الفصل الثاني: قرار القلب وحيرة العقل

خرج أخي من المستشفى أخيرًا، وعوضه أصدقاؤه عن ما فاته من محاضرات ومشاريع. اجتمعوا في منزلنا وكأنهم أنشأوا معسكرًا للدراسة والمراجعة، استعدادًا لامتحانات النصف الأول من السنة. رغم أنني لم أكن أراهم مباشرة، إلا أنني كنت أسمع أصواتهم بوضوح. الشباب عادةً لا يخشون رفع أصواتهم كما تفعل الفتيات، فأحاديثهم كانت مسموعة في أرجاء المنزل.


عندما أخبرت أحلام عن هذا المعسكر المصغر، طارت من الفرح، وأصرت على أن تأتي إلى منزلنا لتسمع كيف يتحدث فيصل وسط أصدقائه. لم أمانع مطلقًا، فهي صديقتي، وهو من سيصبح زوجها قريبًا. كنت واثقة من أخلاقهما، ولم يخطر ببالي أي شك حول علاقتهما.

admob

وصلت أحلام إلى منزلنا، وقد ارتسمت على وجهها ابتسامة خجولة، واحمرار وجنتيها كان لا يخفى. جلست بصمت وأصرت على أن نبقى في المطبخ، لأنه قريب من غرفة الجلوس حيث كانوا مجتمعين. كانت تترقب كل كلمة يقولها فيصل، وحتى عندما يصمت كانت تبقى صامتة، خشية أن يفوتها أي جزء من حديثه.

أما الشباب، فكان صوتهم يعلو بالضحك والنقاشات التي تبدأ بالدراسة، وتنحرف نحو كرة القدم، ثم تقودهم الحماسة إلى السياسة، قبل أن يعودوا مرة أخرى إلى موضوع دراستهم. كان حسام، أخي، الأكبر بينهم، ولهذا كان هو من ينهي هذه النقاشات الحامية ليعيدهم إلى جادة الدراسة.


استمر الوضع على هذا الحال حتى حلول امتحانات نصف السنة، فانشغل الجميع بالدراسة. عدة مرات صادفت فيصل خارج المنزل، بالقرب من مكتب الاستنساخ الشهير الذي يتعامل معه أغلب الطلاب. لم يكن هذا الموضوع يلفت انتباهي كثيرًا، لكنني كنت أخبر أحلام عنه كلما رأيته، لمجرد أن أجعلها سعيدة.

انتهت الامتحانات، وأتت العطلة الربيعية، لكن مع بداية هذه العطلة، تغيرت حياتي تمامًا. في أحد الأيام، جاء أخي إلى المنزل بعد أربعة أيام من بداية العطلة، وكان وجهه يحمل ابتسامة كبيرة. أخبرني أن صديقه فيصل يرغب في الارتباط بي.


بدأ أخي يتحدث عن مزايا فيصل: كيف ترك دراسته في الهندسة عندما توفي والده ليحافظ على الشركة العائلية، وكيف ضحى بأحلامه من أجل دعم إخوته ومساعدتهم على إكمال دراستهم. وعندما استقر الوضع في عائلته، قرر أن يكمل دراسته في بلدنا، حيث كانت الظروف الدراسية تتناسب مع أعماله. أخي كان يتحدث بحماس، لكنني لم أستطع سماع شيء. كان كل ما يدور في ذهني هو صورة أحلام وهي تنعتني بالخائنة.


لم أستطع أن أشرح الأمر لأي شخص. كيف يمكن لأحد أن يصدق أنني لم أكن أعلم أن فيصل سيرغب في الارتباط بي؟ كنت أشعر وكأنني أعيش في مسلسل عربي، وأنا البطلة الخبيثة. هل لعب فيصل بمشاعر صديقتي؟ أم أنه ببساطة اختار الهادئة التي لم تُظهر له أي اهتمام؟

كلمات أخي سحبتني من دوامة أفكاري، وهو يقول: "فكري بالموضوع، لن تجدي شخصًا مثل فيصل أبدًا." ثم خرج، وخرجت معه راحتي النفسية. لم أكن مجبرة على الموافقة، لكنني شعرت بأنني في مواجهة عاصفة من التساؤلات. ماذا سأقول إذا رفضته؟ هل أقول إنه كان حبيب صديقتي؟ هذا لن يكون سببًا مقبولًا بالنسبة للجميع، ولن يلتفت أحد إلى فيصل، بل سيوجهون أصابع الاتهام إلى أحلام، وسيُشككون في سمعتها، فقط لأنها فتاة أحبت.


وماذا عني؟ سأصبح أنا الأخرى في دائرة الاتهام؛ "الصاحب ساحب"، كما يقولون، وشبيه الشيء منجذب إليه. كيف يمكن لهذا الأمر أن ينتهي بسلام؟ ومع ذلك، كنت عازمة على المقاومة حتى آخر يوم في فصول قلبي الحزينة.

بعد ثلاثة أيام، أخبرت أخي أنني غير موافقة. قلت له إن فيصل أكبر مني بعشر سنوات، وأن جنسيته ستبعدني عن وطني، وأنا لا أتحمل فكرة الغربة. كان واضحًا أن هذا لم يكن الجواب الذي أراده أخي. ملأ الحزن وجهه، وصرخ منادياً والدتي: "ابنتكِ قد جُنّت! رفضت فيصل!"

صمتت والدتي حينها، وطلبت منه أن يغادر، لأنها كانت تريد التحدث معي على انفراد. في تلك اللحظة، رأيت الشك في عينيها. بدأت كلامها بقولها: "أريد الصراحة فقط." علمت حينها أنني بحاجة لإزالة هذا الشك من قلبها.

ad

أخبرتها بصوت مملوء بالإصرار: "أعلم أنكِ تشكين في أنني على علاقة مع شخص ما، لكن أقسم لكِ بالله أنني لست كذلك. أي شخص آخر غير فيصل يتقدم لخطبتي، وافقي على الفور، فأنا موافقة. فقط فيصل... لا أستطيع."

سردت لها نفس الأسباب التي أخبرت بها أخي، وأضافت بعض الدموع التي خرجت رغمًا عني. اقتنعت أمي في النهاية، وإن كان ذلك على مضض. انتهى الموضوع رسميًا، لكن داخليًا، لم ينتهِ شيء.



إعدادات القراءة


لون الخلفية