الجزء 12
((الحب دوما يخترق الآفاق ، دوما يخالف التوقعات ، دوما ينير القلوب ، دوما يزيح الشرور فهل ينجح بذلك معه؟!))
أسدل الليل ستاره و توارت الأمكنة خلف الظلام ، و انغلقت الجفون على العيون ، و أصابت العتمة البيوت ، عدا قصر السمرى الذى لا تزال أنواره مضاءة جلية حيث تم عقد قران اثنين دون زفة او أصوات تهليل ، بل زيجة سرية و كأنها عرفية على الرغم من كونها رسمية! ، بصم إبهام العروس على أوراق زواجها و المفترض أنها إعلان لدخولها حياة جديدة ، و لكنها تجهل انها ستكون بمثابة مقصلة اعدامها قريبا! ، تخط درجات السلم الطويل و هى تجر ذيل فستانها الذهبى المنسدل على الأرضية خلفها ، تترقبها نظرات عاصفة من التابعتين لها ، إحداهما تبتسم من جانب ثغرها بخبث حيث تم تحقيق الجزء الأول من أمنية أخيها المنشودة قبل أعوام ، تشد من قبضتها على يد الثانية المنشغلة بكبح عبراتها التى تود الخروج بإصرار ، تحاول تهدئتها و الشد من ازرها فى فاجعتها المؤلمة ، و لكن صدق ما يقال لا يشعر بلسعة النار سوى صاحبها!
تنظر إلى الأمام مع ابتسامة مشعة بالأمل تعلو محياها ، تطالع برأسها محدقة بباب غرفتها الذى أعيد إعداده بأمر من مها كى يبدو فى أبهى صورة تليق بعروس جميلة شأنها ، ترمقه ببهجة و قد هيأت لها المكيدة بأنها ستقضى أجمل أيام حياتها خلف باب هذه الغرفة! ، اقتربت من الباب بخطوات ثابتة تتمنى لو تعدو نحوها عدوا كى تسرق الثوانى لمقابلة مصيرها بزوج هادئ و حنون كأكمل! ، بينما غيرت رزان الاتجاه منسحبة إلى غرفتها حيث أسرعت نحوها ثم أغلقت الباب سريعا ، غير عابئة بنداءات مها الخفيضة الصوت كى لا تثير ريبة زينة _التى انطلقت دون اكتراث_ ، ظلت تطرق الباب بخفة و هى تنادى بقلق:
_ افتحى يا رزان ، بلاش تعيطى لوحدك ، أرجوكى افتحى يا قلبى
بينما على الجانب الآخر كانت رزان تقول بصوت مختنق:
_ أنا مش بعيط ، ماتخافيش عليا
هتفت مها باستنكار:
_ ماخافش عليكى ازاى بس؟ ، افتحى و إلا هقول لأكمل لما يطلع
تناولت شهيقا عميقا زفرته بحرارة قبل ان تقف ببطء ثم تفتح الباب ، و تستدير إلى الجهة الأخرى حيث تدخل مها ثم تغلق الباب خلفها سريعا كى لا تصل أصواتهم القلقة إلى الآذان
و على الرغم من انهيار رزان و ألمها المضاعف على ذهاب زوجها لأخرى ، إلا أن أكمل لم يلتفت إلى ذلك بتاتا و إنما كان يعد الثوانى هو الآخر لاقترابه من الغرفة و كأنه ينتظر حياة جديدة بهذا المكان ، ينتظر مقابلة زينة و لأول مرة وحيدين لا تعكر الألقاب و الرسميات صفو لقائهما ، و إنما حصل قانونيا على الحاقها باسمه خاصة و لحسن حظه أنها أتمت الثامنة عشر أثناء انقضاء عدتها ، بلهفة طرق الباب قبل ان يدلف دون انتظار الإذن لذلك ، بينما تجفل هى عن شرودها لتقف عن السرير بسرعة و قد أخذ وجيب قلبها يعلو و يهبط باضطراب ، جهل ما شعرت به فى هذه اللحظة و إنما أوصد الباب خلفه ، و استدار يقترب منها بجرأة بينما هى توليه ظهرها و هى تضع يدها على قلبها الذى بات كمضخات ، صار خلفها مباشرة ليمسك بكلا عضديها بين قبضتيه لتتوقف كافة أعضاؤها عن العمل ، و قد بلغ الخجل منها مبلغه حتى تمثل فى الحمرة التى اكتست وجنتيها و زادتهما جمالا على جمال ، ادراها إلى جهته ببطء ليجدها فى أوج زينتها الطبيعية ، تبارك الخلاق فيما خلق! ، حاجبان كثان يعلوان عينين سوداوتين تعانقهما أهداب طويلة مع وجنتين متوردتين خجلا دون زينة ، و شفتان مكتنزتان حركت غرائزه لالتهامهما فى التو و اللحظة ، و لكنه بادر بالإحكام على انفعاله و هو يمسك بذقنها رافعا رأسها حتى باتت تنظر إليه ببراءة الأطفال التى تميزها حيث يقول بابتسامة مطمئنة:
_ مافيش داعى للكسوف ، انا بقيت جوزك خلاص
همست مع تنهيدة حزن و قد تذكرت توا:
_ جوزى من غير لا معازيم ولا زفة!
حرك أنامله على وجنتها ببطء و هو يمط شفتيه حزينا:
_ معلش يا زوزو ، بس كله كان عشان مصلحتك ، انا برضه راجل معروف و جوازنا هيتنشر فى الجرايد أكيد ، لولا خوفى من أن اخوكى يعرف مكانك ماكنتش سمحت بالفرح السكيتى ده أبدا
اتسعت حدقتاها ترمقه بتأمل و هى تقول بدهشة يخالطها الإعجاب:
_ اى ده؟ ، يعنى لولا خوفك من اخوى كنت عملت فرح ف سنوية ابوك
صمت للحظات محاولا اكتشاف مغزى عبارتها الغير مفهومة هذه حيث يقول فى نفسه بدهشة:
_ ابويا؟!
ثم سرعان ما استطرد قائلا قبل ان يبادرها الشك لسكونه بابتسامة متوترة:
_ أيوة أيوة ، أ اكيد طبعا كنت هعمل الفرح حتى لو فى سنوية ابويا
ثم حاوط خصرها بيسراه و بدأ بازاحة بعض من خصلات شعرها بهدوء تام مما أحدث رعشة أصابت جسدها كاملا ، قال قبل ان يفقد السيطرة على نفسه بحب:
_ و بعدين سيبك من اخوكى و أبويا و خلينا ف ليلتنا يا قمر
أغمضت عينيها بشدة و قد عادت وجنتاها إلى التورد مجددا و بات صدرها يعلو و يهبط من جديد ، و هو ما دفعه إلى الاقتراب منها أكثر حتى لم تعد تفصلهما بضعة إنشات ، رفع يسراه إلى شعرها ، حيث خلله بانامله مقربا رأسها منه لنيل قبلته الأولى من هاتين الشفتين الرقيقتين اللتين أثارتا جنونه منذ رآهما للمرة الاولى ، بينما تمتد يده الحرة إلى سحاب فستانها هادما حصونها المنيعة ، و جدران خجلها السميكة التى أخذت فى الانهيار تدريجيا ما ان امتدت شفتاه إلى نحرها ثم ترقوتها بجراءة ينهل من عبيرها ، بينما هى كقطة صغيرة ضعيفة المواء تستجيب إلي لمساته و قبلاته دون إبداء اعتراض أمام براثنه المحوطة إياها
أما رزان فلقد كانت بموقف لا تحسد عليه كليا ، حيث تنام على الجانب الآخر من السرير الذى تشاركها فيه مها هذه الليلة ، أسفل غطائها المواري جسدها كاملا ، تزداد شهقاتها برعونة و قد أيقنت أنه يقبع بين أحضانها الآن ، تشعر و كأن خناجر مسمومة تغرس بقلبها دون رحمة ، تطلب النجاة من هذا العذاب و لكن ما من سامع او مجيب او مشارك لها بغمها ، أثقال بحجم الجبال ألقيت على كاهلها عقابا على ما أقبل عليه عقلها المريض من خطوة تكاد تدمر حياة صغيرة فى طور الاكتمال! ، فلكل فعل رد فعل ، و لكل مخطط تبعات
تململت فى فراشها حينما ازعجت دقات الباب المتواترة نومها و كأنما عازمة على إزعاج نومها ، حيث تبعد أهدابها الطويلة عن بعضها ، و قد لاحت إلى ذاكرتها أحداث ما تم بالأمس لتبتسم فى نفسها بخجل ، بينما تفتح حدقتيها جيدا حينما سمعت صوت أكمل الذى يقول بلهجة آمرة:
_ أنا هاخد الأكل ، امشى انتى يا أمينة
رفعت رأسها إلى الأعلى بتعب لتطالع أكمل الذى أغلق الباب ثم أخذ يحرك العربة الصغيرة الممتلئة بأصناف من طعام الإفطار نحوها ، قبضت زينة على طرف الغطاء المدثر جسدها و هى تعتدل بخفة بينما يقول أكمل ما أن لحظ استيقاظها بافتتان:
_ صباح الفل
_ صباح النور
ثم استطردت قائلة:
_ إنت ليه ما صحتنيش أجيب انا الوكل من أمينة؟
أمسك بقطعة من الخبز المربع الناعم ملمسه بين أنامله ثم قال مبررا ببساطة:
_ لإنك كنتى نايمة و مارضيتش اقلقك ده غير ان...
حانت منه التفاته إلى جسدها المدد _الذى يكسوه الغطاء فقط_ ثم غمزها متبعا بخبث:
_ انتى ف وضع ما يسمحش تفتحى الباب قبل نص ساعة
أخفضت بصرها سريعا و قد عادت حمرة الخجل إلى وجنتيها من جديد ، بينما يقرب أكمل قطعة الخبز مع المربى من فمها و هو يعض على شفته السفلى متعجبا بمرح:
_ يادى الكسوف اللى هيودينا ف داهية ده ، يا بنتى انتى مش خايفة على نفسك؟!
اتسعت حدقتاها فجأة لتزدرد ريقها بتوتر و هى تمسك بقطعة الخبز من يده قائلة بسرعة:
_ ايوة و الله خايفة
أردف محذرا و هو يتناول قطعة أخرى من الخبز:
_ يبقى كلى علطول و بلاش تخلينى أنسى نفسى
أراح ظهره على كرسيه البالغ القدم و هو يضع قدما فوق أخرى قائلا بشموخ:
_ فى العملية دى هاخد تلاتين (30) باكو يا معلم سيد
لوى سيد فمه استهزاء و هو يقول مستهجنا:
_ ليه ان شاء الله؟ ، أنت هتخترع موتة؟ ، دانا كل اللى عايزه حادثة عربية تجيب أجله
أشار بيديه محاولا التبرير بقوله:
_ يا معلم إيجار اللورى اللى هتضربه غالى ، و بعدين افرض اتمسكت؟!
_ يبقى التلاتين باكو اللى هيطلعوك يعنى يا ذكى؟
تشدق بها ساخرا ، ليهم الآخر على الاعتراض بينما يوقفه سيد بإشارة من يده قائلا بحسم:
_ كلمة واحدة ، يا تنفذ ب15 و لك 5 للورى يا اجيب غيرك ، ها؟
قال الأخيرة و هو يميل برأسه قليلا يستميل الآخر إلى الموافقة ، حيث قال بنبرة خائبة الأمل ممتعضا:
_ خلاص هعملها
عاد أكمل إلى المنزل بعد انتهاء يوم حافل بالأعمال المكومة بشركته ، بعدما تركها لأكثر من أسبوع دون رقابة للمهام المطلوبة بها ، حيث للقائد أهميته مهما بلغ عدد التابعين! ، بينما يقترب من باب غرفة زينة و هو يمسد على عنقه بتعب ، توقف فجأة ما ان لاح إلى مسمعه صوت انثوي مستنكر يحفظه عن ظهر قلب تقول صاحبته بحدة:
_ رايح فين يا أكمل؟
استدار ببطء ليجد رزان التى تقف و هى تعقد ذراعيها أمام صدرها بغضب ، و معالم وجهها لا تنم بخير أبدا ، ثم نطق بجمود:
_ رايح لمراتى يا رزان
احتدت معالمها أكثر من اللازم حيث تقترب منه و هى تدب الأرض بعنف حتى صارت واقفة أمامه ، ثم هدرت بغضب:
_ مش قعدت معاها أسبوع كامل؟ ، عايزة اى تانى ما تسيبها بقى؟!
_ و قعدت معاكى إنتى امبارح و ليلتها النهاردة
قالها ببرود قبل أن قبض على ساعدها بقوة دفعتها إلى التأوه بألم بينما قرب فمه من اذنها ثم همس بصوت كفحيح الأفعى:
_ مش معنى انها مجرد وسيلة لابنى انها مش مراتى يعنى؟ ، لحد ما تطلع من هنا هتفضل مراتى ، و يوم ليكى و يوم ليها و ياريت ماتعليش صوتك عشان ماحدش يسمع ، فاهمة؟!
ثم حررها من بين براثنه القاسية التى تركت علاماتها على عضدها ، تاركا إياها إلى وجهته التى بات يهرول إليها بأتم سعادته ، لتجثو رزان على ركبتيها و قد تقطعت نياط قلبها ألما بعدما بدأت فى حصد الأشواك التى زرعتها بطريق زينة كى تجرحها عوضا عنها!!
_ يووووه ، عايزة اى بجى ماتصدعينيش!
زمجر بها حسنى بضجر بعدما طالع رنة هاتفه و التى كانت مضيئة باسم زوجه نجاة ، حيث هذه تعد الرنة الأربعين تقريبا ، يجيبها بالتجاهل فتصر على التكرار ، على علم تام بماهية الموضوع الذى ستفتح الحديث فيه ، الانفصال و ما غيره تنشده؟ ، و لكنه يأبى حتما الامتثال إلى سؤالها و أمر والده ، فلا يحصلان سوى على التجاهل! ، بينما يشق طريقه الى البحث عن أخته المختفية طيلة النهار عازما على الإتيان برأسها أولا ، و البقية من تلقين نجاة درسا ضمن الخطوة التالية! ، أغلق الهاتف مجددا ، لتبادره الرنة المزعجة من جديد ، ليزفر بضيق قبل ان يسحب زر الإجابة معدا نفسه لامطارها بوابل من السباب اللاذع ، قبل ان يهم فى الحديث سبقته نجاة التى تحدثت بصوت جليدى خال من الحياة:
_ عارفة انك مش هترد و مفكر انى بتصل عشان الطلاج ، لكن انى كل ده بتصل عليك عشان اجولك ان معتمد ولد خال ابوك مات
انفغر فاهه إلى آخره من فرط صدمته التى الجمت لسانه نهائيا بينما أكملت نجاة بصوت متألم تملؤه الحسرة:
_ عاد الطار مرة تانية لما صبرى ولد الشهاوى جتل سالم بالطورية ، واخوه معتمد خد بطاره بعدها بيومين و دلوكت لجيناه هو اللى مجتول ، بدل ما تدور على حرمة لا حول ليها ولا جوة ، تعالى الحج الدم اللى هيسيل للركب يا جوزى
ثم أغلقت الهاتف قبل انتظار رد واحد منه تاركة إياه مكفهر الوجه ممزق القلب لا يعرف ايحزن ام يغضب؟ ، أيكبح عبراته و يعود للثأر ، أم يبكى قليلا و يعاود البحث عن أخته المحصنة الغافلة؟! ، كل ما استطاع القيام به فى التو و اللحظة ان ينطق بصوت مختنق مقهور:
_ مت و سيبتنى لوحدى يا واد عمى ليييه؟ ، مت و سيبتنى لوحدى يا واد عمى ليييه؟ ، ليييه؟ ، لييييه؟
كانت تنزل على درجات السلم بغير هدى ، حيث تشعر بأن رأسها مزلزلا و برؤية مشوشة تشعر بالمكان يتمايل حولها ، تشد من قبضتها على سور السلم محاولة المحافظة على توازنها ، قابلتها مها عند آخر الدرج قائلة بابتسامة مصطنعة:
_ صباح الخير يا زوزو
لم تجبها و إنما إنما أمسكت برأسها بشدة محاولة التخلص من هذا الصدع الذى أصابه ، بينما تمسك مها بساعدها قائلة بقلق:
_ مالك يا زينة؟
همت لتنطق و لكنها لم تعد تستطيع الوقوف أكثر من ذلك حيث تقع أرضا _ملفتة يد مها_ مغشيا عليها و قد غاب عقلها عن الوعى تماما