بينما كان أفراد الأسرة ينتظرون خارجاً ، تعالت أصوات صرخات من الغرفة المغلقة ، ثم عم الهدوء المكان و بعد بضعة دقائق فُتح الباب و خرجت القابلة العجوز تحمل بين يديها طفل ملفوف بقطعة من القماش ، عندها تقدم أحد الحاضرين و سأل القابلة عن جنس الطفل ؟ و بصوت مرتبك أجابت : أسفة يا سيدي ، أنها فتاة ، عندها أشاح بوجهه و غادر المنزل تاركاً طفلته و أمها التي كانت تعاني من مضاعفات الولادة ، و بالرغم من محاولة والده أقناعه بالعدول عن قراره بالسفر و لكن راج كان مصراً على الذهاب بعد أن خاب أمله بالحصول على ولد يحمل أسمه و يرث ثروته ..
و لم تمضِ سوى أيام قليلة حتى عاود والده الاتصال به ليخبره أن زوجته قد توفيت و طلب منه العودة إلى القرية لحضور مراسم جنازتها ، و في القرية رفض الكاهن القيام بمراسم حرق الجثة و أخبر راج أنه من الأفضل دفن الجثة وفق طقوس خاصة لأن الشكوك تساوره حول وفاة زوجته و أنها من الممكن أن تتحول إلى روح شريرة ، و لكن راج تجاهل الأمر و أعطى الكاهن مبلغاً من المال كرشوة لإتمام الأمر ، و بعدها حزم راج حقيبته و قرر السفر ليلاً إلى المدينة و لم يرى طفلته التي حملها والدها بين ذراعيه لعله يكسب عطفه و خرج مسرعاً من المنزل .
سار راج بسيارته ببطء في الطريق الوعرة المحاذية لمزارع الذرة مستمتعاً برؤية الألعاب النارية التي رسمت لوحة فنية مضيئة في سماء القرية احتفالاً بالعيد ، و بينما كان ينظر إلى السماء لفت انتباهه أصوات همس تصدر من الحقل ، فأوقف سيارته و نزل لتفقد الأمر ، و في وسط الحقل رأى راج أمرأة تسير نحوه بسرعة و ما أن اقتربت منه حتى تبينت له ملامحها ، لقد كانت أمرأة جميلة جداً ، بيضاء البشرة واسعة العينين و شعرها الأسود المنسدل على كتفيها و لباسها التقليدي الأبيض الذي تفوح منه رائحة العطر ، لقد وقف راج مذهولاً غارقاً في بحر عينيها ، ثم ابتسمت له و أشارت له بالذهاب معها
تبعها راج و سار خلفها حتى وصلا إلى شجرة كبيرة وسط الحقل حيث حجبت سيقان السنابل و أوراقها الكثيفة الضوء عن المكان و في ذلك الظلام الدامس قامت المرأة بإغواء راج و نزعت عنه ملابسه و بدأت بتقبيله و لعق عنقه ، و ما هي إلا دقائق معدودة حتى شعر راج بلسعات مؤلمة في عنقه ، حاول أبعادها عنه و لكنها ظلت متشبثة به و عندما انقشعت الغيوم و ظهر ضوء القمر تفاجأ راج بوجهها القبيح و أنيابها البارزة ، فدفعها عنه بكل قوته و فر هارباً مذعوراً و قد أصابه الإجهاد و قدميه لا تكاد تحملانه حتى وصل إلى سيارته و قادها مسرعة إلى منزل والده
و في الطريق نظر راج إلى يديه القابضتين على مقود السيارة و قد تحولتا إلى يدي عجوز و عندما نظر إلى المرآة رأى وجهه و قد غزته التجاعيد و شعره قد امتلاء بالشعر الأبيض ، شعر راج بالرعب الشديد و أوقف سيارته و نزل منها مسرعاً و لكن قدماه لم تقويان على حمله فزحف على يديه حتى فارق الحياة ، و في الصباح وجد سكان القرية جثة عجوز هرم ملقاة وسط الطريق ، شاحب الوجه و تظهر عليه علامات الرعب و أثار عضة غائرة على عنقه ، و قد استطاع والده التعرف عليه من خلال القلادة و ملابسه التي كان يرتديها و قد عرف الجميع أن الشوريل الشريرة قد امتصت دمه و قطفت زهرة شبابه ، فما هي الشوريل ؟
الشوريل Churel هي روح شريرة تتجسد على شكل أمرأة جميلة ترتدي ثياب بيضاء تتجول في الظلام بين الحقول و المستنقعات و تصطاد فرائسها من الشباب الذي تغويهم بجمالها و ما أن تقع عيني الضحية بعينيها حتى يفقد شعوره و ينقاد إلى حتفه ، و عندما تنفرد بضحيتها فأنها تمتص دمه حتى يصيبه الهرم و يموت
و يكون أخر ما تراه عينيه تلك العجوز الشريرة البشعة ذات اللسان الأسود و الأنياب البارزة و الشفتين المتشققة الغليظة ، و ربما مزقته بمخالبها الحادة ، و أهم ما يميزها أثناء تنكرها هي أقدامها التي تبدو معكوسة بشكل غريب حيث يعتقد الناظر إليها أنها ذاهبه و هي بالحقيقة تتجه نحوه
ظهرت أسطورة الشوريل في جنوب أسيا و تحديداً في الهند حيث يُعتقد أن المرأة التي تموت أثناء ولادتها أو خلال فترة النفاس و يترافق ذلك مع مناسبة عيد ديوالي (1) فأنها تعود على هيئة روح شريرة تنتقم من الرجال في أسرتها و خصوصاً أولئك الذين عاملوها معاملة سيئة و تسببوا في موتها و حرمانها من طفلها ، عندما تموت أمرأة و يشك أهلها أنها ربما تتحول إلى شوريل فأن جثتها لا تُحرق كما جرت العادة عند الهندوس و إنما يتم دفنها وفق طقوس خاصة ، حيث يقوم الكاهن بتجهيز الجثة للدفن في المنزل و يقوم بقراءة تراتيل خاصة ثم يتم إخراج الجثة من الباب الخلفي حتى لا تتعرف الروح الشريرة على طريق العودة ، و في المقبرة توضع جثة المرأة في تابوت مصنوع من الحديد أو من الخشب الجيد و يحتوي التابوت على الكثير من المسامير الفولاذية التي تحيط بالجثة لمنع الشوريل من الخروج فهي تخشى المسامير ، و يتم أغلاق التابوت و وضع الأحجار الضخمة عليه ثم يتم دفنه و على تراب القبر ينثر الكاهن بذور الخردل ، حيث يعتقد أن رائحة الخردل تمنح الشوريل الراحة و تمنعها من العودة للانتقام و تنشغل في قطف أزهار الخردل حتى تشرق الشمس و تمنعها من الخروج فهي لا تغادر المقبرة في النهار .
و بالرغم من أنها لا تعدو سوى أسطورة إلان أن بعض المناطق في الهند يقومون بتشويه الجثة لكي لا تتحول إلى شوريل ، ففي مدينة غورداسبور الواقعة شمال غرب الهند يقوم الناس بثقب عيني الجثة و وضعها على وجهها في التابوت الشوكي و يقوموا بكسر ذراعيها و رجليها و تُدق المسامير الحديدية في قدميها حتى يتأكدوا من عدم خروجها من القبر ، كان ذلك التقليد يتبع في قديم الزمان و ربما تقوم به بعض الأسر حتى وقتنا الحاضر بالسر و بعيداً عن أعين السلطات التي تعاقب على تلك الأفعال بتهمة تدنيس القبر و العبث بالجثث البشرية.
أما في جزيرة جاوة الإندونيسية فتنتشر أسطورة تشبه الشوريل إلى حد كبير و يطلق عليها سوندل بولونج Sundel Bolong
و هي روح شريرة تتجول في الحقول و تتجسد على شكل فتاة جميلة جداً ترتدي ملابس بيضاء و لها شعر أسود يغطي الحفرة العميقة التي في ظهرها ، حيث تقوم باختطاف الأطفال الذين يتجولون حتى وقت متأخر من الليل اعتقاداً منها أنهم أطفالها الذين فقدتهم ، أما الرجال فإنها تقوم بإغوائهم ثم قتلهم و من يرفض معاشرتها فأنها تصيبه بالعقم ، و يُعتقد أن سوندل بولونج هي أرواح شريرة لأمهات توفين أثناء ولادتهن بأطفال جاءوا ثمرة علاقة غير شرعية ، حيث يخرج الطفل من ظهرها في القبر تاركاً حفرة عميقة عقاباً لها على فعلتها ، و لا توجد طريقة لإبطال لعنتها كما هو الحال مع الشوريل .
أصل الأسطورة :
تعبر هذه الأساطير عن الأم الثكلى التي فقدت طفلها و عادت إلى الحياة لتنتقم من الأخرين الذين قد لا يكون لهم علاقة بما حصل معها و لكن مشاعر الغضب و الندم قد أعمتها ، و تشبه تلك الأساطير الأسطورة التونسية عن النعوشة ، تلك المرأة التي قتلت طفلها الوحيد في نوبة غضب ثم تحولت إلى طائر أبيض يشبه البوم يُطلق عليه النعوشة ، حيث تخرج في الليل و تقتل الأطفال أثناء نومهم لأنها تحمل مشاعر الحقد لفقدانها طفلها ، فمشاعر الأمومة هي من أقوى المشاعر التي تدفع الأرواح للعودة من أجل الانتقام
و بشكل عام غالباً ما تظهر الأرواح على شكل أمرأة شريرة و هذا يعود إلى الثقافة الذكورية التي كانت طاغية على المجتمعات الشرقية و الغربية و التي اعتبرت المرأة مصدر للشر و الإغواء ، ففي القرون الوسطى أُتهمت الكثير من النساء بممارسة السحر و تم إعدامهن ، أما طقوس التي كانت تمارس للتخلص من الجثث التي يشتبه في أنها تحمل الشر فقد كانت تنفذ في قديم الزمان و قد وجد علماء الأثار بعض المقابر و قد وُضعت أحجار في أفواه الجماجم و شفرات الحديد مخترقة أضلعها ، اعتقاداً منهم أن أصحاب تلك المقابر مصاصي الدماء و أن تلك الطقوس تمنع عودتهم .
كما تحمل الأساطير بُعداً أخلاقياً حيث يعتقد الكثير بالعاقبة الأخلاقية " الكارما " حيث أن الأنسان الجيد سوف يلقى مصيراً أفضل من مصير الأنسان السيئ الذي سوف يُجازى على أعماله السيئة ، و في الهند تتعرض الكنة – زوجة الأبن – للظلم و الاضطهاد من أهل زوجها و ربما تموت بسبب سوء المعاملة و لهذا ظهرت أسطورة الشوريل لكبح جماح الظلم التي تتعرض له المرأة ، أما فكرة ظهور الروح الشريرة على شكل أمرأة جميلة لتغوي الرجال فقد جاءت كتحذير للرجال من التعرض للنساء بالتحرش و الاغتصاب .