‎⁨الجرادة و العصفور حكاية شعبية تونسية⁩

مرحباً بكم في عالم القصص الخيالية والمثيرة التي تقدمها "نوفباد: مكتبة القصص العالمية". في هذا العالم، نتناول قصصًا تحمل في طياتها دروسًا قيمة وأحداثًا مشوقة تجعل من كل لحظة رحلة لا تُنسى. اليوم، نقدم لكم قصة "الجرادة والعصفور: مغامرة في عالم العرافين"، وهي واحدة من القصص الشعبية التونسية التي أسرت القلوب على مر العصور. تعود بنا هذه القصة إلى زمن بعيد حيث يلتقي البسطاء مع الأقدار الغامضة في رحلة مليئة بالتحديات والدهاء. انضموا إلينا لاكتشاف كيف تحول رجل فقير وزوجته إلى أبطال في مواجهة أقوى العرافين وأخطر العصابات.

القصة

انتهيت من سقاية نباتات جدتي في فناء البيت، وكنت على وشك المغادرة عندما لفت نظري نتوء غريب على إحدى وريقات نبتة الحبق. اقتربت منها لأتفحص الأمر، فإذا بي أكتشف جرادة صغيرة لامعة الأخضرار، كأنها لتوها فقست من بيضتها. بدت علامات الدهشة على وجهي، مما أثار انتباه الجميع حولي. تقدمت جدتي وأمسكت بالجرادة بين أصابعها، ثم لوحت بها للأطفال الصغار قائلة: "ها هي ذي زوجة العصفور!"، فصاح جميعهم بصوت واحد: "أعيدي حكايتها لنا يا جدتي!" 


كان في سالف العصر والزمان، وفي مدينة من مدن ذلك الزمان، يعيش رجل فقير يُلقب بـ"العصفور". كان يقطن مع زوجته الملقبة بـ"الجرادة" في كوخ صغير في ضواحي المدينة. كانت الجرادة مستاءة للغاية من كون زوجها عاطلاً عن العمل، فكانت تقوم بترقيع الملابس لتحصل على بعض المال.

وفي أحد الأيام، خرجت الجرادة إلى السوق ثم عادت ساخطة على حال زوجها، وواجهته قائلة: "ما هذا الكسل يا عصفور؟ اذهب وابحث عن عمل، فلو كنت عاملاً لما احتجت أنا إلى ترقيع ملابس الآخرين". فقال لها العصفور بتململ: "وكيف؟ في هذه الظروف الصعبة؟"، فردت عليه الجرادة: "الأمر سهل جداً، فقد مررت وأنا سائرة في السوق برجال يرتزقون بطريقة أسهل مما تتصور."


أشارت الجرادة على زوجها أن يأخذ كيساً مليئاً بالرمل، ويضعه أمامه ويبدأ بفركه بيديه، فسيجذب الناس حوله ليتعلموا من المستقبل ويروا حظهم. أعجب العصفور بالفكرة وقرر أن يجربها. أخذ كيس الرمل كما أشارت زوجته واتجه إلى السوق، وبدأ يفرك الرمل وينتظر أن يتجمع الناس حوله.

بدأ الناس يتجمعون حول العصفور، واحداً تلو الآخر. دخل عراف كبير إلى السوق، وسمع عن العراف الجديد، فقرر أن يتفحص الأمر. فزع العراف الكبير عندما رأى الشعبية المتزايدة للعصفور، وتساءل عن كيفية التصرف تجاه هذه المنافسة الجديدة. فقرر مراقبة العصفور عن كثب.


كان العصفور قد بدأ يشعر بالراحة والاطمئنان وهو يرى الدنانير تتدفق إليه من كل جانب. لكنه لم يكن يعلم أن العراف الكبير كان يراقبه، وكان يبحث عن طريقة لاختباره. بينما كان العراف الكبير يفكر في طريقة لاختبار العصفور، سقطت عينه على عصفور صغير يطارد جرادة، فتولد لديه فكرة جديدة.


ترك العراف الكبير الجرادة تمر، ثم اقترب من العصفور وأمسكه ببرنسه، وسار حتى كان واقفاً أمام الرجل الذي ظنه زبوناً جديداً. فتح العراف الكبير كيس الرمل، لكنه استوقف العصفور قائلاً: "لا، لا، لم آتي لهذا السبب. أعتقد أنك ترى أن هذا العمل سهل." كان العصفور يحدق في الرجل بتعجب، فتابع العراف الكبير قائلاً: "أنا زعيم العرافين في هذا السوق، وبما أنك اقتحمت منطقتي الخاصة دون إذني، فإنك استحققت العقاب. لكنني سأخضعك لاختبار، فإن نجحت فيه، عددتك عرافاً كفؤاً وادعوك للانضمام إلى مجموعتي، وإن فشلت، فسأسحقك كالذبابة."

ذعر العصفور لسماع هذه الكلمات، وفكر في زوجته الجرادة التي ورطته في هذه المشكلة. ففكر العراف الكبير في اختبار العصفور عبر تخمين ما يوجد داخل البرنس الذي كان يحمله. قال العراف الكبير: "خمن ماذا يوجد داخله!" دارت الأرض بالعثور على البرنس، وامتقع لون العصفور، وغار في نفسه من الخوف. وفجأة، تمتم العصفور بما يفكر فيه قائلاً: "لولا الجرادة، ما وقع العصفور في هذا الموقف." تفاجأ العراف الكبير من دقة تخمين العصفور، فاحتد في قوله: "أحسنت، ما كنت أعتقد أنك ستحل لغزي، لكنك فاجأتني بتوقعاتك. وكرماً لك، سأعطيك مكاناً في مجموعتي التي تسيطر على السوق."


حظي العصفور بفرصة جديدة، وبدأ العمل من شروق الشمس حتى الغروب، حيث كان يجتمع مع أفراد المجموعة لتقاسم الأرباح. كانت الجرادة تفخر أمام جاراتها بآراء زوجها الصائبة، وأصبحت حياتهم أكثر راحة بعد أن توقفت عن ترقيع الملابس. ورغم أن الجرادة لم تكن تنجب، إلا أن العصفور لم يتذمر من حالتها.

مرت الشهور، وتغيرت الأوضاع بشكل مفاجئ. أعلن الملك في صبيحة يوم بارد عن سرقة أموال دولته، واستدعى جميع العرافين للكشف عن الجناة. قُطعت رؤوس كثيرة، وهدد الملك كل عراف لا يأتيه بالخبر اليقين. جاء دور العراف الكبير، الذي كان لا يعرف شيئاً، وقرر أن يورط العصفور في هذه المشكلة. قال للعصفور: "عليك أن تأتي بالخبر اليقين عن السارقين، وإلا ستكون عاقبتك وخيمة."


علم العصفور أنه لا يملك أي علم حقيقي، لكنه أراد أن يكسب وقتاً حتى آخر لحظة. طلب من الملك أربعين يوماً كاملة، وتسعاً وثلاثين دجاجة وديكاً. لم يفهم الملك ما الذي يخطط له العصفور، ولكنه منح العصفور الوقت المطلوب.

خلال الأربعين يوماً، قضى العصفور أيامه في تناول الطعام الشهي، وكان في كل ليلة ينفث عن أسفه قائلاً: "هذا واحد من الأربعين حصل." سمع اللصوص هذه الكلمات، وظنوا أن العصفور يتحدث عنهم، فارتعبوا وذهبوا إلى زعيمهم ليبلغوه. زعيم العصابة أرسل من يتجسس على العصفور، وكان يسمع نفس الكلمات في كل ليلة: "هذا ثاني من الأربعين حصل"، و"هذا الثالث من الأربعين حصل". استمر الرعب في السيطرة على العصابة.


في الليلة الأخيرة، قال العصفور: "هذا رأس الأربعين حصل." شعر زعيم العصابة بالخوف وتراجع. كان يعرف أنه في موقف صعب، ولا يستطيع أن يتخلص من العصفور إلا إذا تصرف بذكاء. استغل زعيم العصابة الفرصة ليقوم بتصرف حكيم، حيث ذهب إلى العصفور مع مجموعة من الرجال، وقدم لهم عرضاً.

قال زعيم العصابة للعصفور: "أرجوك، ارحمني، وابق سراً عنا. سأدلك على مكان الكنز الذي سرقناه." وافق العصفور، وذهب مع زعيم العصابة إلى مكان الكنز تحت صخرة كبيرة. عثروا على أكياس مليئة بالذهب والمجوهرات، وعاد العصفور إلى الملك مع الكنز. شكر الملك العصفور، وأعطاه وعوداً بالثناء والكرم.


أصبح العصفور مستشاراً خاصاً للملك، وعاش حياة الرفاهية مع زوجته الجرادة في جناح فخم. ذات يوم، زار الملك ملك البلاد المجاورة، الذي كان معروفاً بفراسته وشجاعته. كان ملك البلاد المجاورة قد حضر اختباراً للعصفور، حيث طلب منه أن يخمن ما في ثلاث براميل مغلقة.

كان العصفور في موقف صعب، لكن الحظ كان حليفه مرة أخرى. تمتم العصفور قائلاً: "الأولى عسل، والثانية خل، والثالثة قطران." تسببت إجابة العصفور في دهشة الجميع، واحتفل الجميع بنجاحه.

لقد كانت حياة العصفور مليئة بالتحولات العجيبة، من رجل فقير إلى مستشار ملكي، بفضل ذكائه وحظه السعيد. كانت زوجته الجرادة تشعر بالفخر الكبير، فقد تحولت من ترقيع الملابس إلى العيش في قصر الملك. ومن يعرف، قد يأتي يوم يصبح فيه العصفور ملك البلاد بأسرها، كما قال الجميع.


هذه القصة تحمل في طياتها دروساً عن الشجاعة والحظ والتفكير السليم. فهي تذكرنا بأن الحياة مليئة بالتحديات، ولكن بالإبداع والذكاء يمكننا أن نواجه أي صعوبة ونتغلب عليها. نأمل أن تكونوا قد استمتعتم بهذه القصة وأن تجدوا في أحداثها ودرها قيمة تعينكم في حياتكم. تابعونا في "نوفباد: مكتبة القصص العالمية" لتجدوا المزيد من القصص المشوقة والمثيرة التي ستأخذكم في رحلات فريدة عبر عوالم مختلفة.



إعدادات القراءة


لون الخلفية