"ضحى" فتاة في السادسة والعشرين من عمرها، طالبة في السنة الأخيرة بكلية الآداب. منذ وفاة والدها قبل ست سنوات، تحمل شقيقها الأكبر عبء رعاية الأسرة بأكملها. كانت الأسرة مكونة من ضحى، ووالدتها، وشقيقها الأصغر، وشقيقها الأكبر الذي كان يعمل بجد لسد احتياجات الأسرة المالية. لكن بالرغم من كل جهوده، كان من الصعب تغطية جميع النفقات، فقررت ضحى المساعدة.
بدأت ضحى في البحث عن وظيفة لتساعد شقيقها في تحمل العبء، لكنها واجهت صعوبات كبيرة في العثور على عمل بسبب قلة خبرتها وعدم معرفتها باللغات الأجنبية أو الحاسب الآلي. بعد محاولات عديدة، وجدت إعلانًا عن وظيفة لا تتطلب مؤهلات خاصة. اتصلت برقم الهاتف المذكور وتوجهت إلى العنوان المحدد، حيث التقت بسيدة لطيفة عرضت عليها وظيفة خادمة منزلية.
قبلت ضحى العمل لأنها رأت أنه شريف ومناسب، وأفضل من طلب المساعدة من الآخرين. كانت تبدأ عملها في العاشرة صباحًا وتنتهي في التاسعة مساءً، تلبي احتياجات الأسرة الكبيرة من صغيرها إلى كبيرها، وتقوم بكل ما يُطلب منها بابتسامة لا تفارق وجهها. كانت صاحبة البيت تعاملها بلطف وتفتخر بها أمام صديقاتها، لكن زوجها كان على النقيض تمامًا.
كان زوج صاحبة البيت رجلاً عصبيًا، يتعمد إهانة ضحى أمام الضيوف ويسيء معاملتها بشكل مستمر. ورغم محاولات زوجته لتهدئته وتذكيره بأن ضحى طالبة جامعية تسعى لمساعدة أسرتها، إلا أنه لم يتوقف عن تصرفاته المهينة.
استمرت ضحى في العمل رغم كل الصعوبات، لكنها كانت تعاني في صمت، غير قادرة على مشاركة معاناتها مع أحد من أسرتها أو صديقاتها لأنها أخفت عنهم طبيعة عملها. كانت تعود إلى المنزل كل ليلة منهكة، لكنها تواصل العمل لأن أسرتها كانت بحاجة إلى دخلها. لكن الصبر له حدود، وجاء اليوم الذي لم تعد قادرة على التحمل.
في أحد الأيام، أثناء خدمتها للضيوف، ارتبكت ضحى وسقطت صينية المشروبات من يدها. كانت تعلم أن الإهانة قادمة، لكنها لم تكن تتوقع ما حدث. قام زوج صاحبة البيت وانهال عليها بصفعة قوية أمام الجميع، وكان على وشك تكرارها لولا تدخل أحد الضيوف الذي أوقفه وأعاد ضحى إلى المطبخ.
بعد تلك الصفعة، شعرت ضحى بأن كرامتها قد انتهكت بطريقة لا يمكن تجاوزها. دخلت المطبخ وخلعت مئزرها، وقررت أن تترك هذا العمل مهما كانت الظروف. جاءت صاحبة البيت واعتذرت لها عما حدث، لكنها كانت تعلم أن الأمر قد انتهى. ودعتها بحرارة، وأعطتها أجرها وزادت عليه منحة، لكنها لم تستطع إقناع ضحى بالبقاء.
عادت ضحى إلى منزلها وهي تحمل همًا كبيرًا، فقد فقدت مصدر رزقها الوحيد، وكانت تعلم أن الدراسة تتطلب مصاريف كثيرة. لكنها لم تستطع البقاء في مكان يُهان فيه كرامتها.
ضحى لم تكن الأولى ولن تكون الأخيرة التي تواجه مثل هذه الظروف. قصتها تسلط الضوء على قضية أكبر تتعلق بكيفية معاملة البشر لبعضهم البعض. أين ذهبت قيم التراحم والتكافل؟ لماذا يستمر البعض في معاملة الآخرين وكأنهم عبيد؟ الأسئلة كثيرة، لكن الإجابات تظل ضائعة في مجتمع لا يقدر العمل الشريف ولا يحترم آدمية الإنسان.
الصفعة التي تلقتها ضحى لم تكن مجرد إهانة لها، بل كانت صفعة في وجه الإنسانية بأسرها. تذكير مؤلم بأن القسوة والظلم لا يزالان قائمين، وأن بعض البشر فقدوا إنسانيتهم.
قصة ضحى هي نداء لكل من يملك سلطة أو نفوذًا للتفكر في كيفية معاملة الآخرين. نحن بحاجة إلى إعادة بناء قيم التراحم والاحترام في مجتمعنا. فالعمل الشريف مهما كان بسيطًا، يجب أن يُحترم. وكل إنسان يستحق أن يُعامل بكرامة. كما أن هناك دور كبير يجب أن تلعبه المؤسسات الدينية والمدنية في نشر الوعي بأهمية مساعدة المحتاجين واحترام حقوقهم.
نحن بحاجة إلى مجتمع يحترم الإنسان لكونه إنسانًا، بغض النظر عن عمله أو وضعه الاجتماعي. وفقط عندما نصل إلى هذا الفهم، يمكننا القول إننا نسير نحو مجتمع أكثر عدلاً ورحمة.