توجه جوزف و كارين ممسكة ذراعه إلى الشرفه المطله على البحيرة, كانت السماء صافيه و النجوم تشع و القمر بدرا تنعكس صورته على البحيرة, و رياح تنعش النفس في المرء و تزيل بعض هموم الإنسان بهبوبها.
انتبه بيتر إلى شبحان في وسط الحديقة و عندما اقترب مع كارين اكتشف أنهما ابنه و زوجته فقال بمرح:
أنتما هنا لما لا تدعونا للجلوس معكم, فالسماء صافيه اليوم و الأجواء جميله.
- بالطبع أنت مرحب بك أبي, لكنني لا أفضل الرفقة مع سكرتيرتك.
زمجر والده قائلا:
- بيتر لا تتحدث بهذه الطريقة هل فهمت.
- نعم فهمت, و لكن لا أريد كارين هنا إني اكرها كثيرا, و كيف لك أن تحضرها هنا مع وجود أمي الجديدة, أبي ليس هكذا ليس مره أخرى, أرجوك لا تعيد الخطأ مرة أخرى, أنت كاذب أنت جبان و مخادع لقد وعدت أبي.
اشتعل جوزف غضبا و انفجر البركان بداخله و استعد ليضرب بيتر فصرخت آن له:
- جوف لا...لا تفعل.
إلا أن صراخها أتى متأخرا فقد صفع جوزف بيتر بشده حتى وقع الفتى على الأرض, فنبح الكلب على جوزف و ضرب جوف الكلب أيضا و كله غضب, تسمرت كارين أمام هذا المشهد فهي لم ترى جوزف قبلا غاضبا و لكنها شاهدته اليوم و تمنت لو لم تشاهد غضبه.
اسرعت آن جاثيه قرب بيتر فصرخت على زوجها:
كيف لك أن تفعل هذا بطفل صغير, انه طفل جوزف طفل هل تفهم ما معنى هذه الكلمه..أنت.....أنت ظالم.
بكى بيتر و صرخ بوالده:
- إني أكرهك جدا,أكرهك , ولتفرح لأني سأموت قريبا و سوف ترتاح من مشاكلي.
انتبه جوزف حينها على ما اقترفت يداه و حاول أن يعتذر من بيتر إلا أن بيتر هرع إلى المنزل و نظرت آن إليه باحتقار و لحقت بـ بيتر. نظر جوزف إلى يده و تذكر كيف قام بصفع بيتر, لقد صفع ابنه لقد آلام ابنه و لقد أبكى ابنه, كيف استطاع أن يفعل بابنه هكذا.
اعتذر جوزف من كارين و طلب من سائقه أن يوصلها إلى منزلها و توجه إلى مكتبه مغلقا الباب خلفه, و حابسا نفسه في عتمت الليل.
جلست آن على سرير بيتر و بيتر يبكي في حضنها و قد ابتدأ خده يتورم و يصبح لونه احمر, كيف استطاع جوزف أن يضرب بيتر فهو عندما ضربها تألمت بشده و لكنه ضرب بيتر أقوى قليلا فكيف لطفل أن يتحمل هذا الألم.
نام بيتر أخيرا و أحضرت آن منشفة مبلله بماء بارد و وضعته على خد بيتر و خرجت من غرفته و توجهت إلى غرفتها, فإذا كان جوزف هناك لن تنام معه بعد الذي قام بفعله لبيتر, و لكنها عندما دخلت الغرفة لم تره و انتظرته إلا انه لم يحضر,إذن لابد من انه مع كارين و هذا أمر لا تستطيع آن تستبعده من زوجها فهو متحجر القلب.
في الصباح يوم السبت استيقظت آن و استحمت بالماء الساخن و الحوض المليء بالفقاقيع العطره فهي دائما كانت تشعر بالسعاده في صباح كل يوم سبت, فيكون عادة لا عمل لها في هذا اليوم فتفضل أن تقضي وقتها في تنظيف منزلها أو التنزه في الحديقه العامة التي بالقرب من منزلها, كل تلك الذكريات جعلتها تحن إلى العوده لبلادها و إلى الحضاره رغم أن كل شيء متوفر هنا إلا أنها منذ أن حضرت هنا لم ترى العالم و لم يسمح لها جوزف أن تتعدى سور القصر أو أن يصطحبها إلى المدينه القريبه من نيوجيرسي و هكذا ظلت آن حبيسته, إلا أنها صممت أن تخرج اليوم فهي لن تبقى هنا فهي تعرف انه يستحيل عليها الهروب و لكنها ستخرج خارج القصر لتتمشى بالقرب من القصر قبل اكتشاف خروجها.
توجهت آن إلى غرفة بيتر فرأته نائما فتركته ينام فاليوم عطلة نهايه الأسبوع و يحق له النوم, انقلب بيتر إلى جانبه الأيسر و سقطت الكمادة التي وضعتها آن و تبين أن الانتفاخ تغير لونه حول عينيه للون الازرق فكتمت آن صرخة كانت ستخرج منها و كتمت غضبها و دقت الجرس الذي بالقرب من سرير بيتر فحضرت إليها سيمون فقالت لها آن:
- هلاّ أحضرت ماء مثلج رجاءا و بسرعه
فتوجهت سيمون لتحظر ما طلبته سيدتها منها و عندما عادت شهقت سيمون حين رأت وجه بيتر و لم تتجرأ لتسألها من فعل ذلك فهي تعرف بأنه سيدها فبقيت صامته تساعد آن على وضع كمادة بارده على وجه بيتر, ظلت بعدها آن قليلا بالقرب من بيتر ثم تركته نائما و خرجت و عندما مرت بالقرب من مكتب جوزف وجدت الباب نصف مغلق و عندما دخلت وجدت جوزف نائما على مكتبه و مظهره يوحي بأنه نام في المكتب فخرجت بهدوء وأغلقت الباب خلفها و ذهبت لتعد إفطارها الشهي و عندما نزلت إلى المطبخ استغرب الخدم من استيقاظها المبكر فحيتها الطاهية مدام لونغ قائله: صباح الخير سيدتي, انت مبكرا اليوم فلا تزال الساعه السادسه صباحا.
فابتسمت آن و قالت: اعلم و لكني احب أن استيقظ صباح كل سبت مبكرة لأعد الإفطار لنفسي, و لكن هل لك أن تسمحي لي اليوم بإعداد الإفطار.
فأجابتها مدام لونغ بالنفي قائله: و لكن سيدتي يجب ان لا تقومي بأي عمل من اختصاصنا فلن يسمح السيد بهذا و في.
- لا داعي للقلق فالسيد سيتفهم فأنا لا أحب أن أغير من عاداتي.
أعدت آن فطورها الانكليزي و صنعت التوست مع العسل و المربى و الحليب و أخذته لغرفة بيتر
و عندما دخلت كان لا يزال نائما, فوضعت الفطور أمام طاولة الطعام التي بقربه و قربتها من السرير و اقتربت من بيتر توقظه:
-هيا الآن أيها الكسول استيقظ, لقد أعددت لك فطورا شهي.
تململ بيتر على سريره و اخذ يتمتم بكلمات غير مفهومه, فابتسمت له آن ثم قالت: هيا بيتر, اعلم أن اليوم عطله و لكن يجب عليك ان تستيقظ حتى نقوم برحله إلى البحيرة, بعد أن سمع بيتر كلمة رحله قفز من السرير بسرعه إلا انه أطلق صرخه خفيفه فقد كان جزء من جانبه الأيمن مخدر. ارتاعت آن و حين لمست جسده اطلق بيتر أنين خافت و استعد للبكاء إلا انه ضبط نفسه و قال: اني اشعر بالخدر في نصف جسمي و حين اشار إلى نصف جسمه الايمن عرفت آن انه بسبب الضربه التي وجهها جوزف اليه.
امسكت آن دموعها و ساعدته على الاستلقاء و صبت اهتمامها لبيتر , ثم خرجت من غرفته و توجهت إلى الهاتف في الممر المؤدي إلى الشرفه و اتصلت بالطبيب ليعاين بيتر, ثم عادت إلى غرفته فوجدته قد نام فأيقظته بلطف حتى يتناول افطاره إلا انه رفض لكنها اجبرته لصالحه, وبعد أن انهى تناول فطوره و صل الطبيب و عاينه, ثم خرج و تبعته آن فقال لها:
- انه فقط يعنى من الخدر بسبب الكدمه, ماذا حدث له
تلعثمت آن قليلا لم تكن تعرف ماذا تقول له إلا أنها صارحته قائله: لقد حصل سوء فهم بين بيتر و والده فضربه جوزف.
- نعم, فهمت الآن و لكن يجب أن تخبري زوجك أن يضبط أعصابه مع الطفل فبيتر ليس ككل الاطفال الأصحاء خاصة و هو لديه مشكلة في احدى كليتيه و انت تعرفين أن الوقت يمر عليه اذا لم يجدوا مطابق له ولا احد يعرف أين والده الحقيقي.
امسكت آن يد الطبيب قائله: اعرف هذا.. و لكن ما الذي استطيع عمله.
- حسنا تستطيعون أن تسعدوه في هذا الفترة ولا تشعروه بمرضه و أخرجوه للتنزه و الرحلات و اعطوه بيئه عائليه سعيده.
توجهت آن و بيتر إلى البحيره و قد اعدت لهم مدام لونغ الشطائر و المربى و العصائر, فرشت آن و بيتر البساط على العشب بالقرب من شجرة البرتقال و جلسا عليها و كان صوت العصافير و هي تغرد حولهم و البحيره امامهم تشع بفعل اشعة الشمس, و نسيم الصباح يهب عليهم و السماء صافيه لا وجود إلا لقليل من السحب البيضاء.
- أمي...هل أنت سعيده معنا و هل تحبيني.
- بالتأكيد احبك صغيري, ما الذي يجعلك تظن عكس ذلك.
تنهد بيتر فقال: لا... لاشيء, فانا اعرف انك تحبني و لكن هل انت سعيده معنا, فمنذ أن حضرت عاملتك بسوء و لكني احبك الآن فأنت لا تطمعين بأموال أبي و لكن هل تحبين والدي.
- لا أظن ذلك صغيري و لكني احبك انت, و هذا هو المهم أليس كذلك.
ابتسم لها و ذهب يلعب بالكره امامها فضلت آن تتأمل به و تفكر بمرضه انه لا يزال صغير جدا و لا يزال هناك عالم لم يشاهده بعد, كم اسفت لحاله فهو شجاع يقابل مرضه بشجاعه ولا يتذمر, و لكن ماذا ستفعل لو مات و تركها هل سيطالب جوزف بوريث مره اخرى و هل سيعامل ابنه بحب ام سيصده كبيتر. ما الذي تقوله يجب ألا تفكر هكذا.نادت آن بيتر ليرتاح قليلا و يغسل يديه ليستعد لتناول طعام الغداء الذي اعدته مدام لونغ لهما.
وصل جوزف إلى المنزل غاضبا فتوجه رأسا إلى غرفة بيتر فلم يجده, فظن بأنه مع آن في غرفتهما
فلم يجده ايضا في الغرفة, بدء القلق يتسلل إلى قلبه, هل يمكن أن تكون هربت و لكن كيف الم يشاهدها احد لكن إن كانت قد هربت فأين بيتر فلا يعقل أن تكون قد أخذته معها, ثار جوزف بعد تحليله لما قد حدث و اخذ يصرخ في ارجاء المنزل:
- سيمون......سيمون.....لوكاس اين الجميع.
ظهرت سيمون بسرعه من المطبخ و توجهت الى سيدها و اخذت تلهث بعد أن وصلت اليه و هالها ما رأت فقد كان سيدها في احدى حالات غضبه الشديده و اذا لم يعجبه شيء فلا يستبعد أن يقوم بصب كل غضبه على أول شخص يصادفه فلا تريد أن تكون هي هذا الشخص, نظر جوزف إلى سيمون فقال بصوت ملئه الغضب
- أين بحق الجحيم زوجتي و ابني , أين هما.
- انهما...انـ....انهما في البحيره يتنزهان
- ماذا في البحيره و كيف سمحتما لهما بذلك دون اذن مني.
و انطلق بسرعه نحو البحيره فلم يجدهما هناك و ظل يبحث و يبحث إلا انه لم يجدهما و بدأ الشك يتسلل إلى قلبه فقرر أن يأخذ العون من خدمه في البحث عنهما, بعد أن وصل الى القصر توجه الى غرفة الجلوس لينادي الخدم الا انه انتبه الى بيتر يجلس امام التلفاز فصرخ: انت هنا, اين كنت بحق الجحيم لقد اخفتني.
- لقد كان معي جوزف, فلا داعي للقلق الم تخبرك سيمون باننا ذهبنا الى البحيره للتنزه
فالتفت الى جانبه فشاهد آن تجلس على الكرسي فقال:
- نعم لقد قالت لي و لكن كيف ترحلين دون اذن منى
-أنا آسفه اذا لم اخذ الإذن منك أولا, إلا انني قررت ان اتنشق الهواء و وجدت من المفيد ان يخرج بيتر ايضا فقد كان تعبا اليوم.
نظر جوزف بغضب إلى آن ثم امسك يدها بقبضته الحديديه و سحبها الى الخارج متوجها بها الى المكتب, ثم اوصد الباب خلفها, و اخذ يقترب منها ببطيء و هي تتراجع و كلما يقترب منها اخذت تتراجع الى أن اصطدمت بمكتبه فتوقف هربها و دنا منها جوزف و اخذ يضغط باصابعه على رقبة آن إلى أن احست آن انها سوف تموت ابعد يده عنها فقال:
- فليكن هذا إنذارا لك, ما إذا قررت الهرب فلا تظني بان هذا الامر سيتكرر و أنا سأعلمهم بالا يسمحوا لك بالخروج إلا بإذن مني او معي هل فهمتي.
نظرت اليه آن فزعه ثم قالت: و لكني اخذت بيتر معي لان الطبيب نصح بذلك ألا تفهم.الطبيب, قالها جوزف و كأنه لم يستوعب الكلمه: ماذا كان يفعل الطبيب هنا.
- لقد تألم بيتر بسبب الضربه التي وجهتها له و تخدر نصف جسمه بسببها.
تحركت عضلة في فك جوزف و تكورة يداه و كأنه يستعد إلى توجيه ضربة لها إلا انه ضرب يده على الجدار شاتما بالاسبانية, فقال لها: حقا لم اقصد أن اضربه هل تظنين أني سأضربه و هو مريض, لم اقصد أن افعل ذلك........ و لكن ماذا قال لك الطبيب.
- لقد قال بان بيتر يحتاج إلى....إلى راحه في حياته و أن يحاط بأجواء عائليه صافيه خاليه من الشجار.
-فهمت. دار حول مكتبه و جلس على الكرسي و وضع يده حول عينه و تنهد ثم ضغط على عينيه بشده قائلا: لقد وصلت الآن من المكتب فقد كنت مع والد بيتر الحقيقي.
تسمرت آن في مكانها لكي تستوعب فشهقت ذاهله حقا... هذا أمر جيد اذن هو يستطيع ان ينقذ بيتر.
- ليس الامر كما تظنين, فقد قرر ان يهب احدى كليتيه لبيتر و لكن يجب أن ادفع له مبلغ مليون و نصف له.
- إذن أنت تستطيع أن تدفع ضعف هذا المبلغ لما لا تعطيه.
- أنت لا تفهمين فهو اذا طلب منى فقط المبلغ كنت سأعطيه خمسة ملايين إذا أراد و لكنه طلب المبلغ و بيتر أيضا, هو يريد أن يأخذ بيتر معه.