الفصل الثالث: الصمت بين الصداقة والحب

انتهى الكابوس وعادت حياتي إلى هدوئها المعتاد. العطلة الربيعية انتهت، وعدنا إلى مقاعد الدراسة. وكعادتنا، أنا وأحلام، عند بداية الفصل الجديد، توجهنا إلى أحد المطاعم الصغيرة القريبة من الجامعة لتناول وجبة الغداء والاستمتاع بحديث طويل.


كان خبر خطبة فيصل لي حدثًا وقع خلال العطلة، ولم أشأ أن أخفيه عن أحلام. أردت أن أثير الموضوع بطريقة غير مباشرة، لعلها تفهم أن العلاقة بينها وبين فيصل لم تكن كما تصورت. بالنسبة لي، فيصل لم يكن مهمًا؛ يمكنه الزواج من أي فتاة أخرى. المهم بالنسبة لي كان أحلام، فأنا لا أريد لقلبها أن يتحطم، فهي فتاة طيبة وصادقة، رغم أن عائلتها منفتحة.

admob

بينما كنا نتناول الغداء، أخبرتها بابتسامة: "ألم يحن الوقت بعد لكي نفرح بك أنتِ وفيصل؟" كانت ترتشف عصيرها عبر القصبة الطويلة، وعندما نطقت بهذه الكلمات، رأيت تعابير وجهها تتغير. ضغطت بأسنانها على القصبة، وعقدت حاجبيها. قالت بصوت واثق، ولكنه يحمل نبرة حزن: "لم يحن الوقت بعد... نحن نرتب مشاعرنا."


تملكتني الدهشة. كيف ترتب مشاعرها؟ هل يعني ذلك أن علاقتهم غير مستقرة؟ انطلقت كلماتي بسرعة: "ماذاااااااااااااا؟؟؟؟؟ ترتبون مشاعركم؟ وهل مشاعركم غير مرتبة؟ وإذا لم تترتب هذه المشاعر، هل ستتركون بعضكم؟ أحلام، ما هذا الكلام؟ هل كانت علاقتكما مجرد علاقة عابرة؟ كيف سمحت لنفسك، وأنتِ الفتاة التي أعرفها بتربيتها وأخلاقها العالية، أن تقحمي نفسك في علاقة غير مثمرة كهذه؟"

في كل كلمة كنت أنطقها، كانت عينا أحلام تتغير؛ مرة تنظر إلى الأرض، ومرة تتسع دهشة. وعندما أنهيت كلامي، نظرت إلي وقالت: "ما بالكِ؟ هل جننتِ؟ كيف تتوقعين مني ذلك؟ انتظري فقط، وسوف أخبرك بكل شيء عندما يتم زواجنا. اصبري عليَّ، وتعوذي من الشيطان، لكي لا يشكك بكِ ويجعلك تظنين سوءًا بصديقتك."

شعرت بالحرج والندم، اعتذرت منها فورًا، وضعت يدي على يدها وقلت: "دعواتي لك لا تتوقف، وأتمنى من كل قلبي أن تتوج علاقتكما بالزواج وراحة البال لكليكما."

نظرت إليَّ برجاء وقالت: "فقط رجاءً... لا تطلقي على ما بيني وبين فيصل مسمى 'علاقة'. هذا يخدش ما بيننا." لم أعلق على هذا الطلب، لكنني وعدتها بألا أستخدم هذا المصطلح، رغم استغرابي. كيف يمكن لشخصين تربطهما قصة حب ألا يُطلق على ما بينهما 'علاقة'؟

انتهى غداؤنا، وغادرنا المطعم متوجهتين إلى منازلنا.


ربما تتساءلون لماذا لم أخبرها عن خطبة فيصل لي. الحقيقة أنني لم أجد في الأمر أي ضرورة؛ الخطبة لم تحصل ولن تحصل. لا أريد أن أفقد صديقتي، ولا أريد أن أجرحها. فضلت الصمت على قول أي شيء قد يؤذي علاقتنا. ومع مرور الوقت، أدركت أن هذا الصمت ربما كان السبب في فراقنا.

ad

استمررنا، أنا وأحلام، في الدراسة بجدية. كانت سنة صعبة جدًا، تتطلب الكثير من الجهد البدني والنفسي. كنا نقضي وقتنا بين المستشفى، حيث نتدرب، وبين الأوراق التي كنا مطالبين باستنساخها. كل منا كانت تتقاسم كمية من الأوراق لتقوم بنسخها.

وجاء دوري للذهاب إلى مكتب الاستنساخ. بعد أن انتهيت من نسخ أوراقي، وفي طريقي إلى سيارتي، لمحت فيصل. لا أعلم لماذا تسمرت عيناي عليه لثوانٍ قبل أن أستدرك الوضع وأحول نظري إلى الأوراق التي في يدي. تحركت كأن الأمور طبيعية، لكن داخلي كان يرتجف. كنت أشعر أن مواجهة لم أكن مستعدة لها كانت تقترب.


وما إن اقتربنا من بعضنا حتى سمعت صوته: "من فضلك... أريد دقائق من وقتك."



إعدادات القراءة


لون الخلفية