أحاول مقاومة الحزن كي لا يحرق ما تبقى من ذاتي، كي لا يتحول إلى هواء أستنشقه في كل لحظة. أحاول مقاومة الحزن حتى لا يصبح لي بستانًا أتنزه بداخله. أيامي باتت سوداء، كلها هموم وعذاب. يا قلبي، ما زلت وحيدًا في هذه الحياة، لا يشاركك سوى الحزن. حتى دموعي شكت من كثرة البكاء، أصبحت ألاحق الحزن في أحلامي ومنامي.
يا ليتني أستطيع التخلص من هذا الألم الذي يشتعل بداخلي بلا رحمة، ودموعي لم تعد تعرف ماذا تفعل غير أن تنهمر. كل دمعة تخرج من عيني وكأنها قصيدة من الألم تُكتب بآهات الزفرات. آه يا قلبي، كيف سلمت نفسك للحزن والجراح؟
ولكني يوماً ما، سوف أبتسم مجدداً، سأتغلب على حزني وألمي. سأجعل ابتسامتي تضيء ظلمة مكاني وتبدد الألم. ومع ذلك، لن أنسى حزني، سأجعله تذكارًا وأمر عليه كل يوم لأتعلم منه. وعسى أن يأتي هذا اليوم قبل أن تفارق الروح الجسد.
الذكريات المؤلمة تلاحقني
لا أدري ماذا أقول غير أنني أصبحت أسيرة لذكرياتي المؤلمة. حاولت التخلص منها، لكني لم أستطع. ليتني أستطيع مسحها من ذاكرتي أو نسيان كل شيء. أصبحت تلك الذكريات تتجسد في كوابيس مرعبة، أستيقظ منها مكتئبة وحزينة. لا أجد من أشكو له إلا أمي الغالية. كم أرتاح عندما أبوح لها عن مكنونات قلبي المجروح، تواسيني وتظل معي حتى أهدأ.
دخلت السنة الرابعة، وهي آخر سنة في الجامعة، لكنها أسوأ سنة في حياتي. كانت صحتي تتدهور وحالتي النفسية لا تقل سوءاً. لم أشعر براحة البال في حياتي. كنت أقول لأمي: "لا أريد أن أظل هكذا طوال عمري. أريد أن أعيش ما تبقى من حياتي بسعادة، أريد أن أشعر أنني كباقي الفتيات. أريد أن ينظر لي الناس بنظرة عادية، دون سخرية أو شفقة."
أمل في الصمود
لا أحتاج شفقة من أحد، رغم أنني وحيدة. أحياناً تكون الرياح شديدة، لكنني أستطيع الصمود وتخطي مراحل الحزن. أحياناً أبحث عن نفسي فلا أجدها، لا أدري ماذا أريد أو مما أشكو. هل سأستنشق السعادة يوماً ما؟ عالمي ما زال مجهولاً.
خيانة الصداقة
صديقاتي تغيّرن، لم يعدن كما كن من قبل. أصبح حديثهن كله عن الجمال والمكياج وتسريحات الشعر. كنت أتساءل: هل يتعمدن الحديث عن هذه المواضيع لإيذاء مشاعري؟ أعرف أن هذا موضوع عادي لأي فتاة، لكنه مؤلم جداً بالنسبة لي. حاولت تغيير الموضوع، لكنهن لم يكترثن، استمررن في الحديث.
حتى صديقة عمري، نور، تغيّرت بعد خطبتها. أصبحت تتحدث عن المكياج والشعر بشكل دائم، ولم تعد تهتم بي كما كانت من قبل. كنت أعاملها كصديقة غالية، لكنها دمرت كل مشاعر الصداقة التي جمعتنا. في يوم من الأيام، نادتني نور بعد المحاضرة:
نور: "أريد أن أكلمك."
يارا: "حسناً، ماذا هناك؟"
نور: "عديني ألا تحزني."
يارا: "لن أعدك."
نور: "لماذا؟"
يارا: "لأنني أشعر أن كلامك سيجرحني."
نور: "من الضروري أن أقول لك. أرجوك، عديني."
يارا: "لا أريد."
نور: "حسناً، سأقول لكِ ولن يهمني إن حزنتِ أم لا."
يارا: "أسمعك."
نور: "عندي تساؤلات تدور في رأسي."
يارا: "أي تساؤلات؟"
نور: "لماذا أنت هكذا؟" (وأشارت إلى وجهي)
يارا: "ماذا؟ ماذا تقصدين؟"
نور: "الناس يتحدثون عن شكلك، لماذا وجهك هكذا؟"
لم أصدق ما سمعت. صديقة عمري تقول لي هذا الكلام؟! خارت قواي، حتى نور تستهزئ بي! ماذا بعد ذلك؟ مشيت بعيداً عنها، لكنها لحقت بي، حاولت الإمساك بيدي، لكنني أبعدتها بعنف.
نور: "يارا، انتظري، أرجوك."
يارا: "أغربي عن وجهي، لا تكلميني."
ومن حسن حظي، وجدت أبي أمام باب الجامعة. ركبت السيارة وبدأت أبكي بشدة. أعصابي انهارت، لم أكن أتوقع أن أسمع هذا الكلام من نور.
الخذلان الأكبر
وصلت البيت، وبكيت لمدة ساعتين. أتت أمي وجلست بجانبي، تواسيني حتى هدأت. أخبرتها بما حدث مع نور. وفي تلك اللحظة، رن هاتفي. كانت نور تتصل بي، لكنني أغلقت الهاتف. لثلاثة أيام، لم أرد على أي اتصال منها. صداقة عمرها 11 عامًا دمرتها نور في لحظة.
الوحدة القاتلة
الوحدة قاسية، ولا أحد يسأل عني أو يواسيني إلا الشخص الذي يهمه أمري. الحياة غريبة، حتى أقرب الناس يرمونني بكلمات تؤلمني. ربما لم يعد أصدقائي كما كانوا، أو ربما غيّرهم الزمن. لكنني لن أهتم، سأحتفظ بكرامتي وأرحل.
فتحت هاتفي بعد ثلاثة أيام، ووجدت رسائل من نور، لكنها لم تعد تهمني. في اليوم التالي، جاءتني مسرعة، قبلتني، واعتذرت، لكنها دمرت كل شيء بيننا. لا أستطيع أن أعود كما كنت معها.
نور: "أرجوكِ، انسي كل شيء، دعينا نعود كما كنا."
يارا: "أنتِ التي دمرت علاقتنا. تعرفينني جيدًا، إذا جرحني أحد، لا أستطيع أن أعود كما كنت."
نور: "لكنني صديقتك الغالية."
يارا: "لهذا السبب جرحك كان أكبر. لقد خذلتني."
منذ ذلك اليوم، لم أعد أتحدث مع نور كثيراً. أصبحت مجرد زميلة دراسة، لا أكثر. رغم أنها كانت وقفت بجانبي سابقًا، لكن الآن لا أستطيع البقاء معها. لا أستطيع التظاهر وكأن شيئًا لم يكن. لدي مشاعر، وقلبي لم يعد يحتمل جروحًا جديدة.
حزن لا ينتهي
لم يعد لي دموع لأبكيها. كل دموعي ذرفتها ولم يتغير شيء. أصبحت أسيرة للحزن والألم والانتظار القاتل. تعبت من حياتي ومن نفسي. أحياناً أتمنى أن أموت لأرتاح من كل هذا. لماذا أعيش وقد أصبحت رمزًا للحزن؟ لماذا أعيش بعد أن خاب ظني في كل شيء؟
أرجوك أيها القدر، غيّر مصيري، وامنحني ولو القليل من السعادة.