(اتق شر الحليم إذا غضب!!) تـلك حكمة رائعة عرفناها جميعاً بل وعايشناها في مواقف مختلفة من حياتنا ،ولكن ما بالك لو كان هذا الحــــــــليم زوجتك!! ما شعورك وقد كشرت لك فجأة عن ثورة غضب عارمة بعـــــد أن كانت تتحمل منك كل السلوكيات الغير معقولة وأحياناً الشاذة ؟! من هنا تبدأ قصة صاحبي ميسرة الذي كان طالباً مرموقاً في الجامعة لـــه شلة من الأصدقاء كان وسطهم الملك غيرالمتوج الذي يفـــــــــعل أي شىء ويتقبله الآخرون بصدر رحب، بمعنى أوضح كان (دون جوان) الجـامعة، الفتيات تذوب هياماً في حبه!! جائني ميسرة ذات يوم ذائغ البصر، تائه حيران قائلاً:
كانت لي من طالبات الكلية فتاة ارتبطت بها عاطفياً ونويت أن أخطــبها عقب إنتهاء الدراسة، ولكني فجأة لاحظت أن هناك فتاة أخرى بالكلية ترمقني دائماً بنظراتها الطويلة وتنتظر فرصة للتعرف بي ،وكنت لا أعيرها أي إهتمام حتـى جاء يوم وإستجمعت سلوى شجاعتها فجائت إلي بالحجة المألوفة وهـي إستعارة كشكول أحد المواد لنقل بعض المحاضرات منـــــــــه فأعطيتـــــــــها الكشكول بغير أن أترك لها فرصة للكلام معي وفي اليوم التـالي أعادت لي الكشكول وبداخله رسالة تبوح فيها بما تحمله لي من حب كبير!
وكان المفروض علـي أن أصارحها بمنتهى النخوة والرجولة اننـي مرتبط بإنسانة أخرى غيرها، لكني يا أخي كنت إنساناً مغـــروراً فقابلت هذه المشاعر الجميلة بالسخرية والإستهزاء بها وسط شلتي وقـــــرأت عليهم جميعاً رسالتها على مسمع كل الزملاء وتبادلنا التعليقات الجارحــــــة حولها ثم قمت بتصوير رسالتها وأعطيت نسخاً منــها لأصدقائي يتسلون بها ، بل قام بعضهم ـ سامحهم الله ـ بلصق الرسالة على أحـــــــد أقسام الكلية!
وكانت طبعاً فضيحة كبرى للفتاة المسكينة سلوى قابلتها بالإمتناع عـــــن الحضور للكلية لمدة شهر كامل! حتى انني نسيتها خلال تلك الفترة تمـــــــاماً ولم أتذكرها إل احين جائت لأول مرة بعد الغياب وتلاقت عيوننا فإذا بــها تنظر إلي نظرة حزينة كلها ألم وعتاب! وجاء موعد إمتحانات آخر العام فإنشغلنا جميعاً بالإمتحان وظهـــــرت النتيجة فكنت من الناجحين وأمضيت أيـام الصيف متنقلاً بين القاهـــــــــرة والأسكندرية وقد نسيت تماماً مــا جرى خلال العام الدراسي، حتى جائت لحظة الألم الرهيب أو (إنتقام السماء) وتعرضت لحـــــــادث بشع ووجدت نفسي تحت حطام سيارة بين القاهرة والأسكندرية، كانت الحـــادثة مروعة تحدثت عنها الصحف الوطنية طويلاً!!
وغبت عن الوعي أياماً ثم أفقت لأجد نفسي ملفوفاً في الجبس الأبيض مـــن رأسي إلى قدمي في المستشفى، يا إلهي ماذا حدث؟!
لا أتــذكر أي شىء ومرت علي أياماً وشهور وأنا في هذا الوضع ثم بدأت بعـد ذلك تدريبات العلاج الطبيعي على المشي وخرجت من المستشفى محــمولاً على كرسي متحرك ومضيت فترة نقاهة طويلة في البيت
في البــداية إلتف حولي أصدقاء الشلة في الجامعة وكانوا يزورونني بإستمــرار ثم إنقطعت زياراتهم تدريجياً ولم يتبق منهم إلا صديق واحـــد كان أقربهم دائماً إلى قلبي، وبدأ العام الدراسي الجديد وقررت الذهاب إلــــى الكلية واشتريت سيارة صغيرة مجهزة للمعوقين ووضعت داخـــلها كرسيـــــاً متحركاً ،وبدأت أذهب إلى الجامعة فيساعدني البواب في النزول إلــــى السيارة ثم أقودها إلى الكلية فأجد صديقي الوحيد في إنتظاري فيساعدني على الجلوس في الكرسي المتحرك وأدخل إلــى الكلية واتحرك داخلها، وكم كانت تمزقني نظرات الإشفاق مـــن زملائي خاصة موقف فتاتي التي أحببتها كثيراً فقد إبتعدت عني نهائياً وبدأت تتهرب مني فواجهتها فبدأت تتحدث عن الظروف والأمور التي إستجدت في حياتي فكانت كلماتها طعنات حادة في قلبي !
وواصلت الذهاب إلى الكلية كــل يوم واتصرف مع الجميع بطريقة طبيعية وبذلت جهداً مضاعفاً في الدراسة وحدث ذات يوم أن ذهبت إلى الكلية فلم أجـــــــد زميــلي المخلص الذي يساعدني فوقعت في حيرة كبيرة وظللت جالساً داخـل السيارة نصف ساعة وأنا في غاية الضيق ،ثم فجأة سمعت صوتً رقيقاً يقول لي: صباح الخير فإلتفت إلى مصدر الصوت فإذا بها زميلة سلـــوى التي سخرت منها وشهّرت بها ووزعت صور خطابها على أصدقائي!!
كان الموقف رهيب يا أخي!! أمعقول هذا ! أنت بالذات يا سلوى التـي تقرر أن تقف بجانبي في محنتي !! نظرت سلوى إلي بلا لوم ولا عتاب وقالت لـي إعطني مفتاح شنطة السيارة ،ثم تأخذ المفتاح وتحمـــل الكرسي المتحرك وتقربه منـي وتساعدني في الجلوس عليه وتدفعني أمــــامها إلى داخل قاعـــة المحاضرات في الكلية ، والله يا صاحبي لــم تسعفني الكلمات فلم أنطق بكلمة واحدة لكني حين جلست في قاعة المحاضرات إنتابتني نوبــة بكاء ولم أستطع البقاء واستأذنت الأستاذ في الإنصراف ،فــــإذا بسلوى تنهض هي الأخرى لمساعدتي للوصول إلى سيارتي ، عدت يومها إلـــى البيت وحالتي النفسية سيئة للغاية ولم أذق النــــوم ليلتها وكلما غفت عيناي قفزت إلى مخليتي صورتي وأنا أسخر منها وأوزّع صور خطابها على الزملاء، ثم صورتها وهي تدفعنى أمامـــها فأهب من نومي فزعاً!!
وتمضي الأيام وتطلب مني سلوى أن أنسى ما حــدث فيما مضى وألا أعّذب نفسي بالشعور بالذنب اتجاهها، بل وساعدتني كثيراً في تــدوين المحاضرات واستذكار دروسي ونجحنا معاً وتزوجنا وعملت هــي بإحدى الشركات، أما أنا فقد فتحت مكتباً خاصاً في بيتي بسبب ظـــروفي فكانت تذهب سلوى إلى عملها ثم تعود لرعايتي وتدبير شئون المـــــــــنزل، ومضت حياتنا هادئة سعيدة ثماني سنوات كاملة حتى جاء يوم لعب إبــــــليس اللعين بعقلي وصوّر لي أن أتصل بالتليفون بفتاتي السابقة التي خانت عـهدي لأوبخها على تصرّفها معي, فما أن كلمّتها حتى بكت نــادمة وعللت مابدر منها بأنها كانت صغيرة السن وقتها لا تحسن تقدير الأمور!
ووجدت نفسي أصّدقها وأنساق وأحدّثها كل يوم في التليفون بـــعد خروج زوجتي سلوى ،ومضت أسابيع علــى ذلك ثم علمت زوجتي بما يجرى فلم تنفعل ولم تثر فضيحة وإنما تصرفت في هدوء تـام وغادرت البيت وعادت إلى بيت أسرتها بغير أن تذكر لأحد شيئاً !
بـل وواظبت على تدبير شئون عملي الخاص الذي كنت أديره مـــــــن المنزل لظروفي الخاصة وفشلت كل محاولاتي للإعتذار لها وإستعادتها وأرسلت أخـــيراً تطلب الطلاق وفشلت كل وساطاتي لإقناعها بالعدول عن طلبها، ونقول لميسرة هناك بعض الناس يعتقدون خطأ أن مهمة الآخرين في الحياة هي العطاء لهم دائماً بــــلا حدود بغير أن يلتزموا بمقابلة ذلك بعطاء مماثل ، وكنت أنت في علاقتك مـــع زوجتك العظيمة سلوى من هؤلاء البعض فيما يبدو !! كلنا يعرف أن غضب الحليم قاس وصعب ،فما بالك عندما تتحمل منك زوجتك كل هذه الزلاّت ثم ينوء كاهلها فجأة عن تحمّل المزيد مـن زلاتك هذا هو رد الفعل الطبيعي والمتوقع ،فماذا كنت تنتظر منها بعد كل ما قدمته لك من تضحيات؟! ثم تفاجئها بغدرك وخيانتك!!
لقد تصرفت معك زوجتك بأسلوب الزوجــة العاقلة وقــــررت الإنسحاب في هدوء من حياتك إلى أن تطيب جراحها، ولقـــــــد تصورت أنت واهماً إنها سوف تعود إليك كما كانت تعود إليك سابقاً في الكـلية وفي عينيها نظرة عتاب! لا يا صديقي لقد غاب عنك أن الأمـــر يختلف هذه المرة ،فهي في الماضي لم تكن لها حقوق عليك إلا حقوق الزمالة، أمــــــــــــا الآن فإن لها عليك حقوق الزوجـة التي قدمت لك الكثير طوال السنوات الماضية في حين لم تقدم لها أنت سوى الغدر والخيانة! ألم أقل لك منذ البداية اتق شر الزوجة إذا غضبت!