الفصل الخامس: رسائل من الظلام

أحبك يا مطري، فأنت تذكرني بدموعي الغزيرة التي تتساقط على خدي. وعندما ينقطع سريانك، يزيد إيماني بأن الدموع لا تدوم، وأن الشمس ستشرق من جديد. ستولد قطرات من الأمل بعد موت قطرات الألم، فقط بالإيمان والثقة بفرج الله.

خرج عمي من البيت وأنا في حالة انهيار تام. أخذ أبي مفاتيح السيارة وغادر مسرعاً، بينما لم أشعر بشيء سوى الدموع التي تملأ خدي. بعد عشر دقائق، عاد أبي إلى البيت ومعه أمي التي كانت في المدرسة. أمي جاءت مسرعة، وكانت مصدومة من حالتي المزرية.

أمي: "ما الذي حصل؟ لماذا تبكين؟ هل طردتِ من المدرسة؟"

لم أستطع النطق بحرف واحد من شدة البكاء.

أمي: "يارا، أجيبي! ما الذي حصل؟"

يارا: "لماذا يظلمني الناس؟ لماذا؟"

أمي: "قولي لي، ما القصة؟"

يارا: "أنا لا أحب عمي. لا أريده في حياتي، إنه مثل الآخرين، لا أريد رؤيته بعد الآن."

قلب الأم الحنون

جلست أمي بجانبي تحاول تهدئتي. شعرت بالراحة واستعدت بعضاً من هدوئي. قصصت عليها كل شيء، وكانت سندي في هذه المحنة، لم أجد قلباً أحن من قلب أمي. أبي وأمي لم يقفا ضدي، بل ظلا بجانبي ودعماني حتى النهاية. أما عمي، فظل يعتقد أنني فتاة طائشة وغير مسئولة عن أفعالي. كم أكره نظراته التي تشكك في مبادئي وقيمي.

المدرسة والتحديات

في نفس اليوم، انقلبت المدرسة رأساً على عقب. الجميع ظن أنني طُردت، والفتيات كن في غاية السعادة بسبب الإشاعات التي ترددت عني. هل حقاً فقد الناس مشاعرهم؟ هل تحولت قلوبهم إلى حجارة لا تشعر بالآخرين؟ كانت تلك القلوب البريئة التي أحاطتني، لم تجد سوى الغدر والسيوف التي تنساب على الرقاب، بينما يتمتع البعض برؤية معاناتي وزرع الألم في قلبي.

نور، صديقتي المخلصة، كانت قلقة عليّ، فذهبت إلى نائب المدير لتسأله عني.

نور: "عفواً أستاذ، أريد أن أكلمك."

نائب المدير: "نعم، نور، تفضلي."

نور: "أستاذ، ما الذي حدث مع يارا؟ أرجوك، طمئنّي."

نائب المدير: "لا تقلقي، ليس هناك شيء. الأمر خاص، وأنا لا أعرف التفاصيل."

نور: "حسناً، شكراً أستاذ."

بينما كانت نور تسير في الممر، سمعت صوتاً يناديها.

أحمد: "نور، نور، لحظة."

التفتت نور، فرأت أحمد، الشاب الذي يحبني.

نور: "نعم، تفضل، ماذا تريد؟"

أحمد: "أريد أن أسألك عن يارا، أين هي؟ لماذا ليست معك؟"

نور: "يارا عادت إلى البيت، لديها ظروف خاصة."

أحمد: "قولي لي الحقيقة، لأن صديقي رآها تبكي."

نور: "صدقني، لا أعرف. أنا قلقة جداً."

عودة إلى المدرسة

في اليوم التالي، لم أرغب في الذهاب إلى المدرسة، لكن أمي أصرت على أن أذهب كي لا يظنوا أنني ضعيفة أو خائفة منهم. عندما وصلت إلى المدرسة، ظل الجميع يحدق بي، يسألون لماذا غادرت فجأة بالأمس. تجاهلتهم كعادتي.

أتت نور مسرعة، احتضنتني وقالت إنها كانت قلقة علي. طمأنتها بأنني بخير، لكنني لم أخبرها بما قاله عمي. لم أكن أريدها أن تحمل عنه فكرة سيئة.

رغم أنني كرهت المدرسة في تلك اللحظة، إلا أنني أدركت أن حياتي في الثانوية كانت أقل مأساة مقارنةً بما سيأتي في الجامعة.

رسالة غامضة

مرت الأيام، والفتيات لم يتغيرن. تعودت على ملاحقتهن لي، وأصبح الأمر عادياً بالنسبة لي. وفي يوم من الأيام، كنت مع نور أتحدث عن مغامراتنا التي لا تخلو من الضحك والمزاح، حتى جاءت فتاة تدعى ريما ووقفت أمامي.

ريما: "عفواً، هل لي بدقيقة من وقتك؟"

يارا: "تفضلي."

ريما: "أريد محادثتك على انفراد."

ابتعدنا عن نور قليلاً، ثم أخرجت ريما ورقة من تحت كم قميصها.

ريما: "خذي هذه الرسالة، ولا تدعي أحداً يراها."

يارا: "رسالة؟ من مَن؟"

ريما: "ابن خالي محمود طلب مني أن أعطيها لك."

يارا: "محمود؟"

ريما: "نعم، لا أعرف ما يحدث بينكما، أنا فقط نفذت طلبه."

أخذت الرسالة بأصابع مرتجفة. محمود هو صديق أحمد، لكن لماذا يرسل لي رسالة؟ هل هو من يحبني؟ كيف يمكنه أن يخون صديقه؟ شعرت أن هناك شيئاً غريباً.

عدت إلى نور وأخبرتها أن ريما أعطتني رسالة. كنت خائفة جداً، وذهني مشوش. كانت هذه أول رسالة أتلقاها في حياتي، وبينما كنت غارقة في أفكاري، رأيت أحمد ومحمود معاً، وأحمد ابتسم لي ابتسامة ذات مغزى. في تلك اللحظة، أدركت أن الرسالة كانت من أحمد، وليست من محمود.

لحظة الحقيقة

بعد عشر دقائق، أتى أبي ليأخذني إلى البيت. دخلت المنزل وما زالت يداي ترتجفان. نادتني أمي للغداء، لكنني لم أستطع تناول أي شيء. لم أعد أحتمل الانتظار أكثر، أردت أن أرى ما كُتب في الرسالة. أخذت الرسالة من حقيبتي، أخفيتها تحت ملابسي، ودخلت الحمام كي لا يراني أحد. فتحت الرسالة بأصابع مرتجفة وبدأت في قراءتها، وقلبي يخفق بشدة من الخوف.



إعدادات القراءة


لون الخلفية