عودة الحق

في يوم من الأيام، جلس عبدالرحيم يتأمل في ماضيه، مستعرضًا سنوات من النجاحات المهنية، والثراء، والرفاهية التي عاشها. كان عبدالرحيم قد نشأ في أسرة كريمة وكان أبوه ثريًا يدير أعمالًا كبيرة. كان عبدالرحيم هو الابن الوحيد بين شقيقاته البنات، ولما كان صغير السن نصحه المحاسب بأن ينشئ شركة صورية باسمه واسم كبرى شقيقاته لتقليل الضرائب. كانت هذه الشركة مجرد حيلة قانونية في ذلك الوقت، لكن بعد وفاة والده، أصبحت هذه الحيلة عبئًا أخلاقيًا على عبدالرحيم.

ورث عبدالرحيم إدارة أعمال أبيه، لكنه لم يكن ناضجًا كفاية لتحمل هذه المسؤولية الكبيرة. عندما تقدمت شقيقاته بطلب قانوني للحماية من قراراته غير المدروسة، عيّن القاضي حارسًا قضائيًا لإدارة الشركة حتى بلوغ عبدالرحيم السن القانونية. وبعد أن بلغ السن القانونية، استعاد عبدالرحيم السيطرة على الشركة، لكن كان قلبه مثقلًا بالمرارة تجاه شقيقاته. بدأ يماطل في توزيع الأرباح وحقوقهن، متحججًا بمختلف الأعذار، واستمر في تأجيل توزيع الإرث الذي تركته والدته بعد وفاتها.

مضت السنوات، وعبدالرحيم يعيش حياة مرفهة مع أسرته بينما شقيقاته يعشن حياة صعبة. كان يعلم في قرارة نفسه أنه يظلمهن، لكنه لم يتوقف حتى أصيب بنوبة قلبية مفاجئة كادت تودي بحياته. كان ذلك الحادث بمثابة جرس إنذار أيقظ قلبه وأعاد له وعيه. شعر لأول مرة بأنه أمام خطر كبير ليس فقط على صحته، ولكن على روحه أيضًا. شعر بالخوف من مواجهة الله وهو في هذه الحالة من الظلم والأنانية.

قرر عبدالرحيم أن يتوب عن ظلمه ويصحح خطأه. بعد أن أتم مناسك العمرة، عاد إلى بلده وعزم على رد الحقوق إلى أصحابها. جمع شقيقاته وأعطاهن حقوقهن كاملة، وكانت الدهشة ترتسم على وجوههن، حيث لم يصدقن ما يجري أمامهن. شعر عبدالرحيم براحة نفسية عميقة ورضا داخلي لم يشعر به من قبل. أدرك أن أمواله قد طهرت من شبهة الحرام وأنه قد صالح نفسه وأهله، وحافظ على صلة الرحم التي كادت أن تتقطع.

وبينما كان يتأمل في ما فعله، تذكر قول النبي صلى الله عليه وسلم: "من لا يَرحم لا يُرحم". أدرك عبدالرحيم أن الحياء الذي منع شقيقاته من المطالبة بحقوقهن كان حياءً مؤلمًا، لكنه أيضًا كان تذكيرًا له بواجباته نحوهن. لقد تعلم أن ما يُؤخذ بالحياء لا يدوم، وأن الظلم لن يجلب له سوى الندم.

كانت هذه القصة درسًا لعبدالرحيم ولكل من يسمعها، بأن التوبة الصادقة وإعادة الحقوق لأصحابها قبل فوات الأوان هي السبيل الوحيد لحياة مرضية في الدنيا والآخرة.



إعدادات القراءة


لون الخلفية