها المبعثر وركضت متجهة إلى الخارج،فأسرعت خلفها والدة "عثمان" لتواسيها،فبقيا وحدها في غرفة المعيشة،وكان الآخر يحدق فيها بذهول،فنظرت له بتعجب ثم تساءلت:-
"ماذا؟؟!"
ابتسم لها بعبث،ثم اشار بعينه على يديهما المتشابكة كالعشاق،ثم قال بمكر:-
"الم تخبريني ألا أتعمد لمسك مرة أخرى؟!"
تداركت أنها لا تزال تقبض على كفه،فتركتها سريعاٍ بتوتر،ثم أعادت خصلاتها القصيرة إلى الوراء،وقالت باستفزاز مقلدة إياه:-
"قمت بذلك لأزيد من الدراما"
رفع حاجباه ثم تشدق قائلاً بسخرية:-
"أوووه،تتعلمين الردود بسرعة!"
كتفت ساعداها أمام صدرها ثم قالت بغرور:-
"أنا لا أقلد أحداً"
تقوس ثغره بابتسامة مستهجنة ثم قال في تهكم:-
"ذلك واضح،حتى بعدما رفعت كفينا في وجهها وأعلنتي تملككِ لي كأنثى تدافع عن حبيبها من الحية الصفراء التي ستسرقه منها!"
تنحنحت عدة مرات بخجل ثم قالت بعصبية لتخفي خجلها ذاك:-
"قلت لك فعلت ذلك من أجل الدراما لا غير،ثم كدنا نفضح يا أحمق وتقف أمامي هكذا تستهزئ بي!"
رمقها مبتسماً باصفرار ثم تساءل:-
"هل فضحنا؟"
"بالطبع لا"
"إذاً لا تتذمري على اللا شيء"
صرت على أسنانها بقوة وراحت تحدق به بنظرات يغلفها الغيظ،ورغبتها بالفتك به تتفاقم داخلها،فصدمها هو بقوله:-
"كفِ عن التخيل بقتلي"
"ماذا!!!"
هتفت بها متعجبة بشدة،فقاطع حديثهما عودة والدته مرة أخرى،وقفت جوار "ليالي" ثم ربتت على كتفها وقالت آسفة:-
"أعتذر على ما بدر من سمر في حقك"
رفعت زراعها ثم مسدت على زراعها بينما تقول بود حقيقي:-
"ليست مشكلة يا أمي،لقد حللنا الأمر وجعلناها تقف عند حدها"
"حقاً صدمت بما فعلته!"
صمتوا لفترة قصيرة كل واحدٍ يفكر بأمر ما،أما "عثمان" قد جاءته فكرة،فبادر بالقول لوالدته:-
"أمي،ستقضي علياء اليومين هنا،حتى لا تبقى وحيدة في شقتها"
حدقت فيه "ليالي" تحاول أن تستشف ما يدور بعقله،فعقدت والدته جبينهت بتعجب ثم تساءلت:-
"ولكن أين صديقتها؟!"
"لقد سافرت في مؤتمر خاص بالعمل،لذا لن تكون هنا إلا يوم عقد القرآن،وأنا سأقلق إن بقيت وحيدة بعيداً عنا"
اقتربت والدته من "ليالي"،ثم احتوت كتفيها في ود حقيقي افتقدته الأخرى كثيراً،فقالت والدة "عثمان" بابتسامة:-
"حسناً،سأسر كثيراً إن بقيت زوجة ابني هنا،ستبيت معي بغرفتي إذاً"
أنهت جملتها ثم أشهرت اصبعها في وجه "عثمان" قائلة بتحذير مرح:-
"ولكن لا أريد أي لقاءات خفية في منتصف الليل،لا تنتهز الفرصة"
ضحكت "ليالي" بتوتر واستحياء في آن واحد،بينما قال "عثمان":-
"حسناً يا والدتي العزيزة التي تقرأ أفكاري،علم وينفذ"....

****

مساءً بعد أن خلد الجميع للنوم،تسللت على أطراف أصابعها بعد حديث طويل مع والدة "عثمان"،واكتشفت أنها امرأة ودودة وطيبة كثيراً،كل ما تريده هو سعادة أبنائها بعد وفاة والدهم،وأيضاً أخبرتها بالكثير عن طفولة "عثمان" المشردة،حانت منها التفاتة للخلف فوجدتها مازالت تغط في نوم عميق،أما هي فلم تستطع لسببين،أولهما أنها لم تعتد بعد على المكان،والثاني...من التفكير!..
فتحت شرفة الغرفة بهدوء حتى لا يصدر ضجة فتستيقظ،ثم مشت قرب سور الشرفة واستندت بيديها عليه،بينما راحت تلتقط نسماء الهواء برئتيها،وتزفره على مراحل ليهدئها النسيم،لم يكن هناك الكثير من الأقدام بالشارع لتأخر الوقت،فقط بعد الرجال الثملين وأيضاً المتأخرون في العمل..
"ألم تستطع زوجتي المستقبلية النوم؟"
جاءها صوته بجوارها،فانفلتت من بين شفتيها شهقة رغماً عنها،ثم حدقت به بذهول من وجوده بينما ارتفعت يدها إلى موضع قلبها الذي اضطرب دقاته من الفزع،فعاود هو القول بابتسامة عابثة:-
"لا..لا تخبريني أنك لن تستطيعي النوم لأنك لست بحضني"
رمقته بنظرات مشمئزة ثم قالت:-
"لا تهذي!"
"نظراتك تلك تخبرني بمدى حبك لي"
قالها بمرح لإثارة غيظها كالمعتاد،فاشاحت بيدها في الهواء وهي تقول نافية:-
"أي حب يا هذا!،هل أنت ثمل أو ما شابه!!"
مال نحوهما قليلاً،لكن كان يفصلهما حائط قصير بين الغرف،ثم قال بمزاح:-
"بل أنا بكامل وعيي يا سليطة اللسان"
تأففت بضيق ثم تمتمت:-
"ما كان ينقصني سواك أيها الفظ!"
فعاود القول ليتسبب بخجلها أكثر:-
"أليس ذلك الفظ الذي قبضتي على يده وهتفتي أنه لك؟!"
شدت على خصلاتها بقوة من شدة الغيظ،ثم قالت بينما تلتفت للانصراف:-
"اللعنة على الوقت الذي فكرت الدخول به إلى الشرفة"
توقفت محلها بعدما رأت والدة "عثمان" قد جاءت،فحملقت فيهما بملامح ناعسة ثم صاحت بصوت متحشرج:-
"ألم أخبركما أني لا أريد لقاءات خفية"
ضحك "عثمان" بشدة ثم قال باستفزاز:-
"أعتذر يا والدتي العزيزة،لم استطع الا أراها وهي جواري"
خجلت هي بشدة من حديثه حتى لو كان مصطنعاً،فعاود القول بمرح:-
"يليق بكِ جلباب والدتي كثيراً يا حبيبتي"
انهى جملته ثم تركهما وانصرف عائداً لغرفته،فتمسكت هي بالرداء وقد طغى على وجهها علامات الذهول من تناقضه العجيب ذاك..!
ولجت للداخل مع والدته ثم استلقت جوارها على ظهرها،بينما مقليتها مثبتتان على السقف،فبادرت والدة "عثمان" بالقول بسعادة حقيقية:-
"لم أرَ عثمان بتلك العفوية إلا معك،حفظكما الله لبعضكما يا صغيرتي"
فتقوس ثغر "ليالي" بابتسامة ساخرة على زاويته،فكيف سيكون رد فعل تلك السيدة اللطيفة عكس طباع ابنها تماماً إن علمت أن كل ما يحدث هو تمثيل ولمصلحتها فقط!....

يتبع....


إعدادات القراءة


لون الخلفية