‎⁨قصة من الفلكلور الكردي: البقرة الصفراء⁩

قصة جديدة من الفلكلور الكردي ... هذه القصة لطالما أحببتها و عشقت كل جزء صغير منها ...

سأسرد لكم أعزائي هذه القصة الرائعة و بدون مقدمات طويلة فلنبدأ ..

يقال يا أعزائي أنه في غابر الأزمان في قرية كردية مسالمة ، هادئة ، و جميلة كان هناك رجل لديه زوجتان .. و شاءت الأقدار أن تحمل و تولد الامرأتان في نفس الوقت و كلاهما أنجبتا طفلتان .. سمت الزوجة الاولى طفلتها (فاطمة) أو (فاتو) .. أما الزوجة الثانية فقد سمت طفلتها (عائشة) أو (عيشو) .
 


و تمر الأيام و يحين وقت الرحيل .. فتوفيت أم (فاتو) و بقيت (فاتو) أسيرة زوجة أبيها .. كبرت الفتاتان معاً و كانت (فاتو) دائماً تتعرض للظلم من قبل زوجة أبيها ... كل يوم كانت ترسل زوجة الأب الفتاتين لرعي الحيوانات ، فكانت تضع في حمالة ابنتها ما لذ و ما طاب من الأكل و تعطيها كرة صوف صغيرة لتغزلها .. أما (فاتو) فكانت تضع في حمالتها رغيف خبز يابس و بعض البصل و تعطيها كرة صوف كبيرة لتحيكها .. و كانت كل الأعمال المتعبة تقع على عاتق (فاتو) أما كل الأعمال السهلة فكانت (عيشو) تقوم بها .
 


و مع مرور الأيام كانت (عيشو) تزيد غنجاً و دلالاً و كان وجهها يشع نوراً من كثرة جمالها .. أما (فاتو) فيوماً بعد يوم كانت تفقد جمالها الخلاب و سحرها من كثرة التعب و الإرهاق .

و كانت لدى (فاتو) بقرة صفراء .. كانت ملكاً لأمها قبل وفاتها ، و سبحان الله كانت هذه البقرة تحب (فاتو) كثيراً و تحب اللعب معها و تفرح لفرحها و تحزن لحزنها .

فعندما كان يأتي دور (فاتو) في رعي الحيوانات كانت البقرة الصفراء تقوم بضبط الحيوانات و حراستهم لكي لا تتعب (فاتو) معهم ، أما عندما كان يأتي دور (عيشو) كانت تقوم البقرة بضرب الحيوانات ليفروا و يهربوا و تقوم (عيشو) بملاحقتهم .. و كانت تلك البقرة لا تسمح لـ (عيشو) بأن ترتاح ولو للحظة .
 


و يقال أيضاً بأنه كانت هناك عجوز يملأ شعرها القمل .. فكانت تطلب من فتيات القرية بقتل ما في رأسها ... فعندما كانت تذهب لـ (عيشو) و تقول لها اقتلي ما في شعري ، كانت ترد (عيشو) : و الله ليس لدي وقت فكما ترين أنا أحيك الصوف و أرعى الحيوانات أيضاً ولا ينقصني سوى قملك و شعرك المقرف .

و عندما كانت تذهب لـ (فاتو) كانت تقول لها اقتلي ما في شعري ، فكانت ترد (فاتو) : أهلاً و سهلاً تفضلي يا جدة .

فكانت تضع رأسها على ركبتي (فاتو) و تفرح كثيراً عندما تقتل (فاتو) ما في شعرها و تدعو لأمها بالرحمة .
 


لاحظت العجوز بأنها كلما تطلب هذا الطلب من (عيشو) كانت ترفض أما (فاتو) فكانت تستقبلها برحابة صدر .
 

و في يوم من الأيام كانت العجوز تتجول بين القرية رأت (عيشو) و قامت بطلب نفس الطلب منها ، فأتاها الجواب بالرفض .. فأمعنت النظر فيها ثم قالت : يا ابنتي يوماً ما سترين في مكانٍ ما نبعان يتقاطعان ، أحدهما مياهه سوداء و الثاني بيضاء ، اغسلي نفسك بالماء الأسود و لا تقتربي من الماء الأبيض و ستزيدين غنجاً و دلالاً إن شاء الله .
 


و في صبيحة اليوم التالي رأت العجوز (فاتو) فطلبت منها نفس الطلب ، فأتاها الجواب بالقبول .. فقالت لها العجوز : ابنتي .. في يوم ما سترين في مكان ما نبعان يتقاطعان أحدهما مياهه سوداء و الثاني بيضاء .. اغسلي نفسك بالماء الأبيض و لا تقتربي أبداً من الماء الأسود .
 

و بالفعل بعدما اقترب وقت الغروب و حان موعد رحيل (فاتو) رأت نبعان يتقاطعان أحدهما أسود و الثاني أبيض في حفرة كبيرة .. فقفزت من على الماء الأسود و غسلت نفسها بالماء الأبيض و أكملت طريقها للبيت ... و في اليوم التالي و في نفس الوقت رأت (عيشو) نفس المنظر .. و تذكرت نصيحة العجوز و قفزت من على الماء الأبيض و غسلت نفسها بالأسود و أكملت طريقها إلى البيت .
 


و يوماً بعد يوم كانت تزداد (فاتو) جمالاً و أنوثة كسابق عهدها ، بل أصبحت أجمل .. لدرجة أنك إن رأيتها ستشعر بأنها ستدخل قلبك الآن من شدة جمالها و جمال قوامها و ملامحها كالنجمة المزخرفة .

أما (عيشو) فكانت تزداد ذبولاً و بشاعة يوماً بعد يوم ، و قد بهت جمالها .

و في إحدى الليالي تظاهرت (فاتو) بالنوم .. فسمعت زوجة أبيها تقول لـ (عيشو) : ما لك يا ابنتي تذبلين يوماً بعد يوم و تصبحين قذرة و وسخة .

فقالت (عيشو) لوالدتها : يا أمي إن بقرة أم (فاتو) تضرب الحيوانات و تفرقهم و لذلك أنا لا أجلس ولو لثانية .

فصمتت الأم لبرهة ثم قالت : لا بأس يا (عيشو) ، سنذبح تلك البقرة .
 


و بعد ان سمعت (فاتو) تلك الكلمات لم يزر النوم عينيها و بقيت مستيقظة طوال الليل قلقة و خائفة على بقرتها .

و مع صياح الديك استيقظت زوجة أبيها و قالت لزوجها : يا زوجي ، لقد ماتت أم (فاتو) و لم نذبح لها ولو حيواناً على روحها .. ما رأيك أن نذبح إحدى الحيوانات على روحها ؟

فرد الزوج : صدقت .. إذاً فلنذبح كبشاً و بعض الخراف و نوزع لحمهم على الجيران .

فأسرعت زوجته لتقول : و لمَ نذبح كبشاً و خرافاً .. فلنذبح بقرتها .. لعل هذه البقرة تكون صدقتها .
 



و في نفس الصباح بينما كانت (فاتو) ترعى الحيوانات ، اقتربت من بقرتها و أصبحت تبكي عليها و قالت لها : يا بقرتي و الله سيذبحونك .. أليني نفسك لـ (عيشو) لا أريد خسارتك .

فردت البقرة : لا تخافي يا (فاتو) فعندما يذبحونني سوف أجعل لحمي مر كالعلقم على فاهها و فاه بنتها .. أما أنت فسيكون أجمل ما تذوقتي .. و عندما توزعون لحمي على الجيران اطلبي منهم أن يعطونك عظامي و ألا يرموها ثم توجهي إلى الحقل واحفري فيه حفرة و ضعي فيها عظامي و انتظري أسبوعين ، و من ثم سترين ما الذي سيحصل .

فقالت (فاتو) : ولكن يا بقرتي لا أريد خسارتك فأنت أعز ما أملك .

فردت البقرة : صدقيني يا (فاتو) ذبحي سيكون خيراً لك .
 



و في ساعات الظهر الأولى بدأ والد فاتو بتجهيز نفسه لذبح البقرة .. و بالفعل قاموا بذبحها و بدأوا بتجهيزها للأكل و وزعوها على الجيران .

و بدأت زوجة الأب و الفتاتان بتجهيز غدائهم ، إلا أنهما عندما تذوقتا أول لقمة منها كانت مرة كالعلقم فلم تستطيعا إكمالها .. ولكن (فاتو) كانت تأكل بشهية كبيرة .. فاستغربت زوجة الاب و قالت في نفسها : هذه الفتاة لا تعرف الأكل الطيب .
 



و في صباح اليوم التالي تجهزت (فاتو) لتجميع العظام و انطلقت في رحلتها ... و في الظهر كانت قد قامت بتجميع كل العظام و اتجهت إلى الحقل و قامت بدفن العظام هناك .

و بعد أسبوعين قامت بفتح الحفرة فذهلت مما رأته فيها .. حيث كانت الحفرة مليئة بالذهب و الألماس و الياقوت و الفضة و كل أنواع المجوهرات الثمينة ، فأعادتهم لمكانهم خشية أن تكشفها زوجة أبيها و تحرمها منها .
 



و بعد عدة أيام أعلن ابن الآغا (كبير عشيرة أو قبيلة ) خبر زواجه .. فتجهزت كل فتيات القرية للذهاب إلى الحفل لعل و عسى أن يعجب بإحداهن ابن الآغا الأصغر حيث كان شاباً قوياً شجاعاً و لم يروا بمثل جماله أحد قط ، حيث كان وجهه كالبدر المنير .

و من ضمن من جهزوا أنفسهم (عيشو) و أمها ، و قالت زوجة الأب لـ (فاتو) : أنت لا تأتِ .. بل نظفي البيت و اغسلي الصحون إلى أن نعود ، و ذهبتا .
 


فقامت (فاتو) بالقيام بأعمال المنزل بسرعة و لبست أجمل ثيابها ثم اتجهت إلى تلك الحفرة و أخرجت كل ما بها من حلي و مجوهرات و لبستها و توجهت للعرس ، فدخلت و حاولت قدر الإمكان أن تبتعد عن زوجة أبيها .

ولكن عندما التقت عينا (عيشو) مع عينا (فاتو) قالت لأمها : أمي انظري إن (فاتو) هنا .

فقالت أمها : إنها ليست (فاتو) .. (فاتو) الآن في البيت تنظف و تجلي و تغسل .

فقالت (عيشو) : يا أمي ولله إنها فاتو .

فردت أمها : إن هذه الفتاة جميلة هيفاء كالقمر أما (فاتو) فهي نحيفة ذابلة .

فسكتت (عيشو) و لم تكمل النقاش ولكنها ظلت تحدق في (فاتو) .
 



و عندما أحست (فاتو) بهذه النظرات خرجت من الحفل و قامت تهرول من شدة الخوف من أن تكتشفها زوجة أبيها فيكون عقابها وخيماً .. و في تلك الأثناء كان ابن الآغا الأصغر يتجول في القرية و يتأمل في جمال الطبيعة هناك ، و بينما كانت (فاتو) تهرول و تنظر من خلفها اصطدمت بابن الآغا الأصغر و كادت أن توقعه أرضاً ، و عندما تلاقت عينيه مع عينيها لم يستطع الكلام من شدة جمالها و حسنها .. ولكن فاتو بدأت تركض بهيستيريا خاصة بعد هذا الموقف المحرج إلى أن وصلت للبيت .



و ظل ابن الاغا يتخيلها و يهيم في عشقها يوماً بعد يوم .. إلى أن اتخذ قراراً بالبحث عنها بيتاً بيتاً حتى يجدها و يتزوجها .. فبدأ بالبحث هو و أمه في كل البيوت في القرية و كاد أن يفقد الأمل حتى وصل إلى بيت (فاتو) .. و هناك استقبلتهما زوجة الأب بحرارة .. فسألها ابن الآغا : يا ايتها السيدة كم فتاة لديك في البيت ؟

فردت زوجة الأب و قالت : فتاتان .. ابنتي و التي هي كالقمر ما شاء الله .. و ابنة ضرتي البشعة .

فقال ابن الآغا : أريني كلاهما .

فدخلت (عيشو) أولاً .. فقال ابن الآغا : لا ليست هي .. تلك الفتاة كانت أجمل فتاة رأتها عيناي .

فاستطرد قائلاً : أريني ابنة ضرتك .

فردت زوجة الأب : ولكنها ليست جميلة .. هي بشعة .

فقال : أريني إياها .

فنادت على (فاتو) بغيظ .

و عندما دخلت فاتو هلل ابن الآغا فرحاً : إنها هي .. إنها هي ... سأتزوجك اليوم قبل الغد ... هل تقبلين ؟

ارتسمت على محيا (فاتو) ابتسامة خفيفة و قالت بخجل : نعم .

فقال ابن الآغا و الفرحة واضحة على وجهه : إذاً سنجهز كل شيء و غداً سنتزوج .



و ظلت زوجة الأب تفكر بمكيدة تجعل ابن الآغا يتزوج بابنتها بدلاً من (فاتو) .

و في يوم العرس و بينما كانت القرية تعج بالأغاني و الرقص و الحيوانات تذبح لإقامة حفلة عرس كبيرة قامت زوجة الأب بوضع (فاتو) في التنور و أغلقت عليها الباب .. و قامت بإلباس ابنتها ملابس العرس .. و من العادات القديمة أنهم كانوا يركبون العروسة خيلاً او ما شابه لتصل إلى بيت زوجها ، و عندما كانوا يُركبونها الخيل صعد ديك إلى أعلى الشجرة و قال بصوت عالي : هووو.. (فاتو) ذات الوجه الملائكي محجوزة في التنور و (عيشو) الذابلة ستنام في القصور .

وظل يرددها .. فكانت زوجة الأب تفهم عليه و بدت على وجهها علامات الانزعاج ولكن المعزومين لم يفهموا منها شيئاً .

و سألوها : ماذا يخبرك الديك و لماذا انزعجت ؟

فكانت تقول : لا شيء

ولكنهم اقتربوا من الديك و بدأوا بالاستماع له .. فقال لهم الديك قصة (عيشو) و (فاتو) كاملة .

و قام الديك بدلّهم على ذلك التنور .. و عندما فتحوه وجدوا (فاتو) مخبأة هناك .

فأخرجوها و ألبسوها لباس العروس و أرجعوا (عيشو) الى هناك .
 


أتمنى حقاً أن تكون قد أعجبتكم ، و تحيتي لجميع شعوب و قوميات العالم .



إعدادات القراءة


لون الخلفية