سكينة: قصة كفاح وصبر

في وقت من الأوقات، عندما كانت شاشات التلفاز تعرض أعمالًا درامية تحمل في طياتها معانٍ إنسانية عميقة، كان مسلسل "أوشين" الياباني واحدًا من تلك الأعمال التي أثرت في ملايين المشاهدين حول العالم. كان هذا المسلسل يجسد قصة فتاة يابانية كافحت بشجاعة ضد الفقر والظروف القاسية، ولم تستسلم أبدًا. تلك القصة العظيمة لم تترك أثرًا في النفوس فقط، بل كانت أيضًا مصدر إلهام لكثيرين، ومن بينهم فتاة عربية تُدعى "سكينة"، التي سأروي لكم قصتها اليوم.


الفصل الأول: بداية الكفاح

سكينة، أو كما أحب أن أطلق عليها "أوشين العربية"، نشأت في أسرة متحابة تتكون من أب وأم وسبعة أبناء. كانت سكينة هي الأصغر بين إخوتها، وقد نشأت في بيئة تعودت فيها على تحمل المسؤولية منذ نعومة أظفارها. بالرغم من الظروف الصعبة التي مرت بها الأسرة، تمكن جميع الأبناء من إكمال تعليمهم الجامعي والزواج، وبقيت سكينة وحيدة مع والديها.

مرت سكينة بمواقف كثيرة كانت تدل على قوتها الداخلية وإيمانها الراسخ. ذات يوم، تقدم لها شاب من معارف العائلة للزواج، لكن والدته رفضتها بعنف وجفاء. كان رفضًا مؤلمًا لسكينة، لكنها تقبلته بصبر ودعت الله أن يثأر لها من ذلك الرجل الذي جرح مشاعرها. لم يمضِ وقت طويل حتى تعرض الرجل لمحنة قاسية أودت بحياته، وشعرت سكينة بتأنيب الضمير، وقررت منذ ذلك اليوم ألا تدعو على أحد مهما كان الظلم الذي تعرضت له.


الفصل الثاني: الصبر والمثابرة

مرت السنوات، وتقدم العديد من الخطاب لسكينة، لكنها لم تجد بينهم من يناسبها. في أحد الأيام، تقدم شاب من أقاربها لخطبتها، لكنه رفضها في النهاية بحجة أن شخصيتها قوية ومحبوبة وذكية، وهي صفات لم يستطع قبولها. كان ذلك الرفض الثاني درسًا آخر في الصبر لسكينة. لكنها لم تستسلم لليأس، بل قررت أن تطور نفسها فتعلمت الحرف اليدوية والفنون المختلفة، وحصلت على دورات في التعامل مع المعاقين ذهنياً والصم والبكم، وبدأت تخطط للهجرة إلى أستراليا بحثًا عن حياة جديدة.


الفصل الثالث: لقاء القدر

وفي أحد الأيام، كانت سكينة تتنزه على كورنيش النيل، عندما رأت طفلًا يغرق في الماء. دون تفكير، اندفعت لإنقاذه ونجحت في ذلك. بعد أن عادت إلى المنزل مبتلة، فوجئت بطبيب شاب يُدعى جابر يطرق بابها. أخبرهم أنه شاهدها وهي تنقذ الطفل وأُعجب بشهامتها ورغبتها في مساعدة الآخرين. أراد التقدم لخطبتها. لكن سكينة كانت على وشك الهجرة إلى أستراليا، فرفضت العرض.


الفصل الرابع: العودة للحياة

بعد فترة، تأجل سفر سكينة بسبب مرض والدتها، وفوجئت باتصالات متكررة من جابر يسأل عن سبب رفضها. بدأ جابر يتعرف على قصة حياتها والمواقف الصعبة التي مرت بها، وازداد إصراره على الزواج منها. مع مرور الوقت، بدأت سكينة تفكر في الأمر، ورأت في جابر شابًا مهذبًا ومحبًا يشبهها في التفكير. وافقت على الزواج منه، وتم الزفاف سريعًا، ليبدأ فصل جديد من حياتها.


الفصل الخامس: الشراكة في النجاح

بعد الزواج، ساعدت سكينة جابر في تأسيس عيادته، حتى أنها خصصت جزءًا من شقة الزوجية لتكون عيادة له. عملت معه كممرضة لتوفير تكاليف العاملين، وكانت تدير شؤون المنزل وتعتني بزوجها. لم تتوقف عند ذلك، بل كانت تدعم جابر في مواصلة دراسته للحصول على مؤهلات أعلى. مع مرور الوقت، أنجبت سكينة طفلين وأصبح زوجها من الأطباء الناجحين.

اشترى جابر شقة جديدة وسط البلد لتكون عيادته الخاصة، وامتلكوا سيارة حديثة وقطعة أرض صغيرة. ورغم كل النجاحات، لم تنسَ سكينة ما مرت به من صعوبات. وعندما علمت أن الشاب الذي رفضها لم يوفق في حياته، لم تشعر بالشماتة، بل ازدادت يقينًا بأن الله يختار لها الأفضل دائمًا.


الخاتمة: السعادة الحقيقية

سكينة ليست فقط نموذجًا للشابة المكافحة، بل هي أيضًا درس في الصبر والإيمان. لقد واجهت الحياة بإرادة حديدية، ولم تسمح للصعوبات بأن تكسرها. تعلمت أن السعادة الحقيقية لا تأتي إلا من الرضا والاطمئنان بقضاء الله. لقد كانت "أوشين" العربية بحق، نموذجًا يحتذى به، ليس فقط في المثابرة، ولكن في مواجهة الحياة بكل ما تحمل من تحديات.

كم نحن بحاجة إلى مثل هذه النماذج في مجتمعاتنا، لكي نتعلم منها أن الصبر والتفاؤل هما مفتاحا النجاح.



إعدادات القراءة


لون الخلفية