الجزء 16

كانت تمشى جيئة و ذهابا تحاول تهدئة الصغير الذى لا ينفك يصرخ باستمرار ، تهزه يمينا و يسارا كى يتوقف و لكن ما من جدوى ، بل تتزايد صرخاته أكثر و أكثر ، تكاد تجن من صوته المزعج و رضاه الذى تجهل كيفيته ، و فى ظل حيرتها و تشتتها مع صوته دلف أكمل إلى الغرفة دون ان تشعر به حتى حيث يهرع نحوها ثم يلتقط الصغير من بين يديها قائلا بفزع:
_ فى اى؟ ، من أمتى بيعيط كدة؟
تشدقت و هى تفرك رأسها المتصدع بتعب:
_ من ساعة ما صحى
_ أكيد جعان
هتفت تقول بحيرة:
_ جربت اللبن اللى جبته كذا مرة ، برضه مش راضى
زفر فى نفسه بضيق و قد أيقن كون الصغير عنيدا الى الحد الذي يجعله ينأى عن حليب غير الذى تملك أمه ، التفت نحو باب الغرفة المفتوح مناديا بأعلى صوته:
_ أميينة
قدمت بأقصى سرعتها على عجل و هى تقول بطاعة:
_ نعم يا بيه!
نقل بصره بينها و بين الصغير الباكى قائلا بلهجة آمرة:
_ سكتي الولد
عضت على شفتها السفلى بغضب قبل ان تشيح ببصرها إلى الصغير و هى تتقدم نحوه حتى أمسكته من بين يدى رزان الجافتين ، بدأت صرخاته تسكن قليلا و لكن بكاؤه لا ينتهى حيث تقول و هى تهزه بحزن:
_ ده عايز يرضع
ما ان تلفظت بتلك الكلمات حتى باغتها أكمل الذى هدر صارخا:
_ روحى شوفي له اى حاجة ياكلها ماتوجعيش دماغى
أسرعت إلى الخارج مذعنة قبل ان تلقى عليهما نظرة استحقار بعدما ساهما فى تفريق أم عن رضيعها الجائع الذي ينشد حليب والدته ، فحرماه لذة هذا المذاق بكل طغيان ، خرجت بالصغير عازمة على إطعامه بعضا من الينسون ، فهو الطعام الملائم لمن بعمره ، بينما جلست رزان على السرير و هى تضع يدها على رأسها بتعب ، تقول بنبرة شاكية:
_ و انا ازاى هعرف أتعامل معاه بعد كدة؟
جلس بجانبها ثم أمسك بيدها قائلا بهدوء:
_ معلش يا قلبى لازم تستحملى ، أمال عايزة تبقى أم ازاى؟
قالها مداعبا لتتشدق رزان بغضب مكتوم:
_ هجيب له بيبي سيتر
_ طب تمام
ثم استطرد يقول و هو يخرج أوراقا من جيبه واضعا إياهم أمامها و هو يقول ببشاشة:
_ ابعدين سيبك من موضوع تربيته كدة كدة أمينة موجودة ، و خليكى مع دول
التفت برأسها إلى الأوراق لتنفرج اساريرها بقوة و هى تقول بسعادة:
_ مش ممكن! ، شهادة الميلاد؟!
اماء برأسه إيجابا و هو يقول بابتسامة واسعة:
_ أيون ، و دلوقتى بقى معانا الطفل إياد أكمل السمرى ابن أكمل السمرى و رزان الشرقاوى
أمسكت بالأوراق من بين يديه ، ثم أخذت تعيد قراءة الأسماء المدونة بها مرارا و تكرارا تعيد قراءتها حتى تأكدت تماما من سلامتها و من كونها لا تحلم ، حيث حصلت على مرادها و كذلك عشق زوجها من جديد

ما ان دخل قاسم عبر باب منزله الداخلى حتى وجد فى طريقه نجاة التى بادرت بقولها مع ابتسامة هادئة:
_ مساء الخير يا عمى ، الغدا جاهز
و طالما ابتدأت الحديث بهذا الهدوء الظاهرى فهى حتما تريد شيئا ما و لابد من الحصول عليه ، مما جعل قاسم يبتسم فى نفسه بمرح قبل ان يقول ضاحكا:
_ عايزة اى يا نجاة؟
اتسعت حدقتاها سريعا و قد كشف أمرها بهذه البساطة لتقول فى نفسها بدهشة:
_ هو الموضوع باين جوى اكده؟!
ثم سرعان ما استطردت تقول بجدية:
_ كنت عايزة أسألك يا عمى ، مافيش خبر عن زينة؟
سكنت معالمه و بهتت ضحكته بعد ذكر نجاة لاسم ابنته بعد طول غياب حتى أعتقد أنها باتت ميتة بالفعل ، و لكن على العكس تماما ، يوجد بع، من لا يزال يذكره بفلذته التى غرقت بوحل الأكاذيب كما لطخ شرفها فصار وجودها عار لا يمكن الاحتماء منه سوى بنسفها عن الوجود حتى و ان كانت بريئة ، و هو ما لم يستطع حسنى القيام به حينما طالب بالثأر
ارتقبت تغير ملامحه من الضحكة الخفيفة إلى العبوس و التجهم لتمط شفتيها بحزن و قد أيقنت كونه لم يقرر بعد مصيرها او يكلف نفسه بالسؤال عنها ، قالت و هى تغير مجرى الحديث بتكاسل:
_ هروح أحضر الغدا
ثم اختفت عن انظاره بلحظة تاركة إياه يتخبط بين أفكاره المتصارعة ، فكما يجهل حقيقة مصيرها الذى لابد لها من الحصول عليه خاصة بعد وفاة ولده ، أيضا يجهل ما ستكون ردة فعله إذا رآها أمامه على قيد الحياة! ، هل سيقبض على جيدها قاطعا أنفاس حياتها أم قد يرق قلبه فور رؤياها ليقبل عليها بشوق ابوى معانقا!
نفض زحام الأفكار هذا عن رأسه قبل ان يغير مخططه بعدما عزم فى قرارة نفسه ان يوكل آخر لقتلها لا محالة ، و لكن بعدما يجد حلا موفقا ينهى سلسال الدماء الذى اندفع كالنهر بين العائلتين دون رحمة

الانتظار ، الانتظار هو آفة القلق و داعمه الأول ، هو البرزخ بين خير الأمور و شرها ، هو المركب المتأرجحة بين الشاطئ و عمق البحر ، دقت نواقيس الخطر بقلبها ما ان سمعت قول الطبيب حينما خرج من الغرفة ليلة أمس و الوجوم يكسو معالمه بقوة حيث يزف إليها خير كون المريضة القابعة بالداخل تحمل حمى نفاس بعدما لم يحسن تعقيمها بعد عملية الولادة جيدا كما لم تتحمل بشرتها البرودة بالهواء فى ذلك الوقت و تسلل البكتيريا إلى بطانة رحمها مما جعلها ضعيفة واهنة فاقدة الوعى منذ أكثر من أربعة و عشرين ساعة! ، تكاد تدمع و قلبها بات ينزف دما شفقة على تلك الصغيرة التى لا تعرف ما اوصلها إلى هذه الحالة المزرية! ، و لن تحصل على إجابات لاسئلتها الغامضة سوى بافاقة هذه الغائبة! ، و بينما عينها تدمع فى صمت رخيم فوجئت بيد آخر تربت على كتفها حيث جاء بصحبتها لإغاثة هذه الصغيرة المتألمة ، رفعت بصرها الى الأعلى لتواجهها نظراته الحزينة ، لتمسك بيده ثم تشد من قبضتها عليها محاولة التشبث بالأمل لعودة العافية إلى وجه هذه المسكينة الشاحبة كشحوب الأموات! ، و بعد مرور ساعات من الانتظار اجفلت حينما وجدته يشد من قبضته على يدها ، لتنقل بصرها إليه محدقة فيه بتعجب ، بينما ينظر هو نحو زينة المتسطحة إشارة كى تنظر مثله ، حيث وجدتها ترمش بعينيها عدة مرات فى طريقها إلى استعادة وعيها من جديد ، هبت واقفة عن الكرسى لتقول بسعادة:
_ دى خلاص بتفوق!
و دون ان تستمع إلى رده الثانى خرجت من الغرفة مسرعة تزف الخبر السعيد إلى الطبيب مصطحبة إياه إلى الغرفة من جديد ، حيث يدخل على عجل ثم يضع سماعته الطبية حول أذنيه كى يستمع إلى دقات صدرها ثم يتحسس جبينها المتفصد عرقه برعونة إثر خروج الحرارة منه ، ما ان انتهى حتى التفت إلى المتفحصان إياه بتساؤل بينما يقول هو مبتسما:
_ الحمد لله حالها بقى احسن من الأول ، كلها يومين و تخرج و تبقى تنتظم على العلاج ف البيت
_ شكرا جدا يا دكتور
اردفت بها هى ، ثم عادت إلى كرسيها تجلس بجانب السرير على مقربة منها ، تمسد شعرها بحنان حتى نجحت فى فتح عينيها بالكامل ، لترى من جديد ثنائي آخر ، الفتاة مقتربة منها تطالعها بلهفة بينما يقف الآخر يرمقها بقلق ، أغمضت عينيها عدة مرات قبل ان تتيقن من كونها لا تزال على قيد الحياة و لم تلتق بفارسها كما كانت تنشد قبلا! ، تنهدت بتعب و قد تقلصت معالمها بعبوس تام قبل ان تقطعه تلك الجالسة بجانبها و التى تتصنع الخوف بمهارة حتى كادت تصدقها زينة التى ذاقت من كؤوس الخداع أصنافا! ، قالت بقلق:
_ انتى كويسة حبيبتى؟
ردت زينة باقتضاب يسكنه الوهن:
_ تعبانة جوي ، و جسمي مكسر
تحدث الثانى خلفها بتفاؤل:
_ الحمد لله انى لحقتك فى الوقت المناسب و إلا لقدر الله كان ممكن الدياب دى تموتك
رمقته بتفحص من رأسه إلى أخمص قدميه و قد قطبت جبينها قائلة بتعجب:
_ إنت اللى شيلتنى؟
نظر إلى الفتاة بجانبه للحظات قبل ان يعود ببصره إليها قائلا ببساطة:
_ ايوة انا اللى انقذتك
فتئت الفتاة تتحدث بابتسامة مشرقة:
_ نسيت أعرفك حبيبتى ، انا ميرا سالم
ثم أشارت بسبابتها نحو الجالس خلفها و هى تقول:
_ و ده عمار الصاوى خطيبي
و على الرغم أنه من الشائع تلقى كلمات المجاملة و التشريفات بعد التعارف الأول ، إلا أنه على خلاف العادة تلوى زينة فمها بسخرية قبل ان تتشدق بتهكم:
_ عايزين اى انتو كمان؟
الجم الغموض الكامن بنبرتها و سؤالها ألسنتهم ، حيث يعم الصمت للحظات قبل ان تقطعه زينة بغضب غير مكترثة لآلامها:
_ مرة واحد يتجوزنى عشان الأملاك ، و لما خدها رمانى و وجع شرفي جدام اخوى اللى جالب الدنيا عليا ، و التانى اللى لجانى هو و مرته و المفروض يحمونى لحد ماخف ، اتجوزنى و فرشوا لى الأرض رمل لحد ما ولدت خدوا منى ولدى و رمونى تانى
ثم تحدثت بقهر و صوت مختنق:
_ و دلوكت انتوا لجيتونى و نجدتونى ، يا ترى هتعملوا فيا إيه؟ ، هاه؟! ، ماسيبتونيش للدياب ليييه؟ ، و الله كانوا هيرحمونى يا عالم ، حرام عليكم ، حراااام
ثم انخرطت فى بكاء مرير أخذت عبراته تشق وجنتيها كمجرى بطريق صحراوى لتجهش الأخرى مثلها و قد تقطعت نياطها ألما و حسرة على صغيرة كهذه ، أما عمار فلقد وقف متصنما لدقائق و قد رق فؤاده فعليا بعد كم الظلم الذى تعرضت له هذه القطة العمياء فى وادى الذئاب هذا! ، ازدرد ريقه قبل ان يقول بهدوء يكسوه الحزن:
_ كفاية كلام كدة يا زينة ، هنسيبك ترتاحي شوية
لم تدل بإجابة معينة و إنما بقيت على حالها تذرف العبرات بلا انقطاع تنتظر الفرج بفيض روحها إلى بارئها بعدما لم يصبح لديها الأمل فى الحياة

خرج عمار من الغرفة مصطحبا ميرا التى هارت قواها حد الانهيار ، يمسك بذراعها يجذبها بعيدا كالمغيبة ، خاطرها منشغل فقط بالبكاء و كأنها هى من اختبرت هذا الألم و ندوبه لا تلك المراهقة الصغيرة! ، جعلها تجلس على أقرب كرسى قابله ثم جثى على ركبتيه أمامها قائلا بهدوء يطمئنها:
_ خلاص بقى يا ميرا ، هدي نفسك مش كدة
وضعت يدها على فمها محاولة كتم شهقاتها المتزايدة و هى تقول بصوت متقطع نادما:
_ أنا أنا السبب يا عمار ، أنا ال السبب
حاول التخفيف من عبئها نافيا:
_ لا إنتى مش....
قاطعته بصوت احتدت نبرته رغم ما بخباياه من أوجاع:
_ لا أنا السبب ، لولا إنى غفلت عنها يوم ماكانش أكمل ده خدها و عمل اللى عمله فيها ، يعنى مش كفاية أخويا اللى جشعه خلاه يرميها بعد ما خد الأملاك ، و بعد كدة لقاها أكمل اللى عاملها زى الجارية بالظبط خد منها ابنها و بعدين رماها رمية الكلاب!
أردف يقول مبررا:
_ لا يا ميرا انتى كان عندك ظرف فى اليوم ده خلاكى تغفلى ، ماتحمليش نفسك فوق طاقتها
وضعت كلتا يديها امام وجهها و قد عادت تجهش فى البكاء أكثر فأكثر و هى تهتف بقهر:
_ البنت دي صعبانة عليا أوى أوى يا عمار
لم يجد حلا آخر لتهدئة انفعالها الذى أبرز عروقها سوى أن يقف ثم يجلس بجانبها آخذا إياها بين ذراعيه حاويا ضعفها مزيحا عبراتها مشاركا إياها فى حمل أثقالها ، قال و هو ينظر الى الأمام بحسم:
_ ماتقلقيش يا ميرا ، هنصلح الغلطة دى ف أسرع وقت ممكن

و بينما تعم أجواء الظلام الدامس بأفئدة هؤلاء بعدما انطفأت نيران بهجتها ، عمت أضواء السعادة بمكان آخر ، تفرح فيه قلوبهم على حساب سرور قلوب أخرى ، حفل بهيج يضم الكثير من رجال الأعمال و ذوى الثراء الفاحش ، أضواء ملونة و أزهار و بالونات و موسيقى هادئة احتفالا بقدوم وريث عائلة السمرى بعد طول انتظار ، و الأبوان فى أتم لحظات السعادة ، حيث تهز رزان بسرير الصغير الذى نام بعد فترة من البكاء المتواصل كالعادة ، تلقى كلمات الشكر لمن أتوها بالتهنئة ، حيث قالت إحداهن و هى تزيح خصلتها المموجة الى الخلف بابتسامة هادئة لا تخلو من الغرور:
_ مبروك يا رزان ، يتربى ف عزكم ان شاء الله
قالت رزان دون ان تشيح نظرها عن الرضيع:
_ ميرسى يا سهى ، عقبالك
قالت بهدوء:
_ أن شاء الله
ثم استرسلت تسألها مستفهمة:
_ إنما قوليلى بقى ، ليه ما عرفتوش اى حد انك كنتى حامل ليه؟ ، كنتى خايفة من الحسد ولا اى؟
قالت الأخيرة مداعبة لتومئ رزان برأسها إيجابا:
_ دى حقيقة يا سهى ، زى مانتى شايفة خدت سنين لحد ما جه ، و الصراحة تعبت أوي ف حمله ، و علطول كنت بعيط عشان خايفة أخسره لقدر الله
_ اهو حقق امنيتك يا قلبى ، مبروك

و مرت الأيام متتالية لا جديد فيها يوحى بتسلل البسمة إلى شفاهها ، حيث صارت ككتلة الجليد الجامدة التى لن تقو أعتى النيران على إذابتها مهما يكن ، حتى بعدما شفيت تماما من آثار المرض المزمن الذى أصابها فور ولادتها ، إلا أنها كما هى جثة متحركة تتناول انفاسا بلا رغبة فيها! ، او ورقة يابسة يديرها هواء الخريف أنى يشاء! ، او غريقة يحركها التيار فى أى اتجاه! ، الألم يسكن أعماقها و تجاعيد الأوجاع صارت مصاحبة لملامحها ، خرجت من الغرفة بعدما ودعت الطبيب ليعترض طريقها هذا الثنائى الذي صار يشكل لها مصدر إزعاج ، خاصة بعد ما يغدقانه عليها من جرعات من الاهتمام الزائف الذي مات من تكراره ، زفرت فى نفسها بضيق قبل ان تميل بطريقها عازمة على السير فى الاتجاه الثانى ، و لكن اعترضت ميرا طريقها و هى تقول بقتامة:
_ رايحة فين يا زينة؟
مطت زينة شفتيها غضبا قبل ان تواجهها بملامحها الصارمة و هى تقول:
_ مالكيش صالح
أمسكت ميرا بساعدها ثم قالت بنبرة محتجة:
_ لأ ليا ،قوليلى هتروحي فين؟
أطلقت زفرة ضيق و قد احتقنت الدماء بعروقها حيث تقول بضجر:
_ اوووه ، رايحة مطرح ماجيت ، انتى مالك انتى؟
اتسعت عينا ميرا فى ذهول لتصمت للحظات قبل ان تنطق بعدم تصديق:
_ هتروحى الصعيد عشان اخوكى أول ما يلاقيكى يشرب من دمك؟ ، هتروحى عشان اول ما يشوفوكى يدفنوكي مكانك؟
اجابتها بجمود:
_ الموت اهون من انى اخسر حاجة تانى
هتفت ميرا ناهرة:
_ و هو انتى عاد معاكى اى تانى عشان تخسريه؟!
_ يبجى أفضل اهنه لييه طالما كله رايح؟!
فتئت ميرا بصمود:
_ تفضلى عشان ترجعى اللى خسرتيه يا زينة ، تفضلى عشان تنتقمى من كل واحد خد منك حاجة بتاعتك ، تفضلى عشان تنقذي شرفك و تاخدي ابنك فى حضنك
أغمضت زينة عينيها بألم و قد تذكرت اخيرا كون لديها وليد فرق القدر بينهما مما جعلها تؤثر الصمت للحظات بينما عادت تلقى ميرا ورقتها الأخيرة بقولها بغضب مكتوم:
_ علفكرة انا روحت لقصر السمري ، أصلهم كانوا عاملين خفلو كبيرة عزموا فيها الكل ، الحفلة دى عشان ولادة وريث الأملاك _إياد أكمل السمرى_ ، يا سلام لو شفتى مامته رزان ازاى كانت فرحانة و بتقول انها خبت فترة الحمل عشان خوفها عليه من الحسد يا سلام!
لم تعد تستطيع الاحتمال أكثر حيث انفجرت فيها كالقنبلة الموقوتة صارخة:
_ خلاص بجى ، إنتى إيه ماعندكيش دم؟!
أجاب عمار نيابة عن تلك التى صمتت للحظات بعدما حققت مرادها بانتصار يقول بحزم:
_ إللى ماعندهاش دم دى بتحاول تواعيكي للى هتوقعي نفسك فيه يا مدام ، يعنى طالما ليكي حق عند حد المفروض تحاربي عشان تاخديه مش تنسحبي من أول حرب!
تشدقت باستهزاء مستنكرة:
_ و احارب ازاى و انا محكوم عليا بالموت ، و ممكن اتلفت الاجى نفسي اتجتلت ف لحظة يا ذكي؟!
تناولت ميرا الإجابة ببساطة:
_ نخفى أى دليل يبين انك زينة ، تغيري اسمك و شكل لبسك ، كمان لازم يبقى ف إيدك سلطة تعرفي تحاربي بيها جيش لوحدك
حدجتها بنظرات مبهمة و حاجباها الكثان مقطبين إشارة إلى عدم الفهم ، بينما يكمل عمار مزيحا غبار الجهل عن عقلها:
_ ميرا تقصد ، إن لازم يبقى ف إيدك فلوس يا زينة ، عشان تعرفى تقفى قصاد الكلاب دول لازم يبقى عندك نفوذ زيهم ، هكتب باسمك شركة من شركاتي للعقارات ، هتسددي ديونها براحتك و هنعلمك ازاى تتصرفى فيها لحد ما تبقى بتاعتك و ليكى ملك التصرف فيها بكل ارادتك
أكملت ميرا حديثه مؤكدة:
_ و انا هساعدك تغيرى من نفسك بالكامل و تخفى اى دليل يبين انك زينة ، كمان هعلمك ازاى تتصرفى فى عالم الأعمال ده
هتفت باستهجان:
_ انتو اتجنيتوا؟! ، عايزيني ادخل مع رجال الأعمال؟ ، و كله عشان انتجم منهم؟ ، ده اى الدوامة دى؟!
اجابتها ميرا بخفوت:
_ مضطرة يا زينة ، ما أخذ بالقوة لا يسترد إلا بالقوة ، و ما أخذ بالخيانة لا يسترد إلا بالخيانة
تنهدت زينة و هى تنقل بصرها المخفض يمينا و يسارا تحاول التفكير بتبعات ما ستقدم عليه من أمر هو أشد خطورة من عودتها إلى ديارها ، حيث تعود ببصرها إليهما قائلة بتهكم:
_ و اى المجابل لكل ده؟! ، اوعى تجولوا هتعملوه لله!
أغمضت ميرا عينيها بنفاذ صبر ليجيب عمار بسرعة:
_ هتفضلى ف بيت ميرا لحد ما يبقى لك بيت لوحدك ، و تمسكى الشركة بتاعتى ، و عليكي أول ما تقفى على رجلك تسددي كل حاجة


إعدادات القراءة


لون الخلفية