الخوجاية: دروب الحب والحزن

البكاء لا يعيد الراحلين، ولكنه يريح القلوب الحزينة، وتظل هذه الحقيقة مؤلمة عندما نواجه فقدان الأحبة. حسني شاب مصري في مقتبل العمر، نشأ في عائلة متواضعة ولكنه حمل في قلبه أحلامًا كبيرة. خلال سنوات دراسته الجامعية، تعرف على سلمى، الفتاة السورية الجميلة التي كانت تعيش مع عائلتها في مصر. نشأت بينهما علاقة حب قوية، كانا يعرفان أن طريقهما لن يكون سهلًا، إذ كانت كل من أسرتيهما تفضل لهما الزواج من أبناء وطنهما، لكنهما أصرّا على أن يكونا معًا.

استغرق الأمر شهورًا من المحاولات لإقناع عائلتيهما، وخلال تلك الفترة واجهوا الامتحانات الجامعية ونجحوا معًا. أخيرًا، دعت سلمى حسني إلى بيت عائلتها لتقديمه إلى والدها، وهو تاجر بسيط ولكنه محترم. عندما التقيا، تحدث الأب مع حسني وسأله عن حياته وخططه المستقبلية. وعند مغادرة حسني، فاجأه والد سلمى بدعوته لتناول العشاء مع العائلة. كانت تلك الدعوة بمثابة الموافقة على الزواج.

عاد حسني إلى منزله سعيدًا، وأخبر والديه بالأمر. في اليوم التالي، اصطحب والدته ووالده إلى بيت سلمى للتعارف وقراءة الفاتحة. عندما دخلت سلمى الصالون ببشرتها العاجية وعيونها الخضراء، لم تستطع أم حسني أن تحبس دهشتها، وصرخت قائلة: "تبارك الخلاق فيما خلق". تمت الخطوبة، وسرعان ما أقيم الزفاف في حفل عائلي صغير.

بدأ حسني وسلمى حياتهما معًا في شقة متواضعة، ومع مرور الأيام، اكتشف حسني في زوجته صفات رائعة كثيرة. كانت سلمى فنانة في الطهي، ومتفانية في رعاية زوجها. لم يمض وقت طويل حتى حملت سلمى، وولدت طفلة صغيرة تشبهها كثيرًا، بعيونها الخضراء وشعرها الذهبي. أسمتها العائلة "الخوجاية" لجمالها الأوروبي اللافت للنظر.

عاشت الأسرة خمس سنوات من السعادة، وكانت الطفلة سوزان محور حياتهم. لكن الحياة لم تظل هادئة. في يوم من الأيام، تلقى حسني وزوجته خطابًا من الهيئة التي يعملان بها، يعلنهما بفصلهما من العمل في غضون ثلاثة أشهر. كانت الصدمة قاسية، ولكن سلمى تماسكت وشجعت زوجها على الاستمرار في البحث عن عمل.

اشترى حسني سيارة مستعملة وعمل عليها كسائق، وبدأ يكسب رزقًا معقولًا. في الوقت نفسه، استمر والده في محاولة إيجاد فرصة عمل لابنه في الخارج، وبالفعل حصل على فرصة للعمل في الإمارات بمساعدة أحد زملاء والده. سافر حسني وبدأ حياة جديدة هناك، وعندما استقرت أحواله، أرسل لاستدعاء سلمى وابنته سوزان.

في يوم وصول الطائرة، ذهب حسني مبكرًا إلى المطار ليستقبل زوجته وابنته. لكنه لاحظ أن سلمى كانت وحدها تدفع عربة يد، ولم يرَ ابنته. عندما سألها أين سوزان، لم تستطع الرد فورًا. وأخيرًا، قالت له بصوت مكسور: "اللي خدها من قدامك... ياخد حبها من قلبك." أدرك حسني حينها أن ابنته قد فارقت الحياة.

كانت الصدمة قاسية للغاية. علم من سلمى أن ابنتهما سوزان مرضت فجأة، ولم يتمكن الأطباء من إنقاذها. اختارت سلمى ألا تخبره بوفاتها في حينه، لتجنيبه أسبوعًا من الألم.

خيّم الحزن على حياة الزوجين، وكان عليهما أن يتعلما كيف يواجهان فقدان ابنتهما الحبيبة. ورغم كل شيء، لم يكن أمامهما سوى المضي قدمًا في الحياة. فالأعزاء الراحلون يبقون في قلوبنا، حتى وإن اختفت صورتهم من الحياة. الزمن كفيل بمداواة الجراح، والإيمان هو السلاح الأقوى في مواجهة المحن والابتلاءات.



إعدادات القراءة


لون الخلفية