لقد ضاقت الدنيا في عيني، وأصبحت أسيرة في زمن مليء بالحقد والكره. أمشي والهموم تلازمني، تمنعني من التقدم أو التراجع. أعيش وكأنني مغمضة العينين، لا أريد أن أرى الصور التي رسمتها الحياة في مخيلتي. لم أعد كما كنت، أصبحت تائهة بلا عنوان، صامتة بدون لسان. أحاول النسيان، إلا أن الأفكار السوداء تلاحقني كظل أسود الملامح، يحجب عني الأمل والفرح. أصبحت الذكريات القبيحة التي تسكن عقلي كبركان لا يهدأ، ينفث نيرانه الملتهبة، ومعها تأتي العواقب الصاخبة، التي تدعو الإنسان للفشل والانهيار.
ورغم ذلك، دفعني كبريائي للاستمرار في المسير دون انقطاع أو ملل. عزيمتي أثبتت لي أنني قادرة على مواجهة الصعاب، وأنني سأكمل حياتي وأحقق طموحي. الحياة لا تتوقف، تسير بسرعة كالقطار، وعلينا أن نمحو ما خلفته من مصائب. نزيل دموعنا ونسير بخطى ثابتة، عازمين على المضي قدمًا نحو الألف ميل.
الجامعة: بداية أخرى من المتاعب
كل فتاة تحلم بدخول الجامعة والتمتع بكل لحظة من شبابها، لكنني لم أفرح بدخولي الجامعة، لأنني كنت أعرف أنني لن أتذوق السعادة في هذه المرحلة من حياتي. لم أكن متشائمة، لكنني كنت واقعية. الحياة في الثانوية كانت أهون بكثير من الألم النفسي الذي بدأ يكتسح روحي في الجامعة.
في الجامعة، افترقت عن نور، حيث انتقلت إلى مجال آخر. كنا نلتقي أحياناً في الفواصل بين المحاضرات. تعرفت على فتاتين جديدتين، هالة وندى، وأصبحتا صديقتين مقربتين مني. كنت أكره هالة في الثانوية، إذ ظننت أنها كانت ضمن الفتيات اللواتي كن يسببن لي المشاكل، لكنني اكتشفت أنها فتاة طيبة، وظلمتها حينها.
رفض الزواج والتدهور الصحي
منذ أن دخلت الجامعة، بدأ الخطاب يتقدمون لطلب يدي، لكنني كنت أرفضهم دون أن أسأل عنهم. كنت أعرف أن صحتي تتدهور يوماً بعد يوم، ولم أرد أن أجرح مشاعري برفض أحد لي بسبب مرضي. كنت موقنة أن المرض سيزداد سوءاً، وقررت أن أختصر الطريق وأرفض الجميع.
أحياناً كثيرة كنت أحلم بأشياء تتحقق في الواقع. في السنة الأولى من الجامعة، رأيت حلماً كان فيه صوت يقول لي: "جدتك سوف تموت". استيقظت مرعوبة واستعذت بالله. وبعد دقائق، جاء اتصال من أبي يخبر أمي أن جدتي قد توفيت. عندما أخبرتني أمي بالخبر، قلت لها: "أعرف". لم تستطع أمي إخفاء دهشتها. هذه الأحلام التي تتحقق كانت تخيفني كثيراً.
عام دراسي آخر، ولكن بتدهور مستمر
مرت السنة الأولى من الجامعة بسلام، ونجحت بتقدير ممتاز. لم أذهب إلى أي مناسبات في العطلة الصيفية، فقد اعتزلت المناسبات بعد وفاة جدتي. ومع بداية السنة الثانية، شعرت بالملل خلال المحاضرات. لم يكن هناك شيء يجذبني أو يجعلني أركز. كنت أهرب بخيالي إلى أحلامي التي طالما تمنيت تحقيقها، ولكنني أدركت أن تحقيق الأحلام يتطلب صبراً كبيراً.
لقاء مع الخوف
في أحد الأيام، اتصلت بأبي ليأخذني إلى البيت، لكنه كان مشغولاً وقال لي أن أعود مشياً على الأقدام. كانت هالة وندى معي، ورغم أن الطريق كان طويلاً، مر الوقت سريعاً ونحن نتحدث. وصلت إلى البيت، لكن لم أجد أحداً. طرقت الباب مرات عديدة دون جدوى. شعرت بالخوف عندما لاحظت سيارة تحوم حولي. دخلت إلى الجراج وأغلقت الباب، واتصلت بأبي.
بينما كنت أنتظر أبي، توقفت سيارة أمام الجراج، وسمعت صوتاً يناديني. كان صوتاً غريباً عليّ، لم أسمعه من قبل، ومع ذلك كان يعرف اسمي. حاولت أن أتجاهله، لكن الفضول دفعني إلى فتح الباب قليلاً. رأيت نفس السيارة التي كانت تحوم حولي، والرجل الذي بداخلها بدأ يتحدث إليّ. قال لي إنه معجب بي منذ فترة طويلة، وأنه سأل عني وعرفني في الجامعة. وعدني بأنه سيرسل فتاة في اليوم التالي لتطلب يدي بشكل رسمي.
لقاء سمر
في اليوم التالي، وبعد انتهاء المحاضرة، جاءتني فتاة تدعى سمر. قالت إنها جاءت نيابة عن أسامة، الشاب الذي تحدث معي بالأمس. كانت تريد أن تخبرني بأنه يرغب في التقدم لخطبتي. رغم أنني استمعت لها بصمت، إلا أنني لم أشعر بالراحة حيال هذا الشاب. لم أكن مستعدة للزواج أو لأي علاقة في تلك المرحلة من حياتي.
الرفض والتردد
قلت لسمر بصراحة: "لدي شروط لشريك حياتي، وأسامة خالف هذه الشروط عندما كلمني في الشارع. لا أستطيع القبول بذلك." وافقتني سمر في الرأي، لكنها حاولت إقناعي بالتفكير في الأمر. بعد انتهاء المحادثة، عدت إلى صديقاتي، لكنني لم أخبرهن بشيء. لم يكن لدي الرغبة في مشاركة هذه الأمور مع أي أحد.
تدهور الصحة وزيادة الألم
مع مرور الأيام، بدأت أشعر بتدهور مستمر في صحتي. الصداع كان يلازمني، ولم أعد قادرة على التركيز في الدراسة. ذهبت إلى العديد من الأطباء، وأخبروني أن لدي مشكلة في خلايا الدماغ. لم يكن هناك علاج يخفف من آلامي، وكنت أعلم أن الشفاء بيد الله وحده.
بعد أسبوع، عادت سمر لتتحدث معي مجدداً عن أسامة. أخبرتها أنني لست موافقة، لكن أسامة لم يقتنع. بدأت سمر تأتي كل يوم لتحدثني عنه، لكنني كنت موقنة أن ظروفي الصحية لن تسمح لي بالزواج أو بأي علاقة. بدأت أشعر بالتعب الشديد، وبدأ مستواي الدراسي يتدهور مع تقدم المرض. كنت أعلم أن حياتي قد تغيرت، وأنني سأحتاج إلى مواجهة هذا الواقع الجديد بكل ما فيّ من قوة.