أشعر بالوحدة رغم وجود الناس حولي. أشعر أنني لست أنا، رغم أنهم ينادونني باسمي في كل لحظة. لا أعرف ما الذي حل بي، لكني لم أعد تلك الفتاة التي تملأ المكان بالفرح والحركة. أشعر أنني غريبة عن نفسي، وكأنني أعيش في جسد لا ينتمي لي. هذه الكلمات الغامضة تصف شعوري بدقة، لكنها ليست مفهومة إلا لي. أنا الوحيدة التي تفهم هذا الألم الداخلي الذي يرفض الخروج.
حاولت مراراً أن أعبر عما يختلج في صدري، لكن الكلمات ترفض أن تتشكل، الدموع تختفي، وحتى النظرات لا توصل شيئاً مما أشعر به. إنه شعور مؤلم للغاية أن تريد التحدث عن كل ما يثقل عليك، لكنك تجد نفسك عاجزاً عن التعبير، ولا يخرج منك سوى آهات متقطعة.
قراءة الرسالة
بدأت في قراءة الرسالة بقلب مرتجف، وكأنني ارتكبت خطأ كبيراً بأخذها. الأفكار كانت تدور في رأسي دون توقف: ماذا سيظن عني إذا علم أني قرأت الرسالة؟ هل تركت انطباعاً سيئاً عنه؟ هل بدأ يعتقد أنني مثل الفتيات الأخريات؟ وقبل أن أتمكن من التفكير أكثر، جاءني طرق على الباب.
أمي: "يارا، تأخرتِ في الحمام."
يارا: "سأخرج حالاً."
مزقت الرسالة إلى قطع صغيرة ورميتها. خرجت من الحمام وأنا لا أزال أفكر إن كان ما فعلته صواباً أم خطأ. شعرت أني لو لم آخذ الرسالة، لقتلني الفضول. ورغم أنني قرأتها مرة واحدة، إلا أنني أتذكر كل كلمة فيها. كانت رسالة حب مليئة بالعواطف الصادقة، لكني خشيت أن أفعل شيئاً قد يدمر هذا الحب النقي بترك انطباع سيئ عنه.
اليوم التالي
مر ذلك اليوم بصعوبة بالغة، وخشيت أن يأتي لمواجهتي في اليوم التالي أو يسألني عن رأيي في الرسالة. عندما وصلت إلى المدرسة في اليوم التالي، لم أره عند الباب كعادته. دخلت المدرسة بوجه خالٍ من أي تعبير، لكن في داخلي كانت العواصف تتلاطم. رأيت أصدقاءه يقفون عند الدرج وينظرون إليّ. استغربت لأنهم أتوا باكراً على غير عادتهم، وسمعت حواراً دار بينهم:
الأول: "هل وصلتها الرسالة؟"
الثاني: "لا أظن، أنظر إليها، ليست خائفة أو خجولة."
الأول: "هذا صحيح، الفتيات عادة يخجلن أو يفرحن، لكنها لا تبالي."
الثاني: "لكنني متأكد أنها تلقتها."
الأول: "ربما تملك قلباً قوياً لا يتأثر. أنظر، وكأن شيئاً لم يحدث."
ضحكت في داخلي وذهبت إلى الصف. جلست بجوار نور وتحدثنا كالمعتاد. وبعد دقائق، أتى المدير ليخبرنا أنه لا توجد صفوف اليوم لأن بعض المدارس الأخرى ستأتي للتدريب على حفل قريب. فرحنا بذلك، وخرجت أنا ونور إلى الساحة. رأيت أحمد هناك، وكان يبدو خجولاً، لكن ابتسامته كانت عذبة، ظل يحدق بي طويلاً، مما جعلني أشعر بالخجل الشديد.
حديث مع ريما
بعد بضع دقائق، رأيت أحمد يتحدث مع محمود، وأحسست أن الحديث كان عني. ابتعدنا أنا ونور، وبدأت تسألني عن الرسالة وما كُتب فيها. بينما كنا نتحدث، جاء صوت يناديني.
ريما: "عفواً على المقاطعة، لكني أريد أن أكلمك قليلاً."
يارا: "حسناً، نور، دقائق وسأعود."
أخذتني ريما بعيداً، ثم قالت لي: "بخصوص الرسالة، ليست من محمود، بل من أحمد."
يارا: "نعم، عرفت ذلك."
ريما: "قبل قليل، أتى محمود وتحدث معي عنك."
يارا: "عني؟ ماذا قال؟"
ريما: "أحمد يريد جوابك على رسالته."
يارا: "جوابي؟"
ريما: "نعم، يريد أن تراسليه ليعرف شعورك تجاهه."
يارا: "أنا لا أراسل أحداً. إذا راسلني هو، فهذا لا يعني أني مجبرة على مراسلته."
ريما: "الأمر لا يعنيني، فكري في الأمر جيداً وقرري."
تردد وقلق
كنت أعلم أن أحمد سيطلب مني الرد على رسالته، لكنني لست من هذا النوع من الفتيات. لم يسبق لي أن راسلت أحداً في حياتي. عدت إلى نور وأخبرتها بما قالت ريما. كانت نور متفقة معي.
نور: "لا تراسليه، قد يكون فخاً."
يارا: "أشعر بذلك أيضاً. ربما يختبرني."
نور: "أوافقك الرأي."
ظللت أنا ونور نتحدث عن هذا الموضوع بعمق، وكان يوماً مليئاً بالمشاعر المتناقضة. نظرات أحمد وأصدقائه أربكتني وجعلتني أشعر بالخجل. مرت بعض المواقف في ذلك اليوم أثارت غيظ الفتيات اللواتي أردن تدمير هذا الحب بأي طريقة ممكنة.
هدوء قبل العاصفة
مر اليوم بسلام، ولم تأتِ أي فتاة لتهديدي. كنت أظن أنهن استسلمن وتوقفن عن مضايقتي، لكنني كنت مخطئة. كان ذلك مجرد هدوء قبل العاصفة.
هناك أشخاص يجيدون الرقص على جراح الآخرين بمهارة فائقة. يستمتعون برؤية دمائنا تتدفق، ويرشون الملح على الجرح كلما زاد الألم. لطالما سألت نفسي: لماذا هم بهذه القسوة؟ لكنني لم أجد إجابة شافية. يبدو أن لذتهم الحقيقية تكمن في عذاب الآخرين.