الفصل السادس

-دعني أشرح لك..

نطقتها وصدرها يعلو ويهبط بجنون بسبب جريها منذ ثوانٍ قليلة ونظرة امتلأت بالذنب احتلت عينيها

كانت ستقترب ولكن أوقفها صوت روميو ليصرخ بها
-توقفي!!

فتحت فمها بنية الحديث مجدداً ليهز رأسه بالنفي ويصرخ مجدداً
-لقد قلتُ توقفي واللعنة...

هدأت نبرته العصبية لتصبح نبرته المكسورة أكثر وضوحا..
-توقفي..


همس بها مجدداً بنبرة مرتجفة تكاد لاتُسمع ولكن ساعده هدوء الشارع وسكونه إلا من صوت المطر الخفيف

أغمض عينيه ليعاود فتحهما يحاول تهدئة نفسه وعدم البكاء والانهيار بهذه اللحظة
-أنا..لا أطلبُ منكِ توضيحاً لما فعلته،فقط أطلب منكِ التوقف عن ذلك..فقط توقفي عن الكذب حسناً!!

هزت جولييت رأسها بالنفي..هي بيأس تحاول مسح هذه النظرة المنكسرة التي اعتلت ملامح روميو
-أنا..أنا فقط أريد أن أشرح لك الأمر

تنهد روميو مجددا ليستدير مقررا المضي بطريقه
-كل شيء واضح لاداعي للشرح... جولييت


أنزل رأسه لتنزل غرته مغطية عيناه اللامعة بسبب دموعه المتحجرة هناك ليشخر بسخرية ونبرة الألم طغت على صوته
-أعتذر لأنني أناديك باسمك المستعار...

رمى بجملته تلك التي كسرت ظهر البعير هو حرفيا يخبرها بأنها مجرد كاذبة.. لتسقط جولييت على ركبتيها وهي تنظر بألم نحو ظهر روميو الذي تلقائيا أصبح يبتعد عن ناظريها الى أن اختفى

#جولييت

ماكان هذا الذي شعرت به؟!..أهكذا إذا يشعر المرء عندما يجرح شخصا يحبه؟...لم أكن أعلم بأنه مؤلم لهذه الدرجة..

فكرت بالوقوف عدة مرات لأن المطر أصبح يهطل بغزارة ولكنني لا أستطيع..فقط أنظر نحو الفراغ الذي خلفه روميو خلفه

لم يكن يفترض بالأمور أن تحدث هكذا..كان يفترض أن تكون نهاية روميو وجولييت سعيدة..فقط كما كانت ترويها والدتي ،أم أن الروايات لاتصبح حقيقة أبدا؟!..كان علي أن أتعلم من قصة والداي الحقيقية لا بناء الأحلام على مجرد رواية سخيفة

...

بقيت جولييت لمدة طويلة على وضعيتها تلك وهي تنظر للمكان الذي كان يقف به روميو بدون أن ترمش حتى ..المطر إزداد وبطريقة غريبة هي تشعر بالقليل من المواساة ،تشعر بأنها تستحق أن تبقى تحت المطر طويلاً ،تستحق أن تمرض لتبقى طريحة الفراش اسبوعاً لعيناً كاملاً

لدى روميو الذي كان يمشي بلا وجهة معينة...هو بالعادة يذهب لصديقه جاستن بأوقات كهذه..ولكن إن كان سبب تعاسته الحالية هو جاستن الى أين يذهب؟! هو حرفياً شعر بالضياع بهذه اللحظة..شعر بفراغ مؤلم بيسار صدره

-روميو!!

توسعت عيني روميو بخفة على الصوت المألوف الذي سمعه ليلتفت ببطئ نحو المنادي ولم يكن سوى فيوليت!!

ابتسامة صغيرة رُسمت بتلقائية على شفتيه
-فيوليت!!ما الذي تفعلينه هنا؟

ابتسمت فيوليت بخفة ونظرت له لتجيبه بطريقة أشبه للسؤال
-هنا الحي الذي أقطن به!!

أومأ روميو بتفهم وكعادته عندما يشعر بالإحراج يحمر عنقه بطريقة واضحة جداً لذا ابتسمت فيوليت بخفة هي لاحظت ذلك بروميو وتجد ذلك لطيفاً جداً...ولكنها عقدت حاجبيها باستغراب عندما أدركت أنه بالحي الذي تقطن به
-ولكن ما الذي تفعله أنتَ هنا؟!

نظر روميو لأي مكان عدا وجهها هو يشعر بعينيه تحترقان مهددة بنزول المزيد من الدموع لمجرد تذكره سبب تجوله هكذا بالطرقات بلا وجهة معينة
-فقط..كنت أمشي و وصلت لهنا

لاحظت فيوليت احمرار عينيه لتقترب قليلاً من روميو ولكن المسافة الآمنة لاتزال موجودة بين الإثنين
-هل أنت بالصدفة كنتَ..تبكي؟!

توسعت عيني روميو لأن أمره قد فضح..وصدقني آخر شيء يريده الإنسان هو أن يبدو مثيراً للشفقة أمام الشخص الذي يحبه
هز روميو رأسه بعنف وهو يقهقه بارتباك
-كلا كلا ..فقط بضع قطرات من المطر دخلت لعيني..هذا هو الأمر..حقاً

نظرت له فيوليت بحاجبٍ مرفوع
-حقاً!!

تنهدت على الطفل الكاذب أمامها الذي لايزال يحاول تجنب النظر اليها لتقترب بمظلتها و تغطي بها روميو مخفيةً وجهه بها بينما هي بقيت خلف المظلة سامحةً للمطر بأن يبللها
-آآه يا الهي أيها الطفل!! اذا أردت البكاء إذاً افعلها ولاتكتمها أكثر من ذلك ،وإن كنتَ خجلاً من البكاء ابكي واصرخ هنا..هذه مظلتي السحرية سوف تخفيك عن العالم وتجعل صوتك غير مسموع..لذا أفرغ طاقتك هنا حسناً!!

كان روميو ينظر بصدمة للمظلة التي تجعل خيال فيوليت واضحاً أمامه،كلماتها بعثت الدفئ بروحه لذا تلقائياً عادت الدموع لتتجمع بعينيه لتنزل واحدة تلو الأخرى على وجنتيه بدون أن يرمش...دمعة تلتها الأخرى ليجهش بالبكاء بصوتٍ عال كطفل بالخامسة من عمره..هو يشعر بشيءٍ تقيل يضغط على قلبه...

هو لم يكن يبكي بسبب كذبة والديه وجولييت عليه فقط،كان يفرغ ماتحمله لثمانية عشر عاماً من تنمر وسخرية منه،من كذبة جعله والده يعيشها،من عدم وجود أحد بجانبه..هو أراد البكاء هكذا منذُ زمن،ولكن لم يجد أحد يريد الاستماع لصوته المزعج وهو يبكي بهذا الشكل المثير للشفقة...هو فقط احتاج أحداً ما ليستند عليه طوال هذه السنوات..وفيولييت سمحت له بفعل ذلك..هو بقي يبكي لقرابة العشر دقائق وفيولييت تمسك له مظلتها "السحرية" بهدوء حتى لاتقاطع إفراغه لمشاعره..ليتوقف تدريجياً عن البكاء ويستنشق ماء أنفه الذي سال من شدة بكائه ..تنهد للمرة الأخيرة ليطرق بخفة على المظلة وترفعها فيولييت لتنظر له تمثل الصدمة


-الهي هل كنتَ هنا طوال الوقت؟!! لم أشعر بك..
ارتجف جسدها بخفة تمثل أنها مرعوبة ليبتسم روميو بخفة
-بالطبع لن تشعري بي..فلقد كنتُ أسفل مظلتك السحرية

شخرت فيولييت بخفة لتضرب على صدرها بخفة
-لا يوجد منها سوى نسخة واحدة هي نادرة جداً لذا استخدامها باهظٌ للغاية..أنت مدينٌ لي الآن فهمت!!

بقي روميو يبتسم وهو ينظر لها وشعر بتأنيب الضمير بسبب تبللها بالمطر بسببه الفتاة ترتجف حرفياً من البرد ولتوه لاحظ كيس البقالة الذي كانت تحمله وأياً ماكان بداخله هو متأكد بأنه تم إفساده بالكامل بسبب المطر
-هل تريد تناول الحساء ؟هنالك محلٌ هنا يقدم حساءاً لذيذاً ...إنه جيد بوقتٍ كهذا


أومئ روميو لها بخفة
-أجل..أظن أنني حقاً بحاجة له بوقتٍ كهذا

ابتسمت له فيولييت لتقف بجانبه وتضع الشمسية على كليهما ليضحك روميو بسخرية
-لقد تبللنا بالفعل لافائدة منها الآن

ابتسمت فيولييت ابتسامة شيطانية صدمت روميو وهي تغلق شمسيتها لتنطق بخبث
-إذاً لنركض ومن يصل آخراً سيدفع للحساء...إنطلق!!!

هي صرخت بآخر كلامها لتبدأ الركض ويلحقها روميو عندما استوعب كلامها ليصرخ
-هذا واللعنة غشٌ لعين!!!

ضحكت فيولييت بصخب وهي تركض أمام روميو ليضحك هو الآخر بسعادة ولايزال يحاول مجاراة سرعتها ولكن حتى لو سبقها هو لايعلم مكان المحل..وهو أيقن أن فيولييت حقاً ماكرة بخصوص المال ولكنها ألطف بكثير مما كان يعتقد

وشخصٌ ما...كان يقف بالزاوية يراقب كل ذلك بأعين متوسعة دامعة ومتألمة لما حصل أمامها للتو ..لتهمس بألم
-إذاً روميو وجد جولييت الخاصة به!!..هو لن ينظر لمزيفة مثلي بعد الآن


دخلت فيولييت محل الحساء وهي لاتزال تضحك بصخب على الغبي الذي كان يتعثر بخطواته ليدخل المحل أخيراً بعدها لتجلس على إحدى الطاولات ويجلس أمامها روميو
-الحساب عليك أيها الغبي

شهق روميو بدرامية
-هذا حقاً لئيم..أنا لا أحمل محفظتي

هزت فيولييت رأسها تتحسر على الذي أمامها
-تس تس لم أكن أظن أنك هذا النوع من الرجال الذي سيكذب بشأن محفظته ويجعل الفتاة هي من تدفع..يالك من رجل بخيل روميو


شهق روميو بدرامية أكبر وخصوصاً عندما استوعب أن فيولييت تظن انه رجلٌ بخيل وبالتأكيد هو لايريد تخريب صورته أمام الفتاة التي يحبها لينفي بيديه بقوة
-أنا حقاً لا أحملها!! اسمعي اجعليه ديناً حسناً؟سأدفع لكِ غداً

تنهدت فيولييت وهي تحمل قائمة الطعام وترفع حاجبها
-حسابك أصبح كبيراً..
نظرت لروميو وحاولت إخفاء ابتسامتها على منظره المرتعب
-ولكن حسناً طالما أنك سترده فلا بأس

ابتسم روميو بسعادة
-إذاً ما الحساء الذي سنتناوله؟!
وابتسامته تحولت لينظر لها برجاء
-اختاري شيئاً رخيصاً

نظرت له فيولييت بدونية
-تشه انتَ حقاً بخيل!!

وتلك الليلة التي ظننتُ أنها ستكون ليلة من الليالي المؤلمة التي سأعيشها بمفردي تحولت بالكامل ..لقد قضيت الوقت مع فيولييت بالضحك والعبث بداخل ذلك المطعم وكم أنا ممتن لأنها لم تسألني عن سبب بكائي وبدلاً من معرفة السبب هي نزعت ذلك الحزن من قلبي وحولته لسعادة مفرطة وها أنا على سريري أفكر بكل ذلك بابتسامة ..لقد كان اليوم جميلاً جداً برفقة فيولييت ولن أفكر بأي لعنة أخرى..أبداً...وأنا أدركت أمراً اليوم..المرء لا يجدر به أن يكون مثيراً للشفقة سوى أمام الشخص الذي يحبه،لأن أمامه فقط لن يشعر بالإحراج وأمامه فقط لن يشعر أن مثيرٌ للشفقة~
وما لايعلمه روميو أن فيولييت أيضاً شاركته استخدام المظلة السحرية عندما كانت تستمع لبكائه المؤلم للقلب..~




إعدادات القراءة


لون الخلفية