لينحني جون لعنقها، مغمضاً عينيه، مستسلماً للقانون. ولكن، بدلاً من أن يمتص دماءها، يراها أمامه في الحلم تبتسم له تلك الابتسامة التي عشقها، بعيونها اللامعة وسعادتها البادية وظهور غمازتيها. فتح عينيه، وقلبه ينبض بقوة. تأملها وهي تبكي بصمت، عيناها مغلقتان، وجسدها بارد كقطعة من الجليد، ترتجف بين يديه، خائفة من ملامحه المرعبة. لكنها لم تشعر بأي شيء حتى تشنج جسدها عندما شعرت بقبلة دافئة من شفتيه على عنقها البارد. أمسكت بفستانها بقوة من شدة الخوف، ثم شعرت بقبلة أخرى على جبينها، فتحت عينيها بخوف وهي تفكر في مظهره وملامحه. نظرت إليه لتراه عاد إلى طبيعته. تقابلا في نظرة طويلة صامتة، ثم مدّد جسده بجانبها على السرير، وجذبها من معصمها بلطف نحو صدره، طوقها بذراعه بحنان، لتنام في حضنه وتسمع دقات قلبه المتسارعة. ظلت صامتة حتى غلبها النعاس بهدوء، فهي لم تنم منذ أن جاءت إلى هنا.
تقف الملكة أمام النهر، وخلفها خادمها، تنتظر وصول دماء العروس. تشرق الشمس الذهبية وأشعتها تسيطر على المكان، محيطة بالأشجار بجمالها. تشعر الملكة به وهو يقترب منها، فتدير جسدها لتراه يحمل إناءً في يديه الملطختين بالدماء.
الملكة للخادم: اقفل صنبور الدماء، وأعد النهر لطبيعته.
الخادم وهو ينحني: أمركِ.
أخذ الخادم الإناء وغادر.
الملكة: مبروك العروس الحادية عشرة لك.
جون: شكراً.
وضعت الملكة يدها على كتفه برضا، ثم ذهبت. ابتسم جون بخفة، لكن قلبه ينبض بخوف شديد.
استيقظت ساندي بتعب، لتجد نفسها على الأرض، مليئة بالأتربة والغبار، في مكان معتم لم يدخله أي ضوء.
ساندي بتعب وهي تقف: آآآه... أين أنا؟
تذكرت ما حدث...
#فلاش_باك
كانت تنام في حضنه بتعب واستسلام، عندما شعرت بيديه ترفعانها بلطف. فتحت عينيها نصف فتحة بتعب، ورأته يدير نفسه حولها بقوة، ليشعرها برياح قوية. تلفت يديها حول عنقه بخوف، ثم استسلمت للنوم مرة أخرى، وآخر ما رأته هو أنه يركض بها خارج القلعة...
أمسكت ساندي بفستانها ومشت في الظلام، غير قادرة على رؤية شيء. فجأة اصطدمت بجسد قوي، مليء بالعضلات، ورأسها مقابل صدره. شعرت بنفَسه الذي كان قريباً منها، ورأت بعض الفقاعات تظهر في الهواء حولها، مضيئة بلون أزرق متغير، أضاءت المكان لتكشف عن ملامحه. كان جون يقف أمامها، يمد يده في الهواء وينظر إليها بهدوء وصمت، ثم نزل بيديه ووضعها خلف ظهره.
تراجعت خطوة للخلف بخوف منه.
جون: لا تخافي.
ساندي وهي تنظر حولها: أين أنا؟
جون وهو يتوجه إلى الداخل: في كهف وسط الغابة.
ساندي بدهشة: كهف؟ لماذا؟
جون: كي لا تموتي.
ساندي دون فهم: ماذا تقصد؟
جون وهو يجلس على إحدى الصخور: تعالي، اجلسي.
ساندي: لا أريد.
فزعت عندما رأت أنه يقف أمامها بسرعة البرق.
جون: عندما أقول شيئاً، تفعليه. أنتِ تعيشين بفضلي.
ساندي: سأموت في كل الأحوال.
جون: الآن، بالنسبة للجميع هنا وعلى الضفة الأخرى، أنتِ ميتة.
ساندي: ماذا؟
جون: بالنسبة للجميع، أنتِ ميتة. أنا الوحيد الذي يعرف أنك على قيد الحياة.
ساندي: هل سأظل في الكهف طويلاً؟
جون: طوال حياتك.
ساندي: هذا ليس حياة، هذا موت مع الروح فقط. إنه سجن، مخيف ومظلم. كيف سأعيش هنا؟
صدمت عندما اقترب منها بلطف، وأمسك وجهها بين يديه بحنان.
جون: سأضيء لك المكان، وسأحضر لك كل ما تحتاجينه. فقط اصبري. حالياً، إذا شعر أحد بشيء، سيكون الوضع خطيرًا. سأجعلك تطمئنين على جدتك.
ساندي بخوف وهدوء: أصبر عليك؟ وخطر؟ هل فعلتُ شيئاً؟
جون بهدوء: أنا من فعل... كان من المفترض أن لا تظهر الشمس وأنتِ على قيد الحياة، لكنها فعلت.
ساندي: لماذا؟
ابتعد عنها واتجه نحو الداخل، وأعطاها ظهره.
جون: لا أعلم... يقولون إن أحلامي تتحقق، وظهرتِ في أحلامي حية.
ساندي بفضول: كيف؟
جون: عندما يحدث شيء من أحلامي، سأخبرك. مثل هذا المكان... رأيته في حلم.
ساندي وهي تشعر بألم في معدتها: لكن أنا...
جون: جائعة؟
ساندي بدهشة: نعم.
جون: لهذا السبب زرعت بعض أشجار الخضار لتأكلي.
ساندي: هل هنا لا يوجد طعام؟
جون: من الصعب أن تجدي طعاماً هنا، ليس هناك شيء سوى الدم.
ساندي: يعني سأموت من الجوع والعطش؟
جون: زرعت شجرة تفاح وطماطم، وحتى بطاطس. كنت أنتظر وصولك منذ فترة طويلة.
ساندي وهي تجلس بجانبه على الصخرة: هل تعرفني؟
جون وهو يسند ظهره إلى الحائط وينظر إليها بشوق: رأيتك في أحلامي منذ ٣٠٠ سنة. كنت أتساءل من أنتِ، وبما أن أحلامي تتحقق، كنت أنتظر تحقيق هذا الحلم لرؤيتك. في كل حلم، كنت أعرف شيئاً جديداً عنك. في أول حلم، عرفت أنكِ عروس. وفي الحلم الثاني، عرفت أنكِ بشرية.
ساندي بدهشة: ٣٠٠ سنة؟ أنا عمري ٢٥ سنة فقط!
جون وهو يعود بنظره إلى الأمام بعيداً عنها: أنا عمري ٦٨٠ سنة.
صدمت ساندي وأمسكت بوجهه بيديها لتديره نحوها بطفولة ودهشة وهي تتفحصه.
ساندي وهي تتفحصه: ٦٨٠ سنة؟ كيف؟ أين الشعر الأبيض والتجاعيد؟ لماذا لم يضعف نظرك؟
جون: أنا لست بشريًا.
ساندي وهي تتركه بحزن: آه، صحيح... لكن، كيف تختلف عن البشر غير العمر؟
جون: أولاً، شعري لا يشيب، وجسدي لا يتجعد. نحن نسميها "الجمال الخالد". ثانياً، والأهم، ليس لدي قلب...
قاطعتها ساندي بسرعة:
ساندي: كيف؟ سمعت دقاته أمس!
جون: قلت لكِ، ليس لدي قلب.
وضعت ساندي يدها فوق صدره.
ساندي: ها هو.
جون، مرتبكاً، وقف وقال:
جون: سأذهب لأحضرك الطعام.
وقفت ساندي بسرعة:
ساندي: لأنني جائعة.
كان على وشك الذهاب، لكنه عاد إليها واقترب منها، لتداعب أنفاسه جبينها وهي تنظر له.
جون: طلبي الوحيد، أو اعتبريها نصيحة: لا تقعي في حبي، لأنه لا حل له. ولا أستطيع فعل شيء حيال ذلك حينها.
نظرت إليه بغرور، ووضعت يديها في جيب فستانها وهي تنظر إلى الأمام:
ساندي بغرور: لا، هذا أمر مؤكد. هل جننت لأحب مصاص دماء؟ بالإضافة إلى أنه ليس نوعي المفضل.
جون: لم ألقِ بعد سحري عليك.
ساندي بغرور وهي تتجه إلى الداخل: نصيحتي لك: لا تقع أنت في غرامي.
نظر جون إلى ظهرها وهي تمشي بعيداً، ثم ذهب. كيف لا يقع في حبها وهو بالفعل عاشق لها وغارق في غرامها؟ وإلا لما ارتكب تلك الجريمة وأبقاها على قيد الحياة حتى الآن.
كان جون يجمع بعض الخضار من الأرض ليحضره لساندي لتأكل، فهي لم تأكل شيئاً منذ أربعة أيام. جاءت إليه لارا.
لارا بسخرية: ماذا تفعل؟
جون وهو يجمع البطاطس: أنتِ ترين ما أفعله.
لارا بسخرية: أرى الأمير يجمع الخضار بنفسه.
جون: نعم.
لارا: هل لن ترسل الخضار للقرويين كالمعتاد؟
جون وهو يقف: لا.
لارا: لماذا؟
أمسك جون بالصندوق الزجاجي وذهب دون أن يجيبها. قابله الخادم في الطريق.
الخادم وهو ينحني له ويعطيه كيساً: هذا لك.
أخذ جون الكيس وغادر.
جلست ساندي وهي تنظر حولها بصمت، تسمع أصواتاً مخيفة من الخارج. رأت ظلاً يقترب منها، فزعت ووقفت لتجري بخوف. اصطدمت قدمها بصخرة وجرحتها. اختبأت خلف الصخور الكبيرة الموجودة في الكهف.