الفصل الثامن: اتهامات صامتة وعاصفة التغيير

اتهموني بالغرور لصمتي، واتهموني بالضعف لصمتي، واتهموني بالخبث لصمتي. اتهموني بالغباوة وباللامبالاة، وكل ذلك لأنني كنت أصمت. لكن علمني كبريائي أن أذلهم بصمتي، بنظراتي، بابتسامتي، دون أن أنطق بحرف. كان صمتي قادراً على تعذيبهم. رغم أنني لا أتكلم كثيراً ولا أخالط الناس، إلا أن الجميع يظن أنني شريرة ومغرورة. يا لسخف البشر.

أتذكر مرة في إحدى المناسبات أنني صادفت فتاة من الثانوية، لكنها كانت أصغر مني. كانت تدرس في نفس المدرسة وكانت تحدق بي بنظرات مترددة. اقتربت منها وتحدثت إليها، كانت خائفة في البداية، ولكن بعد بضع دقائق بدأت تتحدث بحرية وكأن الخوف تبخر من عينيها. نظرت إلي وقالت:

محادثة مع مودة مودة: "يارا، لم أعتقد أنك هكذا."

يارا: "كيف؟"

مودة: "أنت مرحة وعفوية ولطيفة."

يارا: "كيف كنت تظنيني؟"

مودة: "بصراحة، كنت أخاف منك كثيراً."

يارا: "تخافين مني؟ لماذا؟"

مودة: "لأن شخصيتك قوية ونظراتك قاتلة."

يارا (ضاحكة): "نظراتي قاتلة؟ هل تمزحين؟"

مودة: "كنت أخشى أن تلمحيني وتصرخي عليّ."

يارا: "أنا لست شريرة كما تظنين."

مودة: "لكن الفتيات يقلن ذلك عنك."

يارا: "لو كنت شريرة، لكنت دمرتهن من قبل."

ضحكنا معاً وبدأت مودة تخبرني عن الكلام الذي يدور بين الفتيات عني. كانوا يريدون تدمير قوتي، لكنني لن أنهار أبداً. الحق دائماً ينتصر، مهما كانت الصعاب.

التحديات والمصاعب

رغم كل هذه المشاكل، لم يتدهور مستواي الدراسي، بل ازددت إصراراً وكفاحاً. الله دائماً مع المظلومين، ووقفة أمي معي كانت سبباً كبيراً في دعمي. لم أعد أبالي بتهديداتهم، فقد أصبح ذلك روتيناً يومياً مللت منه. لكنهم أرادوا تجربة شيء جديد، وجاء ذلك اليوم المشؤوم.

جلست أنا ونور في الساحة نتحدث. أتذكر أنه كان يوم الخميس، آخر يوم في الدراسة قبل بدء الامتحانات. فجأة، سمعت صوت فتاة تناديني:

بسمة: "يقول لك أحمد إنه لا يريد أن يراك أمامه بعد الآن."

مشت بسرعة، ولم أكترث لكلامها، فقد اعتدت على هذه التفاهات. عدت للحديث مع نور وأخبرتها عن فيلم شاهدته بالأمس. فجأة لمحنا أحمد من بعيد يشير إلى نور أن تأتي إليه. مشيت نور نحوه وتحدثا لبضع دقائق، ثم عاد لوحده.

عادت نور إليّ، لكنها لم تكن تضحك أو تبتسم. كانت ملامح وجهها غير قابلة للتفسير. سألتها بقلق: "ماذا هناك؟"

نور، بصوت مرتجف: "أحمد يقول إنه لا يريد أن يراك بعد الآن."

جرح وألم

ذهبت إلى البيت محطمة، ولم أستطع كتم دموعي. كلامه جرحني بعمق، لا أنكر أنني كنت معجبة به، لكنه حطم كل شيء في داخلي. ماذا سمع عني؟ ولماذا قال هذا الكلام؟ كانت تلك الأسئلة تتردد في رأسي بلا إجابة.

بدأت الامتحانات، وكنت أدعو الله أن يمر هذا الأسبوع على خير. كنت أسمع الفتيات يضحكن ويقلن: "وأخيراً تخلى عنها." قلبي كان يؤلمني من هذه القسوة، لكنني كنت أحاول تجاهل كل شيء.

بعد بضعة أيام، صديقه جاء ليسألني: "لم نعد نراكِ كثيراً، لماذا تذهبين باكراً؟" تجاهلته وخرجت، ولم أر أحمد منذ ثلاثة أيام. لم أكن أريد رؤيته مرة أخرى. لقد تعبت من الألم الذي سببه لي.

الاعتذار غير المقبول

في اليوم الرابع، بينما كنت أمشي باتجاه قاعة الامتحانات، لمحته يسير نحوي. مشيت بسرعة لأتجنبه، لكنني سمعته يقول من خلفي: "أنا آسف، سامحيني." ظل يرددها مراراً. بعد انتهاء الامتحان، وجدته ينتظرني أمام القاعة. ابتسم لي، وتمنيت لو أنني أصفعه.

ظل يمشي خلفي قائلاً: "أنا غبي، كيف أصدق كلاماً أعرف أنكِ لا تستطيعين فعله. الشيطان لعب بعقلي، سامحيني، أرجوك."

أنا أسامح الناس، لكنني أتغير. حتى إذا سامحتهم، لا أعود كما كنت من قبل. أتعامل معهم بجفاء، وهذا طبعي الذي لا أستطيع تغييره. ظل أحمد يتوسل لي لمدة أسبوع كامل، لكنني لم أعد أهتم به.

في أحد الأيام، بينما كنت أسير، سمعت خطوات فتيات خلفي. كانوا يتجسسن عليّ. توقفت واستدرت إليهن وقلت: "إذا كنتن تردن أحمد، فهو هناك. خذن رقمه واتصلن به، لم يعد يهمني. فقط اتركنني وشأني." كانت الصدمة بادية على وجوههن، ولم يتفوهوا بحرف.

نهاية عام مليء بالعقبات

انتهت السنة الدراسية، وكانت مليئة بالمشاكل والظلم والدموع. دعوت الله أن تكون السنة المقبلة مليئة بالبشائر. جاءت العطلة الصيفية، وبدأت أذهب إلى مناسبات كثيرة. الجميع كان يمدح جمالي ويثنون على شعري الطويل الناعم، لكنهم لم يذكروا الله، ولم أهتم. كنت لا أرتدي الحجاب أمام النساء، وكان شعري هو تاج جمالي. ورغم ذلك، كانت أيام الفرح قليلة.

بداية الشعور بالمرض

بدأت أشعر بتغيرات في جسدي. كنت أتثاءب كثيراً أثناء الصلاة وقراءة القرآن، وبدأت أشعر بثقل في رأسي وبرودة في أطرافي. لم أكن أفهم ما يحدث، وظننت أنني أصبت بنزلة برد. مع مرور الأيام، بدأت أشعر بالتعب المستمر.

العام الأخير في الثانوية

انتهت العطلة الصيفية، ودخلت ثالث ثانوي، السنة الأخيرة لي في المدرسة. لكن هذه المرة، كانت المدرسة بدون أحمد لأنه تخرج. تفاجأت بأن الفتيات تغيرن تجاهي، ولم يعدن يراقبنني. الإشاعات اختفت، وظهرت براءتي.

ومع ذلك، أحمد لم يمل. بالرغم من أنه لم يعد يدرس في الثانوية، كان يأتي كل صباح ليراني ويتوسل لي أن أسامحه. ظل يفعل ذلك لمدة ثلاث سنوات. كنت أتساءل: هل من الممكن أنه يحبني لهذا الحد؟ لكنني لم أعد مقتنعة بشيء اسمه "حب"، فقد جلب لي الكثير من المتاعب.

شائعات جديدة

مرت الأيام، وبدأت شائعة جديدة تدور حولي. هذه المرة، قالوا إنني أحببت الأستاذ الذي يدرسني، والذي كان وسيماً وذو شخصية قوية. الفتيات كن مفتونات به، وبدأت الشائعات تدور من جديد. لكنني لم أذرف دمعة واحدة هذه المرة.

مرت السنة بتحديات جديدة، لكنني اجتزتها بنجاح. تخرجت من الثانوية بتفوق، وتحصلت على نسبة مرتفعة جداً. كنت سعيدة، لكن السعادة لم تدم طويلاً.



إعدادات القراءة


لون الخلفية