الفصل الثالث: ورودٌ ذابلة وأشواك الحياة

لم تعد الدنيا تمطر وروداً حمراء كما كنت أرى في طفولتي. كنت أحلم أن السماء تزينها الأزهار الملونة، وأن القلوب صافية والناس يعيشون بسعادة لا تفنى. لكن مع مرور الزمان، استيقظت من حلم الطفولة بضربة سكين في قلبي، ضربة جعلتني أعي أن الحياة ليست كما تخيلتها. قلبي الممزق لم يعد بإمكاني تجميعه، لكن رغم آلامه وجراحه، استمر في منح الحب والحنان للآخرين. ومع ذلك، كان يشعر بالوحدة، وكأنه غريب في هذا الزمن.

مر أسبوع كامل وهو يلاحقني بنظراته، ولم أدرك ما يريد مني. وفي يوم، نادتني صديقتي "نور" باسمي. عندها التفت الشاب وقال: "أخيراً عرفت اسمك"، ثم مشى. كان هذا الشاب محط أنظار الفتيات في المدرسة، ليس فقط لأنه كان وسيماً، بل لأنه كان الأكبر سناً منا بعام. كنت أتساءل دائماً لماذا اختارني أنا من بين الجميع؟ هل لأني مختلفة؟ أم لأني غريبة عنهم؟

الفتيات كن يطلقن علي لقب "الغامضة"، وكان ذلك اللقب يطاردني في كل مكان. لكني كنت قوية، قوية بما يكفي لتحمل صدمات الحياة. رغم ذلك، لم أفهم أبداً معنى الحياة الجميلة التي يتحدث عنها الناس. كنت دائماً هدفاً لانتقاداتهم، لكنني لم أعرهم اهتماماً لأنني كنت واثقة من نفسي.

الغموض الذي أثار الجميع

كنت أتساءل دائماً: لماذا أنا؟ من بين جميع الفتيات، لماذا يسلط علي الضوء؟ هل لأني مميزة؟ أم لأنني مختلفة عن البقية؟ الإجابة كانت واضحة لي: لأنني غريبة، غريبة جداً. تلك النظرات المتعجبة لم تعد تحتمل، وقلبي لم يعد قادراً على تحمل المزيد من الأوجاع. يقولون أنني مميزة، لكنني أعلم أن ما يقولونه ليس سوى نفاق. أنا أعرف، من أعماق قلبي، أنني غريبة.

لقاء غير متوقع

بدأ الشاب يتحدث معي. لم أهتم له يوماً، فلم يكن من طبيعتي التحدث مع الشباب. كان يتحدث بينما أنا أظل صامتة، أنظر إلى الفراغ. ربما كان هذا ما جذبه إليّ. كل صباح كان ينتظرني عند باب المدرسة ليقول لي "صباح الخير"، بينما كنت أستمر في تجاهله. مع مرور الوقت، بدأت تصرفاته تجذب انتباه الفتيات الأخريات، وبدأت نظراتهن تلاحقني في كل مكان.

أصبحت مراقبة من الجميع، وهذا الأمر بدأ يضايقني. ومع ازدياد تصرفات الشاب جراءة، تفاقمت الأمور. بدأ يعبر عن مشاعره لي أمام الجميع، وهنا بدأت المشاكل تتراكم فوق رأسي.

قلم يكتب في الظل

أحياناً أشعر أنني مجرد قلم، يكتب عن مشاعر الآخرين أكثر من أن يكتب عن نفسه. قلم يكتب بلا توقف حتى ينتهي حبره ويموت بصمت، دون أن يتساءل أحد إن كان هذا القلم قد ترك أثراً. هل سيتذكره أحد؟ ربما يبكونه لبضع لحظات، لكن في النهاية، سينسونه كما ينسى الجميع الأشياء الصغيرة التي تمر في حياتهم.

أصبحت منبوذة

بعد أن انتشرت أخبار الشاب وحبه المزعوم لي، أصبحت منبوذة من طالبات صفي. كن ينتقدنني في كل شيء، لكنني حمدت الله على وجود صديقتي المخلصة التي وقفت بجانبي دائماً. مع مرور الوقت، علمت كل المدرسة بحكاية الشاب، وزادت الأمور سوءاً. أصبحت خائفة من الذهاب إلى المدرسة كل يوم، حيث كانت الفتيات يهددنني باستمرار. لم أكن أعلم لماذا يعاقبنني على شيء لم يكن بيدي.

انتشرت الأخبار حتى وصلت إلى إدارة المدرسة، التي قامت بفصل الشاب لمدة ثلاثة أيام. لكني لم أسلم من الإشاعات والتهديدات التي ظلت تلاحقني، رغم أنني لم أكن يوماً السبب في كل هذا.

تهديدات مجهولة

مع اقتراب امتحانات الفصل الأول، كنت أخشى أن أرسب بسبب كل هذه المشاكل التي تضغط علي. في يومٍ ما، دخلت إلى الصف لأخذ حقيبتي، لأجد رسالة وُضعت على مكتبي. استغربت في البداية، من قد يرسل لي رسالة؟ فتحتها، واشتعلت غضباً عندما قرأت محتواها:

"السلام عليكم ورحمة الله وبركاته،

أما بعد...

من فاعلة خير. أريد إخبارك بأن تصرفاتك تثير الجدل، وعلاقتك بالشاب أصبحت على كل لسان. ابتعدي عنه وإلا دمرت حياتك. الشاب لي وحدي. لا أدري ما الذي أعجبه في فتاة مثلك."

لم أعرف من صاحبة الرسالة، فسألت طالبات صفي إذا ما كانت فتاة غريبة قد دخلت الصف، لكنهن أنكرن. كنت أعلم أنهن مشتركات في هذه الجريمة. مزقت الرسالة ورميتها في سلة المهملات، لكنهن أخذن السلة وأعدن تجميع قطع الرسالة ليروا ما كان مكتوباً.

الكراهية المتزايدة

بدأت أكره المدرسة بسبب التهديدات المتواصلة. كل يوم كان يحمل معه تهديداً جديداً، حتى لم يعد لدي القدرة على تحمل كل هذا الضغط.



إعدادات القراءة


لون الخلفية