الحلقة الثانية عشر

⇦ _*أحسّ ( عمر ) وكأنّها تودعهُ الوداع الأخير فلم يتمالك نفسهُ فانفجر باكياً ، فإذا بذات الرجل المسن يطبطبُ على كتفه قائلاً : خلّي أملك باللهِ كبير*_ . ⇨

صمت ( عمر ) ولم يُجب لان العبرات التي بحلقه لم تترك مجالاً لخروج ولو كلمه واحده ، وجلس في أحد أركان المستشفي يبكي كأنّهُ طفلٌ صغير والرجل لا زال بجانبهُ يُهدّي من روعه .

وبعد حوالي ساعة ونص خرجت الدكتوره من غرفة العمليات ، إعترض ( عمر ) طرقها قائلاً : ما الخبر يا دكتوره .
( الدكتوره ) : -بوجه شاحب وعينان غارقتان بالدمع- إستطعنا أن ننقذ الجنين ولكن الأم ..... البقيّه في حياتك .

صاح ( عمر ) بصوتٍ كاد أن يُصدّع جدران المستشفى فإذا بذات الرجل يقولُ له : إحتسب يا بُني .. للهِ ما أعطى وللهِ ما أخذ .
ردّ عليهِ وهو يبكي أتعلم من تكون ؟ .
إنّها أمّي وأختي وزوجتي وكل أهلي وأحبتي ثمّ غاب عن الوعي .

وبعد أن أفاق وهدأت أعصابه قال : اللهم لك الحمد والشكر .. اللهم أجرني في مصيبتي وأخلف لي خيراً منها ، فإذا بنفس الرجل يقول له : عظّم الله أجرك يابُي .. وأثاب صبرك خيراً على ما إبتلاك .

نظرَ إليهِ ( عمر ) -والدمع ينسابُ من عينيه- وبعد تعب ومعاناه في جمع وترتيب بعض الكلمات قال : -بصوتٍ متقطّع- أشكرك على مواساتي والوقوفُ بجانبي وسامحني إذا زلّت لساني .
( الرجل ) : لا يا بُني لم تزل لسانك حتى وإنت فاقد الوعي كنت تردد ( اللهم لك الحمد والشكر ) .

غادر ( عمر ) المشفى وهو يحمل أغلى ما يملك بين طيّات الكفن والدمع ينساب من عينيه كالشلال والذكريات تذبحهُ من كل ناحيه .

وبعد أن أتمّ مراسم الدفن بدء بإستقبال المعزّين في بيته المتواضع وبعد إنصراف الجميع دخلت عليهِ أمّهُ وأخته وهي المرّه الأولى التي يعتّبنَ بيته وبين يدي إخته الذكرى الجميله التي تركتها لهُ زوجته .


وحين رأى أمّهُ -لم تزيدهُ رؤيتها إلّا ألماً- وضع رأسهُ بين رجليه وأجهشَ بالبكاء إقتربت منهُ أمّه وضمّتهُ إليها ثمّ قالت : -وهي تبكي- كفاكَ بكاء يا بُني ، إرحم نفسك تكادُ أن تفنيك الدموع .

رغم هذا لم يستطيع ( عمر ) أن يتمالك نفسه وظل يبكي وينتحب حتى كادت أن تطلع روحه وتجفَّ دموعه ، ولم يفيق من الحاله التي هو فيها إلّا على صوت بكاء الطفل الذي بين يدي إخته حينها صمت هو عن البكاء .


إقتربت منهُ أختهُ وأعطته فلذّةُ كبده ودموعها على خدّها وكل ما إستطاعة قولهُ هو : أنظر إليها إنّها تشبهُ أمّها .

أخذها ( عمر ) بينِ يديه وضمّها إلى صدره وأنفجر باكياً وأبكى أمّهُ وأختهُ معه ، وأمضى ( عمر ) عدّة شهور مابين ذكرى جميلةٌ تبكيه ودموعٍ على فقدان عزيزٌ وغالي .



إعدادات القراءة


لون الخلفية