الفصل الثاني

بعد الكثير من المعاناة والمحاولات، تفيق الجدة لتجد نفسها في بيتها وبجانبها ساندي ومعاذ، جارهم وصديق ساندي.

الجدة بفزع وتعب: ساندي!

ساندي وهي في حالة صدمة، فهي ستموت سواء قبلت أو ابت: تيتا...

الجدة ببكاء: لا، ساندي!

ساندي وهي تحتضن جدتها وهي على وشك البكاء: اهدئي يا تيتا، الله يخليكِ، لا تتعبي نفسك.

لم تكن تعلم كيف مر عليها اليوم، مليء بالتعب والمعاناة، لتستيقظ فجراً مع شروق الشمس على صوت هدوء تام ممزوج بنباح مخيف يرعب القلب. فزعت وركضت إلى الطابق السفلي، لتجد معاذ واقفاً مع جدتها على باب المنزل وكبير القرية يريد أن يأخذها، بينما الجدة تمنعه وهي تبكي.


معاذ وهو يمسك بكتفها: اهدئي يا حاجة.

الجدة ببكاء: لا، لن يأخذوها، ليس لي غيرها في هذه الدنيا!

نظر الرجل إلى ساندي التي كانت تقف خلفهم، فأمر رجاله أن يأخذوها بالقوة، وأمسكوا بالجدة ليمنعوها من ملاحقتهم. كانت ساندي تبكي بخوف وفزع، تنظر خلفها إلى جدتها وهي ترتجف، بينما يسحبها الرجال من ذراعيها نحو حافة النهر. هناك، على الضفة الأخرى، كانت الملكة تقف وعلى رأسها تاج، وخلفها العديد من الخدم. اقترب أحد الخدم في قارب خشبي ليأخذ ساندي معه. كانت تعلم أنها ستذهب هناك بالقوة، ولم يستطع أحد أن يمنعهم، لكنها بكت على حالة جدتها التي كانت تركض وراءها بتعب، حتى سقطت على الأرض. زاد بكاء ساندي حين رأت معاذ يسند جدتها لتقف مرة أخرى، وهي تبكي وتضمها إلى صدره.


ركبت القارب وتوجهت إلى الضفة الأخرى. سار الخدم معها بعد أن قيدوا يديها ورقبتها بالحديد، وكأنها أسيرة أو مجرمة تنتظر عقابها. دخلت وسط الأشجار، واختفت عن أنظار القرويين وجدتها. كانت ترتعب كلما نظرت إلى الأشجار التي بلغ طولها أكثر من ٥٠٠ متر، وكثافتها، بالإضافة إلى تلك الأصوات المخيفة التي كانت تحيط بها. وصلت إلى جسر يعبر فوق نهر آخر يؤدي إلى القلعة. كان مظهر القلعة الخارجي مخيفاً، مغطى بالغبار والأتربة. كانت قد سمعت عن هذه القلعة، لكنها لم تتخيل يومًا أنها بهذه الوحشية. ظلت تبكي حتى أدخلوها إلى غرفة تشبه الزنزانة، ليس بها أي أثاث سوى نافذة تشبه نافذة الزنزانات، محاطة بالحديد. فزعت عندما سمعت صوت القفل يغلق الباب خلفها. نظرت بفزع إلى المكان حولها، كان مخيفاً وكأنها دخلت عرين أسد. جلست في إحدى زوايا الغرفة واحتضنت قدميها إلى صدرها بخوف، تبكي وتسترجع في ذهنها صورة جدتها وهي تسقط على الأرض من التعب.


كان جون يجلس على جسر خشبي فوق أحد الأنهار الكبيرة وسط الأشجار، بهدوء ينظر إلى المياه في الأسفل. شعر بالجسر يتحرك بهدوء شديد، فنظر بجانبه ليرى تلك الفتاة التي أحبها، ترتدي فستاناً أبيض جميلاً مزيناً ببعض الورود الملونة، وتتقدم نحوه بهدوء وهي تبتسم. جلست بجانبه، فرفع يده بحنان ليلمس وجهها، لكن قبل أن يلمسها...

استيقظ جون من حلمه بتعب وابتسامة مرسومة على وجهه. أحب تلك الفتاة في حلمه رغم أنه لا يعرف من تكون، ولماذا تظهر دائماً في أحلامه. يعلم جيداً أن كل من يسكن أرضه يعرفه، لذا فهي بالتأكيد ليست من أرضه. لكن الأماكن التي تظهر فيها في أحلامه تبدو دائماً أماكن من أرضهم. دخل عليه الخادم ليخبره بوصول العروس من أجله. وقف وذهب معه لرؤيتها.

جلست ساندي في غرفتها، تنظر من النافذة إلى القمر، وتمسك بالحديد وكأنها سجينة. فزعت للخلف عندما ظهرت فجأة فتاة مصاصة دماء أمامها، عيناها سوداء كالفحم وأنيابها ظاهرة.


لارا بسخرية وضحكة مرعبة: ههههههههههه، لا تخافي كل هذا الخوف، وفريه للوقت المناسب، ستحتاجينه لاحقاً.

تراجعت ساندي بخوف، اختبأت أسفل النافذة وهي ترتجف وتبكي.

كان جون يمشي بجانب خادمه، ليقابل لارا في طريقه.

لارا: إلى أين؟

جون: علمت أنها وصلت.

لارا: ولماذا تصر على كسر القواعد كل مرة تأتي فيها عروس؟ أنت تعلم جيداً أن القوانين تمنع رؤيتها حتى يوم التنفيذ.

جون: أريد أن أراها.

لارا: ممنوع، وأنت تعرف ذلك.

جون: من بعيد.

أمسكت لارا بيده وسحبته في الاتجاه المعاكس لغرفتها، مانعةً إياه من رؤيتها.

في الحلم، كانت الفتاة التي أحبها ترتدي نفس الفستان الأبيض المزخرف بالورود. كان شعرها البني يتدلى على ظهرها وكتفيها. اقترب منها، فرفعت نظرها إليه. لكن قبل أن يرسم ابتسامته لها، وقفت فجأة بفزع وركضت بعيداً، فاختفت ابتسامته. مدّ يديه نحوها ليوقفها، لكنه فوجئ بدماء على يديه. نظر بصدمة إلى يديه، ثم عاد بنظره إليها، لكنه لم يجدها.

استفاق جون من نومه، قلبه ينبض بسرعة، نظر إلى يديه فلم يجد الدماء. وقف واتجه نحو النافذة، متسائلاً عن تلك الفتاة، وكيف استطاعت أن تأسر قلبه في أحلامه.

كانت ساندي جالسة في غرفتها، عندما سمعت صوت القفل يفتح. وقفت بخوف، لترى لارا تدخل عليها ومعها خادمتان أخريان.

لارا: استيقظي، يا قطة، جئتِ لتنامي هنا؟

ساندي بخوف وصوت متقطع: هل... انتهى الأمر؟

لارا ببرود: نعم.

أخذت الخادمتان ساندي لتجهزاها لأخذ دمائها وإرسال جثتها لأهلها.

كان جون يمشي بجانب الملكة في الساحة حول نافورة كبيرة بحجم مسبح، عندما صدمته رؤية الفتاة التي أحبها. كانت ترتدي نفس الفستان الأبيض، مزيناً بالورود، وشعرها البني يتدلى على ظهرها وكتفيها. كان وجهها ملوثاً بالدموع. توقف عن المشي وهو ينظر إليها. تلك الفتاة التي أحبها في أحلامه وملكت قلبه، كانت عروس هذا العام.

نظر نحوها بدقة، غير مصدق لما يراه. كان يعتقد أنه يحلم، وأنه سيستيقظ بعد قليل ليجدها قد اختفت كما يحدث في كل مرة.

أفاق من شروده على صوت الملكة.

الملكة باستغراب: لماذا توقفت؟

نظرت الملكة إلى الفتاة وقالت ببرود:

الملكة: العروس.

أومأ جون برأسه، لكنه لم يستطع أن يرفع عينيه عنها. كانت دموعها تتساقط بصمت، وجهها شاحب من الخوف، وكأنها مخدرة تماماً لا تشعر بما يدور حولها.

جون بدهشة: أعلم، أعلم.

نظرت الملكة إليه باستغراب، كيف يعلم أنها العروس وهو لم يرها من قبل؟ لكن جون كان يعلم من هي. لقد رآها في أحد أحلامه وهو يمتص دماءها، وفي الحلم الذي رآه اليوم كانت تهرب منه ويداه مغطاة بدمائها.

دماء حبيبته التي لم يرها من قبل. ترك الملكة وهمّ بالذهاب نحوها، لكن الملكة أمسكت بمعصمه.

الملكة: ليس الآن، ستجدها في غرفتك الليلة.

سحبته الملكة معها إلى حيث كانت ذاهبة، بينما ظل ينظر نحو الفتاة وهي تمشي مع الخادمتين ولارا.

انتهى مجلس جون مع الملكة وأعضاء المجلس الأعلى، وكان الوقت يمر ببطء شديد بالنسبة له، وكأنه سنوات وليست ساعات. وقف ليغادر، فأوقفته الملكة.

الملكة: جون.

جون: نعم؟

الملكة: سأنتظرك عند ظهور القمر.

جون بتوتر: بالتأكيد.

ركض جون بسرعة نحو غرفته، فاستغرب الجميع كيف خالف وقاره وهدوءه المعتاد. دخل غرفته وقلبه ينبض بقوة. رأى ساندي جالسة على سريره. أبعد الستائر التي تحيط بسريره، فرأى ساندي تجلس بخوف، تضم قدميها إلى صدرها وتبكي. كان شعرها يغطي وجهها وملامحها، لكنها كانت ترتدي نفس الفستان الذي رآها فيه في أحلامه. جلس أمامها على السرير وأمال رأسه ليتفحص وجهها الجميل. كان وجهها نحيفاً، شفتيها صغيرتين، وأنفها كذلك. رفعت نظرها إليه بخوف، فرأى عيونها البنية الداكنة، ملوثة بالدموع، حاجبيها الرفيعين، وبشرتها البيضاء. كانت جميلة، وإن لم تكن جميلة، لما كانت عروساً. رفع يده بهدوء ليتحسس وجهها كما تمنى في أحلامه. أخيراً، لمسها وابتسم بخفة.


جون بدون وعي: تأخرتِ كثيراً.


نظرت إليه دون أن تفهم.

ساندي بخوف: هل يمكنني طلب طلب صغير قبل أن أموت؟

نظر إليها بغضب. يعلم أن القانون يقتضي أن تموت عند شروق الشمس، لكنها تطلب شيئاً؟!

ساندي بخوف من نظراته: أريد فقط أن أطمئن على جدتي.

نظر إليها باستغراب. هي ستموت، وكل ما تريده هو الاطمئنان على جدتها؟ كان يتوقع أن تطلب السماح أو الهروب.

جون بهدوء وهو يقف ليغلق الأضواء: نامي.

فعلت ساندي ما طلبه منها، وعاد جون إلى سريره، جلس بجانبها ورفع جسده قليلاً ليبقى فوقها. نظر إلى عينيها وقلبه ينبض بقوة. ظهرت أنيابه الحادة وبدأ يتحول. أغلقت ساندي عينيها بخوف، تعلم أن النهاية اقتربت. أبعد شعرها عن عنقها وتحسس رقبتها بيديه بهدوء، ثم انحنى ليعضها، مغمضاً عينيه مستسلماً للقانون.



إعدادات القراءة


لون الخلفية