الفصل التاسع

''انتي قوية''

تقرأ الجملة مجددا لتغمض عينيها بشعور جديد تختبره ،، لطالما رافقتها بحياتها كلمة ''غبية'' ومرادفاتها الاخرى حتى باتت لاتغضبها بل تطور الامر الى ان تصف بهم نفسها في كل مرة ترتكب فيها خطأ ..

لكن "منى" اشعر بانها تغيرت ! هل بسبب تأثير الصدمة عليها ؟
أتراها تحاول نسيان خسارتها لحبيبها
فلم تبدو لي شخصا هادئا او حكيما من قبل !
اعانها الله ..همست بها قمر لتستعد للنوم بعد يوم مرهق ساعدت به ماجدة في اعمال البيت رغم اعتراض الاخيرة لكنها لاتترضي لنفسها الجلوس دون فائدة ..


''طيب ياعاصم والله لن امررها لك هذه المرة''

كان ذاك صوت ماجدة الذي وصلها ..يبدو ان خلافاتهم ستبدأ باكرا الليلة ..

الامر بات يضايقها حقا ! تشعر انها تقتحم خصوصياتهم متى ستعود ياايهم !

وضعت الوسادة على راسها لكن الاصوات كانت من الحدة بحيث وصلتها بوضوح

''لا تمرريها ولنرى ماتفعلين''

''سأتصل باخي ولن يفوت الامر لاتظن انني بلاسند كي تهينني هكذا ! انا ياعاصم ! تتهمني بهذا اقسم لن امررها لك ''


بلاسند .. لمست الكلمة قلبها لتفكر هل لها سند ! هل سيهينها أيهم يوما !

لن يفعل انا متاكدة همست بها بصدق احست به لتقرر فتح الهاتف من جديد فلن تنام قريبا بسببهم على مايبدو ..



''هنا؟ '' ارسلتها لمنى بعد ان يأست من انتهاء مشكلتهم فقررت اشغال نفسها عنهم ..

فكرت بالاتصال بأيهم لكنها تراجعت فقد تصل اصواتهم مسامعه ولاتريد ان تتدخل بحياتهم ..



''اسيل''

ابتسامة جانبية ارتسمت على شفتيه ليفتح الرسالة بلهفة استغربها ليرد باختصار

''هنا''

''لااستطيع النوم ويبدو انكِ كذلك''

''الوقت لايزال مبكرا''

''لااحب السهر لم اتعود عليه''

''لاتحبين ..ام لم تعتادي !''

''لم اعتد عليه لذا حين اسهر اتعب صباحا.. "

"ليس صحيا بكل الاحوال"

"لما اشعر انك مختلفة ؟"

كتبتها بتردد لكنها فعلا تشعر بذلك

"تأخر شعورك قليلا"

"كيف لم افهم ؟ اقصد انا شعرت لكني ظننت ان هدوءك ناتج عن الصدمة فقط "

"وهو كذلك" ..

تنهدت قمر بارتياح لتحثها علي البوح بالمزيد

"ستنسينه انا واثقة فهو لايستحقك "

"احكي"

هاهي تعود لذات الطلب ! هل تجد راحة ما في سماعي !

"لما تودين سماعي ؟ الاتظنين ان الاستماع للمزيد من المآسي سيزيد من تعبك ؟

" لا ..احب سماعك لعلي اقتدي بك "

تقتدي بي ! همست بها قمر بذهول ! لتكتب سريعا

" لما تقتدين بفاشلة مثلي لاانصحك ابدا ..لتتبعها بملصقات لوجوه ضاحكة "

" لاتنعتي نفسك بالفشل ولاتضحكي لتداري ألمك "

قرأت رد منى بعبوس لتكتب

"فيما نجحت انا بحياتي ؟ كثيرا مااتساءل ولااجد اجابة ..
التعليم لم اكمله ،، صداقات لم احقق ،، حتى زواجي مهدد ولم يمضي عليه سوي ثلاث اشهر ..اخبريني فيما نجحت ؟؟ "

"في الحفاظ على صفاء قلبك وسط كل مامررت به "

عجزت عن الرد عليها لتكتب بعد لحظات ..

"بعد ان اطمئننت عليكي سأقفل هذا الحساب فلااحدث غيرك عليه "

ضيق مفاجئ شعر به لايجد له تفسير ليجد نفسه يكتب بسرعة

"لكني لم افعل "

"ماذا"

"لم اطمئن عليك بعد السنا اصدقاء "

"انا بخير لاشيء يدعو للقلق "

"لما زواجك مهدد "

"ليتني اعرف السبب المباشر ! لكننا نختلف دائما "

"حين نعجز عن فهم كتاب ما فإننا نعيد قراءته من البداية.. فقد تكون هناك تفاصيل لم ننتبه لها وبالتالي تجاهلناها لنكتشف انها من اساسياته"

"اتقصدين ان أيهم كتاب ام ماذا لاافهمك ؟ وماذا قصدتي بالبداية ؟""

"بدايته ،، طفولته ،، مراهقته ،،مايحب ومايكره ، ميوله هواياته وهكذا ؟"

" وكيف ساعرف كل هذا ؟"

"رويتر "

" من ! "

" تلك ال..ماجدة "

سيطرت قمر على ضحكتها بصعوبة فلاينقصها الا ان يسمعو ضحكتها وسط شجارهم الذي يبدو انه قد هدأ قليلا ..

"تشبيه بليغ .. ارسلتها مع وجه ضاحك "

"تخافين الضحك "

قرأتها قمر لتفزع قليلا متسائلة كيف عرفت

"ليس لائقا ان اضحك بمثل هكذا وقت "

" تخافينه بشكل عام لااقصد هذه اللحظة "

" لا ..لااعرف ..ربما ..زوج خالتي كان يعاقبنا ان ضحكنا بصوت عالي ..يقول بأنه من قلة التربية "

" متى ضحكت بإنطلاق "

" لااذكر ! "

" ومع ايهم ؟ "

"احاول السيطرة عليها كي لايعتقد اني كنت فتاة عديمة الحياء "

" ستلغين تلك الفكرة من الان ،، وستضحكين بانطلاق "

" هي فكرة خاطئة ؟"

" جدا "

“ اتصور ان ضحكتك انتي تجلب بوليس الاداب وان استمعت اليك اكثر سياخذونني معك ..”


"هل استيقظت ؟"

- قليلا لكنها رفضت الطعام كالعادة واكتفت بالقليل من الماء لتعود للنوم ثانية ..

- اذهبي امي للنوم انا موجود معها ..

- لم ترتح يانديم منذ وصولك ! احيانا اقول ليتنا لم نطلب منك اخذ تلك الاجازة معنا

- بما تفكرين امي ! من الجيد انني جئت فابي لم يكن ليتحمل ماحصل ، انا عاتب عليك بأمر واحد فقط !

- اعرفه بني لكن اؤكد لك لم اكن استطيع مخالفة امره بدعمها فأنت تعرف والدك جيدا

- على الاقل كنت اخبرتني عن الامر !

- لم اتخيل ان يصل تعلق منى به لتلك الدرجة ظنتته اعجاب عادي وعناد منها لااكثر لكن ماان وصلها خبر بخطبته تلك حتى حصل ماحصل ..

- للاسف كلنا كنا بعيدين عنها ،بعيدين للدرجة التي تلجأ فيها لغرباء تشكوهم ماتعانيه !

- غرباء ! من تقصد نديم لاتقلقني اكثر !

- لاشيء مهم امي الان اذهبي لترتاحي هيا ..

- ارتاح ! كيف ارتاح ووالدك لن يهدأ له بال حتى يتأكد من ..

- من ماذا ؟ سألها نديم بتحفز

- لاشيء ..ساذهب الان وان احتجت لمساعدة نادني في الحال ...


"ادعو لي ياشيخنا"

قالها أيهم وهو يجثو بركبتيه امام شيخ كبير يراه باستمرار كل مادخل المسجد المجاور لمحل اقامته ..

"هداك الله واصلح بالك"

"آمين" رددها أيهم برجاء ليجلس متربعا بقربه

"مايشغل بال ابننا "

سأله الشيخ وهو يربت على كتفه ليبتسم أيهم وهو يتأمل الخطوط الهندسية للسجادة التي يفترشها

" لي طباع خاصة ولزوجتي عكسها وهذا يحدث بيننا تباعدا ..ستنتهي سفرتي هنا واعود ..لااعرف كيف اتصرف .."

اوقف الشيخ تحريك اصابعه على المسبحة ليتلفت اليهقائلا ..

" اعلم ياابني ان الزواج ليس ثوب نفصله على مقاسنا لنرتديه والا كان لكل مرحلة عمرية زوجة مناسبة ..
الزواج هو مشاركة لافكارنا ولعاداتنا ولطباعنا مع الطرف الاخر ،، ماينقصك ستجده عندها وماينقصها يكتمل بك .. لكل منا محيط خاص عاش به وافكار تربي عليها والطبع كما يقولون يغلب التطبع ..
تنازل قليلا ولتفعل هي المثل وستجد ان الحياة قد سارت بكم في الاتجاه الصحيح "


"لما تقفلينه "

سألها بضيق وهو يقرأ رسالتها التي تحاول توديع اخته بها

"لاني لم اخبر ايهم بوجوده وقد يغضب مني ان علم "

" لما لم تخبريه "

" احداهن اشارت عليا بفتحه كي اراقب صفحته تقول بانها فعلت الامر مع زوجها واكتشفت انه يحادث فتيات عليه "

" وهل راقبته "

" لا ..انا اعرف بانه ليس كذلك هي فقط لااعرف اقنعتني وفتحته لي وبعدها تعرفت عليكي وكنتي بمشكلة فلم استطع ان اغلقه "

"لاتفعلي امرا لاتقتنعين به اتفقنا "

" اتفقنا "

" هل ايهم هو زوج احداهن تلك ؟ "

" لا ..كتبتها بانفعال متساءلة كيف تفكر منى هكذا !

" اذا لما نطبق عليه افكارها "

زمت شفتيها بقوة وهي تفكر بكلامها ! ماتقوله صحيح ليس عليها ان تاخذ من تجاربهن لتطبقها على زوجها !

" انتي محقة ..تعرفين شيئا !"

"ماذا"

" اشعر بأنني احتاجك كثيرا هل نكون صديقات دائما "

" الم تقولي ان ايهم سيغضب !"

" ساخبره بالامر عند عودته وساعرفكما على بعض هو لديه حساب ايضا !"
اه انظري لغبائي طبعا لديه ولذا قمت انا بفتح هذا ! الان لابد انك تضحكين علي !وتقولين الحمدلله اني لست مثلها "

"ليتها مثلك "

" من هي ؟"

" اقصد ليتني مثلك اسيل "

" بدأ اسم اسيل يعجبني سأسميه لابنتي مستقبلا "

للحظة شعر برغبة عارمة بسؤالها عن اسمها لكنه تراجع ،،لايجب ان يعرف عنها ماقد يضرها لذا اكتفى بارسال وجوه ضاحكة ..



- ساعود بعد ثلاثة ايام ..قالها ايهم ليبعد الهاتف عن اذنه وهو يستمع الي صيحتها التي اسعدته ،،يشعر بتغير ما بها لايدري هل يتوهمه بسبب اشتياقه لها ام انه حقيقة

" قمري هل انتي سعيدة حقا بعودتي ؟

" لاتسأل عن ماتعرفه "

" حين اصل باذن الله ساذهب للبيت اولا لارتاح ثم اتي لاصطحابك مساءً لان اخي لن يسمح لي بالمغادرة ان وصلتكم ظهرا وساكون متعبا "

( حين تريدين شيئا قوليه لاتترددي حتى ان كان خطأ لابأس ) تتذكر كلمات منى لتتنحنح قائلة

" ايهم لما لااذهب انا لبيتنا صباحا وارتبه واجهز لك بعض الاكل وتجدني باستقبالك "

" الاخيرة لوحدها قاتلة ..قالها ضاحكا ليضيف

سأفكر في الامر وابلغك تمام ..

" تمام " همست بها براحة ...

لقد تقبل اقتراحها لطالما قال لها بأن تعبر عن ماتريد

للحق لم يكن مجحفا معها لكنها مشت نحوه بخطوات مترددة لتجد الجرأة اخيرا بسبب صديقة يبدو ان القدر قد اهداها لها



"لااهتم لحياتها ان كانت بها ستضع رؤوسنا في الوحل "

جملة والده تخترق مسامعه بقوة ليغادر غرفته باتجاههم

" ماذا قصدت بكلامك ابي " سأله نديم بملامح متجهمة

" لم يقصد شيئا بني اذهب انت لغرفتك ابوك وتعرف كلامه "

" دعيه الى متى ستتركينه مغفلا ! لقد صار رجلا بما يكفي ليشاركنا ما نحن فيه !"

ابعد نديم يدي امه عنه ليتجاوزها نحو والده مواجها له وهو يلقي عليه بكلماته التي كانت كأسهم تميته بلارحمة ليغادر المكان بعدها بروح خاوية..
 



إعدادات القراءة


لون الخلفية