الفصل الخامس: فراقٌ يلوح في الأفق

انصرف وتركني خلفه مثقلة بالتفكير بمصير صديقتي وحبها الزائف. كيف يدّعي أن البرود الذي غلّف علاقته بأخي هو بسببي؟! سأخبركم عن "بركاته" التي أحاطت علاقتي بأخي.

أصبحت علاقتي بأخي باردة، ما بيننا مجرد كلمات نحتاج أن نقولها كإدارة لاحتياجات البيت الذي نتقاسم السكن فيه بعيداً عن أهلنا لأسباب الدراسة. كلمات مثل: "سأتأخر اليوم" أو "سأقضي اليوم في بيت عمتي." تحوّل ما كان يجمعنا من أحاديث إلى مجرد كلمات جوفاء.


أين ذهبت تلك الأيام التي كان يضايقني فيها أخي بمواقف الجامعة وأنا غارقة في دراستي؟ أين ذهب ذلك الأخ الذي كان يفاجئني بزيارته لي في الجامعة ليعلن للجميع أنني أخته التي يعتز بها؟ كنت أشعر حينها وكأنني أسير فوق الجبال، والجميع من حولي صغار، لأن من يسير بجانبي هو أخي، سندي.

كنت أفتخر بأخي، ولكنني لم أسمح لأحد بالاقتراب منه كالفتيات المعجبات. كنت أقول بفخر: "أخي لن يتزوج الآن، فقد حدّد سن الثلاثين لإنهاء عزوبيته." وكم اشتقت له، حتى إلى عصبيته التي كان يثيرها إن وجد في ملابسي ما يزعجه. افتقدت طلبه بأن أعد له كوب قهوته المفضل رغم تذمري.


تدهورت علاقتنا بسبب رجل تم رفضه، فقط! فيصل صار حائلاً بيني وبين أخي، وعلاقتي بأخي الآن باردة ولا حياة فيها.

وفي ذات الوقت، استمرت علاقتي بأحلام كصداقة خالصة. حاولت مرات عديدة أن أنبّهها لتصرفات فيصل، لكنها كانت ترد عليّ قائلة إنني لا أعرف عنه سوى أنه صديق أخي. لتفاجئني ذات يوم بمعلومة صدمتني: "فيصل صديق والدي، وهناك علاقة عمل وصداقة قوية بينهما."

صُدمت من تلك المعلومة، وتساءلت بيني وبين نفسي: "فيصل، أيها الخبيث، كيف أنكر معرفته بها؟"

وبدأت أحلام تسرد لي تفاصيل عن زياراته إلى بيتهم ومناقشاته مع والدها، وكيف كان يخفض رأسه بتواضع عند تواجدها، وكم كانت تشعر بالحرج وهي تترك المكان ولا ترغب بالمغادرة.


أدركت آنذاك ما كان فيصل يحاول إيصاله لي. صديقتي تعلقت بوهم، بكلمات لم تكن موجهة لها. صديقتي بنت أحلامها على سراب.

مرّت الأيام، وها نحن في قاعة الامتحان، ننهي امتحاناتنا النهائية. لم ألتقِ بفيصل خلال هذه الفترة سوى مرتين؛ مرة أمام منزل أحلام، ومرة عندما توقفنا معاً عند إشارة المرور. لم أنظر إليه، وكنت أشعر أنه لم ينظر إليّ أيضًا. لقد بات بالنسبة لي مجرد عابر سبيل.

لكن قلبي ما زال يحنّ لأخي. أريد أن يعود ذلك الأخ الحنون الذي كان يغمرني بعطفه ويملاً حياتي بالفرح. أشعر وكأن هناك غصة تحجرت في داخلي.


رغم كل ما حدث، أدّيت امتحاناتي بشكل جيد. جاء اليوم الأخير من الامتحانات، وطلبت من أحلام أن نقضي هذا اليوم سوياً في منزلي، فأنا أشعر أن هذا الفراق سيكون طويلاً. لكن أحلام رفضت طلبي، فقد كان فيصل قادمًا لتناول الغداء مع والدها، وهذه فرصة لن تتكرر.

ودّعتها بحب، ودعوت الله أن يحقق لها أمانيها، رغم خوفي مما تخبئه الأيام. فهل سنلتقي مجددًا؟ وكيف سيكون اللقاء؟



إعدادات القراءة


لون الخلفية