"تقية" فتاة ملتزمة مؤمنة حافظة لكتاب الله عزوجل، لا أعرفها، ولكن يكفيها فخراً أن الله تعالى يعرفها، اختارت طريق الإيمان والتزمت حفظ القرآن،
التقت بثلة من الفتيات المؤمنات وسمّوا أنفسهن (فراشات الحياة) يتواصلن بالاتصالات الهاتفية والرسائل القصيرة ويتبادلن الزيارات وحديثهن ملؤه الطاعة والإيمان ومحبة المولى الرحمن، بل ويتفاعلن مع وسائل الإعلام الهادف بالنافع والمفيد، وتحديداً عبر أثير (حياة إف أم) ومن خلال (صوت حياة) و(حديث المساء) والبرامج الأخرى.
انتظرت "الصابرة" -إحدى عضوات فراشات الحياة- كثيراً اليوم الذي ستزورها فيه أختها "تقية" -العضو الأبرز في الفريق- وأعدت لها ما يصلح لاستقبال أختها في الله، وهيّأت المكان والزاد، وأخذت تنتظر فالموعد بعد حلقة الدرس في مركز القرآن، ركبت "تقية" سيارة الأجرة وسارت في طريقها إلى مركز القرآن،
شابة في ريعان شبابها تمتلئ إيماناً وحيوية وتكتنز خيراً وأفضلية بما تحمله في جوفها من القرآن.
بيد أن قدر الله ماضٍ لا محالة، وحكمة الله نافدة، يسير سائق سيارة الأجرة ويحدث ما لم يكن على البال فيتعرض لحادث مروري كبير، ويصاب هو ومن معه على الغالب، تنقل "تقية" على الفور محمّلة إلى المستشفى، والحالة حرجة!
"الصابرة" ما تزال تهيئ المكان وهي لا تدري بالذي كان، وتنتظر بفارغ الصبر قدوم "تقية" التي تحب، فهي أختها في الله، وقدوتها في الفريق، صاحبة فضل وأسبقية بالخير، وناصحة راعية للحق، توجّه وتنير الطريق لأخواتها الفراشات! كيف لا؟ وهي "الفراشة الأم" هكذا لقبها الذي تعرف به بين اخواتها.
مضت الساعات ولم تأت، فحملت "الصابرة" هاتفها مستفسرة عن صديقتها ولكن لا أحد يجيب! كررت المحاولة، ولكن دون جدوى! ازدادت الشكوك وخيّمت الوساوس، ولا وسيلة للاطمئنان، قطعت "الصابرة" الأمل بقدوم صديقتها، فالوقت قد تأخر،
ولكنها أحسنت الظن والتمست لها العذر وسألت الله تعالى أن يكون المانع خيراً.
أشرقت شمس اليوم التالي وشمس "تقية" لا شعاع لها، هذه ليست عادتها - هكذا حدّثت "الصابرة نفسها"-
اتصلت بأخواتها مستفسرة عنها فسار القلق بينهن حيث لا جواب، شرعن بإرسال الرسائل الخلوية القصيرة والاتصال بها بوسائل كثيرة، ولكن دون جدوى، حيث ساد الليل وغابت الشمس و"الفراشة الأم" لا خبر عنها ولا أحد يدري ما حلّ بها.
في صبيحة اليوم التالي وبعد إلحاح في السؤال؛ رنّ هاتف "الصابرة" معطياً إشارة رسالة قصيرة من أختها "الفراشة الأم"
: لا تقلقي، أنا بخير؛ إنفلونزا حادة ألزمتني الفراش؟ -وكأنها تريد تخفيف وقع الحادث عليهن-، ترد "الصابرة": شافاك الله وعافاك،
نريد أن نتحدث إليك؟، تجيب برسالة اخرى: عذراً لا أستطيع التحدث عبر الهاتف فلا صوت لي، الإنفلونزا حادة، أرجو الدعاء.
وتتواصل الرسائل، وكذلك ردود التطمين وطلب الدعاء، نريد أن نزورك! تعتذر لهن، لا مجال لزيارتي، لا أريد أن أتعبكن معي، لم تَخْفِ "تقية" انزعاجها لذلك، ولكن حاولت إيجاد عذر لأختها، فقد تعلمت أن تبحث عن العذر لمن تحب في الله حتى ولو لم تجد له عذراً،
واستمرت الحال لأكثر من أسبوعين، مريض الإنفلونزا يمرض يوماً ويومين بل حتى أسبوعاً وأسبوعين، ولكن أن يتجاوز الأمر ذلك؟
إنّ في الأمر إنّ!! تسأل الأخوات ويتحرّين أكثر وأكثر، فيكتشفن الحقيقة الصادمة، وتصعقهن المفاجئة: أختهن "تقية" (الفراشة الأم) كما يحلو لهن تسميتها، تعرضت لحادث كبير! بل والأدهى من ذلك أنّ الضربة على رأسها أفقدتها ذاكرتها؟! لا تركيز، لا ذاكرة كل شيء فقد...
لم تعد تعرف أحداً: لا فراشات ولا صابرة ولا غيرها، مسكينة يا "تقية" شافاك الله، أجهشت الفراشات بالبكاء، وانفردت كل واحدة بالدعاء، وقلوبهن تتفطر على أختهن.
ولكن من يا ترى كان يكتب الرسائل؟ سؤال مشروع، كيف لها أن تكتب وقد فقدت ذاكرتها؟ إنّ أهلها وبدافع الخوف الأسري على البنت وإحاطة ما يجري لها بالسرية، كانوا يقومون بالرد على الرسائل، وإيهام الآخرين أن أمورها بخير، أملاً بمنحها فترة راحة، ومن ثم لحساسية الأمر، وقد تفهمت الأخوات الظرف والتمسن لهم العذر.
تعلم الأخوات ارتباط "تقية" بالقرآن الكريم، تلاوة وحفظاً وتدبراً، فماذا عن القرآن وقد فقدت ذاكرتها، إنها علامة إيمان وآية وبرهان ، نسيت "تقية" كل شيء، لم تعد تعرف أحدا سوى اسمها وعمرها وقرآنها، نعم ما تزال حافظة لكتاب الله تعالى، وما تزال تحسن الكتابة،
لا تملك القدرة على الحديث ولكنها تكتب القرآن وتجيب عن الآية التي تسأل عنها! لله درك يا "تقية" وما أعجب قدر الله بك، ولكن هو ابتلاء المؤمن، وإن أمره كله خير، وحكمة الله سارية وستظهر ولو بعد حين.
هذه قصة واقعية مع احتفاظي بخصوصية الأسماء، وأكتبها وأهل "تقية" قد رحلوا بها إلى مكة المكرمة، يسألون الله تعالى لها الشفاء ويسقونها من زمزم، نسأل الله لها الشفاء، وما ذلك على الله بعزيز، إلى حين ذلك وما بعده. أسأل الله لها ولأهلها ولأمثالها الصبر والسلوان، وأن يختار لها الخير، ويجعل هذا الابتلاء كفارة للخطايا ورفعة في الدرجات.