في بعض الأحيان، أشعر وكأن حياتي ليست ملكي. وكأنني أعيش في عالم مستأجر، غير قادر على بيع نفسي أو حتى امتلاكها. فكرة واحدة دائماً تراودني: أن أعيش قرب البحر. أن أجوب العالم وحيداً، أجعل الحياة بسيطة كما هي. لكن، لا أعلم أين ذهب ذلك الحلم، وما الذي أوقفه. لا يوجد شيء هنا يمنعني من تحقيقه، ولكن لسببٍ ما، أشعر أنني لا أستحقه. كل ما لدي ليس لي فعلاً.
من السخف أن تشعر بأن لا أحد يفهمك. أن تظن أن الابتسامة قد فقدت طريقها إلى وجهك، بينما قلبك يتحول إلى درع يتلقى الصدمات، واحدة تلو الأخرى. ومع ذلك، يظل الخوف من الفشل يسيطر عليّ، لدرجة أنني لم أعد أجرؤ حتى على المحاولة. كيف لي أن أقول إذن أنني على قيد الحياة؟
طفولة مسلوبة
أنا يارا، فتاة ذاقت مرارة الحياة في سن مبكرة. طفلة بريئة وثقت فيمن حولها، لكنهم استغلوا تلك البراءة. كنت مجبرة على التحلي بالصبر رغم صغر سني. كانت حياتي مليئة بالتحديات التي تفوق حجمي، لكنني سأروي قصتي لكم.
عندما كنت في الثامنة من عمري، كنت فتاة ذات شعر بني كالحرير وعيون جذابة تخطف الأنظار. كنت أعيش طفولتي كما تعيشها الفتيات الأخريات، ألعب وأضحك، وأحب الدراسة. كنت أتحصل على المركز الأول في المدرسة كل عام، حتى جاء ذلك اليوم الذي غير حياتي.
ذهبنا لزيارة أحد الأقارب، ولم يكن هناك أي فتاة ألعب معها. جلست بجوار أمي أستمع إلى حديث النساء، حينما اقترب مني أحد أقاربي. كان في الثامنة والعشرين من عمره وقال لي: "سألعب معكِ". فرحت، وذهبت معه إلى الطابق العلوي، لكن ما حدث هناك كان مختلفاً تماماً. بدأ يفعل معي أشياء لم أفهمها، شعرت بالضيق، وأردت الصراخ أو الهرب، لكنني لم أستطع. كانت تلك البداية لصراع دام ثلاث سنوات.
جحيم صامت
خلال تلك السنوات الثلاث، تحرش بي مراراً وتكراراً. كرهته بشدة، لكنني لم أستطع أن أخبر أحداً بما حدث. كان الخوف يعتريني كلما ذهبنا إلى منزلهم. ظل هذا السر مكبوتاً في قلبي لخمسة عشر عاماً. لم أجرؤ على البوح به لأحد، الأمر الذي تسبب لي بصدمة نفسية كبيرة أثرت على صحتي بشكل ملحوظ. أصبت بمرض لم يتمكن الأطباء من تشخيصه أو علاجه. كنت أكتم ألمي وأبكي طوال الليل، لم أعش طفولتي كما ينبغي.
حياة بلا أمل
مرت السنين، ودخلت المرحلة الإعدادية. في ذلك الوقت، كنت قد بدأت أعاني من المرض الذي أبقيته سراً، حتى لا يزداد ألمي باطلاع الآخرين عليه. انتقلت إلى مدرسة جديدة، لكنني لم أستطع التأقلم فيها، فعدت إلى مدرستي القديمة بعد أسبوعين فقط. رغم الصدمة النفسية، إلا أنني كنت ما زلت أحقق نجاحات أكاديمية. أكملت المرحلة الإعدادية بتفوق، لكن الكآبة كانت ترافقني من حين إلى آخر.
مع دخولي المرحلة الثانوية، كان الخوف من انتقاد الناس لشخصيتي وشكلي يسيطر عليّ، فقد تغيرت ملامحي بعض الشيء بفعل المرض، لكنني كنت لا أزال أبدو جميلة. دخلت عالماً جديداً لم أعرف فيه أحداً، حيث كانت صداقاتي في المرحلة الإعدادية محض وهم، كما اكتشفت لاحقاً. صديقتي المفضلة تخلت عني واستبدلتني بصديقات أخريات، فوجدت نفسي وحيدة في هذا العالم الجديد.
داخل قفص من حديد
أصبحت حياتي أشبه بسجن من الحديد. حبست مشاعري، وأحزاني، واحتياجاتي. لم أعد أحتاج إلى أحد لأحتوي قلبي أو يسمعني. قررت بعد كل الصدمات التي تعرضت لها أن أكون سنداً لنفسي. أسعد نفسي بنفسي، وأتحدث مع ذاتي. أبكي وأصرخ في أعماقي، دون أن يعلم أحد.