الجزء 11

انتفضت عن الكرسى واقفة و كأنما أصابتها صعقة كهربية ، حيث تنظر إلى مها التى لا تزال جالسة قائلة باستهجان:
_ انتى جرى حاجة لعقلك يا مها؟! ، بقولك بغير منها و مابطيقهاش تقوليلى اخليه يتجوزها؟! ، انتى أكيد اتجننتى!
لم تهتز لها شعرة او تتغير بها معالم و إنما ظلت على نفس الدرجة من البرود و الثقة مما جعل رزان تنفجر بها غاضبة:
_ ابعدين انا بغير على جوزى جدا و ماستحملش واحدة تكلمه و انتى بتتكلمى بكل برود كدة ليه؟ ، فى اى يا مها؟
وقفت عن الكرسى و هى ترمق رزان بنظرة هادئة قبل ان تقول مبررة:
_ لأن لو ماحصلش كدة و طردتيها أكمل هيدور عليها و يتجوزها ، و ساعتها تبقى لا طلتى حب جوزك ولا تخلصى منها
تشدقت رزان بثقة:
_ أكمل بيحبنى و مستحيل يعمل كدة
بدأت مها فى إلقاء سوطها الأول قائلة بمكر:
_ بس لما يرتبط الموضوع بوريث العيلة يبقى ساعتها ممكن يرجع يفكر فى الحب ده ، و مش شرط ساعتها انه يحب زينة ، بس زى ما تقولى هتبقى نزوة حلوة ف حياته ، و ما شاء الله حملت بشهرين جواز من جوزها الاولانى يعنى هتجيب له الولد اللى هيموت عليه ، زى ما حاول مع المسكينة سيرينا
حدجتها رزان بنظرة عاصفة تقضى على الأخضر و اليابس حيث تقول محذرة:
_ ماتختبريش صبرى يا مها ، انتى عارفة كويس اوى لو أكمل رجع يعمل كدة انا ممكن أعمل اى
بدأت مها فى التجول بفراغ الغرفة بخطوات بطيئة فى دائرة حول رزان التى كانت تدور عيناها معها بحيرة حيث تلقى سوطها الثانى قائلة بخبث و بنفس النبرة الجليدية:
_ و ده بالظبط اللى يخليكى تتصرفى بذكاء و تسبقيه بخطوة قبل ما تكتشفى إنها جابت له الولد خلاص و يكتب أملاكه باسمها
ثم حدقت فيها بنصف عين و هى تقول بنبرة كالثعلب فى مكرها:
_ ابعدين دى جايالك على طبق من دهب ، يعنى هى مقطوعة من شجرة مالهاش حد يعنى ورقة عرفى تخلص الموضوع بكل سهولة ، إلى جانب ان اخوها بيدور عليها ف كل حتة ، يعنى سهل جدا بعد ما تاخدى الولد ترميها و سيبى الباقى عليه ، و حلال عليكى انتى و أكمل البيبى
توقفت للحظات كى تستشف ردة فعل رزان و التى بدا عليها الاقتناع بما سمعت توا ، حيث تحك ذقنها محاولة حساب التحذيرات بكل الأبعاد الممكنة ثم ترفع سبابتها قائلة بحيرة:
_ بس بنت زى دى حويطة و ممكن تقول على سنة الله و رسوله
زمت مها شفتيها بسخرية و هى تقول ببساطة:
_ و فيها اى يعنى؟ ، خليها رسمى عشان حتى هى من جواها تبقى مرتاحة ، و ساعتها مش هتلحق تثبت أى حاجة لإن اخوها هيلحق يقتلها و كمان استغلى فكرة انها مش هتقدر تخرج عشان خايفة من إنها تولد فى البيت مش مستشفى تقدر تقف بورق ولادتها قصادنا ولا اى؟!
التمعت عينا رزان بخبث قبل ان تلتفت إلى مها قائلة بإعجاب:
_ أما فكرة هايلة
_ ناقص بقى نقنعهم هما الاتنين
قالت رزان بتأكيد:
_ سيبيلى أكمل و امسكى انتى زينة

فى اليوم التالى ، دلفت إلى الغرفة بعدما طرقت بابها و حصلت إلى إذن للدخول ، مبتدئة كلامها قائلة بشاشة:
_ مساء الفل
نظرت إليها فاطمة بابتسامة و هى تقول بود:
_ مساء النور يا أبلة
كادت أن تبصق غصة بحلقها بعدما وصل غضبها إلى الغليان حيث تقول فى نفسها بضيق:
_ أبلة ف عينك
ثم سرعان ما أظهرت ابتسامتها المصطنعة المجاملة قائلة و هى تنظر إلى ذراعها المطلق سراحه توا:
_ عامل اى دراعك دلوقتى؟
تلمست فاطمة ذراعها بخفة قبل ان تقول:
_ كويس بس خايفة احركه
اقتربت منها مها حتى جلست بجانبها و أمسكت بذراعها بخفة و هى تقول:
_ لا ماتخافيش ده ف الأول بس ، بعد كدة هتعدى
ثم أخذت تحركه يمينا و يسارا و للأعلى و الأسفل ببطء و زينة تراقب دون كلام حتى وجدتها مها فرصة مناسبة حتى تفتح الطريق لخطتها بقولها:
_ قوليلى يا زينة ، إنتى بعد كدة ناوية تعملى اى؟
سرعان ما انقلبت معالم زينة رأسا على عقب حيث تمط شفتيها بحزن و هى تقول بحيرة:
_ و الله مانى عارفة ، هشوفلى مكان اتتاوى فيه و خلاص
تشدقت مها بنبرة ذات مغزى:
_ و اى رأيك تفضلى معانا علطول؟
قطبت زينة بين حاجبيها حيث تلتفت إلى مها قائلة بدهشة:
_ جصدك اى يا أبلة؟ ، أجعد معاكم كيف و بصلة ايه؟

_ اتجوزها؟! ، انتى بتقولى اى يا رزان؟
صرخ بها أكمل باستنكار متكالب مع الصدمة بينما تتحدث رزان بنبرة محبة مستكينة عكس الصخب المعتمل بصدرها:
_ ده أسلم حل عشان تجيب الوريث اللى ياخد اسمنا بعد كدة
زم شفتيه قائلا بسخرية:
_ اسمنا؟ ، أمال زينة هتروح فين؟
تناولت شهيقا عميقا زفرته بحرارة و قد بدأت الدماء تحتقن بعروقها حيث تقول بامتعاض:
_ هتتجوزها و أول ما تولد ، ترميها بقرشين و خلاص
وقف عن الكرسى بسرعة و قد كور قبضة بيده غضبا حيث يهدر مستهجنا:
_ و ليه يتضحك عليها بالشكل ده يا أستاذة؟ ، انتى بتستهبلى؟ ، ترضى يحصل كدة معاكى؟
نطقت رزان بثقة يعلوها الاستنكار:
_ إنت جاى تساوى واحدة أخوها بيدور عليها عشان يغسل عارها بيا أنا؟!
ثم أشارت بسبابتها نحو صدره قائلة باقتضاب:
_ بالنسبة لى و انت عارف انى بغير اوى اوى ، ممكن اسمح انها تفضل معاك ، بس المشكلة الكبيرة ان سمعتك ساعتها هتروح فى الحضيض خاصة و أن جوزها ده رجل أعمال و ممكن يطلع يعرفك ، قوم يبتزك بصور مراتك اللى هي بقيت من شرفك دلوقتى ، ولا يلاقيها أخوها قوم يقتلك انت و هى مع بعض!

قربت فمها من أذن زينة التى امتقع وجهها و اكتسى بمعالم الحيرة حيث تهمس بتأكيد:
_ و بعدين ، إنتى خلاص ماعادش ليكى مكان بين عيلتك ، و ربنا حب يعوضك بعيلة تانية تحتويكى و تحافظ عليكى ، و الولد اللى راح منك بسبب الحادثة اياها هييجى تانى ان شاء الله
تحدثت زينة بقلق:
_ طب و اى جول أبلة رزان على اللى بتجوليه ده؟
قالت مها ببساطة:
_ يا حبيبتى رزان هى اللى باعتانى ليكى أبلغك بنفسى ، هى شافت إنك بنوتة طيبة و تستحقى تجيبى ولد يحمل اسم عيلة السمرى ، و يا ستى هتتقسم بينكم الليالى بالعدل
نظرت زينة إلى الجهتين محاولة تدبر الأمر فى مخيلتها و قد نفذ أسلوب مها فى الإقناع بمنتصف رأسها الا انها لا تزال غير مصدقة كون رزان ملاكا إلى الدرجة التى تسمح فيها بمشاطرة زوجها ، تحدثت بهدوء يسكنه القلق:
_ طيب هفكر و أرد عليكى

بينما على الجهة الأخرى اتجه أكمل إلى باب غرفته كى يخرج دون إبداء جواب على ما سمع ، تاركا رزان التى أصبحت تسبح فى بحر ظنونها و تكاد تجزم بأنه يريد بقاء زينة معه و حملها لاسم الطفل ، بينما يقف أكمل قبل ان يمسك بالمقبض ثم يتحدث و وجهه أمام الباب دون ان يستدير قائلا بلهجة قاطعة:
_ مش هوافق إلا لما زينة توافق الأول ، غير كدة تنسى
ثم خرج و أغلق الباب دون سماع رد منها كى تزفر بضيق و هى تقول من بين أسنانها:
_ هو ده اللى انت فالح فيه؟ ، بس مش مشكلة نصبر شوية هى هتقول اى يعنى؟

أمسك بهاتفه الصغير الحجم ذا الأزرار البارزة ثم ضغط عليه عدة مرات قبل أن يضعه عل أذنه منتظرا إجابة الطرف الآخر التى أتت بعد برهة:
_ سلام عليكم
حمحم بخشونة قبل ان يتحدث بترحاب:
_ و عليكم السلام ، أيوة يا حسنى عامل ايه يا واد عمى؟
نطق حسنى و هو يضع يده على رأسه محاولا حجب أشعة الشمس الحارقة عن رأسه هاتفا بترحيب:
_ مليح يا معتمد ، اى أخبارك ياخوى
_ الحمد لله و الله
استطرد حسنى بنبرة ثاقبة:
_ و أخبار البلد ايه؟
زفر معتمد بضيق و قد غلف الوجوم ملامحه حيث يجيبه بسؤال آخر:
_ هتعاود ميتا من مصر يا حسنى؟
مط الآخر شفتيه بضيق و هو يقول بجمود:
_ لسانى ما خلصت شغل
ثم أردف باهتمام يشوبه القلق:
_ فى حاجة ولا ايه؟
نطق معتمد بحزن اعتلى حباله الصوتية حتى خفت صوتها المنبعث:
_ الشهاوية مش ناويين يجيبوها لبر يا واد عمى ، كل يوم خناج و مشكلة كبيرة بتوصل لابوك ، كنهم عايزين يرجعوا كرامتهم للطار تانى بعد ما بعزجهالهم سليم
عم الصمت بينهما للحظات حتى سمع صوت زفرة حارة انبعثت من حنك حسنى الذى أردف يقول بحفاء:
_ و أبوى مارضيش يجولى عشان خايف لاتهور عليهم ، صوح؟
_ صوح و امننا أمانة كبيرة مانتصلش عليك لكن انت أمنتنى جبل ما تسافر انى أعرفك اللى حوصل ، و ادينى بجولك اهه
أردف يشكره عابسا:
_ تسلم يا واد عمى ، ياريت كل جديد تبلغنى بيه

كان كل من أكمل و رزان يجلسان فى الشرفة و هما يحتسيان الشاى ، و الصمت المطبق هو سيد الموقف بعد ما آلت إليه التطورات من إحداث قرار جديد قد يسهم فى تغيير مجرى العديد من الخطط المستقبلية ، فحيثما تريد رزان الحصول على طفل يرث ثروتهم الطائلة بعد عمر طويل ، بينما على الجانب الآخر يفكر أكمل مليا قبل خوض هكذا تجربة خاطئة تنبنى فى أساسها الأول على الخداع ، شق السكون صوت دقات الباب المتواترة بسرعة ، اجفل الاثنان ثم تبادلا النظرات المتسائلة حتى وقفت رزان كى تفتح و علامات الحيرة باتت جلية على وجهها ، دلفت الغرفة ثم اتجهت إلى الباب ، ما ان فتحته حتى فوجئت بمها تعانقها بحفاوة و هى تقول بسعادة:
_ زينة وافقت يا رزان ، وافقت على الجوازة خلاااص
أتاها صوت أكمل الذى خرج من الغرفة قائلا بدهشة لا تخلو من الحماسة:
_ بجد و الله؟ ، زينة وافقت؟!
ابتعدت رزان عن مها ثم استدارت لتطالع وجهه بمعالم مكفهرة لتبهت لهفته سريعا ، ثم يحمحم قائلا بهدوء:
_ كويس ، شوفوا الفرح هيبقى إمتا؟
ثم خرج من الغرفة تحت عيني رزان الحارقتين بينما تلكزها مها على ذراعها قائلة بحدة:
_ مش كدة يا ماما هتخليه يزعل منك
تناولت رزان شهيقا بملء صدرها زفرته ببطء قبل ان تلتفت الى مها قائلة بغضب مكتوم:
_ شفتى كان فرحان ازاى؟
قالت مها ببساطة:
_ يا عم عادى ، اعتبريه عايز يجرب نزوة مرة
تشدقت رزان باستنكار:
_ لا و كمان عايز يعمل فرح! ، اهبل ده ولا الفرحة نسته اللى المفروض يحصل؟
أمسكت مها بيد رزان ثم جذبتها إلى أقرب كرسى كى تجلس و تدع لنفسها فرصة التقاط أنفاسها اللاهثة إثر ثورة انفعالها فى هذه اللحظة ، بينما تقول مها بخبث:
_ يا ستى هو نسى أنا مانسيتش
قطبت رزان حاجبيها و هى تحدق فى مها بعدم فهم بينما تزيح مها غمامة التساؤل عن رأسها قائلة:
_ هفهمك ، كنت قاعدة فى الأوضة بسرح شعرى ، بعد كدة لقيت الباب بيخبط ، و..
وقفت مها عن مجلسها ثم ذهبت نحو الباب حيث فتحته لتجد زينة التى رفعت بصرها إليها قائلة ببراءة:
_ مساء الخير يا أبلة مها
ارتسمت ابتسامة مرحبة على وجه مها قائلة:
_ أهلا أهلا يا زينة ، اتفضلى
قالت الأخيرة و هى تفسح المجال لها كى تدخل بخطوات صغيرة يكاد يسمع صداها ، بينما تغلق مها الباب ثم تقول بنبرة ودودة:
_ اى أخبار صحتك دلوقتى يا حب؟
أخذت تفرك أصابعها بعنف لفرط توترها الذى بلغ منتهاه بينما تمسك مها بيدها ، حتى نظرت إليها زينة بعينين مرتجفتين قائلة بتلعثم:
_ انى انى ، م موافجة عالجواز من أكمل بيه
اتسعت ابتسامة مها حتى كادت تصل إلى أذنيها حيث تهتف بفرح:
_ بجد؟ ، الف الف مبروووك مقدما يا حبى
نطقت فاطمة بتساؤل:
_ هو أكمل بيه يعرف؟
أجابتها مها بتأكيد:
_ طبعا يعرف و موافق كمان و رزان موافقة و انا موافقة ، يبقى على خيرة الله
اماءت زينة برأسها بهدوء يكسوه الخجل بينما تستطرد مها و كأنها تذكرت توا بلهجة جدية:
_ بس فى حاجة لازم اقولهالك يا زينة
رفعت بصرها إليها بتركيز بينما تكمل مها ممهدة:
_ مش هنقدر نعمل فرح ليكم
اتسعت عيناها بصدمة و قد أثار الكلام دهشتها بينما وقفت مها ثم سارت نحو صورة فوتوغرافية كبيرة الحجم معلقة بحائط غرفتها ، ثم أشارت بسبابتها إلى هذه الصورة و هى تمط شفتيها مبررة بحزن:
_ أصل دى سنوية بابى خيرت بيه السمرى ، و ماينفعش اننا نحتفل و كدة
خفتت بهجة زينة تدريجيا بينما تحركت مها عن مجلسها حتى أتت جانبها و أمسكت بكلا ساعديها محاولة فك انقباض عضلات وجهها مجددا بقولها واعدة:
_ بس ماتخافيش هتتعوض قريب ان شاء الله ، معلش بقى
تنهدت فاطمة بهدوء قبل ان تومئ برأسها على مضض إشارة إلى موافقة منقوصة الرضا

ضربت كفها بكف أخت زوجها بحماس بينما تقول بفرحة تشيد بها:
_ برافو عليكى يا مها ، اى الدماغ الحويطة دى؟
عدلت مها من هيئة ياقتها بتظاهر و هى تقول بنبرة متكبرة:
_ عييييب انتى موقفة رجالة
قالت رزان فى نفسها بمكر:
_ و لسة دى أول حاجة ، بعد كدة هتشوف حاجة تانية طول التسع تشهر دول يمكن تسيب هى البيبى بنفسها

_ ما تلم طوريتك من اهنه يا صبرى
اعتدل بجذعه ثم ترك فأسه و اقترب من القائل الزاجر حتى وقف مقابله قائلا بسخط يملؤه التحذير:
_ بعد عن اهنه يا سالم
هدر سالم بعناد:
_ مش هبعد عن أرضى و اللى المفروض يبعد يبجى انت يا عرة الحرامية
احتدت عينا الآخر و كز على أسنانه بغضب حتى ظهرت نواجذه حيث يكور قبضة بيده مهاجما بها الآخر بهدر:
_ بجى انا حرامى يا ابن المركوب؟
كان لسالم السبق فى استدراك لكمته حيث أمسك بكلا معصميه و استطاع أن يدفعه حتى وقع أرضا نظرا لأنه يتمتع بجسد أشد بأسا ، نظر إلى الواقع بالأرض اللينة حتى تمرغت ثيابه ، بازدراء قبل ان يقول باستعلاء:
_ حرامى و ضعيف كمان ، سيب أرضنا يا عرة الرجال
ثم استدار إلى الجهة الأخرى مهمهما باستحقار:
_ مفضوحين من يومكم
ما ان وصلت آثار همهمته إلى الجالس أرضا حتى نفث أنفاسه بقوة و قد ازداد إفراز الادرينالين لديه حتى غطى الغضب على عينيه ، حيث وقف عن مكانه ثم أمسك بفأسه و أصاب به سالم المستدير غدرا ليقع صريعا


إعدادات القراءة


لون الخلفية