توقفت على مضض عند نداء فيصل، وحاولت الانصراف بسرعة قائلة: "آسفة، لا أملك الوقت." لكن صوته شدني مرة أخرى: "أنا بحاجة ماسة لهذه الدقائق، إن كانت تهمك صداقتي مع حسام." توقفت مستغربة، أجبت بسخرية: "وما شأن حسام وصداقتك به؟"
لكن ما فاجأني كان يده التي رفعها أمام وجهي، ملوحًا لي بالصمت. التزمت الصمت بفعل المفاجأة، وتركته يتولى زمام الحوار. بصوت هادئ، تحدث قائلاً: "لا تبني أحكامك على افتراضات غير مؤكدة. نحن نلتقي هنا صدفة، صدفة بعثها الله لي لكي أحاول إنقاذ صداقتي بحسام التي أعتز بها. أشعر أن الرفض الذي تلقيته منك لم يكن من قرارك وحدك، بل من أهلك أيضًا. وهذا يعني أن حسام، الذي يعرفني منذ سنوات، لا يعتبرني مناسبًا لك، رغم صداقتنا الطويلة ومعرفته الشخصية بي وبعائلتي."
شعرت بالحاجة للدفاع عن أخي، لكن فيصل استمر بسرعة: "هناك صراع داخلي أعيشه، ولا أريده أن ينتهي بفقدي لصداقتي مع حسام. العلاقة بيني وبين حسام أصبحت باردة بعد رفضك. أعطني سببًا مقنعًا للرفض غير الذي قيل لي عن فرق العمر والغربة. عشر سنوات لا تجعلني عجوزًا؛ أنا في الثانية والثلاثين، وهذا عمر مناسب للزواج. أما الغربة، فيمكنني معالجتها، وسأعد عائلتك بأن أعود بكِ كل نهاية أسبوع أو كل عشرة أيام. فتاة تدرس بعيدًا عن منطقتها لن تجد في ذلك مشكلة."
كنت في حالة ذهول من قدرته على الإصرار، فهو يطالبني بسبب مقنع وكأنه لا يدرك السبب الحقيقي الذي أخفيته. شعرت أن هذا هو الوقت المناسب لكشف الحقيقة، فقلت له بحدة لم أكن معتادة على استخدامها: "أخي فيصل، لماذا تتغابى؟ إن كنت ذكيًا بما يكفي لاستنتاج أن الأسباب التي قدمتها لك غير منطقية، فأنت أيضًا ذكي بما يكفي لتستنتج السبب الحقيقي."
لمحت تعبير الحيرة في عينيه، لكنني واصلت: "كيف أقولها؟ الشخص الذي تحبه صديقتي جاء لخطبتي، ورفضته لأنني لن أطعن صديقتي في ظهرها. قدمت لك تلك الأسباب التي تراها غير منطقية كي أحافظ على صورة صديقتي أمام المجتمع."
كنت أتكلم وأشعر أن الأرض تهتز تحت قدمي، فقد كنت في موقف لم أعتد عليه. لأول مرة أواجه رجلاً بهذا الأسلوب، وكان هذا الرجل هو صديق أخي والمُتقدم لي. شعرت بالخجل، لكنني لم أستطع التراجع. وعندما توقفت عن الكلام، قال بصوت ساخر وهادئ: "من هي صديقتك التي لا تريدين طعنها؟"
صدمتني كلماته، حاولت الانصراف، لكنه اعترض طريقي وأكمل: "كوني واعية وأكملي المواجهة حتى نصل إلى حل. أخبريني، من هي صديقتك؟ ربما أنا على علاقة بجميع صديقاتك ولا أعلم أيهن تقصدين."
كانت كلماته تطرقني كالمطرقة. وأخيرًا، نطقت باسمها: "أحلام، ابنة فلان." توقعت منه صدمة أو اندهاشًا، لكن بدلًا من ذلك، ارتسمت على وجهه ابتسامة حزينة وساخرة. ضحك ضحكة قصيرة ثم قال: "أحلام؟ وعلاقة حب؟ وأنتِ الخائنة؟"
وقف ضاحكًا كأن الأمر مضحك جدًا، وقال بنبرة هازئة: "أحلام رسمت طريقها معي منذ زمن، وأنتِ أبعدتِ طريقكِ عني. والآن، لماذا تدعين أنك تضحي من أجل صديقتك؟ أحلام تعيش في أوهام مراهقة، وليس في علاقة حب ناضجة. هذا ليس ما تظنينه."
ثم أضاف: "أخبري صديقتك النائمة أنني لست أميرها الذي سيوقظها، وعليها أن تدرك أن أفكارها مجرد أحلام فتاة في سن المراهقة وليست فتاة ناضجة."
ترك كلامه يثقل عليّ مثل جبل، وانصرف وهو يحرك يديه استهزاءً بما وصلنا إليه. تركني في حيرة، وتساؤلات تدور في رأسي. كيف أوقظ أحلام من سباتها؟