الفصل الثامن

مع شروق الشمس، التي لم تتمكن من تخفيف البرودة الشديدة في الجو، اعتدلت رنيم جالسة وهي تضمّ الدثار الصوفي الذي وجدته على السرير حول جسدها.. كانت ثيابها القطنية غير قادرة على تدفئة جسدها البارد أو تخفيف البرودة القارسة في الغرفة الخشبية.. تأملت الموقع حولها بصمت، كانت الغرفة التي آوتها في الليلة الماضية صغيرة الحجم جداً مقارنة بأصغر جناح تعرفه، بأثاث بسيط دون زخارف، عليه فراش صوفي سميك ذو رائحة رطبة ودثار صوفي خشن أزعجها طوال الليلة الماضية، وفي جانبه باب صغير يؤدي لدار الخلاء..


لاحظت رنيم أن المدفأة الحجرية في جانب الغرفة كانت تضمّ حطباً مشتعلاً متوهجاً، فنهضت واقتربت منها لتنعم ببعض الدفء وهي تفرك يديها بقوة.. كان البرد في هذا الموقع شديداً وقارساً بشكل لم تعهده في مملكة أبيها الجنوبية حيث الدفء سمة عامة إلا في المناطق المرتفعة منها، ولم تعهده في (الزهراء) التي لا يكاد الطقس الربيعي فيها يتغير طوال السنة..


لاحظت وجود طاولة جانبية عليها بعض الأطعمة، والتي بدت طازجة.. وبالإضافة للمدفأة المشتعلة، فإن رنيم أدركت أن مختطفها قد دخل الغرفة وهي نائمة.. متى حدث ذلك؟.. ضمّت الدثار حول جسدها أكثر وهي تتوتر متلفتة حولها.. لقد نامت منهكة كجثة طوال تلك الليلة بعد أن أتعبها البكاء وهدّها التفكير والقلق، لكن هذا ليس عذراً لها لتغفل عن أمر مختطفها الذي لن يكون بالتهذيب الذي تتوقعه.. عليها أن تكون أكثر حذراً بعد هذا، ولا تغفل عن تصرفاته أبداً.. إنها لم تعد في ربوع القصر الآمنة، ولم يعد حراس القصر يقفون بتحفز عند أبواب جناحها، رغم أن وقوفهم لم يأتِ بالنتيجة المرجوّة عندما واجهت خطراً حقيقياً..


سارت نحو النافذة التي كساها شيء من الضباب للدفء في الغرفة مقارنة بالبرودة الشديدة خارجها.. وبالنور الضعيف الذي بدأ ينبلج من الأفق، كانت حدود القرية الصغيرة تبدو لها واضحة شيئاً فشيئاً.. كانت قرية صغيرة، تشبه بعض اللوحات المرسومة للقرى النائية التي وجدتها في بعض الكتب.. بيوتها خشبية ذات طابق واحد على الأغلب، جدرانها الخشبية بلون أبيض والعوارض بقيت بلونها البني القاتم.. أما أسقفها فهي متنوعة بعضها خشبية وبعضها من القش الذي ثبت بالحبال وعليه صخور لئلا تطيّره الرياح القوية.. ووسط القرية ممر حجري بدائي لا يتمتع بأي جمال كما كانت الطرقات الحجرية في (الزهراء) أو في (بارقة).. ولا تزهو القرية بأي زينة أو أشجار غير تلك التي زرعتها الطبيعة في جوانبها..
انتبهت من أفكارها على صوت باب الغرفة يفتح، وظهر من خلفه مختطفها الذي وقف قرب الباب قائلاً "ألم تتناولي إفطارك؟"
خفضت رأسها وهي تهز رأسها نفياً، ثم قالت بصوت مبحوح "ما الذي تريده مني؟"
زفر قائلاً "عدنا لهذا؟.. حتى متى سترددين هذا السؤال؟"
قالت برجاء "أعدني (للزهراء)، وأنا سأبحث عن تلك المدعوة جايا بنفسي.. سأسأل الملكة، وسأسأل الملك عبّاد نفسه لو أردت.. لن تحقق شيئاً بسجني في هذا المكان البعيد.."


قال الرجل بهزء "حقاً؟.. وتتوقعين مني تصديق ذلك؟"
هتفت بإلحاح "ولمَ أكذب عليك؟.. اسأل كاينا عني، وهي ستخبرك إن كنت سأخدعك أم لا.."
نظر لها الرجل بغير اقتناع، بينما تعالى صوت من جانب آخر من المنزل.. التفت الإثنان لمدخل الغرفة ليجدا رجلاً لا يقل عمره عن الستين، بملابس لا تختلف عن بقية القرويين الذين رأتهم رنيم، وبشعر ولحية بيضاوين وبشرة على شيء من السمرة لتعرضه للفحات البرد القارسة.. ورغم أنه لا يبدو مختلفاً عن البقية، إلا أن الاحترام الذي بدا على وجه مختطفها وهو يحادثه جعل رنيم تدرك أن لذلك الرجل أهمية في القرية.. أهو رئيسها؟.. هل سيجيب مطلبها لو طلبت منه إطلاق سراحها؟.. لكن هل يفهم لغتها كما يفعل الرجل وكما تفعل كاينا؟..


ظلت تراقب حديثهما بقلق ملاحظة الغضب على وجه الرجل قابله ضيق وحدة على وجه مختطفها.. وبينما كانت لا تفقه كلمة مما يقولان، فإنها أدركت أنهما يتحدثان عنها بالتأكيد..
فور دخول ذلك الرجل للغرفة، أدرك الأول أنه يريد التحدث بخصوص رنيم، فقال بشيء من الضيق "أعرف ما ستطلبه مني يا أرنيف.. لكن يجب أن تمهلني بعض الوقت لـ...."


قاطعه الرجل الأشيب بشيء من الحدة قائلاً "لا أفهم دوافعك يا آرجان فكيف تطلب مني الصبر على هذا؟.. لقد أفسدت خطتنا الطويلة لإنقاذ فتيات القرية باختطافك لهذه الفتاة وإحضارها لهذا المكان.. الآن جنود الملك كلهم سيكونون في أعقابكم وستعاني القرية من ويلات معركة مثل هذه.."
قال آرجان "ليس هذا ما أبغيه، وليس هذا ما سيحدث.. لديّ خطة للتفاهم مع الملك لاسترداد جايا.. هذه الفتاة مقابل خادمة من خدم قصره.. لمن تظن الملك سينحاز؟.. هذه هي زوجة ولي عهده ولن يفرط فيها الملك أبداً.. لذلك......."


قال أرنيف محتداً "لكن ليس في هذه القرية.. وليس بعد كل ما جرى لنا على أيديهم.. أنسيت بهذه السرعة آخر مرة تواجهنا فيها مع الجنود؟.. عشرات الرجال قتلوا، وما لا يقل عن عشرين فتاة من الهوت تم اختطافهن ومعاملتهن كأسرى وكخدم في قصر الملك لشهور طوال.. هل تريد تكرار هذا من جديد؟"
قال آرجان بتقطيبة شديدة "لا.. قطعاً لا.."


فقال أرنيف بحزم "إذن تخرج الفتاة من القرية اليوم.. لا نريد مزيداً من النحس بسبب هذه الأميرة.."
ظل آرجان مطرقاً بينما ألقى أرنيف نظرة كارهة على رنيم لم تفُتها، ثم استدار مغادراً عندما استوقفه آرجان قائلاً بحزم "هذا ما لا يمكنني فعله يا أرنيف.. واعذر وقاحتي هذه.."
نظر له أرنيف بتقطيبة شديدة رسمت خطوطاً سميكة على جبينه، بينما وقف آرجان في مواجهته قائلاً "لن أعيد الفتاة قبل أن أستعيد جايا.. لقد خططت للأمر جيداً، ولن تفشل خطتي بتاتاً.."


عبس أرنيف بشدة وهو يقول "أتعصي أمري يا آرجان؟.. لم أتوقع منك هذا التهور.."
قال آرجان بسرعة "ليس تهوراً.. سأشرح لك خطتي فلا تتعجل بإطلاق الأحكام عليها.. ولا تترك غضب أهل القرية يؤثر في حكمك، فأنا المتضرر الوحيد في كل ما جرى.."
نظر أرنيف لرنيم المنكمشة بصمت حتى خايل آرجان أنه سيرفض الأمر بشكل قاطع، لكن أرنيف قال بحزم "أنتظرك في منزلي، فلا تضيع وقتي رجاءً.."
وغادر بصمت تاركاً آرجان يزفر بحدة.. وبعد بعض الصمت تجرأت رنيم على أن تتساءل هامسة "ما الذي جرى؟.. أهذا رئيس قريتكم؟"
نظر لها آرجان بصمت، فقالت بشيء من الأمل "هو غاضب لإحضاري لهذه القرية كما البقية.. أليس كذلك؟.. لمَ لا تطيعه وتعيدني للزهراء؟.. هذا خير لك ولي.."
قال آرجان "أرنيف لا يهمه أن تعودي للزهراء، جلّ همه أن تغادري هذه القرية.. فهل هذا ما تريدين مني فعله؟"
امتقع وجه رنيم وهي تفكر في الأمر.. أينوي رميها خارج القرية في موقع منقطع كهذا؟.. ما الذي يمكنها فعله وحيدة وهي على هذا البعد من (الزهراء) ومن أي مدينة مأهولة بالسكان؟..


وإزاء صمتها قال آرجان وهو يغادر "لا تأملي أن يتمّ ما بذهنك قبل أن أستعيد جايا.. التزمي الصمت واصبري.."
وخرج ورنيم تتساءل بانفعال "ومن هي جايا هذه؟.. لماذا عليّ أن أتحمل أخطاء غيري؟"
لكنها لم تجد إجابة إلا من باب غرفتها الذي أغلق تاركاً إياها حبيسة لمدة لا يعلمها إلا الله تعالى..



في وقت متأخر من ذلك النهار، وجدت رنيم الباب يفتح ووجه كاينا يطل عبره قائلة "مرحباً.. جئت لأطمئن عليك.."
قالت رنيم بكآبة من موقعها الذي لا تغيّره فوق سريرها "تطمئنين أنني لم أهرب بعد؟.. لا تخافي، ذلك الرجل يتأكد من هذا بكل حزم.."
ابتسمت كاينا وهي تقترب منها حاملة إناءً يحوي بعض الفطائر الطازجة قائلة "لا بأس.. لن يطول بك هذا السجن طويلاً.. كما أن القرية ليست بهذا السوء رغم استقبالهم الحافل لك البارحة"
نظرت رنيم لكاينا بتقطيبة لترى إن كانت تمزح بقولها هذا.. كيف يمكن لأمرها ألا يكون بهذا السوء حقاً؟.. ثم زفرت وهي تدير رأسها جانباً بصمت.. عندها جلست كاينا على السرير قائلة "أكنتِ تفضّلين أن تبقي في ذلك القصر حتى يتهمك الأمير زياد في شرفك ويردّك لقصر أبيك مكللة بالعار؟.. أهذا ما كان سيسعدك حقاً؟"
قالت رنيم بغضب "أتجدين أنني أفضل حالاً الآن؟.. اختطافي لن يمرّ مرور الكرام، وعودتي ستكون مكللة بعار لن أمحوه ما حييت.. أتظنين أن الأمير زياد سيرضى بي زوجة بعدها حقاً؟"


نظرت لها كاينا بشيء من الاستنكار، ثم علقت "أأنت تتمنين الزواج من ذلك الشاب البغيض حقاً يا رنيم؟.. أأقصى أحلامك أن تصبحي أدنى من جارية في قصر خانق وتحت إمرة امرأة متكبرة قاسية وشخص متعجرف لا يستحق بأن يوصف بأنه رجل؟"
نظرت لها رنيم بمرارة وكاينا تسألها بإلحاح "أحقاً لا يتجاوز طموحك أكثر من هذا؟"
دفنت رنيم وجهها بين ذراعيها قائلة "ما أطمح له لا يمكن تحقيقه، وقد يئست من الحصول عليه أبداً.."
قالت كاينا بإصرار "ما الذي يجبرك على العودة لذلك القصر؟.. ما الذي يجبرك على تقمص حياة لا تريدينها والعيش وفق قوانين لا تحبينها؟.. أنت حرة في اختيار ما تريدينه.. أليس كذلك؟"
نظرت لها رنيم متسائلة بمرارة "أنا حرة؟"


أجابت كاينا بسرعة "لن يطول هذا السجن بك كما قلت لك سابقاً.. إن هي إلا أيام معدودة ونطلق سراحك بعدها.. عندها، يمكنك اختيار ما تريدين فعله بحياتك بعيداً عن سلطة أبيك أو غيره.."
عادت رنيم تدفن وجهها بصمت، ثم غمغمت بشيء من الانكسار "هذه لست أنا.. لا يمكنني فعل ما أشاء دون أن أخشى رد فعل أبي والآخرين على ذلك.."
زفرت كاينا بحدة لاستسلام رنيم بشكل متكرر، ثم نهضت قائلة "لو كنتِ تعتبرين هذا سجناً، فأنت عشتِ في سجن أكبر منه طوال حياتك.. وللمرة الأولى أرى سجينة تعود لسجّانها وترجوه تقييد حريتها من جديد.."
تركت الإناء على طاولة قريبة وغادرت ليعود الصمت ويلفّ رنيم من جديد.. صمت لا يكاد يغطي على الصخب الذي يدور في رأسها والأفكار تصطرع فيه بشكل محموم ومتكرر..


عندما امتثل مجد لاستدعاء الملكة سليمة والأمير زياد، الذي لم يتم تنصيبه كملك بعد، كانت الأخبار قد وصلته بالفعل عن موت قائد الجيش فِراق في حادث مؤسف.. لم يكن بحاجة لذكاء كبير ليعلم أنه تم التخلص منه بسبب رفضه السابق تولّي زياد ولاية عهد المملكة وادعائه بأنه أضعف من أن يحكمها.. لذلك لم يكن من المدهش موته في ذلك الحادث في هذا الوقت بالذات..
انحنى مجد أمام الملكة والأمير وذراعه المكسورة معلقة لعنقه قائلاً "هل طلبت لقائي يا مولاي؟"
رأى الأمير زياد ينهض ويقترب منه قائلاً بصرامة "مجد.. أنت حارس هذا القصر، وأنت المسؤول عن سلامة من فيه.. فكيف يحدث ما حدث للملك في وجودك ووجود حراسك؟.. هذا أمر لا يمكن أن يمرّ مرور الكرام.."


قال مجد عاقداً حاجبيه "لم يكن هذا في نطاق عملي.. يمكنني حراسة الملك من أي هجوم متوقع، لكن كيف أتأكد أن الخادمات اللواتي يتسللن في جوانب القصر قد عمدن لتسميم طعامه انتقاماً لما جرى لهن؟.."
قال زياد محتداً "هذا ليس عذراً.. كان عليك أن تحذر هذا أيضاً وتتصرف بما يلزم لسلامة الملك.."
خفض مجد رأسه دون اعتراض قائلاً "ربما كان قولك محقاً يا مولاي.. لا يمكنني أبداً الاعتذار عما جرى، ولا يمكنني التكفير عن مثل هذا الذنب.. لذلك، لا يسعني إلا أن أستقيل من هذا المنصب الذي لا أستحقه.."
قال زياد بحزم "أنت بالفعل لا تستحقه.."
سمع مجد صوت الملكة وهي تقول بهدوء "مهلاً يا زياد.. مجد قد قام بكل ما يمكنه فعله بالفعل.. لقد تخلص من أولئك الدخلاء دون أن يطالنا أي أذى.. كما أنه كان مخلصاً طوال سني عمله الطويلة مع الملك الراحل.."


نظر لها مجد بشيء من الدهشة لم تبدُ على ملامحه.. من المحال أن تُثني الملكة على شخص ما لم يكن ذلك يصبّ في صالحها.. فما الذي تهدف إليه فعلاً؟.. بدا على الأمير زياد تفكير مفتعل ثم غمغم "هذا حق.. لا يمكنني نكران جهودك يا مجد طوال السنوات السابقة.."
ظل مجد يراقب مسرحيتهما المفتعلة بانتظار ما ستسفر عنه، عندما قال الأمير زياد بابتسامة جانبية "ربما وجب عليّ مكافأتك بدل إقالتك من منصبك هذا.. أنت تستحق الأفضل بكل تأكيد.."


ووضع يده على كتف مجد مضيفاً "حسناً.. سأولّيك منصب قائد الجيش.. أنت شخص كفؤ ولن أجد من يتولى هذا المنصب خيراً منك.."
انتابت مجد دهشة عميقة لهذا، بينما ربت زياد على كتفه قائلاً بابتسامة "هنيئاً لك هذا المنصب يا مجد.."
تدخلت الملكة في تلك اللحظة قائلة بحزم "في البدء، على مجد أن يعلن ولاءه لك، وأنت ملك البلاد القادم، ويتعهد بمعاونتك في السنوات القادمة دون خيانة.."


نظر زياد لمجد بترقب، بينما فكر مجد بصمت للحظة.. لم يكن هذا ما يسعى إليه، ولا يسعده ذلك بحال.. التعامل مع الملك عبّاد يختلف تماماً عن العمل مع الأمير زياد.. فالأمير زياد لا يتمتع بالصراحة والوضوح التي امتلكها الملك عبّاد، والعمل معه لن يخلو من الانغماس في الوحل أكثر فأكثر مع كل يوم يمضي.. وفوق ذلك هذا المنصب سيربطه أكثر بالعاصمة مع هذه الأيام التي تنذر بتقلبات كبيرة، ولن يجد الحجة الملائمة ليرحل بحثاً عن رنيم..
كان لا يزال يشعر بالسوء لما جرى لها، ويغمره استياء كلما تذكر أنها اختطفت بسبب تهاونه في حمايتها واهتمامه بالعائلة المالكة قبلها..
وبعد تفكير، قال مجد باحترام "مع شكري لهذا العرض الرائع، إلا أنني أتمنى إعفائي من هذا المنصب الذي لا يليق بي.."
نظر له زياد باستنكار صائحاً "ما معني هذا؟"
بينما قالت الملكة مقطبة "أترفض منصباً كهذا لن تناله أبداً حتى في أحلامك؟.. لماذا؟"
قال مجد "هذا منصب كبير ومسؤولية أكبر لا يمكنني حملها.. لذلك، سأرضى بأي منصب آخر وسأقسم بالولاء للأمير زياد في أي موقع كنت.."
قالت الملكة وهي تنهض بحدة "أتدرك معنى هذا يا مجد؟.. أنت ترفض طلباً لملكك القادم، ألا يسمى هذا خيانة؟"
مرة أخرى مع هذه التهمة؟.. كان يدرك أن الملكة يحلو لها التلويح بهذه التهمة لنيل ما تريده، لكنه قال بثبات "الأمير زياد يدرك تمام الإدراك أنني بعيد عن هذه التهمة يا مولاتي.."


قال زياد بعصبية "هذا شأن آخر.. أنا أريدك معي، وأريدك أن تساعد في تثبيت حكمي.. أنت مدرك أن الكثير من الشخصيات المعروفة في (الزهراء) قد يرفضون مبايعتي بالحكم.. وأريد شخصاً أميناً موثوقاً به لمساندتي.. فكيف ترفض ذلك؟"
ثم أضاف بحدة "لو لم تفعل ما آمرك به، فسأقوم بسجنك على الفور.."
قطب مجد وهو يرى الحدة في وجهي الملكة والأمير زياد، بينما أضافت الملكة "هذه هي الوسيلة الوحيدة التي يمكنك بها التكفير عن ذنبك بموت الملك السابق يا مجد.. فكُن حصيفاً وفكر فيما يضمن لك مستقبلاً عالياً في هذه المملكة.."
خفض مجد رأسه مفكراً للحظات دون أن تزول تقطيبة حاجبيه، ثم زفر أخيراً وركع أرضاً بيد واحدة وقال "أتعهد بالولاء للملك زياد، ملك مملكة بني فارس ووريث عرشها.. وأضع نفسي في تصرفه في أي وقت ومكان وبأي صورة كانت.."
بدا الرضا على وجه الأمير زياد، بينما قالت الملكة بابتسامة "رائع.. أنت تثبت ولاءك لهذه المملكة في كل يوم يا مجد.. ستصبح ذا مكانة مشهودة في هذه المدينة وفي المملكة كلها.."


لوّح زياد بيده قائلاً "انهض يا مجد واستلم منصبك منذ اللحظة.. أريدك أن تجتمع بقادة الألوية والكتائب المختلفة في الجيش وتتأكد من أنهم يقسمون بالولاء لي.. ومن لا يفعل، فتخلص منه بسرعة.."


قال مجد بحزم وهو يقف "مع احترامي لك يا مولاي، لا يمكنني قتل أي شخص لا يدين لك بالولاء.."
قال زياد بغيظ "لا يهم.. اطرده من منصبه ومن المدينة كلها.. المهم ألا يثير أي بلبلة في المدينة حتى يتم تنصيبي وأصبح الملك فعلياً على هذه المملكة.."
هز مجد رأسه موافقاً، ثم استأذن للرحيل وغادر بعد أن أدى التحية للأمير زياد.. لم يكن انصياع مجد لمطالب زياد والملكة ضعفاً أو خشية على ما قد يحدث له.. لكنه بالفعل يشعر بشيء من الذنب لما جرى للملك.. ويشعر بأنه مدين للملك عبّاد الذي أأتمنه على حياته وعلى قصره.. لذلك، فالمعاونة على تثبيت المملكة في هذه المرحلة القادمة أقل ما على مجد فعله للوفاء بعهده للملك عبّاد.. وبعد أن يتم ذلك، وتستقيم أمور المملكة في عهدها الجديد، فلكل حادث حديث..
 



إعدادات القراءة


لون الخلفية