في يوم من الأيام، وبينما كانت الطبيبة النفسية تستقبل مرضاها في عيادتها الخاصة، دخلت سيدة صغيرة في السن تبدو عليها علامات الحزن والقلق. استقبلتها الطبيبة بحفاوة وأدخلتها إلى غرفة الكشف لتستمع إلى قصتها. بدأت السيدة بالتحدث عن مشكلتها التي تمس قلب كل أم، إذ كانت تعاني من تداعيات طلاقها على طفلتها الصغيرة.
التغييرات السلوكية: بعد الطلاق، لاحظت الأم أن طفلتها بدأت تظهر عليها بعض العلامات الغريبة. صارت الطفلة كثيرة الشرود والسرحان، وانخفضت درجاتها الدراسية بشكل كبير. لكن الأكثر إيلاماً للأم كان عندما بدأت الطفلة تسألها: "من أمي الحقيقية؟ هل أنت أمي فعلاً؟" هذه الأسئلة كانت تلاحق الأم، وجعلتها تشعر بشيء غير طبيعي يحدث في حياة ابنتها.
الأمر لم يتوقف عند ذلك، فقد توقفت الطفلة عن قول كلمة "أمي" تماماً. لم تعد تقبل أمها قبل النوم، ولم تعد تطلب منها شيئاً. بدأت الطفلة تعاني من اضطرابات اجتماعية ونفسية، فابتعدت عن أصدقائها وأصبحت عنيفة مع ألعابها. لم تعد الأم قادرة على السيطرة عليها، فقررت اللجوء إلى الطبيبة النفسية.
الطلاق وتأثيره: استفسرت الطبيبة عن ظروف الطلاق، فروت الأم أنها طلبت الطلاق بسبب تعرضها للعنف من قبل زوجها أمام الطفلة. كان الزوج يضربها ويهينها، ولذلك فضلت الانفصال لحماية نفسها وابنتها. بعد سماع القصة، طلبت الطبيبة من الأم إحضار الطفلة للتحدث معها ومحاولة فهم ما يحدث في عقلها الصغير.
الحوار مع الطفلة: بعد يومين، جاءت الأم بطفلتها إلى العيادة. حاولت الطبيبة أن تكسب ثقة الطفلة من خلال الحديث عن مواضيع مختلفة. في البداية، كانت الطفلة حذرة وخائفة، لكن مع مرور الوقت بدأت تتحدث براحة أكثر. عندما سألتها الطبيبة عن حياتها مع والدها في الإجازات الأسبوعية، أجابت الطفلة بتلقائية مفاجئة: "أنا أجلس مع ماما سعاد... هي أمي الحقيقية التي ولدتني وتحبني."
صدمة الأم: كانت هذه الكلمات بمثابة صدمة للأم، التي بدأت تبكي بحرقة. اتضح أن والد الطفلة كان يحاول تشويه صورة أمها في عينيها، ويجبرها على الاعتقاد بأن زوجته الجديدة هي أمها الحقيقية. كان يعاقب الطفلة بقسوة إذا لم تنادِ زوجته بـ "ماما سعاد"، مما أدى إلى تدهور حالتها النفسية والدراسية.
الحديث مع الأب: قررت الطبيبة التحدث مع الأب لمحاولة فهم دوافعه. في البداية، رفض الأب التواصل معها، لكنه استجاب بعد إلحاح من الأم والطبيبة. خلال الحديث، أوضح الأب أن طليقته "لا تحب طفلتها" لأنها طلبت الطلاق منه. كان يرى أن الطفلة تحتاج إلى "أم أفضل"، لذلك حاول إجبارها على اعتبار زوجته الجديدة كأمها الحقيقية.
الخاتمة: في نهاية القصة، أدركت الطبيبة أن الأب كان يحاول الانتقام من طليقته بسبب جرح كبريائه من الطلاق، ولكن الضحية الوحيدة في هذه الصراعات كانت الطفلة البريئة. تساءلت الطبيبة: "ما هو الذنب الذي اقترفته الطفلة حتى تُستغل في تصفية الحسابات بين والديها؟"
وجهت الطبيبة رسالة إلى كل الآباء والأمهات، داعية إياهم إلى تقوى الله في أبنائهم، وعدم استغلالهم كأدوات للانتقام. الأطفال هم نعمة من الله، ويجب على الوالدين أن يحرصوا على تربيتهم تربية صالحة، بعيداً عن الصراعات والخلافات.